لوكسمبورغ تضغط من أجل اعتراف أوروبي مشترك بالدولة الفلسطينية

إسرائيل تعمل على إجهاض الاقتراح

TT

لوكسمبورغ تضغط من أجل اعتراف أوروبي مشترك بالدولة الفلسطينية

دعا وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسيلبورن، وزير خارجية الاتحاد الأوروبي الجديد جوسيب بوريل، إلى إجراء نقاش بشأن اعتراف جماعي مشترك بدولة فلسطين للحفاظ على حل الدولتين، مؤكداً أن بلاده تتمسك بهذا الحل باعتباره الوحيد لإنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
وقال أسيلبورن، في رسالة إلى بوريل، إن النقاش يمكن أن يدعم جهود إيجاد حل قائم «على دولتين» للنزاع في الشرق الأوسط. وأضاف وزير خارجية لوكسمبورغ، في الرسالة التي اطلعت عليها وكالة الصحافة الفرنسية، خلال اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، أن الدول الأعضاء يمكن أن تناقش الاعتراف في اجتماع مماثل في المستقبل. ويمكن لدول الاتحاد منفردة اتخاذ قرار لإقامة علاقات دبلوماسية مع الدولة الجديدة، إلا أن أسيلبورن يريد على الأقل مناقشة المسألة على مستوى الاتحاد الأوروبي، حسب الوكالة الفرنسية.
وفي هذا الإطار، قال أسيلبورن للتلفزيون الفلسطيني، إن التطورات الأخيرة (في إشارة إلى مواقف الولايات المتحدة من عملية السلام، وتحديداً اعتبار المستوطنات غير مخالفة للقانون الدولي) تستوجب على الاتحاد الأوروبي مناقشة الاعتراف بدولة فلسطين بشكل مشترك. ورأى أن اعتراف كل دول الاتحاد الأوروبي بدولة فلسطين، سيشكل قوة ضغط كبيرة في ظل الوضع الراهن، الذي يتعرض فيه حل الدولتين للخطر. وأضاف: «الوضع الراهن يستوجب على الاتحاد الأوروبي مناقشة اتخاذ خطوات نحو الاعتراف الجماعي بالدولة الفلسطينية». وشدد على أن دعوة لوكسمبورغ ليست موجهة ضد إسرائيل، بل مجرد إعادة للتوازن في الموقف الأوروبي، من أجل الحفاظ على حل الدولتين، واحترام القانون الدولي.
وجاءت تصريحات أسيلبورن تأكيداً لتقرير إسرائيلي بثته «القناة 13»، قالت فيه إن لوكسمبورغ تضغط على الدول الأوروبية للاعتراف بفلسطين، رداً على إعلان الولايات المتحدة أخيراً أنها لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير قانونية بموجب القانون الدولي.
وأفاد التقرير الإسرائيلي بأن وزير خارجية لوكسمبورغ، اعتبر في رسالة إلى جوزيب بوريل ووزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، أن الطريقة الوحيدة لإنقاذ حل الدولتين هي خلق «وضع أكثر إنصافاً» بين إسرائيل والفلسطينيين، مضيفاً أنه «إذا كنا نريد المساهمة في حل النزاع بين إسرائيل وفلسطين، فلا يجب أن نغفل أبداً عن الظروف الأمنية لإسرائيل، ولا عن العدالة والكرامة للشعب الفلسطيني».
ويشغل أسيلبورن منصب وزير خارجية واحدة من أصغر الدول الأوروبية، لكنه يحظى بنفوذ وتأثير واسعين بين دول الاتحاد الأوروبي، نظراً إلى خبرته الواسعة، حيث عُين في منصبه منذ 15 عاماً. وموقف لوكسمبورغ جاء بعد أيام من مطالبة الرئيس محمود عباس، الدول الأوروبية، باعتراف جماعي بدولة فلسطين، قائلاً إن ذلك يخدم السلام.
وفي تل أبيب، أفيد بأن المسؤولين الإسرائيليين فوجئوا بمبادرة لوكسمبورغ، وأخذوها بكل جدية. وقالت مصادر سياسية في تل أبيب، إن وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قرر توجيه جل جهوده لإقناع الأوروبيين برفض مبادرة لوكسمبورغ، وأصدر توجيهات عاجلة إلى سفراء إسرائيل في دول الاتحاد الأوروبي بالعمل على إحباط طرح هذا النقاش في مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي.
ونقلت هذه المصادر عن مسؤولين في الاتحاد الأوروبي تأكيدهم أن الاجتماع القريب لوزراء خارجية الاتحاد (اليوم الثلاثاء) لن يتطرق إلى هذه المبادرة، وسيتم إدراجها على البروتوكول الخاص بالجلسة ليتم مناقشتها في الاجتماع الدوري لمجلس وزراء الخارجية الذي سيعقد في يناير (كانون الثاني) المقبل.
ويرى الإسرائيليون أن هناك مخاطر جدية، لأن يتقدم موضوع الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية، خصوصاً بعد الانتقادات الإسرائيلية الفظة لسياسة أوروبا في الموضوع الإيراني، وفي موضوع الاستيطان. وقالت مصادر سياسية، إن الأوروبيين يرون حاجة ماسة لإعلان موقف حازم في مقابل الموقف الأميركي، الذي يساند سياسة حكومة بنيامين نتنياهو بلا حدود، خصوصاً في مجال الاستيطان والضم والتهويد للأراضي الفلسطينية. وتخشى إسرائيل مواقف خمس دول تمثل أوروبا في مجلس الأمن بعدما وقفت ضد تصريحات وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في خصوص تخلي واشنطن عن موقفها السابق بأن المستوطنات «تخالف القانون الدولي». وهذه الدول هي فرنسا وألمانيا والمملكة المتّحدة وبلجيكا وبولندا.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.