خلافات الطاقة تعرقل «التكامل الاقتصادي العميق» بين روسيا وبيلاروسيا

محادثات مطولة بين بوتين ولوكاشينكو لم تحقق النتائج المرجوة لـ«الدولة الاتحادية»

TT

خلافات الطاقة تعرقل «التكامل الاقتصادي العميق» بين روسيا وبيلاروسيا

فشل الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والبيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو في التوصل لاتفاق نهائي حول «خرائط الطريق»، التي أطلق البلدان العمل على صياغتها منذ نهاية العام الماضي، وكان من المفترض إنجازها والتوافق على تفاصيلها، لغاية 8 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، لتوقيعها ضمن احتفال رسمي، خُطط له بمناسبة مرور 20 عاماً على توقيع اتفاقية «الدولة الاتحادية» بين روسيا وبيلاروسيا، تتويجاً لمرحلة «التكامل الاقتصادي العميق» بين البلدين، إلا أن حل التوقيع ألغي أو تم تأجيله بعد فشل محادثات بوتين - لوكاشينكو. ورغم بقاء خلافات في ملفات عدة وفي مقدمتها النفط والغاز، حرص المسؤولون من البلدين على تأكيد «تقدم خلال المحادثات»، وأشارا إلى استمرار العمل على مستوى الخبراء والوزارات المعنية، لاستكمال صياغة خطة التكامل بناء على تفاهمات بوتين - لوكاشينكو في سوتشي.
محادثات الرئيسين الروسي والبيلاروسي، التي استمرت أكثر من خمس ساعات يوم 7 ديسمبر (كانون الأول) في سوتشي، كانت بمثابة «محاولة الدقائق الأخيرة» للاتفاق على خطة التكامل العميق و«خرائط الطريق» ذات الصلة، على أمل الانتقال في اليوم التالي لتوقيعها ضمن مراسم احتفالية، بالذكرى السنوية العشرين لاتفاقية الدولة الاتحادية. لكن يبدو أن التباينات من الناحية الاقتصادية حول تلك الملفات كانت أكبر من الرغبة بحفل سياسي يتوج عقدين من عمر اتفاق «الدولة الاتحادية» ويفتتح العقد الثالث.
وتشي بجدية تلك التباينات اللقاءات المتتالية التي عقدها الجانبان على أكثر من مستوى خلال الفترة الماضية، بما في ذلك لقاء في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بين رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف ونظيره البيلاروسي سيرغي روماس، حيث أجريا محادثات استمرت أكثر من 8 ساعات، دون الإعلان عن نتيجة واضحة. وجولة ثانية يوم 6 ديسمبر (كانون الأول)، عملا خلالها على تذليل العقبات، على أمل تقديم نتائج نهائية لاجتماع الرئيسين بوتين -لوكاشينكو في اليوم التالي. والواضح اليوم أن كل تلك اللقاءات لم تتمكن من الخروج بنتائج لتحقيق نقلة نوعية في التكامل الثنائي، واقتصر الأمر خلالها على «تقارب في المواقف»، و«تفاهمات»، تم تكليف الخبراء من الجانبين العمل على صياغتها حتى نهاية الشهر الحالي، حيث سيجري الرئيسان جولة جديدة من المحادثات بهذا الصدد.
ويدور الحديث حول تكامل اقتصادي شبه تام بين روسيا وبيلاروسيا، في إطار اتفاقية «الدولة الاتحادية»، ضمن صيغة قريبة إلى حد بعيد من «الاتحاد الأوروبي»، حيث تركز الاتفاقية على التكامل الاقتصادي بصورة خاصة، مع الحفاظ على استقلالية القرار السياسي، والسيادة الوطنية ورموزها، وما إلى ذلك، وتنسيق فقط في السياسة الخارجية. ومنذ أن وقعها حينها الرئيسان الروسي بوريس يلتسين والبيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، في 8 ديسمبر (كانون الأول) عام 1999. ساهمت تلك الاتفاقية في تطوير ملحوظ للعلاقات الاقتصادية بين البلدين، وإزالة الكثير من العقبات أمام قطاع الأعمال، وحركة الأيدي العاملة والبضائع بينهما. إلا أن الأمر لم يخلُ من خلافات، وبصورة خاصة حول صادرات المواد الغذائية البيلاروسية إلى الأسواق الروسية وصادرات الطاقة من روسيا إلى السوق البيلاروسية، وعبرها إلى أوروبا، فضلاً عن ملفات أخرى.
وفي أعقاب محادثات بوتين ولوكاشينكو، أشار وزير الاقتصاد الروسي مكسيم أوريشكين في حديث لوسائل إعلام محلية، إلى «تقدم خلال المحادثات في عدد من الملفات، مثل الإنتاج الزراعي، والاتصالات، والجمارك»، وأكد بصورة خاصة على «تقدم جدي في ملف تنظيم سوق النفط، وحتى في مسائل النفط والغاز تقاربت مواقف الطرفين إلى حد كبير». وقال إن الرئيسين أصدرا تعليمات للخبراء لبدء العمل على صياغة «خراط الطريق» بناء على نتائج محادثاتهما، ليتم عرضها عليهما أثناء جولة جديدة من المحادثات في 20 ديسمبر (كانون الأول).
وكانت المناورة الضريبية للقطاع النفطي الروسي مصدراً رئيسياً للخلافات بين الجانبين، انضمت إليها لاحقاً أزمة «النفط الروسي الملوث» عبر شبكة أنابيب «دروجبا». وتحصل بيلاروسيا سنوياً على 24 مليون طن نفط من روسيا معفاة من الرسوم الجمركية، يقوم الجانب الروسي بتصدير جزء منها إلى الأسواق خارج حدود الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وتحتفظ الخزينة البيلاروسية بحصة قدرها 1.5 مليار دولار من رسوم تصدير تلك الكميات، وكل ما يزيد عن ذلك يذهب لصالح الخزينة الروسية.
وتنص المناورة الضريبية للقطاع النفطي الروسي على تخفيض رسوم صادرات النفط الخام من 30 في المائة حالياً حتى «الصفر» بحلول عام 2024. وتقدر بيلاروسيا خسائرها نتيجة تلك المناورة بنحو 11 مليار دولار خلال أربع سنوات، وتطالب روسيا بتعويضها عن تلك الخسائر. فضلاً عن ذلك تطالبها بتعويضات عن خسائر نتيجة توقف إمدادات النفط عبر شبكة «دروجبا»، إثر حادثة ضخ نفط ملوث عبرها.
وقال فلاديمير سيماشكو، السفير البيلاروسي لدى روسيا، في تصريحات للصحافيين إن بلاده تأمل في الحصول على 70 مليون دولار تعويضات من روسيا على خلفية حادثة النفط الملوث، والتي تسببت بتوقف العمل في مصانع تكرير بيلاروسية، وتخريب في أجزاء من شبكات أنابيبها، فضلاً عن أضرار أخرى. وقال إن هذه المسألة تناولها الرئيسان خلال محادثاتهما في سوتشي، مؤكداً توافقها على «خرائط التكامل» في مجال الطاقة الكهربائية، والجمارك. إلا أنه لم يتم بعد التوصل إلى حل نهائي لقضية التعويضات عن المناورة الضريبية، وفق ما أشار سيماشكو، لافتاً إلى أنه «لا يمكن حل هذه العقدة قبل توحيد التشريعات الضريبية والجمركية بين البلدين»، وهو ما سيجري العمل على إنجازه خلال العامين المقبلين، وقال إن «مسألة الحصول على تعويضات تامة عن خسائرنا نتيجة المناورة الضريبية للقطاع النفطي الروسي قد يتم التوصل إلى حل لها مطلع عام 2022»، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن هذا لا يعني أن الوضع سيبقى على حاله حتى 2022. وأكد توافق الرئيسين مؤقتاً على تعويضات «غير كاملة» عن تلك الخسائر.



صربيا تحذر من عقوبات أميركية على شركة تمدها بالغاز مدعومة من روسيا

مصفاة نفط نيس جوغوبترول في بانشيفو صربيا (أ.ب)
مصفاة نفط نيس جوغوبترول في بانشيفو صربيا (أ.ب)
TT

صربيا تحذر من عقوبات أميركية على شركة تمدها بالغاز مدعومة من روسيا

مصفاة نفط نيس جوغوبترول في بانشيفو صربيا (أ.ب)
مصفاة نفط نيس جوغوبترول في بانشيفو صربيا (أ.ب)

كشف الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش أن الولايات المتحدة تخطط لفرض عقوبات على المورد الرئيسي للغاز لصربيا الذي تسيطر عليه روسيا.

وقال الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش لهيئة الإذاعة والتلفزيون الصربية إن صربيا أُبلغت رسمياً بأن قرار العقوبات سيدخل حيز التنفيذ في الأول من يناير (كانون الثاني)، لكنه لم يتلقَّ حتى الآن أي وثائق ذات صلة من الولايات المتحدة، وفق «رويترز».

تعتمد صربيا بشكل شبه كامل على الغاز الروسي الذي تتلقاه عبر خطوط الأنابيب في الدول المجاورة، ثم يتم توزيع الغاز من قبل شركة صناعة البترول الصربية (NIS)، المملوكة بحصة أغلبية لشركة احتكار النفط الحكومية الروسية «غازبروم نفت».

وقال فوسيتش إنه بعد تلقي الوثائق الرسمية، «سنتحدث إلى الأميركيين أولاً، ثم نذهب للتحدث إلى الروس» لمحاولة عكس القرار. وأضاف: «في الوقت نفسه، سنحاول الحفاظ على علاقاتنا الودية مع الروس، وعدم إفساد العلاقات مع أولئك الذين يفرضون العقوبات».

ورغم سعي صربيا رسمياً إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، فقد رفضت الانضمام إلى العقوبات الغربية ضد روسيا بسبب غزوها أوكرانيا، ويرجع ذلك جزئياً إلى شحنات الغاز الروسية الحاسمة.

وقال فوسيتش إنه على الرغم من التهديد بالحظر، «لست مستعداً في هذه اللحظة لمناقشة العقوبات المحتملة ضد موسكو».

وعندما سئل عما إذا كان التهديد بفرض عقوبات أميركية على صربيا قد يتغير مع وصول إدارة دونالد ترمب في يناير، قال فوسيتش: «يجب علينا أولاً الحصول على الوثائق (الرسمية)، ثم التحدث إلى الإدارة الحالية، لأننا في عجلة من أمرنا».

ويواجه الرئيس الصربي أحد أكبر التهديدات لأكثر من عقد من حكمه الاستبدادي. وقد انتشرت الاحتجاجات بين طلاب الجامعات وغيرهم في أعقاب انهيار مظلة خرسانية في محطة للسكك الحديدية في شمال البلاد الشهر الماضي، ما أسفر عن مقتل 15 شخصاً في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني). ويعتقد كثيرون في صربيا أن الفساد المستشري والمحسوبية بين المسؤولين الحكوميين أديا إلى العمل غير الدقيق في إعادة بناء المبنى، الذي كان جزءاً من مشروع سكة ​​حديدية أوسع نطاقاً مع شركات حكومية صينية.