«الأخبار الملفقة» تحدٍّ يواجه الإعلام اللبناني منذ انطلاق الحراك

منذ اندلاع الثورة في لبنان يعاني الصحافيون من التهديدات والتحديات أثناء عملهم الميداني (أ.ب)
منذ اندلاع الثورة في لبنان يعاني الصحافيون من التهديدات والتحديات أثناء عملهم الميداني (أ.ب)
TT

«الأخبار الملفقة» تحدٍّ يواجه الإعلام اللبناني منذ انطلاق الحراك

منذ اندلاع الثورة في لبنان يعاني الصحافيون من التهديدات والتحديات أثناء عملهم الميداني (أ.ب)
منذ اندلاع الثورة في لبنان يعاني الصحافيون من التهديدات والتحديات أثناء عملهم الميداني (أ.ب)

«فاكت تشيكينغ» (Fact - checking) أو التحقق من خبر متداول، هي أحدث ظاهرة منتشرة بين وسائل الإعلام اللبنانية في الفترة الأخيرة. فبروز أخبار كاذبة (فايك نيوز) بشكل مكثف عبر وسائل التواصل الاجتماعي منذ انطلاق الحراك المدني «لبنان ينتفض»، دفعت بعدد كبير من محطات التلفزة وبعض وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة إلى استحداث أو تقوية القسم الخاص بهذا الموضوع للتحقق عن مدى صحة الأخبار التي تصلها. وترجمت الوسائل الإعلامية أقسامها هذه من خلال تخصيص مساحة لها في نشراتها الإخبارية وعبر الأثير أو على صفحاتها المكتوبة من أجل تصويبها ونفيها.
وحرص بعض مراسلي محطات التلفزة المحلية على كشف هذا النوع من الأخبار إما من خلال تقارير مصورة يعدونها أو من خلال تغريدات لهم عبر موقع «تويتر». وكذلك ضمن فقرات خصصتها لهم برامج تلفزيونية تواكب أحداث «لبنان ينتفض» منذ بدايته وحتى اللحظة من أجل تصويب هذا النوع من الأخبار.
«إن الأخبار الملفقة لديها القدرة على إشعال حرب أو صراع. وهو ما نلمسه على الأرض. فجميع مشاهد التفلت الأمني التي عمّت لبنان مؤخراً هي نتيجة لهذه الأخبار. وكان أحدثها ما تابعناه بين منطقتي الشياح وعين الرمانة بسبب انتشار مقطع فيديو قديم. ومع طغيان تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا ويومياتنا أصبح انتشار الأخبار الكاذبة عملية خطرة تهدد أمن البلاد واقتصاده كما بإمكانها أن تتسبب بكوارث أخرى على صعيد المجتمع اللبناني ككل».
يقول الإعلامي جورج صليبي مقدم نشرات الأخبار وبرنامج «وهلق شو» على قناة «الجديد». ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أما المشكلة الأكبر برأيي فهي غياب جهات رسمية رقابية أو وسيلة ما تتحكّم بها لتستطيع الحد من انتشار هذه الأخبار. فالفضاء الرقمي مفتوح ومباح ومتفلت ولا يمكن السيطرة عليه بأي شكل من الأشكال».
ومن الفقرات التلفزيونية التي تم تخصيصها في هذا الإطار «مش دقيق» التي تشارك في تقديمها مراسلة الأخبار ليال سعد على قناة «الجديد» ضمن برنامج يومي بعنوان «يوميات ثورة». وتعلق سعد في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «عشرات الأخبار الكاذبة تردنا يوميا، في هذه الفترة ويتفاعل الناس معها. ويمكن القول إن غالبيتها خطيرة وتستطيع أن تشعل الحرب لطبيعة الاستفزاز التي تغلفها».
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار هو من يقف وراء مطابخ الخبر الكاذب؟ «إنها بمثابة أجهزة منظمة مخابراتية مهمتها تنفيذ الهدف المرسوم والمطلوب منها بأسرع وقت ممكن. وهي تعد بمثابة رسائل سياسية وأمنية واستراتيجية خاطئة تهدف إلى التلاعب بعقل الآخر لردعه أو لدفعه لإعادة حساباته. فتدفعه إلى التفكير بما هو مغاير تماماً عما يسكن ذهنه».
يقول العميد المتقاعد في الجيش اللبناني إلياس حنا والمختص بالدراسات الاستراتيجية والشؤون الدولية والدبلوماسية. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «وعلى هذه الأخبار أن تنبع من واقع ملموس يقنع المتلقي بأنه ممكن حدوثه. وهذه الوسيلة أي الأخبار الكاذبة تعد سلاحاً من نوع آخر تشهره الدول والمنظمات عند الحاجة ضد خصمها. وهي منظومة كاملة وبمثابة عدّة العمل السياسي في القرن الواحد والعشرين والتي تركز على إيصالها وسرعة تأثيرها على الطرف الآخر». يضيف حنا: «هذه الوسيلة موجودة عبر التاريخ ولدينا أمثلة كثيرة عنها».
وتعد محطة «إل بي سي آي» واحدة من الوسائل المرئية المحلية التي استطاعت أن تحافظ على مصداقية أخبارها في ظل انتشار الأخبار الملفقة الرائجة.
وتشير لارا زلوم، مديرة العمليات في قسم نشرات الأخبار فيها، إن المؤسسة اللبنانية للإرسال تعتمد عملية التحقق من كل خبر يردها منذ بداياتها حتى اليوم. وهو ما يساهم في الحفاظ على صورة مصداقيتها لدى المشاهد. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لطالما تحسبنا للوقاية من الأخبار الكاذبة حتى قبل اندلاع الحراك المدني. وأي فيديو مصور أو تسجيل صوتي يردنا نجري عليه عملية تدقيق كبيرة ولأكثر من مرة. فلدينا فريق تقني خاص معتمد للقيام بهذه المهمة. وأول ما نقوم به عند تسلمنا مادة معينة هو التدقيق بالزمان والمكان المرتبط بهما الحدث».
ومن ناحيته، يؤكد مدير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» وليد عبود أن الخبر الكاذب عادة ما يلاقي تجاوباً من قبل الناس لأن الأخبار «الفضائحية» تستهويهم أكثر من غيرها. «إنه ينتشر بسرعة كبيرة كالنار في الهشيم، ولذلك نتوخى الحذر بشكل كبير كي لا نقع في فخ هذه الأخبار، ولا سيما المتداول منها في وسائل التواصل الاجتماعي». ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا قسم خاص يتولى مهمة التدقيق بأي خبر يردنا أو يصلنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كما أن هؤلاء المدققين متواجدين بشكل كبير، على مجموعات خدمة تطبيق الـ(واتساب) الرائجة في الفترة الأخيرة، ما يخولها الاستفهام عن حقيقة أي خبر كاذب يصلها. ويمكن القول إن الوسائل الإعلامية التقليدية بمجملها تشهد انضباطا ملحوظا في هذا الإطار عكس ما تشهده وسائل التواصل الاجتماعي في المقابل، والمتاح فضاؤها أمام الجميع ومن دون أي رقيب.
والمشكلة هو أن الناس تغرق في متاهات الـ(فايك نيوز) لتتناقلها وتتداولها بدورها وتحولها إلى حقيقة تسكن أذهانها فقط. وحتى بعد تكذيب هذا الخبر أو ذاك تبقى بعض هذه الأخبار عالقة عندهم بصورة لاشعورية». وعن طبيعة أكثر الأخبار الكاذبة الرائجة في الفترة الأخيرة يوضح عبود: «هي تلك المركبة أو القديمة التي تبحث عن النبش في القبور لإحداث فتنة أو مشكلة معينة. ولذلك لا تتوانى الـ(إم تي في) من التدقيق بالخبر أكثر من مرة، وكذلك الاتصال بصاحب الشأن لتأكيده أو تكذيبه».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».