حصاد 2019 السينمائي - 2: سنة حافلة بالممثلين والممثلات... مع بعض السقطات

ارتسمت أعمالهم على الشاشات بنجاح

آدام درايفر وسكارلت جوهانسن في فيلم «حكاية زواج»
آدام درايفر وسكارلت جوهانسن في فيلم «حكاية زواج»
TT

حصاد 2019 السينمائي - 2: سنة حافلة بالممثلين والممثلات... مع بعض السقطات

آدام درايفر وسكارلت جوهانسن في فيلم «حكاية زواج»
آدام درايفر وسكارلت جوهانسن في فيلم «حكاية زواج»

ليست المسألة فيما لو أنّ سنة 2019 تختلف أو تتفق مع العام السابق أو الذي قبله. بالطبع، هناك المسلسلات ذاتها، والأنواع المختلفة نفسها. وهناك الاعتبارات ذاتها، وكثير من الإنتاجات، وكثير منها جيد، والغالبية يمرّ من تحت الرادار ويختفي مثل نقاط مطر تهطل فوق البحر.
المسألة التي يفرضها اقتراب موعد معاينة العام سينمائياً هي ما احتواه العام الحالي من أعمال بارزة أو مميّزة ضمن الاثني عشر شهراً التي تألّف منها. وفي حين أنّ الناقد والمتابع الجيد ينظران إلى تلك الأفلام وصانعيها نظرة فاحصة تحاول قراءة ما تحت خطوطها، يمارس المشاهد الذي يؤم هذه الأفلام تحبيذاته، التقت أو لم تلتقِ مع تحبيذات النّقاد. يشعر بالدفء صوب أداء ممثل أو ممثلة ربما عد النقاد أداءهما عادياً وفطرياً، أو قد يتعجب من الثّناء الذي يناله بعض الممثلين بعدما عاينهم بدوره ووجدهم عاديين بالنسبة إليه.
هذا إذ يقع، يؤكد أنّ هناك بضع مستويات في الحكم على الناقد أن يأخذها بعين الاعتبار حين يسعى لمثل هذه القراءة الوافية لاثني عشر شهراً من العروض السينمائية شاهد خلالها مئات الأفلام، وقد يشعر بتقصير ما فيما لو فوجئ بأنّه لم يشاهد العدد ذاته من الأفلام التي شاهدها في العام السابق. هذا الوضع قد يهم النّاقد، ولن يهم سواه.
وهناك كثير من «الاستخلاصات». الفيلم الواحد يحتوي على جملة متشابكة من العناصر، كل منها له علاقة بكل عنصر آخر. في مطلعها الكتابة والإنتاج والتصميم الفني والديكور والإخراج والتمثيل والتصوير والتوليف والكتابة الموسيقية.
ما يواجهنا جميعاً، نقاداً وجمهوراً، هو التمثيل في الدرجة الأولى. ذاك الذي دفع فديريكو فيلليني للاهتمام بالسينما، إذ شاهد الوجوه الأولى ودرس محياها وإماراتها والتعابير التي تسوقها. ذاك الذي شدّنا قبل سواه إلى السينما ونحن صغار، وقبل أن نحفظ كلمة مخرج.
في العام الحالي، كانت هناك تحديات كثيرة في هذا الجانب. الممثلون، ذكوراً وإناثاً، أكثر معرفة بالدور الناتج عن العمل داخل الفيلم، وهو الانطباع الذي يتركونه على عدة مستويات، لمخرجين باتوا أكثر اهتماماً، على ما يبدو، لهذا الناقد على الأقل، بالعمل مع أكثر من ممثل واحد في الصدارة، ما دام أنّ السيناريو يسمح بذلك. هذا كله ليس جديداً، لكنّه يطلّ العام الحالي على نحو مؤطر أكثر مما فعل في الأعوام القليلة السابقة.

ثنائيات
الثنائيات، من أيام لوريل وهاردي إلى اليوم، فرصة لمشاهدة ممثلين يلتحمان داخل الفيلم الواحد. وهناك الكيمياء بلا ريب، لكن هناك أيضاً أسلوب العمل معاً. تصوّر لو أنّ جوني دَيب هو من حلّ محل براد بيت في «ذات مرّة في هوليوود» (Once Upon a Time in Hollywood)، أو لو اختار مخرج هذا الفيلم نيكولاس كيج أو كريستيان بايل للدور الذي لعبه ليوناردو ديكابريو. إحدى أهم قدرات المخرج في هذا الشأن هو التأكد من أنّه إذ يجمع بين ممثلين في درجة واحدة من المكانة والشهرة، فإنّه سيستطيع العمل على انصهارهما معاً بالبراعة الفطرية ذاتها للوريل وهاردي، مع الفوارق الفنية الكبيرة في هذه المقارنة.
كان العام الحالي مثيراً من حيث ثنائية الممثلين في عدد من الأفلام. براد بيت وليوناردو ديكابريو شاركا بطولة «ذات مرّة في هوليوود»، وروبرت دينيرو وآل باتشينو عملا معاً في «الآيرلندي»، وكيڤن كوستنر ووودي هارلسون ظهرا معاً في «ذا هايواي مَين» (The Highway Men)، وجوناثان برايس وأنطوني هوبكنز تلألآ في «The Two Popes‬».
ما أفرزه هذا الجمع بين كل اثنين من هؤلاء الممثلين الستة يشبه ما أفرزه ذات مرة الجمع بين سوزان ساراندون وجينا ديڤيز في «ثلما أند لويس» (ريدلي سكوت، 1991)، أو ميل غيبسون وداني غلوفر في «سلاح مميت» (Lethat Weapon) (ريشارد دونر، 1987). وهو ليس دائم النجاح، فلقاء ماهرشالا علي مع فيغو مورتينسين في «كتاب أخضر» (بيتر فاريللي، 2018)، وكذلك لقاء بروس ويليس مع سامويل ل. جاكسون في أكثر من فيلم، لم يسفر إلا عن تعاون مشترك، بمعنى أنّ أحدهما كان سهل الاستبدال بممثل آخر من دون كثير من التأثير.
وفي الحالات الأربع المذكورة، المتمثلة في «ذات مرة في هوليوود» و«الآيرلندي» و«ذا هايواي مَين» و«البابايان»، هناك تكامل نموذجي مصدره كِتابي النشأة وإخراجي التأثير.
وإذا ما كان هذا الشخص، بأدائه ومفاتيحه، قابل للاندماج مع الشخص الثاني في هذا الإطار، فإنّ الناتج نجاح اللعبة الثنائية تماماً.
هذا المنحى، وبينما يوزع مشاهده بين الاثنين على نحو متكافئ، يتضمن شرطاً إضافياً، وهو أنّ على الممثلين اللذين يشتركان معاً أن يكونا من فصيل موهبة واحدة، ولو اختلف أسلوب كل منهما في العمل. لذلك فإنّ ذكاء المخرج كوينتن تارانتينو يتبدى جلياً عندما أسند بطولة «ذات مرة في هوليوود» لا إلى ديكابريو وبيت فقط، بل لمن وضعه في دور الممثل الآفل (ديكابريو) وصديقه و«دوبليره» (بيت).
بالنسبة لفيلم مارتن سكورسيزي «الآيرلندي»، فإنّ الوضع يختلف من زاوية واحدة: النية للجمع بين الممثلين المتساوين كقيمة فنية، آل باتشينو وروبرت دينيرو، كان له حافز إضافي، وهو أنّهما لم يمثلا على هذا النحو من قبل. نعم، ظهرا في «سخونة» (Heat) (مايكل مان، 1995)، لكنّه مشهد واحد فقط هو الذي جمعهما معاً. في «الآيرلندي» عشرات المشاهد، ما يتيح للفيلم تسجيل نقاط بيع الممثلين مجدداً، كما لم يحدث ذلك من قبل.
- عائدون وجدد في البطولات الفردية منها والجماعية، فإنّ الحديث شاسع ومثير.
بدأ العام الآيل للرحيل ببضعة أسماء كبيرة في أدوار صغيرة القيمة، مثل بروس ويليس في «10 دقائق مضت» (10 Minutes Gone)، ونيكول كيدمان في «مدمرة» (Destroyer)، وكلاهما أراد شيئاً لم يحصل عليه، وهذا حال كثيرين آخرين يتقدمهم ماثيو ماكوهوني في «صفاء» (Serenity)، وجون ترافولتا في «تبادل دهان» (Trading Paint)، وكيرا نايتلي في «العاقبة»، وهذا المنوال استمر وشمل مؤخراً إدوارد نورتون في فيلمه الأول كمخرج أيضاً «مذرلس بروكلين» (Motherless Brocklyn).
وهناك من سعى للبقاء في الجوار قدر ما يمنحه الجمهور والزمن: سيلفستر ستالون ظهر في «خطة هروب: جامعي الثمار» (Ecapre Plan: The Extractors)، وتلاه بعد أشهر قليلة برامبو آخر، هو «رامبو: آخر دم»، وكلاهما لم ينجز نجاحاً، ولديه فيلم ينتظر فرصة ملائمة (لكن قد لا تأتي)، وهو «المستهلكون 4»، مع لفيفه من ممثلي القوة.
أرنولد شوارزنيغر عاد من التلاشي في ترميناتور جديد هو «ترميناتور: قدر داكن»، ودولف لندغرن (الذي يشارك ستالون من حين لآخر) عرض «تابع الأثر» (The Tracker) الذي لم يعد له أثر.
اللعبة تغيّرت أيام ما كان هذا الثلاثي، ستالون وشوارزنيغر ولندغرن، ومعهم ستيفن سيغال (فيلمان له هذه السنة: Beyond the Law وGeneral Commander)، يجذبون إليهم الفئات المختلفة من المشاهدين: الذكور والإناث، الشّبان والقدامى. اللعبة الجديدة هي أن تنبري المرأة بهذه الأدوار القتالية.
جينا رودريغيز شوهدت في فيلم الأكشن «مس بيللا»، وتبعتها كريستين ريّس في «ماريا»، وساشا لوس في «آنا» (فرنسي)، والثلاث من الوجوه النسائية الجديدة، لكنّ المجال اتسع لبعض الوجوه الأنثوية القديمة أيضاً، مثل نتالي بورتمن في «لوسي»، وكريستن ستيوارت في «ملائكة تشارلي».
هذه الأفلام، لم تنفع أحداً ممن مثلها، على أن «ملائكة تشارلي» هو واحد من بضعة أفلام أكشن أو سواها جمعت ممثلات يقمن بالبطولة، مع بضعة رجال يظهرن عن بعد. ففي «ملائكة تشارلي»، ظهرت كذلك ناوومي سكوت، وإيلا بالينسكا. ورأينا «هستلرز» مع جينيفر لوبيز وجوليا ستايلز وكونستانس. وهذا الفيلم كان كوميدياً، كذلك حال «ليتل» مع رجينا هول ومارساي مارتن إيسا راي، و«بعد العرس» مع ميشيل ويليامز وجوليان مور وآبي كوين.
الأفضل بين هذه المجموعة «Little Women»، عن رواية لويزا ماي ألكوت التي انتقلت إلى السينما أكثر من مرة، حيث تؤدي ساويريس رونان وإيما تومسون وفلورس بوف مع (الوجه المتقادم) لورا ديرن الأدوار الأولى.
- من جوكر إلى آخر
ثنائي نسائي، من بين عدة، وجدناه في فيلم «Booksmart»، مع كايتلين ديفير وبيني فلدستين. لكن هناك ثنائيات رجالية أخرى، غير التي ذكرناها آنفاً، كحال ميل غيبسون وشون بن في «البروفسور والمجنون». كلاهما في أفضل حالاته ممثلاً، لكنهما لم يتجاوزا غير المألوف، والفيلم لم يكن مبنياً على كيمياء الجمع بينهما على أي حال. أمّا عن السبب في أنهما مرّا من دون حسبان كثير، فيعود إلى أنّ فيلمهما هذا من إنتاج منزلي (نتفليكس)، كحال «ذا هايواي من» مع وودي هارلسن وكيفين كوستنر.
براد بيت كان له ظهوران: أحدهما دوره البارع في «ذات مرة في هوليوود»، والثاني دوره الأفضل في «أد أسترا»، لكنّ الحسابات ستدور حوله في الفيلم الأول لأن سمة المغامرة الخيالية - العلمية هي التي تطغى على أدائه في الفيلم الثاني (أخرجه جيداً جيمس غراي).
خواكين فينيكس هو من بين الذين برعوا هذه السنة في أداء شخصياتهم: قاد بطولة «جوكر»، ووضع نفسه تحت ضغط شديد لكي يأتي تمثيله متميزاً، رغم أنّ هذا الدور لا يعدو دور رجل شرير. ذلك الشر كان له مسبباته، لكنه لا ينفي أنّ الممثل الذي كان عليه أن يلعب الدور كان عليه أساساً أن يبتكر الطريقة. وكان جاك نيكولسون قد لعب هذه الشخصية من قبل، كذلك مايكل إمرسون في «الفارس الداكن يعود» (2012)، والراحل هيث ليدجر في «الفارس الداكن» (2008).
براعة كل واحد من هؤلاء جعلت مهمة واكين فينكس أصعب، لكنه نجا من السقوط.
هناك أيضاً، إيدي مورفي في «دولمايت هو اسمي»، لكن سيكون من المفاجئ فيما لو تردد اسمه في موسم الجوائز في الشهر المقبل، وأكثر مفاجأة فيما لو دخل ترشيحات الأوسكار لاحقاً.
وهناك اسمان مرتفعان حالياً، وهما تيموثي شالامت الذي وضعه دوره في «نادني باسمك» على منصة انطلاق لخمسة أفلام في عامين، آخرهما «الملك». شالامت يستحق ذلك، ومدى نجاحه نقدياً ليس مرتبط بمدى نجاحه تجارياً، لكن المستقبل سيشهد له المزيد من الأعمال الأولى التي تستحق المراجعة.
الاسم الثاني هو آدام درايڤر الذي يخطو على درب سريع، شمل هذه السنة ثلاثة أفلام، هي: «الموتى لا يموتون»، و«حكاية زواج»، والحلقة الجديدة من «ستار وورز». الدور الأول لن يمنحه كثيراً من المجد، ودوره في الفيلم الثالث يملأ وقود نجاحه الجماهيري. لكن الفيلم الثاني «حكاية زواج» هو ما يقترحه فعلياً كممثل جيد بين زملائي من النقاد.
بالنسبة لهذا الناقد هو لمعة في فنجان لديه ملامح وجه غير جذابة وغير عاكسة لما تكنّه الشخصية التي يؤديها داخلياً. هل يعني هذا أنه ينال أكثر مما يستحق من إعجاب؟ فليكن.
- عالمياً
وحتى لا ينتهي الحديث من دون إغفال أسماء تستحق الذكر، بل بعضها لا غنى عن ذكره.
وفي مقدّمة هؤلاء أداء أنطونيو بانديراس في «ألم ومجد» الذي اشتغل فيه على كل خلجة تمكن من استحواذها لهذا الدور شبه البيوغرافي للمخرج بدرو ألمودوڤار، وقد سبق أن فاز عن هذا الدور في دورة مهرجان «كان» الأخيرة بجدارة.
كذلك جورج مكاي في «1917»، ومات دامون في «فورد وفيراري»، وكريستيان بايل، ومايكل ب. جوران في «رحمة عادلة»، ومارك روفالو في «مياه داكنة»، وروبرت باتنسون في «المنارة»، وتوم هانكس «في يوم جميل في الجيرة» (A Beautiful Day in the Neighbourhood).
ونسائياً، تألقت رنيه زلفيغر في «جودي» (عن حياة جودي غارلاند)، وكذلك سكارلت جوهانسن في «حكاية زواج»، وميريل ستريب (كالعادة) في «المغسلة». واتسع المجال لبضعة وجوه جديدة أو شابة أجادت أدوارها، مثل سينتيا إريفو في «هارييت»، وآنا دي أرماس «السكالكين مسلولة»، وساويريس رونان في «نساء صغيرات».
وعلى صعيد موازٍ، الممثلون الثلاثة في فيلم مارتن سكورسيزي «الآيرلندي»، وهم روبرت دينيرو وآل باتشينو وجو بيشي، سيجدون في الأيام والأسابيع المقبلة أنفسهم مرشحين لموسم الجوائز. بيشي وباتشينو في خانة أفضل تمثيل مساند أمام براد بيت في «ذات مرة في هوليوود»، وويسلي سنايبس في «دورمايت اسمي»، وسام روكوَل في «رتشارد جووَل».
وهناك بضعة أسماء غير أميركية، تتلألأ، ولكن ليس في سماء موسم الجوائز، بل في مداراتها الأوروبية. فلا يمكن إغفال أداءاتها الرائعة أو المهمة، من بينها داميان بونار وجبريل زونغا وأليكس ماننتي في «البائسون»، وجوا دوجوردان في «ضابط وجاسوس»، وجولييت بينوش عن «من تعتقدني» (Who You Think I Am)، وإيزابل أوبير في «غريتا».
واستحق الصيني جنغشون وانغ جائزة أفضل ممثل في مطلع السنة، التي منحها إياه مهرجان برلين، عن «وداعاً يا ابني»، ولو أن القائمة الشرق آسيوية تحتاج لما يقترب من حجم كتاب.


مقالات ذات صلة

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)