تكريم «الرجل الذي يهمس في أذن الخيل» بمهرجان الفيلم بمراكش

جمهور الدورة الـ18 خصص استقبالاً كبيراً للنجم الأميركي روبرت ريدفورد

روبرت ريدفورد أثناء تكريمه في المهرجان
روبرت ريدفورد أثناء تكريمه في المهرجان
TT

تكريم «الرجل الذي يهمس في أذن الخيل» بمهرجان الفيلم بمراكش

روبرت ريدفورد أثناء تكريمه في المهرجان
روبرت ريدفورد أثناء تكريمه في المهرجان

جاء تكريم الممثل والمخرج والمنتج الأميركي روبرت ريدفورد، في أمسية اليوم الثامن من فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، في دورته الـ18، التي اختتمت أمس، ليؤكد قدرة هذه التظاهرة على استقطاب كبار السينما العالمية، بشكل يضمن لها أن ترسّخ مكانتها في الأجندة الدولية للتظاهرات السينمائية الكبرى كموعد مهم للمواهب الواعدة والمهنيين وعموم جمهور الفن السابع القادمين من أفريقيا والشرق الأوسط ومختلف بقاع العالم، وذلك من خلال الجمع بين برمجته الفنية، وجرأة اكتشافاته، وجودة تكريماته، ومهنية عروضه، وتقديره لجمهوره، وحفاوة الاستقبال، وتقاسم عشق السينما.
في أمسية تكريمه، مساء أول من أمس، بمراكش، بدا النجم الأميركي مرتاحاً، بداية من مروره على السجادة الحمراء، حيث تفاعل مع أسئلة الصحافيين وكاميرات المصورين، قبل أن ينفتح مشهد التكريم على جمهور غفير غصت به «قاعة الوزراء»، وقف له مطولاً، مصفقاً، اعترافاً بقيمته وإسهاماته، وتأكيداً لحضوره الطاغي على مستوى السينما العالمية.
في معرض كلمته، قبيل تسليمه درع من التكريم من المخرجة وكاتبة السيناريو الفرنسية ريبيكا زلوتوفسكي والممثلة الفرنسية - الإيطالية كيارا ماسترواني، بعد أن تابع له الجمهور لقطات من أفلام تمثل لتجربته ومنجزه السينمائي، شكر النجم الأميركي، العاهل المغربي الملك محمد السادس، وشقيقه الأمير مولاي رشيد، قبل أن يتحدث عن علاقته بالمغرب، بالإشارة إلى الزيارة التي قام بها، مطلع تسعينات القرن الماضي، لتصوير أحد أفلامه، وقال إنه عاش لحظات دافئة، جعلته يقترب من ثقافة البلد وحضارته المتجذرة في أعماق التاريخ. كما تحدث عن الأدوار التي يلعبها السرد القصصي في حياة الأفراد والجماعات، قبل أن يتأسف للحالة التي صار عليها العالم اليوم، منتهياً إلى استعراض انشغالاته المرتبطة بدعم السينما المستقلة.
وكان ريدفورد قد تلقى خبر تكريمه بإعلان شـعوره بفخـر كبيـر وهو يتلقى دعوة الحضور إلى مراكـش، مشيراً إلى أنها «فرصة للقاء بالمؤلفين والفنانيـن الذين سيتقاسـمون فيمـا بينهم آراءهم ووجهات نظرهم الخاصـة».
وسبق للمهرجان المغربي أن كرّم، على مدى دوراته السابقة، نجوماً من هوليوود يُعدّون من كبار السينما العالمية، نذكر منهم فرنسيس فورد كوبولا، وديفيد لينش في 2002. وريدلي سكوت وأوليفر ستون في 2003. ومارتن سكورسيزي في 2005، وسوزان ساراندون في 2006. وليوناردو دي كابريو في 2007. وسيغورني ويفر في 2008. وكريستوفر والكن في 2009. وهارفي كيتل وجيمس كاين في 2010. وفورست ويتيكر في 2011. وشارون ستون في 2013، وفيغو مورتينسين في 2014. وبيل موراي في 2015، وويليام داوفوي في 2015، وروبرت دي نيرو في 2018.
وحضر اسم ريدفورد، ضمن برنامج دورة هذه السنة من مهرجان مراكش، في فقرتين: فقرة التكريم التي شهدت تسليمه نجمة المهرجان مع عرض أربعة من أفلامه: «بوتش كاسيدي وساندانس كيد» (1969) لمخرجه جورج روي هيل، و«الرجل العجوز والبندقية» (2018) لديفيد لوري، و«الرجل الذي يهمس في أذن الخيل» (1998)، و«نهر يجري من خلالها» (1992)، وهما من إخراجه؛ ثم حديثه، أمس، ضمن فقرة «حوار مع...»، التي استضافت 12 شخصية سينمائية في مواعيد يومية، استعرض فيها المشاركون علاقتهم بالسينما، وتجاربهم وانشغالاتهم.
ويختصر بعض نقاد السينما سيرة ريدفورد، سواء على صعيد المظهر أو الأفلام التي أخرجها وأنتجها، فضلاً عن الأدوار التي أدّاها، بالقول إن «رويرت ريدفورد هو دائماً رويرت ريدفورد»، في إشارة إلى أن السنين تمضي والموضات تتجدد في هوليوود، بينما يظلّ الرجل في غنى عن أن يثبت نفسه، محتفظاً بهيبة «الذكورة غير القابلة للتغيير»، حسب قول صديقه بول نيومان.
هذا المزيج بين الرقة والرجولة، برأي الناقدة السينمائية أنكي ليويك، يجعل ريدفورد ممثلاً يستطيع أن يجعل شخصيته في خدمة كل الأدوار التي يجسدها بطريقة لا تخلو من بساطة، إذ يمكنه أن يفعل كل شيء، فهو العاشق الحزين، وبطل التزلج، ونجم ملاعب البيسبول، ورجل الأعمال الجذاب صاحب الاقتراحات غير اللائقة. كما أنه يلعب باستمرار ضد قوته في الإغواء، حيث يقدمها بشكل يجعله يسخر من صورته كرمز جنسي.
بالنسبة لأنكي ليويك، دائماً، نستطيع القول إن فيلموغرافيا ريدفورد، بصفته ممثلاً، ومخرجاً، ومنتجاً، تمثل وحدها تجسيداً للوجه الآخر لأميركا، هذا البلد الذي لا يُعدّ بالنسبة له مجرد وهم، بل، على العكس من ذلك، إنه الحقيقة التي تستحق النضال من أجلها، باستخدام الأدوات التي تتيحها صناعة الترفيه.
وفي حالة ريدفورد، يمكن القول إن الأمر يتعلق بفنان استثنائي كان له طوال حياته المهنية تأثير عميق على السينما المعاصرة، التي وضع بصمته الواضحة عليها، وبات واحداً من أسمائها البارزة، بعد أن حظيت أعماله بنجاح كبير، سواء كمخرج، أو منتج أو ممثل، أو مؤسس لمعهد «صاندانس» ومهرجان «صاندانس»، الذي يُعدّ أول مهرجان خاص بالسينما المستقلة في العالم، فضلاً عن التزامه السياسي، ودفاعه الشرس عن البيئة، مع التحلي بالمسؤولية الاجتماعية.
وأذهل ريدفورد الوسط السينمائي بموهبته الفذة وشخصيته الكاريزمية المشعة، منذ بداياته كممثل، بداية مع «وضع ميؤوس منه لكنه ليس خطيراً» (1965) لكوتفريد رينهارت، و«المطاردة» (1966) لأرتور بين، و«حافي القدمين في الحديقة» (1967) لـنيل سيمون، الذي جلب له مديح النقد والجمهور على حد سواء.
وفي 1969، اشتغل إلى جانب بول نيومان في فيلم «بوتش كاسيدي وساندانس كيد» لمخرجه جورج روي هيل، وهو الفيلم الذي جعل من ريدفورد وجهاً لامعاً في صناعة الأفلام الهوليوودية، ونجماً عالمياً كبيراً، حيث منح أداؤه لشخصية سارق القطار للفيلم إيقاعاً خاصاً جعله يتجاوز الإطار التقليدي للدراما.
وعاد ريدفورد ليشتغل مجدداً مع كل من بول نيومان وجورج وري هيل في «اللدغة» (1973) الذي حاز 7 أوسكارات، من بينها «أوسكار أفضل فيلم»، وبالتالي ترشح ريدفورد لجائزة أفضل ممثل، الشيء الذي مكّنه من بناء مسيرة رائعة كممثل، حيث يتابع الجمهور العالمي ريدفورد، في أفلام أخرى مميزة تحت إدارة مخرجين متميزين، من قبيل «غاتسبي العظيم» (1974) لجاك كلايتون، و«ثلاثة أيام من كوندور» (1975) لسيدني بولاك، و«فلفل الكبير والدو» (1975) لجورج روي هيل، و«بروبيكر» (1980) لستيوارت روزنبرغ، و«الخروج من أفريقيا» (1985) لسيدني بولاك، و«قضية تشلسي ديردون» (1986) لإيفان ريتمان، و«الخبراء» (1992) لفيل تشيلسي ديريدون، و«اقتراح غير لائق» (1993) لأدريان لين، و«لعبة تجسس» (2001) لتوني سكوت، و«حياة غير مكتملة» (2005) للاس هالستروم، و«ضاع كل شيء» (2013) لجيفري ماكدونالد شاندور، و«نزهة في الغابة» (2015) لكين فاندربيت، و«الاكتشاف» (2017) لشارلي ماكدويل، و«أرواحنا بالليل» (2017) لرتيش باترا، و«المنتقمون: لعبة النهاية» (2019) لأنتوني روس وجوي روسو، و«الرجل العجوز والبندقية» (2017) لديفيد لوري. كما ظهر في عدد من الأفلام التي أنتجتها شركته «ويلدوود أنتروبريز»، من بينها «انحدار المتسابق» (1969) لمايكل ريتشي، و«المرشح» (1972) لمايكل ريتشي، و«الفارس الكهربائي» (1979) لسيدني بولاك، و«كل رجال الرئيس» (1976) لألان ج. باكولا، وهو الفيلم الذي تم ترشيحه للحصول على سبع أوسكارات، من بينها «جائزة أفضل فيلم».
في «الفارس الكهربائي»، مثلاً، يتحول ريدفورد إلى نجم سابق لرياضة الروديو، بزي مشع بمصابيح كهربائية، سواء في الإعلانات التجارية لرقائق الذرة، ليقرر أن يأخذ حريته، وهو ما اعتُبِر تجسيداً مثالياً جديداً لآخر رعاة البقر، فيما تصبح المناظر الطبيعية الأميركية ملاذاً يهرب إليه من مجتمع غارق في جنون وسائل الإعلام، رغم بعض الحيرة التي تستمر في مواجهة روعة هذه المناظر الطبيعية، وفي مواجهة اختفائها، أيضاً، وهي ذاتها الطبيعة التي نتابع صورها في أفلام أخرى من قبيل «نهر يجري من خلالها» و«الرجل الذي يهمس في أدن الخيل». أما في فيلم «كل رجال الرئيس»، فيتلاعب بمظهره الجميل، بل يتجاوزه. ورغم أن كاميرا متحركة حاولت التقاط الأحداث التي تعمها الاضطرابات، والتي تحيط بـ«فضيحة ووترغيت»، فإن كل ما نشاهده على الشاشة هو صحافي مصمم على إعادة الكشف على الحقيقة.
ولا تقل مسيرة ريدفورد كمخرج، نجاحاً وإثارة، حيث حصل أول فيلم يخرجه، وهو «أناس عاديون» (1980)، على «جائزة أميركا للمخرجين» و«الغولدن غلوب» و«أوسكار أفضل إخراج». كما أنتج وأخرج مجموعة أفلام، بينها «نهر يجري عبرها» (1992)، و«أسطورة باغر فانس» (2000)، و«أسود وحملان» (2007)، و«المؤامرة» (2010)، و«الرفقة الدائمة» (2012).


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
رياضة سعودية إقامة شوط للسيدات يأتي في إطار توسيع المشاركة بهذا الموروث العريق (واس)

مهرجان الصقور: «لورد» غادة الحرقان يكسب شوط الصقارات

شهد مهرجان الملك عبد العزيز للصقور 2024؛ الذي ينظمه نادي الصقور السعودي، الجمعة، بمقر النادي بمَلهم (شمال مدينة الرياض)، جوائز تتجاوز قيمتها 36 مليون ريال.

«الشرق الأوسط» (ملهم (الرياض))
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق جوي تتسلّم جائزة «أفضل ممثلة» في مهرجان «بيروت للأفلام القصيرة» (جوي فرام)

جوي فرام لـ«الشرق الأوسط»: أتطلّع لمستقبل سينمائي يرضي طموحي

تؤكد جوي فرام أن مُشاهِد الفيلم القصير يخرج منه وقد حفظ أحداثه وفكرته، كما أنه يتعلّق بسرعة بأبطاله، فيشعر في هذا اللقاء القصير معهم بأنه يعرفهم من قبل.

فيفيان حداد (بيروت)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».