تاريخ تسليح واشنطن للمتمردين حول العالم مضطرب ويثير تساؤلات حول الملف السوري

دراسة الاستخبارات الأميركية حول المساعدات السرية تزيد من الشكوك في سياسة أوباما

{المجاهدون} الذين دربتهم واشنطن خلال فترة سيطرة السوفيات على افغانستان سنة 1980 (أ.ب)
{المجاهدون} الذين دربتهم واشنطن خلال فترة سيطرة السوفيات على افغانستان سنة 1980 (أ.ب)
TT

تاريخ تسليح واشنطن للمتمردين حول العالم مضطرب ويثير تساؤلات حول الملف السوري

{المجاهدون} الذين دربتهم واشنطن خلال فترة سيطرة السوفيات على افغانستان سنة 1980 (أ.ب)
{المجاهدون} الذين دربتهم واشنطن خلال فترة سيطرة السوفيات على افغانستان سنة 1980 (أ.ب)

عملت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) على تهريب الأسلحة إلى المتمردين حول العالم خلال تاريخ الوكالة البالغ 67 سنة - من أنغولا إلى نيكاراغوا وحتى كوبا. وجهود الاستخبارات الأميركية المستمرة في تدريب المتمردين في سوريا ما هي إلا آخر مثال على رئيس أميركي بات مفتونا باحتمال استخدام وكالة التجسس الأولى لديه في تهريب الأسلحة سرا وتدريب الجماعات المتمردة.
وقد خلصت دراسة داخلية أجريت أخيرا داخل وكالة الاستخبارات الأميركية إلى أنه نادرا ما ينجح. وتأتي الدراسة المحاطة بقدر من السرية واحدة من عدة دراسات كُلفت بها وكالة الاستخبارات في عام 2012 وعام 2013 في خضم الجدل المطول لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما حول إمكانية الخوض في الحرب الأهلية السورية. وقد خلصت إلى أن الكثير من محاولات الوكالة السابقة لتسليح القوات الأجنبية بصورة سرية كان لها الأثر الطفيف على النتائج طويلة الأمد للصراع. وكانت محاولات التسليح السابقة أقل أثرا وفعالية، على نحو ما خلص إليه التقرير، حينما حاربت تلك الميليشيات من دون أي إسناد أميركي مباشر على الأرض.
وقُدمت نتائج الدراسة، التي تحدث عنها في الأسابيع الأخيرة عدد من المسؤولين الحكوميين الأميركيين الحاليين والسابقين، إلى غرفة العمليات في البيت الأبيض وأثارت الكثير من الشكوك بين بعض كبار المسؤولين لدى إدارة الرئيس أوباما حول الحكمة من تسليح وتدريب أعضاء المعارضة السورية المنقسمة. ولكن في شهر أبريل (نيسان) عام 2013، كلّف الرئيس أوباما وكالة الاستخبارات المركزية البدء في برنامج لتسليح المتمردين في إحدى القواعد الأردنية، وقررت الإدارة الأميركية أخيرا توسيع مهمة التدريب مع برنامج كبير مواز لدى وزارة الدفاع الأميركية في دول عربية لتدريب متمردين «معروفين» من أجل قتال تنظيم داعش، وكان الهدف هو تدريب نحو 5 آلاف مقاتل من قوات المتمردين في العام.
وظلت الجهود محدودة حتى الآن، وقال المسؤولون الأميركيون إن حقيقة أن وكالة الاستخبارات كانت لها رؤية قاتمة إزاء تاريخ جهودها لتسليح المتمردين قد غذى من تردد الرئيس أوباما حيال الشروع في العملية السرية.
وقال أحد كبار المسؤولين السابقين بالإدارة الأميركية الذي شارك في النقاش وتحدث شريطة عدم ذكر اسمه لحديثه حول تقرير سري: «أحد الأشياء التي كان الرئيس أوباما يريد معرفتها: هل نجح هذا الأمر من قبل؟». واستطرد المسؤول الكبير قائلا: «كان التقرير شديد الصرامة في استنتاجاته».
وقد تجدد النقاش حول ما إذا كان أوباما قد تصرف ببطء شديد حيال دعم التمرد السوري عقب ما جاء في كتابين من تأليف هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية السابقة وآخر من تأليف وزير الدفاع الأسبق ليون بانيتا من أنهما دعما خطة قُدمت في صيف عام 2012 من قبل ديفيد بترايوس، الذي تولى رئاسة وكالة الاستخبارات المركزية لاحقا، من أجل تسليح وتدريب مجموعات صغيرة من المتمردين على أراضي الأردن.
وقد رفض أوباما تلك الخطة، ولكن في الشهور التي أعقبت ذلك، استمر النقاش بين مسؤولي إدارة أوباما حول تساؤل عما إذا كان ينبغي على وكالة الاستخبارات المركزية تسليح المتمردين. وجرت إعادة صياغة خطة الجنرال بترايوس الأصلية حتى وقع أوباما على أمر سري يجيز مهمة تدريب سرية عقب خلوص وكالات الاستخبارات الأميركية إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد قد استخدم الأسلحة الكيميائية ضد قوات المعارضة وضد المدنيين.
ورغم أن هدف أوباما الأصلي كان تسليح المتمردين وتدريبهم من خلال وكالة الاستخبارات المركزية لقتال الجيش السوري، فإن تركيز البرامج الأميركية قد تحول ناحية تدريب قوات المتمردين من أجل قتال تنظيم داعش، عدو الأسد.
وقد خلص تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وفقا للكثير من المسؤولين الأميركيين السابقين من ذوي المعرفة بنتائجه، إلى أن مساعدات الوكالة السابقة لحركات التمرد قد فشلت بوجه عام في الحالات التي لم يعمل فيها الأميركيون مع القوات الأجنبية على الأرض في مناطق الصراع، كما هي خطة الإدارة الحالية لتدريب المتمردين السوريين.
وخلص التقرير إلى استثناء وحيد، كان عندما ساعدت وكالة الاستخبارات في تسليح وتدريب الثوار المجاهدين الذين حاربوا الاتحاد السوفياتي في أفغانستان خلال عقد الثمانينات، وهي العملية التي استنزفت وببطء شديد المجهود الحربي السوفياتي وأدت إلى الانسحاب العسكري الكامل عام 1989. كانت تلك الحرب السرية ناجحة من غير وجود ضباط الاستخبارات الأميركية على الأرض في أفغانستان، كما يقول التقرير، وذلك إلى حد كبير يعود إلى وجود ضباط الاستخبارات الباكستانية الذين كانوا يعملون مع المتمردين في أفغانستان. غير أن الحرب الأفغانية - السوفياتية كان يُنظر إليها أيضا بوصفها قصة تحذيرية. فإن بعضا من المجاهدين الخبراء في فنون القتال أسسوا فيما بعد النواة الأولى لتنظيم القاعدة، واستخدموا أفغانستان قاعدة للتخطيط لهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001. وقد عززت تلك التجربة من المخاوف بأنه بصرف النظر عن مقدار الاحتياط المراعى من أجل منح الأسلحة فقط إلى من يطلق عليهم المتمردون المعتدلون في سوريا، فإنه يمكن في نهاية المطاف أن تنتهي الأسلحة في أيدي جماعات ترتبط بتنظيم القاعدة، مثل تنظيم جبهة النصرة.
ويقول المسؤول الأميركي الكبير السابق، مستدعيا نقاشا جرى عام 2012 على مستوى الإدارة الأميركية حول إمكانية تسليح المتمردين في سوريا من عدمه: «ما حدث بعد ذلك كان من المحال محوه من ذاكرة أي شخص».
وكان أوباما لمح بإشارة ضمنية إلى دراسة وكالة الاستخبارات الأميركية خلال مقابلة أجرتها معه مجلة «نيويوركر» نشرت هذا العام. وقد أخبر أوباما المجلة حينها، متحدثا عن الجدال الثائر حول ما إذا كان ينبغي عليه تسليح المتمردين في وقت سابق: «طلبت من وكالة الاستخبارات، في وقت مبكر للغاية من تلك العملية، أن تعمل على تحليل الأمثلة السابقة للتمويلات الأميركية وتوريدات الأسلحة إلى حركات التمرد في دولة ما، تلك التي خرجت بنتائج جيدة. ولم تتمكن الوكالة من الخروج بالكثير إزاء ذلك». وقالت برناديت ميهان، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، إنه «من دون توصيف أي من المنتجات الاستخبارية المحددة، كان الرئيس يشير إلى حقيقة أن توفير الأموال أو الأسلحة فحسب إلى إحدى حركات المعارضة هو أبعد ما يكون عن ضمان النجاح». وأضافت: «كنا واضحين تماما إزاء ذلك من البداية حينما أوضحنا استراتيجيتنا في سوريا. وكان ذلك هو السبب وراء التأني في تقديم الدعم إلى المعارضة السورية المعتدلة، حيث كان الهدف، بمزيد من الأهمية، أحد عناصر الاستراتيجية متعددة الأوجه من أجل تهيئة الظروف للوصول إلى حل سياسي للنزاع». وكان تسليح القوات الأجنبية من المهام الأساسية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية منذ إنشائها، وظل عنصرا رئيسا في الجهود الأميركية لشن المعارك بالوكالة ضد الاتحاد السوفياتي السابق إبان الحرب الباردة. وكانت أولى تلك العمليات في عام 1947، العام الذي أنشأت فيه وكالة الاستخبارات، حينما أصدر الرئيس الأميركي هاري إس. ترومان أوامره بإرسال أسلحة وذخائر بملايين الدولارات إلى اليونان لمساعدتها في إخماد التمرد الشيوعي هناك. وفي خطاب له ألقاه أمام الكونغرس في شهر مارس (آذار) من ذلك العام، قال ترومان إن سقوط اليونان قد يزعزع من استقرار تركيا المجاورة، و«قد تنتشر الاضطرابات بصورة كبيرة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط بأكملها». وساعدت تلك المهمة في تدعيم الحكومة اليونانية الهشة. ولكن في أغلب الأوقات، مع ذلك، دعمت الاستخبارات الأميركية الجماعات المتمردة التي تقاتل ضد الحكومات اليسارية، وكانت النتائج غالبا ما تأتي كارثية. هناك عملية خليج الخنازير في كوبا في عام 1961، التي قامت خلالها قوات العصابات الكوبية التي دربتها الاستخبارات الأميركية بشن هجوم لمحاربة قوات فيدل كاسترو، التي انتهت بكارثة. وخلال فترة الثمانينات، أجازت إدارة الرئيس السابق ريجان لوكالة الاستخبارات محاولة إسقاط حكومة ساندنيستا في نيكاراغوا من خلال حرب سرية مع دعم متمردي الكونترا، الذين تعرضوا لهزيمة فادحة في نهاية الأمر.
وعقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، قاتلت القوات شبه العسكرية التابعة للاستخبارات المركزية الأميركية مع فرق القوات الخاصة بالجيش الأميركي جنبا إلى جنب مع الميليشيات الأفغانية لإخراج قوات حركة طالبان خارج المدن وإقامة حكومة جديدة في كابل. وفي عام 2006 نظمت الاستخبارات الأميركية عملية لتهريب الأسلحة من أجل تسليح مجموعة من زعماء الحرب الصوماليين الذين اتحدوا تحت راية تحالف استعادة السلام ومكافحة الإرهاب برعاية واشنطن. وجاءت تلك الجهود بنتائج عكسية، حيث تعززت قوى المقاتلين الإسلاميين الذين تدخلت الاستخبارات الأميركية في الأساس لهزيمتهم.
ويقول لوخ كيه. جونسون، أستاذ الشؤون العامة والدولية لدى جامعة جورجيا والخبير في شؤون الاستخبارات: «إنه تاريخ مشوب بالكثير من الاختلاط. إنك بحاجة إلى أناس جيدين ومخلصين فعلا ومستعدين للقتال على الأرض».
وزاد مسار النزاع السوري من الشكوك المثارة حول ولاء وقدرات المعارضة السورية؛ فسنوات الحرب الأهلية الدامية قد أدت إلى انقسامات عدة بين القوات التي تحارب قوات الأسد الحكومية، مع ازدياد عدد المقاتلين الذين يدينون بالولاء إلى الجماعات المتطرفة مثل تنظيم داعش وجبهة النصرة.
وقال الرئيس أوباما، خلال الشهر الماضي، إنه قد يضاعف الجهود الأميركية عن طريق اشتراك وزارة الدفاع الأميركية في تسليح وتدريب قوات المتمردين. ولم يبدأ ذلك البرنامج بعد.
وقال الأميرال جون كيربي، المتحدث الرسمي باسم البنتاغون، الأسبوع الماضي، إن شهورا ستمر من العمل المضني قبل أن تقرر المؤسسة العسكرية كيفية هيكلة البرنامج وكيفية التجنيد والتأكد من المتمردين. وأضاف: «سيكون جهدا طويل الأمد».
* خدمة «نيويورك تايمز»



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.