عائلات سورية تروي تجاربها عبر خطوط التماس

سوق بلدة أبو راسين شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
سوق بلدة أبو راسين شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
TT

عائلات سورية تروي تجاربها عبر خطوط التماس

سوق بلدة أبو راسين شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
سوق بلدة أبو راسين شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)

تروي ماجدة من مدينة رأس العين في شمال شرقي سوريا ومتزوجة في ناحية «أبو راسين» المجاورة، بأنّ عائلتها انقسمت كحال الكثيرين بعد أن بقي والداها في مسقط رأسها أما إخوتها فسافروا إلى مدن الداخل بسبب التطورات الميدانية التي شهدتها المنطقة قبل شهرين. ولم يعد بمقدورها زيارتهم بسبب تقسيمات الحرب والحدود الساخنة، وتقول: «مضى شهران ولم أر أمي وأبي، اشتقت لهما كثيراً».
ماجدة البالغة من العمر (35) سنة وأثناء حديثها كانت تجلس أمام باب منزلها الكائن في ناحية «أبو راسين»، تسترق لحظة للتأمل في أبواب الجيران المقفلة وكانت النوافذ موصدة تنتظر عودة أصحابها. أما شوارعها فباتت خالية بعدما كانت مزدحمة قبل الحرب من المارة جيئة وذهاباً، وأعربت عن حزنها العميق بعد انقسام مدينتها بين جهات متناقضة بالحرب الدائرة، وقالت بمرارة: «فإذا ولّيت وجهك غرباً؛ ستجد عناصر (الجيش الحر) برفقة جنود ومدرعات الجيش التركي، وإن ولّيته شرقاً ستلحظ تنقلات قوات الأسد بصحبة الجنود الروس وآلياتهم العسكرية».
و«أبو راسين» تتبع إدارياً مدينة رأس العين التي تبعد عنها نحو 30 كيلومتراً من جهة الشرق، كما تبعد 75 كلم عن محافظة الحسكة، لكن تركيا وفصائل سورية أطلقوا في 9 من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عملية عسكرية سيطرت بموجبها على رأس العين وريفها الشرقي والجنوبي وصلت حدودها إلى مشارف «أبو راسين» ويخضع ريفها الغربي لها، فيما انتشرت قوات حرس الحدود السورية الهجانة باتفاق مع «قوات سوريا الديمقراطية» وبرعاية روسية في مركز الناحية وريفها الشرقي على طول نهر «زركان» حتى بلدة تل تمر المجاورة وتقع الأخيرة على الطريق الدولي السريع (M4).
شفان الذي يمتلك مغسلة سيارات ويتحدر من ريف «أبو راسين» الشرقي ويسكن فيها منذ قرابة عشرين عاماً، يقول بأن عمله توقف منذ شهرين بسبب غياب حركة المدنيين والمزارعين من أبناء المنطقة. ورغم استمرار المعارك المتقطعة في محيطها عاد إليها ولم يحتمل مرارة النزوح، ويضيف: «تقسيمات الحرب فصلت منطقتنا بين جهات متعادية، القسم الأكبر من سكانها فضلوا الابتعاد عنها وسافروا نحو الداخل، والقليل مثلي عادوا بعد مرارة النزوح والجميع ينتظر تحديد مصيرها»، ونظر إلى شارع السوق وكان فارغاً بعدما كان يعج بالزبائن وأصحاب السيارات الزراعية، ثم صمت برهة قبل أن يتابع كلامه وأضاف: «لا أعتقد ستعود الحياة إليها فمن سافر لن يعود».
وتقع «أبو راسين» بمحاذاة الحدود مع تركيا وتحولت إلى ملتقى مناطق نفوذ منفصلة للروس والأتراك، وهذه الدول تدعم جهات سورية متحاربة على نقيض الحرب الدائرة منذ ثماني سنوات عجاف، كان يسكنها عشرة آلاف نسمة قبل شهرين وبعد الهجوم التركي لم يتبق منهم سوى بضع مئات.
وتمكن عبد القادر المتحدر من قرية «جان تمر» وتخضع لسيطرة فصائل معارضة وجنود أتراك، من إخراج محصوله الزراعي من القرنبيط لبيعها في أسواق الحسكة، اجتاز الحدود العسكرية بين الأطراف المتقاتلة على الأرض. ويقول: «قلت للعسكر هنا وهناك، هذا منتوجي الزراعي وتعب أشهر لبيعه وتأمين لقمة العيش لعائلتي. كي لا نموت من الجوع»، وباتت رأس العين جزيرة معزولة عن محيطها وعمقها ويحتاج المزارعون إلى أسواق مركزية لبيع محصولهم وأشار عبد القادر أن حواجز التفتيش: «سمحوا لي بالعبور بعد إجراءات معقدة وتفتيش تدقيق».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.