في مدة قياسية... «أرامكو» على «تداول» الأربعاء المقبل

السوق المالية تحدد نسبة التذبذب اليومي لسعر السهم 10%

في مدة قياسية... «أرامكو» على «تداول» الأربعاء المقبل
TT

في مدة قياسية... «أرامكو» على «تداول» الأربعاء المقبل

في مدة قياسية... «أرامكو» على «تداول» الأربعاء المقبل

في خطوة قياسية جديدة يشهدها الطرح العام لشركة «أرامكو السعودية»، أعلنت شركة السوق المالية (تداول) – المنصة الإلكترونية لتداول الأسهم السعودية – أمس رسمياً، أن إدراج سهم «أرامكو» سيكون يوم الأربعاء المقبل الحادي عشر من الشهر الحالي، في خطوة زمنية قياسية بالمقارنة مع ما هو معمول به في الأسواق العالمية.
وفي سياق مشابه، كشفت «أرامكو» كذلك عن إتمام عملية إيداع الأسهم لجميع المكتتبين بعد أقل من 18 ساعة من إعلان التخصيص، ليعد إتمام هذا الإجراء في مدة قياسية مقارنة بالأسواق العالمية، كما سيتم تخصيص فترة إضافية لمزاد الافتتاح ووضع قيمة أوامر البيع والشراء على السهم مع إدراج الشركة في السوق المالية بهدف إتاحة المجال لتحديد السعر بطريقة أكثر فاعلية.
وبعد أن أسدل الستار رسمياً على بيانات الطرح العام لشركة «أرامكو السعودية» المنتهية الأربعاء الماضي، باتت «أرامكو» أكبر اكتتاب عام يشهده تاريخ الأسواق المالية في العالم؛ إذ استطاع الطرح العام تحصيل المستهدف 25.6 مليار دولار، بينما جاءت نتائج الإقبال قياسية بنسبة تغطية 465 في المائة، أي مضاعف المستهدف جمعه بواقع 4.6 مرّة، متقدماً على أكبر الطروحات الأولية المنفذة في الأسواق العالمية.
ولا بد من الإشارة إلى أن قيمة الطرح الحالية ومعدل الإقبال جاء على ما نسبته 1.5 في المائة فقط من رأسمال الشركة (3 مليارات سهم)؛ ما يجعل خطوة الطرح ومستوى الإقبال تأكيداً لنظرة السعودية لموثوقية استراتيجية تحويل ضلع رئيس من أركان اقتصادها إلى الخصخصة والملكية العامة.

وخلال رحلة الإعلان عن فكرة التحول التي انطلقت منذ 2016 على لسان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في حوار تلفزيوني آنذاك، كان اكتتاب «أرامكو» الكلمة المفتاحية الأكثر تداولاً في محركات بحث الأنباء والأخبار والمتابعات الاقتصادية، لتأتي اللحظة التي تعلن فيها السعودية انتهاء الاكتتاب العام وتوقيت الإدراج؛ مما يؤكد قدرة استيعاب السوق المالية والقوة الشرائية للأفراد والمؤسسات للتسابق على اقتطاع جزء من كعكة عملاق النفط والغاز والطاقة المتكاملة. إلى تفاصيل أدق في رحلة الطرح العام ومقارنتها بمثيلاتها العالمية في هذا التقرير:
- تفاصيل إحصائية
شهد الاكتتاب على الطرح العام بيانات قياسية في حجم المتحصلات بعد انتهاء فترة بناء الأوامر وتحديد سعر سهم الطرح الذي تقرر عند النطاق السعري الأعلى 32 ريالاً (8.5 دولار) للسهم الواحد، حيث بلغ مجموع طلبات الاكتتاب في عملية الطرح 446 مليار ريال (119 مليار دولار)، في وقت كان المستهدف هو 96 مليار ريال (25.6 مليار دولار) تمثل قيمة 1.5 في المائة من رأسمال الشركة، وتحديداً 3 مليارات سهم، منها مليار سهم مخصصة لشريحة الأفراد، ومليارا سهم لشريحة المؤسسات التي بلغت أوامر اكتتاباتها ما قوامه 397 مليار ريال (105.8 مليار دولار)، في حين بلغ العدد النهائي للمكتتبين الأفراد 5.05 مليون مكتتب قاموا بالاكتتاب بقيمة إجمالية 49.1 مليار ريال (13.1 مليار دولار)، وبنسبة تغطية بلغت 153.7 في المائة.
- تخصيص وفائض
ووفقاً لبيان صدر فجر أمس، سيتم تخصيص كامل الأسهم المكتتب بها حتى 1500 سهم لكل مكتتب؛ وهو ما يمثل نسبة تخصيص كاملة إلى 97.5 في المائة من إجمالي عدد المكتتبين، بينما سيتم تخصيص الأسهم المتبقية على أساس تناسبي بما يعادل 10.9 في المائة.
وبلغ عدد السعوديين المكتتبين 4.9 مليون فرد، بينما بلغ عدد الخليجيين 2.4 ألف مكتتب، في حين بلغ عدد المكتتبين المقيمين 106.2 ألف مكتتب. وكانت «أرامكو» أعلنت أنه سيتم رد الفائض للمكتتبين بدءاً من أمس (6 ديسمبر/كانون الأول) وحتى موعد أقصاه الـ12 من الشهر ذاته؛ ما يجعل هذا أحد أسرع الاكتتابات في تاريخ السوق السعودية.
- المزاد والإيداع
وأفصحت أمس شركة السوق المالية (تداول) المعنية بتنظيم عملية التداول والتعاملات المالية في أسواق المال السعودية، عن تمديد فترة المزاد بتخصيص فترة إضافية لمزاد الافتتاح لإدراج شركة بحجم «أرامكو»، مشيرة إلى أن هذا يعد إجراءً معمولاً به في معظم الأسواق العالمية، لكنها أكدت بأن الإجراء سيتيح المجال لتحديد السعر بطريقة أكثر فاعلية عن طريق تقديم وقت إضافي للمساهمين في السوق لوضع أوامر البيع والشراء والتي بدورها ستنعكس على سعر الافتتاح.
وفي وقت قياسي كذلك، أتمت شركة مركز إيداع الأوراق المالية - الجهة الوحيدة المسؤولة عن خدمات الحفظ والتسجيل والمقاصة والتسوية في أسواق المال السعودية - عملية إيداع الأسهم لجميع المكتتبين بعد أقل من 18 ساعة من إعلان التخصيص، مؤكدة أن المدة تعد قياسية مقارنة بالأسواق العالمية.
- الإدراج والتداول
وتحقيقاً لـ«رؤية المملكة 2030»، ها هي أكبر شركات النفط والطاقة المتكاملة في العالم، باتت على منصة تداول الأوراق المالية السعودية، حيث تقرر إدراج وبدء تداول أسهم «أرامكو» بعد أربعة أيام عمل من انتهاء مرحلة الاكتتاب في خطوة زمنية قياسية مقارنة بما هو معمول به في الأسواق العالمية، حيث تعد السرعة التي حققتها «تداول» لترتيب إدراج السهم أفضل من سوق متقدمة كسوق هونغ كونغ.
وسيكون الأربعاء المقبل، وهو الحادي عشر من ديسمبر الحالي، موعداً لمشاهدة أكبر شركة نفط للعالم على شاشة «تداول» البورصة التي ستكون بين أكبر عشرة أسواق مالية عالمية بإدراج قيمة «أرامكو» السوقية للأسهم المكتتب بها.
وأعلنت أمس «تداول»، أنه سيتم إدراج وبدء تداول أسهم الشركة بالرمز 2222، على أن تكون نسبة التذبذب اليومي لسعر السهم 10 في المائة.
وأوضحت، أنه سيتم في اليوم الأول فقط للإدراج تمديد فترة جلسة مزاد الافتتاح لمدة 30 دقيقة إضافية، وبالتالي تبدأ فترة جلسة مزاد الافتتاح ليوم الأربعاء المقبل في تمام الساعة 0930 صباحاً، وتنتهي في الساعة 1030 صباحاً بتوقيت السعودية، في حين تبدأ جلسة التداول المستمر الساعة 1030 صباحاً، بينما تبدأ جلسة مزاد الإغلاق بحسب المعتاد الساعة 1500 عصراً.
وبينت «تداول» أن فترة جلسة مزاد الافتتاح لباقي الأوراق المالية المدرجة في السوق الرئيسية ستبقى كما هي دون أي تغيير، من الساعة 0930 صباحاً إلى الساعة 1000، حيث سيبدأ التداول المستمر لباقي الأوراق المالية المدرجة كالمعتاد الساعة 1000 صباحاً.
- صانع استقرار
وربما اللافت في اكتتاب «أرامكو» وجود صانع سوق بمعناه الواقعي؛ إذ نظراً لضخامة الطرح العام وحجم الثقل المنتظر على وزن المؤشر، تم السماح لمدير الاستقرار السعري بتنفيذ العمليات المتعلقة بالاستقرار السعري، حيث قام المساهم البائع بمنح مدير الاستقرار السعري خيار شراء يستطيع بموجبه أن يشتري من المساهم البائع 450 مليون سهم إضافي كحد أقصى، تمثل 15 في المائة من إجمالي حجم الاكتتاب الأساسي للطرح (أسهم التخصيص الإضافي) بسعر الطرح النهائي.
وستكون ممارسة خيار الشراء متاحة بشكل كلي أو جزئي بناءً على إخطار من مدير الاستقرار السعري خلال فترة لا تتجاوز 30 يوماً من اليوم التالي لبدء تداول الأسهم في السوق المالية السعودية (تداول). وفي حال تمت ممارسة خيار الشراء بشكل كامل، سيكون حجم الطرح الإجمالي في السوق المالية ما قوامه 110.4 مليار ريال (29.3 مليار دولار).
- الأكبر في التاريخ
وبالاكتتاب المنتهي أخيراً، تكون «أرامكو» رسمياً أكبر طرح عام أولي لأعلى الشركات ربحية في العالم على الإطلاق؛ إذ بالمقارنة مع أكبر 3 عمليات طرح عام أولي في التاريخ، يتضح الفارق.
ويأتي أولاً ما شهده عام 2014 من طرح لشركة «علي بابا» بقيمة 21.8 مليار دولار كحجم العرض الأساسي؛ بينما تبلغ 25 مليار دولار في حال ممارسة خيار الشراء، تلاها في عام 2010 «بنك الصين الزراعي» بقيمة 22.1 مليار دولار كحجم عرض أساسي، يزيد مع تنفيذ خيار الشراء إلى 24 مليار دولار، كما يأتي ثالثاً في عام 2006 «البنك الصناعي والتجاري الصيني» بقيمة 19.1 مليار دولار قبل تنفيذ خيار الشراء الذي يرفع القيمة إلى 21.9 مليار دولار.
وإقليمياً، يعد «البنك الأهلي التجاري السعودي» هو أكبر عملية طرح أولي في السعودية، حيث استحصل عام 2014 ما مقداره 22.5 مليار ريال (6 مليارات دولار)، بينما تسجل «موانئ دبي العالمية» أكبر طرح منفذ في منطقة الخليج عام 2007 بقيمة 5 مليارات دولار. وتوازي قيمة طرح «أرامكو» قيمة أكبر 16 عملية طرح عام أولي في السعودية مجتمعة، حيث تم جمع 26.4 مليار دولار في إجماليها معاً، في وقت توازي كذلك قيمة أكبر 8 عمليات طرح عام أولي في دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة بقيمة 25.8 مليار دولار.
- مقارنات سعرية
عند سعر الطرح النهائي 32 ريالاً (8.5 دولار) للسهم الواحد، تكون القيمة السوقية لـ«أرامكو» 6.4 تريليون ريال (1.71 تريليون دولار)، وهذا الرقم أكبر بمقدار 1.4 مرة من حجم أكبر شركة مدرجة حالياً في العالم، وهي «آبل» التي تبلغ قيمتها السوقية 1.1 تريليون دولار.
وعلى صعيد شركات النفط، تعد «أرامكو» أكبر بمقدار 1.7 مرة من القيمة السوقية لشركات النفط العالمية الخمس الكبرى مجتمعة، والبالغ نحو تريليون دولار، حيث تبلغ «شل» 225.5 مليار دولار؛ و«إكسون موبيل» نحو 228.3 مليار دولار؛ و«توتال» 141.9 مليار دولار؛ و«بي بي» نحو 126 مليار دولار؛ و«شيفرون» نحو 221.5 مليار دولار.
- لا مقارنة عادلة
وتختلف جميع عمليات الاكتتاب عن بعضها؛ فمن الصعب للغاية إجراء مقارنة عادلة بين أي منها بسبب التباينات في القطاع، ومعدلات النمو، والتقييمات، وعملية العرض، والمساهمين المستهدفين، وحجم الزيادة، وحجم الشركة، والتوقيت، وظروف السوق، والدورة الاقتصادية، وأسعار الفائدة، وسوق الإدراج، وغيرها من العوامل.
كما أن مقارنة «أرامكو» بشركة «علي بابا» كذلك غير متسقة؛ إذ إن الأخيرة تعد شركة تكنولوجيا يبلغ تعداد سكان سوقها المحلية نحو 1.4 مليار نسمة في وقت الاكتتاب العام (2014)، أي أكبر بمقدار 41 مرة من عدد سكان السعودية، في وقت يشهد فيه القطاع تطوراً ونمواً غير متوقعين على الإطلاق آنذاك، كما أن النموذج المالي والتجاري لا يزال جديداً، بالإضافة إلى عدم وجود معايير قابلة للمقارنة فعلياً بين الطرفين يمكن للمستثمرين استخدامها لتوجيه عملية التقييم.
- فرصة لا مثيل لها
وترى الشركة أنها فرصة استثمارية لا مثيل لها، وفقاً لاستقراء المؤشرات المالية، حيث يمثل العائد المستدام من التدفق النقدي الحرّ مقياساً قوياً يميز «أرامكو» عن غيرها، حيث يبلغ عمر احتياطي الشركة 52 عاماً مع ربحية لا تُضاهى بصافي دخل يبلغ 111 مليار دولار.
وكذلك تستفيد الشركة من طول عمر الاحتياطيات وانخفاض تكلفة الإنتاج، ودمج التقنية والابتكار، وانخفاض تكلفة استبدال الاحتياطيات، تتمتع «أرامكو» بأقل نفقات رأسمالية لكل برميل مقارنة مع أي من شركات النفط العالمية الخمس الكبرى.
يضاف إلى ذلك مرونة في دورات أسعار النفط بفضل ضخامة الإنتاج والكفاءة العالية والانضباط في إدارة الميزانية العمومية بجانب نسبة المديونية المنخفضة للغاية، مدعومة بآفاق قوية للطلب على المدى البعيد على جميع الأصعدة مدفوعة بالنفط الخام والغاز الطبيعي والبتروكيميائيات بجانب التوسع نحو أسواق سريعة النمو. ولدى الشركة مزايا نوعية أخرى، حيث تعد أقل منتج للكثافة الكربونية على مستوى العالم بواقع 10.2 كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون لكل برميل مكافئ نفطي، وتبلغ نسبة كثافة الميثان 0.06 في المائة.
وأمام ذلك، لدى الشركة أهداف واضحة لسياسة توزيع الأرباح والنية بتحقيق نمو مستدام لتوزيعات الأرباح، مع التزام بتوزيعات أرباح بقيمة 75 مليار دولار كحد أدنى خلال الفترة بين 2020– 2024، كما أن لديها فرصة استثمارية فريدة في شركة يقودها فريق إدارة عليا من ذوي الخبرة والكفاءة ويتمتع بسجل حافل في تحقيق ربحية وعوائد لا تضاهى في القطاع.


مقالات ذات صلة

«فيتش» تثبّت تصنيف «أرامكو‬» عند «إيه +» مع نظرة مستقبلية «مستقرة»

الاقتصاد شعار أرامكو (أ.ف.ب)

«فيتش» تثبّت تصنيف «أرامكو‬» عند «إيه +» مع نظرة مستقبلية «مستقرة»

ثبّتت وكالة «فيتش‬» للتصنيف الائتماني تصنيف شركة «أرامكو‬ السعودية» عند «إيه +» مع نظرة مستقبلية «مستقرة».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد شعار «أرامكو» في معرض بباريس (رويترز)

«أرامكو» توقع اتفاقية لبناء أحد أكبر مراكز استخلاص الكربون وتخزينه على مستوى العالم

وقّعت «أرامكو السعودية» اتفاقية مساهمين مع شركتي «لينداي» و«إس إل بي»، تمهّد الطريق لتطوير مركز استخلاص الكربون وتخزينه في مدينة الجبيل.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد الرئيس التنفيذي لشركة «أرامكو» متحدثاً في منتدى «مبادرة السعودية الخضراء» (الشرق الأوسط)

الناصر: «أرامكو» تبحث التعاون مع الشركات الناشئة في التحول الطاقي

قال الرئيس التنفيذي لشركة «أرامكو السعودية» إن «أرامكو» تبحث التعاون مع الشركات الناشئة في التحول الطاقي.

الاقتصاد صفقة استحواذ «ارامكو» على 10 % في «هورس باورترين» بلغت 7.4 مليار يورو (رويترز)

«أرامكو» تكمل الاستحواذ على 10 % في «هورس باورترين المحدودة» بـ7.4 مليار يورو

أعلنت «أرامكو السعودية» إكمال شراء 10 في المائة بشركة «هورس باورترين» المحدودة الرائدة في مجال حلول نقل الحركة الهجين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ناقلة نفط يتم تحميلها في مصفاة رأس تنورة النفطية التابعة لـ«أرامكو السعودية» (رويترز)

شركات الطاقة السعودية تحقق 27.45 مليار دولار أرباحاً في الربع الثالث

حققت شركات الطاقة المدرجة في السوق المالية السعودية (تداول) أرباحاً بلغت نحو 102.94 مليار ريال سعودي (27.45 مليار دولار) خلال الربع الثالث من عام 2024.

محمد المطيري (الرياض)

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 
TT

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة)، قبل أن تصبح اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، وحاصلة على 9 شهادات قياسية من «غينيس».

وسميت «الكنداسة» اشتقاقاً من اسمها اللاتيني (Condenser) والتي تعني المكثف، هذه الآلة كانت تعمل بالفحم الحجري لتكثيف وتقطير مياه البحر لتنتج المياه العذبة.

وفي عام 1926، وبسبب معاناة الحجاج والمعتمرين من قلة المياه العذبة عند وصولهم إلى جدة، إذ كانت بالكاد تكفي السكان، أمر الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود باستيراد آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر لتأمين احتياجهم من الماء.

أما نقطة التحول فكانت في 1974، العام الذي أنشئت فيه المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية (الهيئة السعودية للمياه حالياً). وتدير حالياً 33 محطة تحلية، من بينها 8 محطات على ساحل الخليج العربي و25 محطة على ساحل البحر الأحمر.

وتنتج هذه المحطات 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، ما يعادل نحو 70 في المائة من إنتاج المياه المحلاة في المملكة، ما يجعلها أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

وقد سجّلت في فبراير (شباط) الماضي المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تسعة أرقام قياسية سعودية جديدة في موسوعة «غينيس» العالمية، وذلك لإنتاجها ما يزيد على 11.5 مليون متر مكعب يومياً.

استثمارات ضخمة

أصبحت السعودية من كبرى الدول في العالم من حيث حجم الاستثمارات في تحلية المياه، إذ ضخت استثمارات كبيرة في بناء محطات التحلية، بحسب وكيل الرئيس للشراكات الاستراتيجية والمحتوى المحلي في الهيئة السعودية للمياه المهندس محمد آل الشيخ، خلال حديثه في مؤتمر الأطراف (كوب 16) المقام حالياً في الرياض.

وأوضح آل الشيخ أن العاصمة الرياض على سبيل المثال تحصل على المياه المحلاة من بحر الخليج العربي عبر خط أنابيب يمتد لمسافة 500 كيلومتر، وهو نظام نقل مياه متطور لنقل المياه المحلاة، مضيفاً أن هناك استثمارات في البنية التحتية قد تمت على مدار أكثر من أربعة عقود.

ووفقاً لآخر الأرقام المعلنة، فقد رصدت البلاد ميزانية تجاوزت 80 مليار دولار لتنفيذ مئات المشاريع المائية خلال السنوات المقبلة.

تعميم التجربة

ولم تدخر السعودية الخبرات التي جمعتها منذ أن تحولت تحلية المياه من «الكنداسة» إلى أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

فقد وقّعت في يوليو (تموز) 2024 اتفاقية مع البنك الدولي تهدف في أحد بنودها إلى تعميم تجربة المملكة الناجحة في قطاع المياه إلى الدول الأقل نمواً.

وتشمل أيضاً نقل المعرفة وتبادل الخبرات في إدارة الموارد المائية وتقليل التكاليف التشغيلية للمرافق.

وتسعى البلاد إلى مساعدة الدول الأخرى في تحسين كفاءة قطاع المياه وتطوير حلول مستدامة، ما يحقق الهدف السادس لهيئة الأمم المتحدة: «المياه النظيفة والنظافة الصحية»، وفق البيان.

تقنيات الطاقة

وفيما يخص التقنيات المتطورة في تحلية المياه، تحدث آل الشيخ عن التوجهات المستقبلية لتحسين تقنيات التحلية، إذ انتقلت المملكة من استخدام تقنيات التحلية الحرارية إلى تقنيات أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة بنسب تصل في توفير الطاقة لأكثر من 80 في المائة، وتهدف إلى أن تصبح 83 في المائة من مياه البحر المحلاة، وتعتمد على تقنية التناضح العكسي، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة.

وتُستخدم تقنية التناضح العكسي بشكل واسع في تحلية مياه البحر للحصول على مياه صالحة للشرب، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك في العديد من التطبيقات الصناعية التي تحتاج إلى مياه نقية وخالية من الشوائب.

آل الشيخ متحدثاً للحضور خلال إحدى الجلسات على هامش مؤتمر (كوب 16) بالرياض (الشرق الأوسط)

وأشار آل الشيخ إلى أن المملكة قامت بتنفيذ تجارب مبتكرة، مثل المشروع التجريبي في مدينة حقل (شمال غربي السعودية)، من خلال إنشاء محطة هجينة تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح والطاقة التقليدية.

و«قد أثبت المشروع أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تقليل استهلاك الطاقة في تشغيل محطات التحلية، حيث يمكن للطاقة المتجددة أن تساهم في تشغيل المحطات بنسبة تصل إلى 60 في المائة في بعض الفصول».

انخفاض تكلفة الإنتاج

وفيما يتعلق بتكاليف الإنتاج، أكد آل الشيخ أن تكلفة تحلية المياه قد انخفضت بشكل ملحوظ، إذ كانت تكاليف إنتاج متر مكعب واحد من الماء تتجاوز 4 ريالات (1.06 دولار) في الماضي، بينما الآن لا تتجاوز التكلفة 2.5 ريال (نحو 0.67 دولار)، مع توقعات بتحقيق انخفاض أكبر في المستقبل.

وخلال الجلسة الحوارية على هامش «كوب 16»، قال المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار جاه إن الدول التي تعاني من ندرة المياه يجب أن تسعى إلى إعادة استخدام كل قطرة مياه في البلاد عدة مرات.

وأشار إلى أن سنغافورة تعد نموذجاً في هذا المجال، حيث تعيد استخدام كل قطرة مياه 2.7 مرة. وفيما يتعلق بالسعودية، ذكر أن المملكة تستخدم المياه مرتين تقريباً، مع إمكانية تحسين هذه النسبة بشكل أكبر في المستقبل.

المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار خلال الجلسة الحوارية (الشرق الأوسط)

وفيما يخص تكلفة تحلية المياه، قال إنها انخفضت بنسبة 80 في المائة تقريباً عالمياً، بفضل استخدام الطاقة الشمسية وتطور التقنيات المستخدمة في التحلية، مما يجعل هذه الطريقة أكثر جدوى في البلدان مثل السعودية التي تقل فيها معدلات هطول الأمطار.

ولفت كومار جاه إلى زيارته الأخيرة منطقة أنتوفاغاستا في تشيلي، وهي الأشد جفافاً في العالم، إذ لا تسقط فيها الأمطار على الإطلاق.

ورغم ذلك، تُعد هذه المنطقة من أكثر المناطق الاقتصادية ازدهاراً في العالم، بفضل تبني تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدامها، مما يعكس إمكانية بناء المرونة المائية في المناطق الجافة مثل السعودية، بحسب كومار جاه.