كيري يبلور مبادرة جديدة لإنقاذ المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية

مناقشة حدود 1967 مقابل وقف مشروع الدولة في مجلس الأمن

جون كيري
جون كيري
TT

كيري يبلور مبادرة جديدة لإنقاذ المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية

جون كيري
جون كيري

في وقت أعلن فيه الفلسطينيون أنهم ماضون في تقديم مشروع إلى مجلس الأمن لإقامة الدولة الفلسطينية، وتحديد موعد لانسحاب القوات الإسرائيلية منها (خلال سنتين)، كشفت مصادر إسرائيلية عن توجه جديد لوزير الخارجية الأميركي جون كيري لبلورة مبادرة جديدة، بهدف استئناف المفاوضات، مقابل تجميد الخطوة الفلسطينية.
وقال مسؤول سياسي إسرائيلي، أمس، إن كيري يعمل على بلورة مبادرة جديدة لاستئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، مقابل إحباط مشروع القرار الفلسطيني العربي في مجلس الأمن الدولي، الذي يدعو لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن المسؤول، الذي لم تسمه، أن مبادرة كيري تقوم على قاعدة المفاوضات على حدود 1967، وهو الأمر الذي يصر عليه الفلسطينيون. وبحسب «هآرتس»، فقد عرض كيري الخطوط العريضة لخطته هذه على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لكن من دون رد حاسم. وقال المسؤول الإسرائيلي إن كيري حاول استطلاع موقف نتنياهو بشأن التسوية، وما إذا كان مستعدا لقبول مبدأ المفاوضات على أساس حدود عام 1967 مع تبادل للأراضي، فلم يرفض نتنياهو المقترح خلال اللقاء الذي جمعهما على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية الشهر الماضي في نيويورك، لكنه بدا غير متحمس له، ورد بطريقة توحي بذلك. وكانت الولايات المتحدة رفضت تماما الخطة الفلسطينية، وأبلغت الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنها ستستخدم حق النقض (الفيتو) ضد القرار إذا بقي مصرا عليه، كما حذرته من تداعياته على السلطة. ولذلك تضغط الولايات المتحدة الآن لوقف الخطوة الفلسطينية في مجلس الأمن.
وكانت المجموعة العربية تقدمت مطلع الشهر الحالي بمشروع قرار إلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة عام 1967 بحلول نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، على أن تكون هناك قوات دولية على الأرض لحماية الشعب الفلسطيني، وأن تبدأ مفاوضات فورية لترسيم الحدود، يليها الاتفاق على جميع قضايا الحل النهائي دون استثناء في غضون عام واحد.
وبهذا الخصوص، قال صالح رأفت، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن دولا عربية (لم يسمها) استجابت لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، وتمارس ضغوطا على الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتأجيل طرح مشروع القرار الفلسطيني الخاص بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في مجلس الأمن إلى العام المقبل. وأضاف رأفت في حديث لإذاعة صوت فلسطين الرسمية أمس أن «كيري طلب من الرئيس عباس تأجيل التوجه لمجلس الأمن الدولي للعام المقبل، وطلب من دول عربية ممارسة ضغوط على الرئيس»، موضحا أن «دولا عربية تقوم بالضغط على القيادة الفلسطينية لتأجيل هذا التوجه». إلا أن القيادة الفلسطينية مصرة على التوجه لمجلس الأمن الدولي نهاية الشهر الحالي، في حال ضمان الحصول على موافقة 9 دول على مشروع القرار الفلسطيني، حسب رأفت.
وعلق عضو اللجنة التنفيذية على نية كيري بلورة مبادرة جديدة لاستئناف عملية السلام بقوله: «لم تقدم الإدارة الأميركية أي مبادرات مكتوبة، وكانت دوما تقدم أفكارا شفوية، وكان الجانب الإسرائيلي يرفضها، ونحن ماضون في التوجه نحو المؤسسات الدولية». من جانبها، قالت مصادر إسرائيلية إن «الإدارة الأميركية قلقة من الخطوة الفلسطينية، وتخشى من أن تتسبب في أزمة حادة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ومع الولايات المتحدة كذلك». وبحسب المصادر ذاتها، فقد وافق الفلسطينيون على طلب وزير الخارجية الأميركي عدم عرض مشروع القرار للتصويت في مجلس الأمن إلى ما بعد انتخابات الكونغرس الأميركي المقررة في الرابع من نوفمبر المقبل، مما يعني أن أمام كيري فترة شهر للتوصل إلى صيغة مقبولة لاستئناف المفاوضات».
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان في روما أمس، إنه يستحيل حل القضية الفلسطينية إلا «بالتفاوض المباشر بين الجانبين المعنيين»، مؤكدا أن أي «قرارات خارجية أو إجراءات أحادية للاعتراف بالدولة الفلسطينية لن تحقق شيئا سوى تعطيل الجهود الرامية إلى إنجاز الحل السلمي».



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.