سوق بلدة أبو راسين ممر لدوريات تركية وروسية

لافتة قرب أبو راسين تدل إلى القرى المجاورة (الشرق الأوسط)
لافتة قرب أبو راسين تدل إلى القرى المجاورة (الشرق الأوسط)
TT

سوق بلدة أبو راسين ممر لدوريات تركية وروسية

لافتة قرب أبو راسين تدل إلى القرى المجاورة (الشرق الأوسط)
لافتة قرب أبو راسين تدل إلى القرى المجاورة (الشرق الأوسط)

على الطريق الرئيسية في مركز بلدة أبو راسين التابعة لمدينة رأس العين في شمال شرقي سوريا، تشير أسهم لافتة نحو ثلاث قرى تقع في جهتها الغربية: «باب الخير» و«داودية» و«مضبعة»، لكن منذ نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وبعد سيطرة الجيش التركي وفصائل سورية ضمن غرفة عملية «نبع السلام»، لم يعد بمقدور سكانها المدنيين أو أهالي المنطقة الذهاب إليها، فالمنطقة يطلق عليها «حوض نهر زركان» كان يسكنها خليط من العرب والأكراد باتت منقسمة بين دول كبرى فاعلة بالحرب الدائرة في سوريا، وجهات عسكرية سورية على نقيض بالحرب المستمرة منذ ثمانية أعوام ونصف.
وأبو راسين تبعد عن رأس العين نحو 30 كيلومتراً من جهة الشرق، كما تبعد 75 كلم عن محافظة الحسكة، وانتشرت قوات حرس الحدود السورية الهجانة باتفاق مع «قوات سوريا الديمقراطية» برعاية روسية بالجهة الشرقية على طول نهر زركان حتى بلدة تل تمر، فيما ينتشر الجيش التركي والفصائل السورية الموالية في جهتها الغربية. وتحولت سوق المدينة إلى مسرح لمرور عربات عسكرية تركية وروسية بعد تسيير ثلاث دوريات خلال الشهر الماضي، وحركة تنقل لسيارات عسكرية تتبع الجيش النظامي وجنوده من وإلى مناطق التماس ونصبت ثلاث نقاط مراقبة في محيط الناحية.
في سوقها المركزية، شوارع شبه فارغة ومتاجر مغلقة ومحال تنتظر عودة أصحابها، وبين عشرة ألاف نسمة كانوا يسكنونها قبل شهرين؛ لم يبق منهم سوى بضع مئات، رغم الهدنة الهشة المُعلنة بين تركيا وروسيا وتوقيع اتفاقية سوتشي نهاية الشهر الماضي، إذ يخشى أهالي المنطقة من تجدد العمليات القتالية والنزوح مرة ثانية، لأن المسافة الفاصلة بين الأطراف المتحاربة تقدر بنحو 500 متر.
يقول عاصم البالغ من العمر 35 سنة ويمتلك مخزن كنجو لبيع قطع تبديل السيارات، إنّ حياته انقلبت «رأساً على عقب» بعد السيطرة التركية على مدينتي رأس العين بالحسكة وتل أبيض بالرقة، وأصيبت سوق الناحية التجارية بالشلّل والجمود الاقتصادي بعد نزوح سكانها، «نزحت نحو شهر وانتظرت حتى انتهاء القتال، عدت ولكن أخشى من تجدد الحرب، لذلك حولت سيارتي إلى محل متنقل لبيع القطع ومكان للنوم في حال هربنا».
وتبدأ الحدود العسكرية الجديدة في هذه المنطقة من قرية الأسدية المحاذية للشريط الحدودي لتركيا والخاضعة للقوات النظامية مروراً بناحية أبو راسين حتى قرى السفح وكشمة زركان جنوباً التابعة لبلدة تل تمر، أما قرى علوك وقبر خضراوي وتل حرمل وجان تمر باتت خاضعة لفصائل سورية مسلحة تنضوي في غرفة عمليات «نبع السلام» الموالية لتركيا، وتنتهي سيطرة هذه الفصائل عند قرية الراشدية والأخيرة تبعد نحو 7 كلم عن بلدة تل تمر على الطريق الدولي.
وتمكن عبد القادر المتحدر من قرية «جان تمر» وتخضع لفصائل سورية معارضة، من إخراج محصوله الزراعي من القرنبيط بواسطة سيارة نقل صغيرة لبيعها في مدينة الحسكة، واجتاز الحدود العسكرية بين الأطراف المتقاتلة على الأرض. وباتت مدينة رأس العين جزيرة معزولة عن محيطها وعمقها.
وانتظر المزارع محمد سعيد شهراً ونصف حتى تمكن من جني محصوله من الزهرة بسبب الحرب الدائرة في محيط المنطقة، وقطعة أرضه تقابل تلة الناحية والتي نصب عليها الجيش النظامي نقطة مراقبة ورفعوا فوقها العلم السوري.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.