توتر غير مسبوق بين المودعين نتيجة إجراءات المصارف

TT

توتر غير مسبوق بين المودعين نتيجة إجراءات المصارف

تهمس موظفة في أحد المصارف اللبنانية لصديقتها بأن تسحب كل المبالغ التي لها الحق في الحصول عليها، حتى لو لم تكن تحتاجها. «لماذا؟»، تسأل الصديقة، فتجيب الموظفة: «لا تسألي، فأنا لا أعرف شيئاً. ونحن نطبق التعليمات ولا يحق لنا أن نفهم الأسباب». لكن الموظفة تؤكد أن «لا خوف على الودائع على المدى البعيد، وسوف تحل هذه الأزمة التي يؤثر فيها العامل النفسي لدى المودعين. ففي النهاية المصارف ليست خائفة من الوضع النقدي، إذا بقيت الأمور بهذه الوتيرة، لذا تعتمد هذه الإجراءات».
موظف في مصرف آخر، يجيب محدثه على الهاتف، بأن لا دولارات في آلة السحب. ويضيف: «نحن ننتظر أن تأتي الدفعة. وعليك أن تبادر فور وصولها إلى الحصول على المبلغ المطلوب؛ لأن الآلات تفرغ بسرعة جنونية. الناس متوترة وتوترنا».
وبمعزل عن التصريحات الرسمية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وجمعية المصارف والمصادر الاقتصادية، يعيش المودعون اللبنانيون توتراً غير مسبوق حتى في زمن الحرب الأهلية. فالتوتر هو السائد، لا سيما أنه مع مطلع الشهر يحل موعد استحقاق قبض الرواتب وتسديد الفواتير.
والمشهد الذي يعكس قلق اللبنانيين يظهره ازدحام سيارات مركونة عشوائياً قرب فروع المصارف، أينما كانت في لبنان؛ لأن المواقف لا تتسع لها، لذا يعمل الحراس الأمنيون وعناصر الشرطة الواقفون عند مدخل المصرف على تنظيم هذا الازدحام.
داخل المصرف مشهد آخر لصفوف المودعين المنتظرين دورهم. عسكري متقاعد كان عليه أن ينتظر دوره خلف 85 شخصاً قبل وصوله إلى الموظف، ليحصل على جزء من راتبه وفق ما تسمح به إجراءات المصرف.
إحدى المواطنات التي فضلت عدم الانتظار واعتماد بطاقتها للسحب من الآلة، فوجئت بسرعة تغيير الإجراءات للتضييق على سحب الودائع. قبل أيام كان مسموحاً لها بأن تسحب من الآلة مليون ليرة لبنانية. أما اليوم فالمسموح فقط 500 ألف ليرة يومياً و300 دولار أسبوعياً. تقول لـ«الشرق الأوسط» إن «عليها دفع مصاريف المبنى؛ حيث تسكن، مع فاتورة مولد الكهرباء والهاتف الخلوي، عدا الفواتير المستحقة لشركة الكهرباء والهاتف الثابت. بالتالي يتبخر المبلغ ولا يكفي لهذه المتوجبات المفروض تسديدها مطلع كل شهر، هذا بالإضافة إلى النفقات الحياتية الأخرى، كالغذاء والدواء، وتسديد قرض سيارة للمصرف ذاته، مع الإشارة إلى أنهم رفعوا قيمة الفائدة عليه بذريعة الأزمة الحالية».
هذه الإجراءات حوَّلت البطاقة المصرفية إلى وسيلة لا فعالية لها في يد أصحابها من اللبنانيين الواقفين أمام الآلات. وينتاب الخوف الفئات المتوسطة والقليلة الدخل من اللبنانيين لعجزهم عن تحصيل رواتبهم، وجهلهم بحقوقهم في الحصول على ودائعهم.
ويقول المحامي علي عباس لـ«الشرق الأوسط» إن «المودعين اللبنانيين يملكون وسيلتين لحفظ حقوقهم: الوسيلة الأولى تتطلب أمراً على عريضة لدى قاضي الأمور المستعجلة في منطقة المصرف، لإلزامه بتسليم الأموال المودعة، على اعتبار أنها أمانة للمودع، ولا يملك المصرف حق حجبها عنه عندما يطلبها. وقد سجلت حالة في النبطية (جنوب لبنان) حصل فيها المودع على حكم بسحب أمواله؛ لكن المصرف استأنف الحكم، ولا يزال المودع بانتظار حكم الاستئناف. أما الوسيلة الثانية، فهي بتوجيه إنذار إلى المصرف عن طريق كاتب العدل، يطلب بموجبه تسليمه الوديعة لأنها لدى المصرف على سبيل الأمانة، وإذا امتنع المصرف يرفع المودع دعوى جزائية ضده بتهمة إساءة الأمانة».
ويعتبر عباس أن «إجراءات المصارف غير قانونية بموجب قانون النقد والتسليف الذي ينظم علاقة المصارف بالمودعين، وهو لا يسمح بالقيود التي تفرضها المصارف. أما بشأن التزام المصارف بالتعاميم الصادرة عن جمعية المصارف، فهي أيضاً مخالفة للقانون؛ لأن الجمعية قطاع خاص وتعاميمها تتعلق بتنظيم العمل الداخلي للمصارف، وليس لتنظيم علاقة المصرف بالمودع. بالتالي الإجراءات الحالية هي إجراءات أمر واقع، ولا تصل إلى حالة الطوارئ؛ لأن هذه الحالة تحتاج إما إلى مرسوم من مجلس الوزراء وإما إلى قانون من مجلس النواب ليصار على ضوء الأول أو الثاني إعلان للطوارئ. ولا إعلان رسمي وقانوني لهذه الحالة».
ويضيف عباس أن «أخطر ما يتم تداوله من شائعات، عن توجه المصارف للإقفال حتى مطلع العام الجديد بحجة الانصراف إلى الأعمال الداخلية المفروض إنجازها مع نهاية العام الحالي، مع توفير بعض السيولة في آلات السحب، في حين أن السبب الحقيقي هو الخوف من فقدان السيولة، فالاحتياط لدى مصرف لبنان لا يغطي قيمة الودائع. والمودعون يسحبون أموالهم ولا يودعون أي مبالغ نقدية، ويفضلون الاحتفاظ بالسيولة لانعدام الثقة بالمصارف وبالوضع النقدي. ومصرف لبنان بدأ في طباعة ليرات لبنانية؛ لكن ضمن حدود خوفاً من انهيار سعر صرفها».



مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
TT

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)

في بلدة عمشيت الساحلية الهادئة التي تبعد 45 دقيقة بالسيارة شمالي بيروت، استأنفت المدارس الحكومية أخيراً مهمتها التعليمية وسط عشرات الآلاف من النازحين الذين اتخذوا من بعض المدارس مأوى مؤقتاً.

وحسب «رويترز»، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه مع تصاعد الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» في سبتمبر (أيلول) لحق الدمار بمئات المدارس في لبنان أو اضطرت لغلق أبوابها بسبب الأضرار أو المخاوف الأمنية.

وقالت وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية إنه تم تحويل 505 مدارس من بين نحو 1250 مدرسة حكومية في لبنان إلى ملاجئ مؤقتة لبعض النازحين الذين يبلغ عددهم 840 ألف شخص.

وبدأت الوزارة، الشهر الماضي، إعادة فتح المدارس على مراحل، مما سمح بعودة 175 ألف طالب منهم 38 ألف نازح إلى بيئة تعليمية لا تزال بعيدةً عن وضعها الطبيعي.

وفي مدرسة عمشيت الثانوية الحكومية، التي تضم الآن 300 طالب مسجل ويُتوقع انضمام المزيد منهم مع استمرار وصول العائلات النازحة، تحولت المساحات المألوفة ذات يوم إلى مكان مخصص لاستيعاب الواقع الجديد.

وقال مدير المدرسة، أنطوان عبد الله زخيا، إنه قبل شهرين ونصف الشهر اختيرت المدرسة كملجأ.

واليوم، تتدلى الملابس المغسولة من نوافذ الفصول الدراسية، وتملأ السيارات ساحة اللعب التي كانت ذات يوم منطقةً صاخبة، والممرات التي كان يتردد فيها صوت ضحكات التلاميذ أصبحت الآن استراحةً للعائلات التي تبحث عن ملجأ.

وأعربت فادية يحفوفي، وهي نازحة تعيش مؤقتاً في المدرسة، عن امتنانها الممزوج بالشوق. وقالت: «بالطبع، نتمنى العودة إلى منازلنا. لا أحد يشعر بالراحة إلا في المنزل».

كما أعربت زينة شكر، وهي أم نازحة أخرى، عن قلقها على تعليم أطفالها.

وقالت: «كان هذا العام غير عادل. بعض الأطفال يدرسون بينما لا يدرس آخرون. إما أن يدرس الجميع، أو يجب تأجيل العام الدراسي».

التعليم لن يتوقف

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن الخطة المرحلية لاستئناف الدراسة ستشمل تسجيل 175 ألف طالب من بينهم 38 ألف طفل نازح في 350 مدرسة عامة غير مستخدمة كملاجئ. وقال وزير التربية والتعليم العالي، عباس الحلبي، لـ«رويترز»: «العملية التعليمية هي أحد مظاهر مقاومة العدوان الذي يواجهه لبنان». وأضاف الحلبي أن قرار استئناف العام الدراسي كان صعباً لأن العديد من الطلاب والمدرسين النازحين لم يكونوا مستعدين نفسياً للعودة إلى المدرسة. وفي مبنى مجاور في مدرسة عمشيت الثانوية الرسمية، يتأقلم المعلمون والطلاب مع أسبوع مضغوط مدته 3 أيام ويشمل كل يوم 7 حصص دراسية لزيادة وقت التعلم إلى أقصى حد.

ولا تزال نور قزحيا (16 عاماً)، وهي من سكان عمشيت، متفائلة. وقالت: «لبنان في حالة حرب، لكن التعليم لن يتوقف. سنواصل السعي لتحقيق أحلامنا». ويتأقلم المعلمون مع الظروف الصعبة. وقال باتريك صقر وهو مدرس فيزياء (38 عاماً): «الجميع مرهقون ذهنياً... في نهاية المطاف، هذه الحرب تطولنا جميعاً». وبالنسبة لأحمد علي الحاج حسن (17 عاماً) النازح من منطقة البقاع، يمثل الأسبوع الدراسي الذي يدوم 3 أيام تحدياً لكنه ليس عائقاً. وقال: «هذه هي الظروف. يمكننا أن ندرس رغم وجودها».