قال المدير الفني لمانشستر سيتي، جوسيب غوارديولا، في مؤتمر صحافي عقده مؤخرا بعد مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز: «أعرف أننا نفوز في بعض الأحيان ونخسر في أحيان أخرى، وهذا هو كل ما في الأمر. لكنني أعتقد أن توجيه رسالة مفادها أن الفائز دائما هو الأفضل ليس جيدا للمجتمع ولأطفالنا وللمراهقين. إننا بهذه الطريقة نجعل الأشخاص الذين يخسرون يشعرون بالاكتئاب. في كرة القدم أعلم أننا نريد تحقيق الفوز دائما، لكننا عندما نخسر نشعر وكأننا نواجه كارثة. الأمر ليس كذلك، والأمور لا تسير بهذه الطريقة».
وتعد هذه رسالة حقيقية عن معنى الرياضة، وليس عن الفوز وضرورة تحقيقه. إنها رسالة عن الرحلة الطويلة التي يقطعها الشخص في حياته وكفاحه من أجل التطور والتحسن، والشعور الرائع الذي ينتابه عندما ينجح في تحقيق أحلامه. لكن من هو الشخص الذي يبعث بهذه الرسالة التي تسعى لرفع الوعي في المجتمع؟ ومن هو هذا الشخص الذي يريد تحقيق الفوز، لكنه يهتم بشكل أكبر بالأطفال؟ إنه المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا بالتأكيد!
في الحقيقة، فإن غوارديولا محق تماما في رأيه في هذا الشأن، إذ إن الهوس بأن نصف أي شخص لم يحقق النجاح الذي كان يسعى إليه بأنه فاشل لا يساعد الأطفال والمراهقين. والحقيقة أن معظمنا لا يحقق الفوز، وربما لا يفوز ولا مرة واحدة في حياته. ومن المؤكد أن إدراكنا لحقيقة أن الخسارة ليست نهاية العالم هو شيء إيجابي للغاية. وقد أدركت أن الهدف الذي أحرزته في مرمى فريقي في أول مباراة لي مع الفريق الأول في بطولة الكأس قد جعلني أكثر قوة في مواجهة المواقف الصعبة بعد ذلك!
إن سماع المدير الفني الأفضل في العالم وهو يؤكد على أنه لا يمكن تحقيق الفوز دائما وأنه يجب تقبل الخسارة لأنها جزء من الحياة هو أمر جيد للغاية. إنها رسالة مهمة للغاية من الرجل الذي يسعى لخلق حالة من التوازن بين رغبته الهائلة في الفوز بكل شيء وبين العمل على وقف خلق جيل يعاني من الاكتئاب.
لكن كان من الغريب أن نسمع هذا الكلام من غوارديولا، الذي يهتم بأدق التفاصيل، لدرجة أن أي شخص في غرفة خلع ملابس مانشستر سيتي يعرف جيدا أنها مصممة على شكل دائرة مزودة بأدوات صوتية وضعت خصيصا حتى يتمكن غوارديولا من التحدث بمستوى صوته العادي ثم يتم تضخيمه في آذان اللاعبين الذين يجلسون في أماكنهم المحددة!
وهذا هو الرجل الذي ألزم النادي بألا يزيد طول عشب الملعب عن 19 ملم، والذي قام بتغيير غرفة تناول الطعام بالكامل من أجل تشجيع اللاعبين على التعاون والارتباط، لأن ذلك يساعدهم على تحقيق الفوز في نهاية المطاف. وإذا ما عدنا لإلقاء نظرة على المقابلات الصحافية التي أجراها غوارديولا في السابق لن نجده بالطبع يقول إن الخسارة شيء جيد، وخير دليل على ذلك المرارة التي كان يشعر بها وعلامات الحزن التي كانت على وجهه عندما خسر أمام توتنهام هوتسبير في دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي.
لكن رسالة غوارديولا تأتي هذه المرة في الوقت الذي يتأخر فيه فريقه عن متصدر جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز ليفربول بفارق شاسع من النقاط؛ حيث يحقق «الريدز» الفوز تلو الآخر ويبدو أنه في طريقه لحصد أول لقب الدوري الإنجليزي الممتاز منذ 30 عاما. وبالتالي، قد يقول أحد المتهكمين إن غوارديولا يحاول بهذه الرسالة تبرير تأخر فريقه في المنافسة على اللقب، أو أنه يحاول أن يجعل جمهور ناديه أكثر تقبلا لخسارة لقب الدوري الإنجليزي الممتاز – لكنه في الحقيقة لا يحتاج إلى أي من هذين الأمرين.
إن كل ما قاله غوارديولا منطقي تماما، فهل كان يريد البعض من المدير الفني الإسباني أن يخرج في المؤتمر الصحافي بعد فوز فريقه على تشيلسي في المرحلة الثالثة عشرة بهدفين مقابل هدف وحيد ليقول شيئا من هذا القبيل: «لقد فزنا اليوم، ربما لم نكن نستحق الفوز لكي نكون صادقين، لكنني أشعر بضيق شديد لأن ليفربول حقق الفوز على كريستال بالاس في الوقت القاتل من المباراة، ومن الواضح أن الريدز أفضل منا في الوقت الحالي! إن أكثر ما يغضبني حقا هو أنني أريد الفوز بكل شيء، وربما كان يتعين على أن أتعاقد مع مدافع آخر في فترة الانتقالات الماضية!»، هل تريدون من غوارديولا أن يتحدث بهذه الطريقة؟
وفي الحقيقة، فإن كل مؤتمر صحافي أو مقابلة تلفزيونية تجرى قبل أي مباراة هي عبارة عن تمثيلية نشارك فيها جميعا؛ حيث يخرج كل مدير فني على شاشة «سكاي سبورتس» لكي يخبرنا بمدى احترامه للمدير الفني الآخر الذي سيواجهه، كما يؤكد على قوة الفريق المنافس مهما كان مركزه في جدول الترتيب! وبعد المباراة، يخرج نفس المدير الفني ليوجه الانتقادات إلى الطريقة التي كان يلعب بها الفريق المنافس وإلى حكم اللقاء، وإلى أي شيء آخر قد يجنبه تحمل المسؤولية.
وعندما سئل المدير الفني لنادي شيفيلد وينزداي، غاري مونك، عن رأيه في المدير الفني لنادي بيرمنغهام سيتي، بيب كلوتيت، قبل لقاء الفريقين - يذكر أن كلوتيت كان مساعد مونك في كل من سوانزي سيتي وليدز يونايتد وبيرمنغهام سيتي قبل أن يحل محله في تدريب بيرمنغهام سيتي الصيف الماضي - قال مونك: «ما دمنا نعيش فإننا نتعلم، وللأسف لم أستمع إلى الكثير من الأشخاص في دوائر كرة القدم الذين حذروني منه. يفضل البعض السعي وراء استغلال الفرص بأسوأ طريقة ممكنة». لكن كلوتيت رفض التعليق على هذه التصريحات خلال المؤتمر الصحافي.
ويعد كريس وايلدر، المدير الفني لشيفيلد يونايتد، استثناءً بارزاً لمعظم القواعد السائدة في عالم كرة القدم؛ حيث قال عن حارس مرمى فريقه، دين هندرسون، بعد الخطأ الفادح الذي ارتكبه أمام ليفربول في سبتمبر (أيلول) الماضي: «لا أريده أن يرتكب أخطاء، وهو يجب ألا يرتكب أخطاء. أولاً وقبل كل شيء، يتعين عليه أن يقلل الأخطاء التي يرتكبها، لأن حراس المرمى الكبار لا يرتكبون الكثير من الأخطاء، وحتى الأخطاء التي يرتكبونها تحدث على فترات متباعدة». ونتيجة لرد فعل وايلدر على خطأ هندرسون، أشار الكثير من النقاد إلى أن الحارس الذي يلعب لشيفيلد يونايتد على سبيل الإعارة لن يشارك في التشكيلة الأساسية للفريق بعد ذلك.
وعلى أي حال، فإنني أعتقد أننا جميعا مسؤولون عن ذلك، نظرا لأننا متعطشون لسماع أي أخبار عن أي شيء - لا يمكننا النوم حتى نعرف آخر ما حدث في كاحل لاعب خط وسط مانشستر يونايتد سكوت ماكتوميناي - معتقدين أن أي شخص سيكون في كامل قواه العقلية بعد دقيقتين فقط من نهاية المباراة ليقول أي شيء بطريقة معقولة أو مدروسة! لكن يجب التأكيد على أن هذه الأكاذيب الرياضية التي نسمعها كل يوم ليست شريرة، لأننا جميعا نعلم حقيقة ما يحدث، وهذا شيء جيد. إنها مجرد أكاذيب رياضية في إطار الهراء الذي يحدث خارج الملعب، وكلنا نعلم ذلك جيدا.
المؤتمرات الصحافية بعد المباريات «تمثيلية» يشارك فيها الجميع
الأكاذيب الرياضية اليومية ليست شريرة لأن الكل يعرف حقيقة ما يحدث
المؤتمرات الصحافية بعد المباريات «تمثيلية» يشارك فيها الجميع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة