«الحرس الثوري» و«حزب الله» يدفعان بمرشح لخلافة عبد المهدي

رهان على إحياء «الكتلة الأكبر» يصطدم برفض الشارع

TT

«الحرس الثوري» و«حزب الله» يدفعان بمرشح لخلافة عبد المهدي

كشفت مصدر عراقي مقرب من دوائر القرار في بغداد، أن قائد «فيلق القدس»، الذراع الخارجية لـ«الحرس الثوري» الإيراني، قاسم سليماني ومسؤول ملف العراق في «حزب الله» اللبناني محمد كوثراني، يحاولان تمرير مرشح لخلافة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي.
وقال المصدر إن سليماني «موجود في بغداد للدفع باتجاه ترشيح إحدى الشخصيات لخلافة عبد المهدي». وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية، أمس، أن «كوثراني يلعب أيضاً دوراً كبيراً في مسألة إقناع القوى السياسية من شيعة وسنة في هذا الاتجاه».
ورغم أن معظم الشارع العراقي المتظاهر يندد بالسيطرة الإيرانية على مفاصل الحكم ويطالب بكفّ يدها عن أي سلطة مقبلة، فإن طهران لا تبدو عازمة على تسجيل سقوط عبد المهدي الذي كان يحظى بدعمها، كخسارة في سجل سياساتها في المنطقة.
وفي موازاة تحرك إيران و«حزب الله»، حاولت قوى سياسية إحياء ورقة «الكتلة الأكبر» التي يحق لها ترشيح اسم رئيس الوزراء لتكليفه من قبل رئيس الجمهورية. لكن هذه المحاولة اصطدمت برفض الشارع المنتفض.
ومع بدء سريان المهلة الدستورية لرئيس الجمهورية، المحددة بـ15 يوماً، لتكليف مرشح لرئاسة الوزراء، بدأت قوى سياسية إحياء ملف «الكتلة الأكبر» التي تم تخطيها العام الماضي عند ترشيح رئيس الوزراء المستقيل. فبسبب فشل تحالفي «الإصلاح» و«البناء» في حسم «الكتلة النيابية الأكثر عدداً» التي تنص عليها المادة الدستورية، اتفقت كتلة «سائرون» المدعومة من زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر وكتلة «الفتح» بزعامة هادي العامري، على المجيء بعبد المهدي مرشحاً توافقياً «في مخالفة دستورية واضحة»، مثلما يقول الخبير القانوني أحمد العبادي لـ«الشرق الأوسط».
ويرى العبادي أن «النص الدستوري واضح في تفسير مفهوم الكتلة النيابية الأكثر عدداً، والتي يطلقون عليها تسمية غير صحيحة من الناحية القانونية، هي تسمية الكتلة الأكبر». وأوضح أن آلية اختيار رئيس الوزراء بموجب هذه المادة الدستورية «أن تسجل هذه الكتلة نفسها في الجلسة الأولى للبرلمان وبالتالي تصبح هي المؤهلة لترشيح شخصية لمنصب رئيس الوزراء».
وبالعودة إلى اتفاق «الفتح» و«سائرون» على المجيء بعبد المهدي بعيداً عن الكتلة الأكبر، فإن التبرير لم يكن قانونياً بقدر ما كان سياسيا بالقول إن «العراق أكبر من الكتلة الأكبر».
وفي مقابل محاولات القوى السياسية، تصر ساحات التظاهر، خصوصاً ساحة التحرير وسط بغداد، على أنها هي «الكتلة الأكبر» التي تشكلت في الشارع، لا في أروقة الكتل السياسية.
ورغم بدء تداول أسماء يفترض أن يجري تقديم من يمكن الاتفاق عليه بينها إلى الرئيس العراقي برهم صالح لتكليفه تشكيل الحكومة، فإن مصدراً مقرباً من صالح أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «رئيس الجمهورية لم يتسلم بعد اسم أي مرشح ليتولى الرئيس تكليفه بتشكيل الحكومة». وأضاف أن «الرئيس ينتظر اتفاق الكتل طبقاً للآليات الدستورية بشأن الأسماء المرشحة لشغل المنصب»، معتبراً أن «المهلة الدستورية لتكليف المرشح تبدأ من وصول اسم المرشح المتفق عليه، وليس من بدء سريان استقالة رئيس الوزراء».
ويلفت القيادي في «جبهة الإنقاذ والتنمية» أثيل النجيفي إلى أنه «لا يوجد سوبرمان يستطيع حل أزمات العراق المتفاقمة خلال فترة قصيرة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المطلوب من رئيس الوزراء المقبل النجاح في إجراء انتخابات حقيقية وإيصال ممثلين حقيقيين عن الشعب إلى البرلمان خلال مدة قصيرة جداً».
وأوضح أنه «ما عدا ذلك يجب أن يترك للبرلمان المقبل الذي سيختار حكومة تحظى بتأييد شعبي أكثر من أي شيء يختاره البرلمان الحالي». ودعا إلى «تشكيل حكومة بمهمة واحدة، وألا تعطي وعوداً كثيرة لا يمكن تحقيقها مع وجود مراكز قوى فاسدة تتحكم بمفاصل الدولة».
من جهته، دعا رئيس كتلة «النصر» النيابية عدنان الزرفي إلى تشكيل «حكومة صقور» لحل الأزمة الراهنة. وقال إن «المشكلة التي تشهدها البلاد لا يمكن أن يحلها رئيس وزراء مستقل». ويشير مراقبون إلى أن هناك قلقاً لدى بعض الشخصيات من تسلم المنصب في خضم الأزمة القائمة، تخوّفاً من السقوط السياسي على غرار ما حصل مع عبد المهدي.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.