شاب فلسطيني ينشر الوعي بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في غزة

يعاني من إعاقة حركية رافقته منذ الولادة

محمد أبو كميل يقدم الدعم النفسي للأطفال ... ويتوسط صديقيه خلال مشاركتهم في مبادرة ترفيهية للأطفال (الشرق الأوسط)
محمد أبو كميل يقدم الدعم النفسي للأطفال ... ويتوسط صديقيه خلال مشاركتهم في مبادرة ترفيهية للأطفال (الشرق الأوسط)
TT

شاب فلسطيني ينشر الوعي بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في غزة

محمد أبو كميل يقدم الدعم النفسي للأطفال ... ويتوسط صديقيه خلال مشاركتهم في مبادرة ترفيهية للأطفال (الشرق الأوسط)
محمد أبو كميل يقدم الدعم النفسي للأطفال ... ويتوسط صديقيه خلال مشاركتهم في مبادرة ترفيهية للأطفال (الشرق الأوسط)

داخل قاعة جمعية «الشبان المسيحية» وسط مدينة غزة، يتجمع بشكل شبه دوري مواطنون من كل الفئات المجتمعية حول الشاب محمد أبو كميل (31 عاماً)، الذي يعاني من إعاقة حركية في أطرافه الأربعة، حيث يستمعون من خلاله للمفاهيم الدولية المتعلقة بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، ويعرفون أكثر عن أنواع الإعاقات وأسبابها، كما أنهم يحشدون وعيهم تجاه مناصرة حقوق أولئك الأشخاص.
ومنذ سنوات عدة يعمل أبو كميل الذي نتجت إعاقته من نقص في الأكسجين أثناء الولادة، على رفع الوعي المجتمعي تجاه قضايا الأشخاص من خلال عقد اللقاءات والورش التوعوية، ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: إن «إعاقتي لم تقف أمام طموحي، فمنذ الصغر كنت مشاركاً في الفعاليات المدرسية، وتخرجت في الجامعة قبل سنوات عدة، حاملاً البكالوريوس في تخصص إدارة الأعمال، والدبلوم في إدارة مؤسسات المجتمع المدني». ويوضح، أنه من يقدم خلال لقاءاته دليلاً شفهياً بالمفاهيم والمصطلحات العالمية المرتبطة بقضايا الإعاقة، ويشير إلى أنه زار المدارس ومؤسسات الأطفال والجمعيات المدنية المختلفة، ورافق الكثير من المجموعات الشبابية لأجل تحقيق غرضه في التوعية، لافتاً إلى أنه نجح في كسر حاجز نفسي كبير، أوجده المجتمع بين الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة ومن هم دونها، وتمكن من إيصال رسالة لكل الجهات الرسمية والأهلية التي لا تهتم بحقوقهم.
ويتابع أبو كميل: «كثيرون هم من ينظرون للشخص صاحب الإعاقة على أنه يعاني من نقص، وفي حاجة إلى الشفقة والحنان الزائد. الأمر عكس ذلك تماماً؛ فنحن جزء من المجتمع ولدينا قوة تأثير ومعرفة جيدة تمكننا من أن نكون فاعلين»، موضحاً أنه يركز في الفئات التي يستهدفها ضمن جولاته على الأطفال؛ لأنهم من وجهة نظرهم هم الفئة الأكثر حاجة إلى هذا الأمر؛ كونهم أهل المستقبل، وقادة التغيير القادمين.
ويواجه أبو كميل دائماً نظرة الدهشة في عيون الطلبة والأشخاص الذين يتوجه لهم لتقديم المعرفة. ويضيف، أن «اللقاء الأول الذي عقدته كان في مدرسة. شعرت وقتها بإحساس غريب، امتزج بالفخر، فالنظرات التي كانت تلاحقني، مليئة بالاستغراب وكلها تسأل، أكُل هذا لديه إرادة؟»، لافتاً إلى أن ذلك حفّزه على الاستمرار في عقد اللقاءات وتوسيعها.
وضمن حديثه في الندوات يركز الشاب على طرح الأفكار التي يمكن أن تساهم في كسر حد الفجوة، كما أنه يمهد كلامه بتفصيل الحديث عن البيئة المجتمعية ومدى استيعابها ومواءمة مقدراتها لاحتياجات الأشخاص «ذوي الإعاقة»، ويؤكد أنه ضغط برفقة آخرين في كثير من الأوقات على مؤسسات وجماعات مختلفة لأجل العمل على توفير منشآت موائمة، ونجحوا في ذلك، ويذكر «استراحة الأشخاص ذوي الإعاقة البحرية» كمثال.
وينوه أبو كميل خلال حديثه مع «الشرق الأوسط»، إلى أن الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في غزة، نجحوا خلال السنوات الماضية في الولوج لمختلف المجالات، سواء كانت رياضية أم فنية أم إعلامية، كما أنهم صاروا جزءاً واضحاً ومؤثراً في المجتمع المدني، ويختم بالإفصاح عن طموحه الذي يرغب من خلاله في الوصول إلى مجتمعٍ راقٍ، لا يفرق بين شخصٍ وآخر على أساس الشكل أو اللون أو الإعاقة.
ومن الجدير ذكره، أن عدد الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، كان قد بلغ في محافظات قطاع غزة 47096 شخصاً، بنسبة 2.5 في المائة من إجمال عدد السكان الكلي، ويعاني الأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة، من إعاقات مختلفة بلغ عددها 56299 إعاقة؛ نظراً لوجود أشخاص لديهم أكثر من إعاقة، وذلك وفقاً لما ورد في التقرير الأخير الذي أصدرته جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية والجمعية الوطنية لتأهيل المعوقين.
ويعاني الأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة في غزة، من تهميشٍ واضح، ويكابدون في مختلف تفاصيل الحياة المنهكة أساساً، بفعل الحصار الإسرائيلي المستمر على القطاع منذ عام 2006؛ الأمر الذي دفع بشبكة المنظمات الأهلية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لدعوة الممولين والدول المانحة لضرورة الإسراع في تقديم الدعم المالي للمنظمات الأهلية العاملة في قطاع التأهيل للقيام بدورها الكامل في تقديم الخدمات الضرورية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وحماية حقوقهم.
ويحتفل العالم في الثالث من ديسمبر (كانون الأول) من كل عام باليوم الدولي للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة الذي أقرته هيئة الأمم المتحدة عام 1992؛ بهدف زيادة الوعي لدى المواطنين بقضايا الإعاقة ودعم إنشاء المشاريع الموائمة لأصحابها، كما أنه جاء دعوةً لضرورة إدخالهم في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، كونهم جزءاً لا يتجزأ من أي تركيبة مجتمعية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».