محققون: بعض الإرهابيين المقبوض عليهم يتحدثون طواعية وبفخر

أبو غيث صهر بن لادن قدم كنزا من المعلومات لـ«إف بي آي» جرى استغلال بعضها ضده أمام المحكمة

سليمان أبو غيث (يمين)،  وصورة أبو أنس الليبي على موقع الـ«إف بي آي» قبل اعتقاله
سليمان أبو غيث (يمين)، وصورة أبو أنس الليبي على موقع الـ«إف بي آي» قبل اعتقاله
TT

محققون: بعض الإرهابيين المقبوض عليهم يتحدثون طواعية وبفخر

سليمان أبو غيث (يمين)،  وصورة أبو أنس الليبي على موقع الـ«إف بي آي» قبل اعتقاله
سليمان أبو غيث (يمين)، وصورة أبو أنس الليبي على موقع الـ«إف بي آي» قبل اعتقاله

عندما ألقي القبض على زوج ابنة أسامة بن لادن، الذي حرض على الجهاد ضد الولايات المتحدة، وجرى نقله جوا من الأردن إلى هنا العام الماضي، ربما بدا للبعض أنه من غير المحتمل إفصاحه عن الكثير.
إلا أنه سرعان ما انطلق في حديثه للمحققين، قائلا: «أنا على استعداد لأخبركم بأي شيء، ولن أخفي شيئا». وأضاف: «ستسمعون مني عن أمور تخص (القاعدة) لم تكن لترد على مخيلتكم». وأفاد موجز صادر عن «إف بي آي»، بخصوص التحقيقات التي أجريت معه، بأنه تنازل عن حقوقه القانونية التي يتمتع بها المحتجزون قيد التحقيق، والمعروفة باسم «حقوق ميراندا».
وقدم المتهم سليمان أبو غيث، الذي صدر ضده حكم بالسجن مدى الحياة الشهر الماضي، بالفعل كنزا من المعلومات جرى استغلال بعضها ضده أمام المحكمة.
اللافت أن أبو غيث لم يكن استثناء بين الإرهابيين المقبوض عليهم في هذا الأمر.
في الواقع، يزخر تاريخ الجريمة بتقليد طويل الأمد يمجد التزام الصمت وعدم التعاون مع سلطات فرض القانون، وهو أمر ينطبق حتى على الجرائم البسيطة. ومع ذلك، نجد أن الإرهابيين يكسرون هذه القاعدة مرة بعد أخرى.
على سبيل المثال، فيصل شاه زاد، المهاجر الباكستاني الذي حاول تفجير سيارة مفخخة في ميدان تايمز عام 2010، قضى أسبوعين قيد التحقيق بخصوص «قضايا حساسة تتعلق بالأمن الوطني وفرض القانون»، بعدما تنازل عن حقه في توكيل محام والمثول سريعا أمام محكمة، حسبما أعلنت الحكومة. ولاحقا، أدين وعوقب بالسجن مدى الحياة.
وقد برر بعض المتهمين موقفهم هذا أمام المحاكم الجنائية بالإشارة إلى شبح أساليب التعذيب التي تنتهجها الحكومة، مثل الإغراق إلى حد الاختناق، داخل المواقع السرية التابعة لـ«سي آي إيه». من أجل استخلاص معلومات.
من جهته، تنازل نزيه عبد الحميد الرقيعي (أبو أنس الليبي)، العميل الليبي لتنظيم القاعدة الذي ألقي القبض عليه العام الماضي بطرابلس، عن حقوقه وقدم معلومات أدانته أثناء التحقيقات معه من جانب «إف بي آي»، حسبما ذكر محققون.
إلا أنه لاحقا دفع ببراءته وسعى لدحض الشهادة التي أدلى بها على أساس أنها جاءت في أعقاب «ساعات لا تحصى من التحقيق المتعسف» من قبل «سي آي إيه»، مما تركه في حالة اضطراب وخوف وعرضة للاستسلام للضغوط الرامية إلى دفعه للتنازل عن حقوقه، حسبما كتب محامي الدفاع عنه بإحدى وثائق القضية.
وقال الرقيعي، الذي يشتهر باسم أبو أنس الليبي، في وثيقة أخرى: «كنت على قناعة بأن الحال سينتهي بي في موقع مظلم داخل أحد سجون التعذيب التابعة لـ(سي آي إيه)». وقال إنه بحلول وقت حديثه إلى «إف بي آي». كانت قدرته على اتخاذ قرار اختياري حيال ما إذا كان سيتحدث أم لا «قد أنهارت منذ فترة بعيدة».
في المقابل، أكد المحققون أن شهادة الرقيعي لم تصدر منه سوى بعد «تنازله عن علم وطواعية عن حقوقه القانونية». ومن المقرر عقد جلسة استماع بإحدى المحاكم حول هذا الأمر الأربعاء.
كما اعترف منصور جيه. أبابسيار، الإيراني - الأميركي، المتهم عام 2011 بالتخطيط لاغتيال السفير السعودي في واشنطن، بجريمته وقدم «معلومات استخباراتية بالغة الأهمية» حول الدور الإيراني، حسبما ذكر محققون. ويقضي حاليا فترة عقوبة بالسجن 25 سنة.
من ناحية أخرى، يرى محامو الدفاع والمحققون السابقون أن المتهمين بالإرهاب يتحدثون طواعية لأسباب متنوعة. مثلا، أعرب ديفيد راسكين، الرئيس السابق لوحدة مكافحة الإرهاب بمكتب وكيل وزارة العدل الأميركية في مانهاتن، عن اعتقاده أن الإرهابيين «يرغبون في التباهي، خاصة إذا فعلوا أمرا يؤذي (الكفار). لكن، مجرد كونهم أعداء للولايات المتحدة أمر يفخرون به بشدة ويحرصون على الحديث عنه».
أما ليندا مورينو، محامية الدفاع المهتمة بقضايا الإرهاب، فترى أنه «أمر يتعلق في جزء منه بالثقافة. هؤلاء لم ينشأوا في ظل هذا النظام، ولم يترعرعوا على الفكرة المقدسة الخاصة بأنك تملك حق التزام الصمت».
وتؤكد قضية أبو غيث وبعض قضايا الإرهاب الأخرى الرأي الذي ظل المدافعون عن المحاكم المدنية يرددونه طويلا بأن «أساليب فرض القانون التقليدية فاعلة في استخلاص معلومات من المشتبه فيهم في جرائم الإرهاب الدولي».
يذكر أنه في أعقاب تفجيرات عام 1998 ضد السفارات الأميركية في كينيا وتنزانيا، التي خلفت 224 قتيلا، قدم 3 عملاء لـ«القاعدة» معلومات مسهبة تناولوا خلالها المتواطئين معهم أمام «إف بي آي» وسلطات أخرى. وعلق دانييل جيه. كولمان، عميل «إف بي آي» المتقاعد الذي شارك في التحقيقات حول بن لادن، على ذلك بقوله إنه ليس كل ما قالوه صحيحا، وإنما كانوا يحاولون خدمة مصالحهم. إلا أنه استطرد قائلا: «ومع ذلك، فإنهم قالوا ما يكفي لتوريطهم بمشكلات جمة». يذكر أن الثلاثة يقضون حاليا فترة عقوبة السجن مدى الحياة.
الملاحظ أنه منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية، تصاعد الجدل حول السبيل الأمثل للحصول على معلومات استخباراتية من الإرهابيين العتاة. ودار الكثير من الحديث حول ميزات النظام القضائي العسكري، حيث لا تتوافر «حقوق ميراندا» ويجري استخدام أساليب قمعية.
من جهته، قال بريت بهارارا، وكيل وزارة العدل للضاحية الجنوبية من نيويورك، الذي نجح مكتبه في التحقيق في سلسلة من قضايا الإرهاب الدولي، منها قضية أبو غيث، خلال مقابلة أجريت معه خلال الصيف، إن نجاح سلطات فرض القانون في استخلاص معلومات من المشتبه فيهم لا يمكن إغفاله.
وترجع ظاهرة تقديم الإرهابيين الدوليين معلومات إلى عام 1995 على الأقل، عندما قضى رمزي أحمد يوسف، العقل المدبر وراء تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993، 6 ساعات في الإجابة عن أسئلة خلال رحلة نقله جوا من باكستان إلى الولايات المتحدة. وخلال المرحلة الأخيرة من رحلته، وأثناء مرور طائرته على امتداد إيست ريفر، أشار أحد مسؤولي «إف بي آي» إلى البرجين التوأم، متفاخرا بأنهما ما يزالان قائمين. وهنا رد يوسف بعبارته الشهيرة: «لم يكن الحال ليصبح كذلك لو أني امتلكت المال والمتفجرات الكافية».
من جانبه، قال علي إتش. صوفان، العميل السابق لـ«إف بي آي»، إنه من خلال خبرته أدرك أنه «كلما علت مكانة العملاء في الهيكل الهرمي للتنظيم الإرهابي، كان من الأسهل الحديث إليهم».
وأضاف أن الكثير من الإرهابيين «يشعرون بأن ما يفعلونه امتداد لجهادهم، وجزء من قضيتهم. وهم على استعداد للموت من أجله. لذا، فإنه حال توفير الفرصة المناسبة لهم، فإنهم لن ينفوا ما فعلوا».
واستطرد بأنه ليس هناك توجه واحد ناجح في جميع التحقيقات المتعلقة بالإرهاب، مضيفا أن «ما ينجح في قضية لا يفلح بالضرورة مع الأخرى، لكن إذا استوعبت كيف ينبغي لك القيام بالأمر وعلمت الأزرار التي يتعين عليك الضغط عليها، ذهنيا وفكريا، سيتحدث هؤلاء الأفراد».
* خدمة «نيويورك تايمز»



أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
TT

أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)

في إطار سعيهما لتعزيز قبضتهما على السلطة، يهاجم رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا ونائبته وزوجته روزاريو موريو الكنيسة الكاثوليكية، بعدما عملا على سجن أو نفي شخصيات معارضة.
بدأ المقاتل السابق في جبهة التحرير الوطني الساندينية، بدعم قوي من زوجته، بالتأسيس لاستمرارية في السلطة منذ عودته إليها في عام 2007. وسمحت تعديلات دستورية في العامين 2011 و2014 برفع الحظر المفروض على إعادة انتخاب الرئيس، الذي كان منصوصاً عليه سابقاً في الدستور، حسبما تقول عالمة الاجتماع إلفيرا كوادرا التي تعيش في المنفى في كوستاريكا.
وتشير كودارا لوكالة «الصحافة الفرنسية» إلى أن أورتيغا (76 عاماً) «حوّل بذلك شكل الحكومة التي نصّ عليها الدستور» من أجل الانتقال إلى نظام «استبدادي» يضع «صنع القرار المطلق في أيدي الثنائي الرئاسي».
ومنذ القمع الدامي لاحتجاجات عام 2018 التي كانت تُطالب باستقالة الزوجيْن، تمرّ نيكاراغاوا بـ«أزمة مطوّلة لا يمكن تخطّيها» لأن أورتيغا وزوجته «أكّدا استمراريتهما في السلطة خلال انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2021. ومن خلال مأسسة الدولة البوليسية».
وأُعيد انتخاب أورتيغا لولاية رابعة على التوالي خلال انتخابات غاب عنها جميع منافسيه الأقوياء المحتملين، بسبب اعتقالهم أو إرغامهم على العيش في المنفى.
ولطالما دان المجتمع الدولي أفعال النظام في نيكاراغوا. وطالبت منظمة الدول الأميركية، أول من أمس الجمعة، الحكومة في نيكاراغوا بوقف «المضايقات والقيود التعسّفية» بحق المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام والمنظمات الدينية والمعارضين. وطالبت أيضاً بـ«الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين الذين يُقدّر عددهم بنحو 190».
ويعتبر المحلل والنائب السابق في نيكاراغوا إيليسيو نونييز، الذي يعيش هو أيضاً في المنفى، أن جبهة التحرير الوطني الساندينية «تنتقل من موقع الحزب المهيمن إلى موقع الحزب الواحد (...) مع خلق عبادة شخصية لا مثيل لها حالياً في أميركا اللاتينية».
ومنذ عام، تمّ اعتقال 46 معارضاً أو مجرد منتقد للحكومة وحُكم عليهم بالسجن لفترات تصل إلى 13 عاماً. وكان سبعة منهم يريدون الترشّح إلى الرئاسة.
- قمع الإعلام
وكانت وسائل الإعلام أيضاً من الأهداف الأولى للسلطة.
لم تعد صحيفة «لا برينسا» La Prensa، التي كانت تنشر نسخة ورقية، موجودة إلّا على الإنترنت، بعدما اختار صحافيوها المنفى خوفاً من الاعتقال، وذلك عقب مصادرة مقرّها وزجّ مديرها لورينزو هولمان بالسجن.
وأغلقت السلطات أيضاً المحطة التلفزيونية التابعة للكنيسة الكاثوليكية في نيكاراغوا، بالإضافة إلى عدة إذاعات في أبرشيات مختلفة، وعشرات وسائل الإعلام المستقلة.
في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2020. أصدرت نيكاراغوا تشريعاً يستهدف الذين يتلقون أموالاً من الخارج ويفرض تسجيلهم لدى السلطات بصفة «عملاء أجانب». وأثار هذا القانون انتقادات المجتمع الدولي لما يشكله من خطر على الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان.
وبموجب هذا القانون، اعتبرت أكثر من ألف مؤسسة ومنظمة غير حكومية كان بعضها يكرّس عمله للدفاع عن حقوق الإنسان، غير قانونية. وأغلقت جامعات خاصة ومنظمات ثقافية بين عشية وضحاها.
في يوليو (تموز) اضطرت راهبات مجمّع الإرساليات الخيرية الذي أسسته الأم تيريزا، إلى الرحيل من نيكاراغوا، وطُردن كأنّهن «منبوذات»، حسبما قال مركز نيكاراغوا للدفاع عن حقوق الإنسان.
- «كنيسة صامتة»
وتُظهر الكنيسة الكاثوليكية نفسها على أنها آخر معقل يحمي من الإجراءات التعسّفية. لكن الموالين للحكومة يعتبرون الكهنة والأساقفة الذين ينتقدون النظام «أنبياء مزيّفين».
ومنعت الشرطة أسقف ماتاغالبا (شمال شرق) المونسنيور رولاندو ألفاريز من التنقّل، منذ 4 أغسطس (آب)، مما يعكس ذروة الأزمة مع نظام يسعى إلى إسكات رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية المحلية لقمع أصوات المعارضة.
وقال ألفاريز في إحدى عظاته: «لطالما أرادت الحكومة كنيسة صامتة، لا تريدنا أن نتكلّم وأن نندّد بالظلم».