وفاة الأديب السعودي عبد الفتاح أبو مدين... أحد رموز التنوير

عن عمر ناهز 90 عاماً

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مكرماً الأديب عبد الفتاح أبو مدين (الشرق الأوسط)
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مكرماً الأديب عبد الفتاح أبو مدين (الشرق الأوسط)
TT

وفاة الأديب السعودي عبد الفتاح أبو مدين... أحد رموز التنوير

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مكرماً الأديب عبد الفتاح أبو مدين (الشرق الأوسط)
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مكرماً الأديب عبد الفتاح أبو مدين (الشرق الأوسط)

تُوفي صباح اليوم (الأحد) في جدة الأديب والإعلامي السعودي عبد الفتاح أبو مدين عن عمر ناهز 94 عاماً.
عُرف عبد الفتاح أبو مدين، باعتباره أحد أبرز الأدباء السعوديين، الذين حملوا لواء التنوير عبر المؤسسات الأدبية، والصحافة، وواجهوا التشدد الفكري، كما آمن بمشاركة المرأة وكان من أول من أتاح لها المشاركة في فعاليات النادي الأدبي في جدة، الذي ترأسه قرابة ربع قرن جعل منه أحد أبرز المنصات الثقافية الحاضنة للحداثة والتنوير.
ولد عبد الفتاح أبو مدين، في بنغازي الليبية، سنة 1925، وفي السابعة من عمره، فقد «الفتى مفتاح»، وهو الاسم عرف به، وحمل عنوان كتاب السيرة الذاتية الذي ألفّه، فقد والده الذي كان يعمل حطّاباً وبائعاً للفحم، كما فقد أشقاءه التسعة، وظل مع والدته وأختيه يكابد شظف الحياة، حتى اضطر للعمل صبياً في مجال البناء، لكن هذا العمل كان مضنياً ولا تتحمله قواه، فاتجه للعمل في مقهى يخدم الزبائن، ثم عمل في فرن ينقل الدقيق من الصوامع إلى الفرن، ويبيع الخبز على قارعة الطريق.
قبيل انصرام الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1942، اتصل خاله بالسفير البريطاني في جدة، يرجوه الوساطة لدى الإدارة البريطانية، التي كانت تحكم ليبيا يومئذ، لكي يتمكن أن يركبه ووالدته إلى الحجاز، وهكذا وصل أبو مدين إلى المدينة المنورة حيث تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة العلوم الشرعية، لكن صعوبات المعيشة أجبرته على العمل، فانتقل إلى جدة... حيث عمل هناك في كثير من الوظائف أبرزها رئاسته الطويلة النادي الأدبي في جدة لمدة 25 عاماً في الفترة من 1980 إلى 2006، وأصدر جريدة «الأضواء»، وهي أول جريدة تصدر في جدة، بشراكة مع محمد سعيد باعشن ومحمد أمين يحيى عام 1957.
كما عمل مديراً لإدارة مؤسسة «عكاظ» للصحافة، ومديراً لتحرير العدد الأسبوعي لصحيفة «عكاظ»، ومديراً لإدارة مؤسسة «البلاد» للصحافة والنشر. كما أشرف خلال رئاسته نادي جدة الأدبي، على كثير من الإصدارات الأدبية، منها مجلة «علامات» في النقد، ومجلة «الراوي» في القصة، ومجلة «عبقر» في الشعر، ومجلة «جذور» في التراث، ومجلة «نوافذ» في الترجمة.
وعمل مديراً لإدارة مؤسسة «عكاظ» للصحافة، ومديراً لتحرير العدد الأسبوعي لصحيفة «عكاظ»، ومديراً لإدارة مؤسسة «البلاد» للصحافة والنشر. كما أشرف خلال رئاسته نادي جدة الأدبي، على كثير من الإصدارات الأدبية، منها: مجلة «علامات» في النقد، ومجلة «الراوي» في القصة، ومجلة «عبقر» في الشعر، ومجلة «جذور» في التراث، ومجلة «نوافذ» في الترجمة.
وفي استهلاله لسيرته الذاتية في كتابه «حكاية الفتى مفتاح» الذي صدر عام 1996 يقول عبد الفتاح أبو مدين: «إنني أؤكد من البداية أن حياتي ليس فيها شيء يستحق التسجيل والحديث لأنها حياة أمثالي ممن عاش اليتم والجهل والفقر».
بداياته الصعبة، وحياته القاسية، ونضاله من أجل الأدب تشابهت إلى حد كبير مع شخصية عميد الأدب العربي طه حسين، الذي تأثر به أبو مدين وأصبح يُعرف بـ«الطحسني».
أشعل نادي جدة الأدبي في عهده النقاشات والمساجلات الفكرية والنقدية التي كانت تمثل امتداداً لسجال الحداثة في أروقة المثقفين السعوديين، فكان هذا النادي هو الأكثر اجتذاباً لأصوات النقاد الجدد وسجالاتهم الفكرية والمعرفية.
كما أتاح للنساء المشاركة في حضور فعاليات النادي المنبرية، وهو إجراء جديد على تلك الأندية في ذلك الوقت خصوصاً والساحة تتقد بالتخويف من تيارات الحداثة التي تستهدف حسب رأيهم تغريب المرأة.
وفي كتابه «أيامي مع النادي» يقول أبو مدين: «كانت الأصوات المتطرفة تعبر عن نفسها بالمنشورات وأشرطة الكاسيت والكتب ومن على بعض منابر المساجد، ومع ذلك لم نجد بداً من اتخاذ قرار بإنشاء صالة نسائية ترتبط بصالة الرجال، عبر الدائرة التلفزيونية، وإتاحة الفرصة للمثقفات للمشاركة، وببساطة متناهية خاطبت أمير منطقة مكة المكرمة حينها الأمير ماجد بن عبد العزيز (رحمه الله) أستأذنه في فتح الصالة النسائية، وقد بارك الأمير هذه الخطوة، وأذن لنا بذلك».
وحظي عبد الفتاح أبو مدين بعدد من التكريمات، أهمها حصوله على وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى حيث تسلمه من يد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية)، في دورته الـ33. وقبلها كُرّم في مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث عام 2009.



عبد الرحمن صندقجي: فيلم «عُمق» يتناول إحدى أخطر مهن العالم

⁨يرى صندقجي أن الأفلام الوثائقية هي بمثابة رحلة في الحياة (الشرق الأوسط)⁩
⁨يرى صندقجي أن الأفلام الوثائقية هي بمثابة رحلة في الحياة (الشرق الأوسط)⁩
TT

عبد الرحمن صندقجي: فيلم «عُمق» يتناول إحدى أخطر مهن العالم

⁨يرى صندقجي أن الأفلام الوثائقية هي بمثابة رحلة في الحياة (الشرق الأوسط)⁩
⁨يرى صندقجي أن الأفلام الوثائقية هي بمثابة رحلة في الحياة (الشرق الأوسط)⁩

أفصح المخرج والمنتج السعودي عبد الرحمن صندقجي، عن أنه يعكف حالياً على تصوير فيلمه الوثائقي «عُمق» الذي يعرض فيه تفاصيل حياة الغواص السعودي أحمد الجابر والتحديات التي تواجهه خلال عمله اليومي في شركة للصيانة البحرية متعاقدة مع إحدى شركات النفط الكبرى «التي تتطلب مهام عمله فيها الغوص إلى أعماق سحيقة في الخليج العربي لإصلاح أنابيب النفط وصيانتها، حيث يتتبع الفيلم المخاطر اليومية التي يتعرض لها وضغط العمل الشديد الذي يجعل منه أحد الجنود المجهولين العاملين في هذا القطاع الحيوي المهم في السعودية».

يوضح صندقجي خلال حديثه إلى «الشرق الأوسط» أن مهنة الجابر التي يعمل عليها منذ نحو عقد من الزمان من أخطر المهن في وقتنا الحالي، ويتطلب العمل فيها إجراءات احترازية وتدابير معقدة لتوفير مستويات سلامة قصوى من بينها ارتداء ملابس معدَّة خصيصاً لتنفيذ المهمة التي قد تُلزمه البقاء في غرفة مقفلة لمدة تتجاوز الشهر دون الخروج منها، لغرض موازنة مستوى الضغط والأكسجين.

ويضيف صندقجي: «لذا تعد مهنة تصل في مستوى المخاطرة إلى أن تضعه وهو ورائد الفضاء في كفة واحدة».

بوستر فيلم «عُمق»

يلفت صندقجي إلى أنه يحاول من خلال الفيلم المدعوم من مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، والصندوق الثقافي، فهم دوافع الأشخاص واكتشاف القصص غير الاعتيادية، منوهاً إلى «أن اختيار الاسم (عُمق) كان لسببين: عمق الشخص وسبر أغواره، وكذلك عمق البحر الذي يغوص به».

ويمضى إلى القول إن أفلامه الوثائقية الستة خلال المسيرة التي تتجاوز 15 عاماً تركز على الأشخاص غير المرئيين، الذين يحملون قصصاً لم يكتشفها أحد، ويتابع قائلاً: «أرى الأفلام الوثائقية رحلة في الحياة، خصوصاً أنني شخص مغامر، ومتجوّل، ومحب للاكتشاف والتجارب».

ويشير إلى أنه لا يعمل إلا على القصص التي تلفت انتباهه ويشعر برغبة حقيقية في الاقتراب منها، مضيفاً: «دائماً يحركني السؤال: لماذا؟ وأحاول الإجابة عنه من خلال أفلامي».

بدأ صندقجي صناعة الأفلام عام 2008 ووجد شغفه في الوثائقيات على وجه التحديد (الشرق الأوسط)

الوثائقيات السعودية

ومع ازدياد الوثائقيات السعودية في الآونة الأخيرة، يأتي السؤال عن احتمالية استسهال هذا المجال من بعض صناع الأفلام، ليرد صندقجي: «الفيلم الروائي صعب وكذلك الفيلم الوثائقي... كلاهما يواجه عدداً من التحديات، وأنا وجدت نفسي في الأفلام الوثائقية التي تحمل نوعاً من المغامرة، والتي ربما تكون احتمالية الفشل فيها مرتفعة، إلا أني أسعد كل مرة بهذا الضغط الذي يلازمني مع كل فيلم جديد أعمل عليه». ويضيف: «السر يكمن في أخذ العمل بجدية، واعتبارها مهمة ورسالة حياة من صانع الفيلم».

وبسؤاله عن واقع الأفلام الوثائقية في السعودية، يقول: «قبل سنوات عدة لم يكن هناك اهتمام بالوثائقيات، لكنَّ هذا تغيّر كلياً خلال السنوات الخمس الأخيرة، حيث لمسنا فارقاً كبيراً». مستذكراً خلال حديثه اختيار فيلمه «أندرغراوند» ليكون فيلم افتتاح المهرجان في الدورة الماضية من «مهرجان أفلام السعودية» الذي يُقام سنوياً شرق البلاد، وأردف بالقول: «هذا الاختيار ليس تكريماً لي أنا فقط، بل هو تكريم لكل صنّاع الوثائقيات، بعد أن ازداد عددهم، وأصبح التنافس بينهم كبيراً من حيث تقديم أفلام وثائقية جيدة».

وأمام ذلك، يقدم صندقجي نصيحتين لصنّاع الوثائقيات؛ الأولى تتضمن تكثيف مشاهدة الأفلام الوثائقية للتعرّف على رؤية كل مخرج وكيفية تعامله مع الفيلم الوثائقي. وعن الثانية يقول: «من خلال تجربتي، اكتشفت ضرورة التعامل مع الفيلم الوثائقي كالفيلم الروائي»، مبيناً أن ذلك يتضمن سرد الحكاية وجودة النص والتعمّق في فهم الشخصية والقصة.

يؤكد صندقجي أنه لا يعمل إلا على القصص التي تلفت انتباهه ويشعر برغبة حقيقية في الاقتراب منها (الشرق الأوسط)

كتاب جديد

يُذكر أن صندقجي، الذي تخرج في كلية الهندسة الصناعية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بمدينة الظهران، بدأ رحلته مع صناعة الأفلام عام 2008، ومر بعدة تجارب ما بين الأفلام التجارية والروائية والوثائقية، قبل أن يستقر على الوثائقيات التي تشكل شغفه الحقيقي. ولمع اسمه في البداية مع فيلم «فوسفين» الذي لاقي رواجاً كبيراً فور عرضه قبل سنوات وتجاوزت مشاهداته 5 ملايين على منصة «يوتيوب»، والذي يعد فيلماً وثائقياً استقصائياً يتتبع الحقائق حول مبيد حشري أدى إلى وفاة العشرات في السعودية.

في ختام حديثه يكشف صندقجي عن أنه يستعد حالياً لإصدار كتابه الثاني «العقلية الوثائقية»، الذي يقدم من خلاله خلاصة تجربته في هذا المجال على مدى أكثر من عقد من الزمن، وهو يأتي بعد كتابه الأول «الفيلم الوثائقي»، مشيراً إلى أن كتابه الجديد يتناول رحلته من خلال القراءات والمشاهدة المكثفة والتعرض للتجارب الوثائقية المتنوعة، وذلك لفهم عقلية الصُنّاع المهرة للأفلام الوثائقية.