تصاعد الخلاف بين «النهضة» و«التيار» حول وزارة الداخلية

مراقبون يرون أن الحركة تخشى إعادة فتح ملفات أمنية وسياسية تدينها

TT

تصاعد الخلاف بين «النهضة» و«التيار» حول وزارة الداخلية

هدد حزب التيار الديمقراطي (يسار اجتماعي)، الذي يتزعمه محمد عبو، بمغادرة المشاورات التي يجريها الحبيب الجملي، رئيس الحكومة التونسية المكلف، والانضمام إلى صفوف المعارضة بسبب خلافه الحاد مع حركة النهضة، التي يتزعمها راشد الغنوشي، حول حقيبة وزارة الداخلية، وذلك قبل أسبوع واحد فقط من اختيار الجملي تركيبة الحكومة المقبلة، بعد أكثر من 40 لقاء عقدها مع قادة الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية، وشخصيات من مختلف التخصصات والمشارب.
وتمسك المكتب السياسي لحزب «التيار» بكل مطالبه، المتمثّلة بشكل أساسي في الحصول على ثلاث حقائب وزارية (وزارات العدل والداخلية والإصلاح الإداري) «سعيا منه لإنهاء حالة التسيب والفساد السياسي وخدمة مصالح الأطراف النافذة»، بحسب تعبير بعض قادته.
وفيما أوضح الحزب أن تمسكه بوزارة الداخلية «يأتي في إطار السعي لمكافحة أشكال التلاعب بالأمن والتعيينات الحزبية، وحماية أطراف فاسدة»، لم تستبعد بعض قياداته، خاصة محمد عبو ومحمد الحامدي، مغادرة الحزب للمفاوضات إذا لم تتم الاستجابة لطلباته، بحجة عدم ثقته في أطراف سياسية أخرى قادرة على مواصلة مكافحة الفساد.
في هذا السياق، اعتبر مراقبون أن حركة النهضة تخشى في حال سيطرة أحد الأحزاب اليسارية على وزارة الداخلية من إعادة فتح ملفات أمنية وسياسية شائكة، وفي مقدمتها ملف الأمن الموازي، وتسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر، علاوة على ملف الاغتيالات السياسية، التي جرى اتهام النهضة بالوقوف وراءها، وهي اتهامات نفتها في أكثر من مناسبة.
وكان حزب التيار قد هدد بمغادرة المشاورات، التي يقودها الحبيب الجملي قبل نحو أسبوعين، والعمل مع أطراف سياسية اصطفت في خندق المعارضة وأبدت حماسها لمحاربة ظاهرة الفساد.
في السياق ذاته، أعلمت حركة النهضة حزب «التيار الديمقراطي» بأنها لم تقبل طلبه بخصوص تقلد وزارة الداخلية، وهو ما رفضه «التيار» بشدة، مما يعني حسب عدد من المراقبين خلط الأوراق السياسية قبل أيام من تشكيل الحكومة المقبلة، خاصة بعد استقالة زياد العذاري، الأمين العام لحركة النهضة، احتجاجا على طريقة إدارة الحوار وجلسات التفاوض حول تأليف الحكومة الجديدة.
وبخصوص الأطراف التي قد تضمن مشاركتها في الحكومة المقبلة، فإن حركة النهضة (54 مقعدا برلمانيا) ستتزعم بطبيعة الحال الائتلاف الحاكم، لكن من المنتظر أن يقدم «ائتلاف الكرامة» (21 مقعدا)، بزعامة سيف الدين مخلوف، دعمه للحكومة بغض النظر عن المشاركة من عدمها، أما حزب التيار الديمقراطي (22 مقعدا) فمن الأرجح أن يكون موجودا في التشكيلة الحكومية المقبلة، لكن بعد التدقيق في بعض التفاصيل والحسم في مطالبه، فيما حركة الشعب (15 مقعدا) لم تغلق حتى الآن باب الحوار بشكل نهائي، رغم تأكيدها عدم المشاركة في الائتلاف الحاكم. وإلى أن تتضح معالم المشهد السياسي الجديد، فإن حركة النهضة تعول على «كتلة الإصلاح الوطني»، التي يبدو من خلال تصريحات قياداتها أنها تتجه نحو المشاركة في الحكومة المقبلة. أما بالنسبة لحركة «تحيا تونس» (14 مقعدا برلمانيا) فإنها ما تزال في وضع غامض لأنها لم تحسم أمرها بعد.
لكن رغم كل هذه الضبابية، فقد أكد عبد اللطيف المكي، قيادي حركة النهضة، أن «ملامح تشكيلة الحكومة قد توضحت بنسبة 80 في المائة، ولم يتبق سوى القليل، والإعلان عنها بصفة رسمية». مبرزا أن رئيس الحكومة المكلف «مطالب أن يتفاعل مع حركة النهضة عندما تلزم نفسها بشيء، وأيضا مع الأحزاب التي تضمن له أكبر سند شعبي».
ولتجاوز هذه الخلافات، يعقد مجلس شورى حركة النهضة اليوم (الأحد) اجتماعا يخصصه لمتابعة ملف تشكيل الحكومة، ونتائج المشاورات والأسماء التي اقترحها رئيس الحركة راشد الغنوشي على رئيس الحكومة المكلف لتولي حقائب وزارية. وبهذا الخصوص أكد عبد الحميد الجلاصي، قيادي حزب النهضة أن شورى الحركة «سينظر في ثلاثة ملفات أساسية هي: متابعة سير المفاوضات المتعلقة بتشكيل الحكومة، والتوجيهات الأخيرة حول المواقع التي ترغب فيها الحركة، والأسماء المقترحة التي ساعد المكتب التنفيذي في اختيارها، أما الملف الثاني فيتعلق بالقضايا الوطنية وكيفية تجاوز المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، فيما يبحث الملف الثالث ما ورد في مشروعي قانون المالية التكميلي لسنة 2019 ومشروع قانون المالية للسنة المقبلة».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.