مجلدان من رسائل همنغواي التي أوصى بعدم نشرها

سيرة لعلاقاته بأفراد أسرته وكبار كتاب عصره والحروب التي شارك فيها

غلاف الجزء الثاني من الرسائل
غلاف الجزء الثاني من الرسائل
TT

مجلدان من رسائل همنغواي التي أوصى بعدم نشرها

غلاف الجزء الثاني من الرسائل
غلاف الجزء الثاني من الرسائل

انتهى الشاعر المصري عبد المقصود عبد الكريم، من ترجمة رسائل الروائي الأميركي الشهير إرنست همنغواي، وسوف تصدر قريباً في مجلدين عن دار «آفاق» المصرية، معتمداً فيها على نسخة حققها الروائي والناقد الأميركي كاروس بيكر، وصدرت سنة 1981 بعنوان «إرنست همنغواي، رسائل مختارة، 1917 - 1961». وقد اشتهر بيكر (1909 - 1987) بسيرة كتبها عن همنغواي، وأخرى عن الشاعر الإنجليزي شيلي. وتبدأ هذه المجموعة من الرسائل في أغسطس (آب) 1917 بعد إتمام همنغواي الدراسة الثانوية. وتنتهي قبل وفاته بأيام.
ولد إرنست همنغواي في 21 يوليو (تموز) 1899 في مدينة أوك بارك، بولاية إلينوي الأميركية، وعاش سنواته الأولى حتى إنهاء الدراسة في المرحلة الثانوية. وهو الابن الثاني للدكتور كليرنس إدمونز همنغواي (1871 - 1928)، كانت أمه جريس هول همنغواي (1872 - 1951)، مغنية أوبرا ومعلمة موسيقى ورسامة. عاش همنغواي حياة حافلة جاب فيها قارات العالم، ومارس أنشطة عديدة، إضافة إلى الكتابة، وتعرض لحوادث كثيرة كان يمكن أن تنهي حياته في أي لحظة، تدهورت صحته في النهاية، ودخل المستشفى عدة مرات، وكانت المرة الأخيرة في مستشفى سانت ماري، ورغم أنه بدا لأطبائه في حالة تسمح له بالخروج من المستشفى، مات بيده بعد أقل من ثلاثة أسابيع من رسالته الأخيرة في هذا الكتاب إلى فريتز (رسالة رقم 581). غادر، بصحبة زوجته ماري وهي الرابعة والأخيرة، روتشستر في 26 يونيو (حزيران) 1961 في سيارة مستأجرة يقودها صديقه القديم جورج براون من نيويورك. وصلوا مدينة كيتشوم يوم الجمعة 30 يونيو. وفي صباح اليوم التالي اصطحب براون صاحبه همنغواي إلى عيادة مولي سكوت في صن فالي للتشاور مع الدكتور جورج سافيرز، الذي أحضر ابنه فريتز في زيارة قصيرة لهمنغواي في عصر ذلك اليوم. في مساء السبت تناول همنغواي وماري وجورج براون العشاء في أحد مطاعم كيتشوم وانصرفوا مبكراً.
وفي صباح يوم الأحد استيقظ همنغواي قبل السابعة، وفتح مخزن البدروم، واختار بندقية بماسورة مزدوجة من على الرف، وحملها إلى الدور العلوي إلى الردهة الأمامية، ووضع في البندقية خرطوشتين، ثم ثبت مؤخرة البندقية على الأرض، وضغط بجبهته على الماسورتين وفجر رأسه بالكامل. كان ذلك في 2 يوليو 1961. ودفن في مقبرة كيتشوم بعد انتحاره بثلاثة أيام. وكان خبره قد انتشر في هذه الأثناء في كل أرجاء الدنيا، لتنتهي حياة أحد أكبر الكتاب في القرن العشرين. وتبقى أعماله حية وتشغل حياته صفحات أكثر كل يوم في تاريخ الأدب.
تمثل الرسائل، التي جمعها بيكر من مكتبات جامعية ومؤسسات بحثية، سيرة حية لحياة همنغواي يذكر فيها بالتفصيل، ما تواتر عليه من أحداث بين يومي 21 يوليو 1899 والثاني من الشهر نفسه بعد 62 عاماً، وقد عاش حياة حافلة، بكل معنى الكلمة. كان همنغواي، حسب ما كتبه عبد الكريم في مقدمة الترجمة التي تصدر في مجلدين عن دار «آفاق» المصرية، كاتباً متعدد الهوايات، ودائم التنقل والترحال، وأقل ما يمكن أن يوصف به أنه كان يتمتع بروح المغامرة.
ويحكي همنغواي، الذي حصل على جائزة «نوبل» عام 1954، في رسائله عن جده لأبيه وجده لأمه، وعلاقته بوالده، وسوء علاقته بوالدته، ويكتب عن أخواته الأربعة وأخيه الصغير، وعلاقة الحب التي ربطته مع ممرضته، أجنيس فون كوروفسكي، أثناء فترة علاجه في إيطاليا. ويتحدث صاحب رواية «العجوز والبحر» عن زوجاته الأربع وعلاقته بهن قبل الزواج وفي أثناء الزواج وبعد الزواج. وعن أبنائه الثلاثة، الأول من زوجته الأولى هادلي، والثاني والثالث من زوجته الثانية بولين. فضلاً عن علاقاته الاجتماعية بشخصيات تتنوع اهتماماتها بقدر تنوع اهتمامه.
وفي ترجمته، قام عبد الكريم بترقيم الرسائل لسهولة الرجوع إليها. وحاول إعادة شكل الرسائل إلى الصورة التي كتبها بها همنغواي بحذف كل ما قام محقق النسخة الإنجليزية بحشوه في المتن، لكنه استعان ببعضه في الهوامش عند الضرورة، مع إشارة إلى أنها لبيكر محقق النسخة التي اعتمد عليها في الترجمة. وقد زود الترجمة بالكثير من الهوامش، كان بعضها مشتركاً بينه وبين المحرر.
وتغطي الرسائل جانباً من علاقات همنغواي بالكتاب من أبناء عصره، وصداقته معهم، وموقفه من أعمالهم. ويمثلون حشداً هائلاً من الكتاب والفنانين، منهم غرترود شتاين، وسكوت فيتزغيرالد، وأرشيبالد ماكليش، وإزرا باوند، وجيمس جويس، وبابلو بيكاسو، ودوس باسوس، وموقفه منهم في مراحل مختلفة من حياته.
ولا يغفل صاحب «وداعاً للسلاح» في رسائله الحديث عن المحررين الذين تعامل معهم، سواء محرري الصحف والمجلات أو محرري دور النشر، وأصحاب دور النشر، خصوصاً ماكسويل بركينز، محرر دار «أبناء تشارلز سكريبنر»، وتشارلز سكريبنر الأب، وتشارلز سكريبنر الابن. كما تحدث عن بعض القادة العسكريين، الذين عمل معهم، وتوطدت علاقته بهم.
ويكتب همنغواي عن اشتراكه في عدد من الحروب التي نشبت في حياته. بدأها بالاشتراك في الحرب العالمية الأولى، وهو لا يزال في التاسعة عشرة، وتعرض لحادث كاد ينهي حياته. وبعد ذلك اشترك في الحرب الإسبانية من بداياتها تقريباً حتى نهايتها. وكانت آخر تلك الحروب التي عاشها بكل وجدانه الحرب العالمية الثانية، خصوصاً في العمليات التي جرت على الأرض الفرنسية لتحريرها من الألمان.
ويستعرض كذلك تفاصيل عن حياته في إيطاليا نهاية الحرب العالمية الأولى، والسنوات التي قضاها في باريس. وجولاته في كل أرجاء أوروبا، والفترة التي قضاها في كندا، وحياته في كوبا، ورحلته إلى الصين، وجولاته في أفريقيا، وولعه بصيد السمك والطيور والحيوانات، والتزلج والملاكمة ومصارعة الثيران.
كما تحدث بالطبع عن طقوسه وطريقته في كتابة أعماله، والمراحل التي مر بها كل عمل قصصي أو روائي قدمه لقرائه.
يُشار إلى أن مشروع نشر طبعة محققة من رسائل همنغواي بدأته مطبعة «جامعة كمبردج» بدعم وتعاون من باتريك همنغواي (1928 - )، ويقدر عدد الرسائل بنحو 6 آلاف رسالة، وينتظر إصدارها في 17 مجلداً. انطلق المشروع في سنة 2011 بإصدار المجلد الأول (1907 - 1922)، أي أنه يبدأ برسائل كتبها همنغواي وهو في السابعة أو الثامنة من عمره تقريباً. وصدر المجلد الثاني (1923 - 1925) في أكتوبر (تشرين الأول) 2013، والمجلد الثالث (1926 - أبريل/ نيسان 1929) في أكتوبر 2015، والمجلد الرابع (أبريل 1929 - 1931) في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017. وينتظر صدور المجلد الخامس (1932 - مايو/ أيار 1934) في خريف 2019. ويقع المقر الرئيسي للمشروع في جامعة ولاية بنسلفانيا. كانت الرسائل متناثرة على نطاق واسع، ولم يكن من المعتاد أن يحتفظ همنغواي بنسخ منها، ويقول المسؤولون عن المشروع إنهم جمعوها من أكثر من 250 مصدراً داخل الولايات المتحدة وخارجها، من المكتبات والتجار وهواة جمع التحف ومراسلي همنغواي وذريتهم. وتوجد أكبر مجموعة، نحو 2500 رسالة، في مكتبة الرئيس جون ف. كيندي.
تجدر الإشارة إلى أن همنغواي نفسه أوصى بعدم نشر هذه الرسائل، وكتب في رسالة قبل وفاته بثلاث سنوات إلى القائمين على تنفيذ وصيته: «أتمنى ألا تنشر هذه الرسائل التي كتبتها في حياتي. وبناء عليه أطلب منكم عدم نشر أي من هذه الرسائل أو الموافقة على نشرها».
يذكر بيكر أن همنغواي كان لا يهتم كثيراً برسائله، وكان يعتقد أن أفضل الكُتَّاب يكتبون أسوأ الرسائل. كان يولي الاهتمام الأكبر بإنتاجه الإبداعي، وكان يقول إنه إذا كتب في أي وقت رسالة جيدة فهذا يعني أنه لا يعمل.
يستعيد عبد الكريم حديث بيكر ليشير إلى أن الشيطان يكمن فيما يذكره عن همنغواي، ورأيه فيما يكتب من رسائل، ويقول تعرفْتُ مع رسائل همنغواي، خصوصاً رسائله المبكرة، على لغة جديدة. ففيها تمثل الألقاب التي يطلقها على أصدقائه وأخواته وزوجاته وأبنائه متاهة يجب الانتباه إليها جيداً ليعرف المرء عمن يتحدث أو من يخاطب. وهناك مشكلة أخرى تتمثل في كتابة بعض الكلمات، بالإضافة إلى بعض الأخطاء التي يشير هو نفسه إليها في كتابة بعض الكلمات، خصوصاً الأسماء غير الإنجليزية، سواء كانت أسماء أشخاص أو أماكن، إضافة إلى كتابة أسماء بعض الأشخاص خطأ على سبيل السخرية منهم، وهي أمور قد تبدو بسيطة أو متوقعة في رسائل، لكنها تمثل صعوبة كبيرة في الترجمة. وأخيراً إهمال علامات الترقيم في مواضع كثيرة مما يجعل المعنى ملتبساً في كثير من الأحيان.


مقالات ذات صلة

«فلسفة هيوم»... زيارة جديدة لأحد أهم مفكري القرن الثامن عشر

ثقافة وفنون «فلسفة هيوم»... زيارة جديدة لأحد أهم مفكري القرن الثامن عشر

«فلسفة هيوم»... زيارة جديدة لأحد أهم مفكري القرن الثامن عشر

عن دار «أقلام عربية» بالقاهرة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «فلسفة هيوم: بين الشك والاعتقاد» الذي ألفه الباحث والأكاديمي المصري د. محمد فتحي الشنيطي عام 1956

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

لعلّه المتحف الوحيد الذي تُعرض فيه عيدان كبريت، وبطاقات يانصيب، وأعقاب سجائر... لكن، على غرابتها وبساطتها، تروي تفاصيل "متحف البراءة" إحدى أجمل حكايات إسطنبول.

كريستين حبيب (إسطنبول)
كتب فرويد

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية

د. ماهر شفيق فريد
كتب ناثان هيل

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

فلنفرض أن روميو وجولييت تزوَّجا، بعد مرور عشرين سنة سنكتشف أن روميو ليس أباً مثالياً لأبنائه، وأن جولييت تشعر بالملل في حياتها وفي عملها.

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

صدر حديثاً عن دار نوفل - هاشيت أنطوان كتاب «دليل الإنسايية» للكاتبة والمخرجة الآيسلندية رند غنستاينردوتر، وذلك ضمن سلسلة «إشراقات».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

3 قطع برونزية من موقع مليحة في الشارقة

3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة
3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة
TT

3 قطع برونزية من موقع مليحة في الشارقة

3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة
3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة

أسفرت عمليات التنقيب المتواصلة في موقع مليحة الأثري التابع لإمارة الشارقة عن العثور على مجموعات كبيرة من اللقى المتعدّدة الأشكال والأساليب، منها مجموعة مميّزة من القطع البرونزية، تحوي 3 كسور تحمل نقوشاً تصويرية، ويعود كلّ منها إلى إناء دائري زُيّن برسوم حُدّدت خطوطها بتقنية تجمع بين الحفر الغائر والحفر الناتئ، وفقاً لتقليد جامع انتشر في نواحٍ عدة من شبه جزيرة عُمان، خلال الفترة الممتدة من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث للميلاد.

أصغر هذه الكسور حجماً قطعة طولها 4.5 سنتيمتر وعرضها 10 سنتيمترات، وتمثّل رجلاً يركب حصاناً وآخر يركب جملاً. يظهر الرجلان في وضعية جانبية ثابتة، ويرفع كلّ منهما رمحاً يسدّده في اتجاه خصم ضاع أثره ولم يبقَ منه سوى درعه. وصلت صورة راكب الحصان بشكل كامل، وضاع من صورة راكب الجمل الجزء الخلفي منها. الأسلوب متقن، ويشهد لمتانة في تحديد عناصر الصورة بأسلوب يغلب عليه الطابع الواقعي. يتقدّم الحصان رافعاً قوائمه الأمامية نحو الأعلى، ويتقدّم الجمل من خلفه في حركة موازية. ملامح المقاتلين واحدة، وتتمثّل برجلين يرفع كل منهما ذراعه اليمنى، شاهراً رمحاً يسدّده في اتجاه العدو المواجه لهما.

الكسر الثاني مشابه في الحجم، ويزيّنه مشهد صيد يحلّ فيه أسد وسط رجلين يدخلان في مواجهة معه. يحضر الصيّادان وطريدتهما في وضعيّة جانبية، ويظهر إلى جوارهم حصان بقي منه رأسه. ملامح الأسد واضحة. العين دائرة لوزية محدّدة بنقش غائر، والأنف كتلة بيضاوية نافرة. فكّا الفم مفتوحان، ويكشفان عن أسنان حادة. تحدّ الرأس سلسلة من الخصل المتوازية تمثل اللبدة التي تكسو الرقبة. يتكون الصدر من كتلة واحدة مجرّدة. الظهر مقوّس بشكل طفيف، ويظهر في مؤخرته ذيل عريض، تعلو طرفه خصلة شعر كثيفة. الجزء الأسفل من البدن مفقود للأسف، وما بقي منه لا يسمح بتحديد وضعية القوائم الأربع.

في مواجهة هذا الليث، يظهر صياد يرفع بيده اليمنى ترساً مستديراً. في المقابل، يظهر الصياد الآخر وهو يغرز خنجره في مؤخرة الوحش. بقي من الصياد الأول رأسه وذراعه اليمنى، وحافظ الصياد الآخر على الجزء الأعلى من قامته، ويتّضح أنه عاري الصدر، ولباسه يقتصر على مئزر بسيط تعلوه شبكة من الخطوط الأفقية. ملامح وجهَي الصيادين واحدة، وتتبع تكويناً جامعاً في تحديد معالمها. من خلف حامل الخنجر، يطل رأس الحصان الذي حافظ على ملامحه بشكل جلي. الأذنان منتصبتان وطرفهما مروّس. الخد واسع ومستدير. الفم عريض، وشق الشدقين بارز. اللجام حاضر، وهو على شكل حزام يلتفّ حول الأنف. تعلو هذه الصورة كتابة بخط المسند العربي الجنوبي تتألف من ستة أحرف، وهي «م - ر - أ - ش - م - س»، أي «مرأ شمس»، ومعناها «امرؤ الشمس»، وتوحي بأنها اسم علم، وهو على الأرجح اسم صاحب الضريح الذي وُجد فيه هذا الكسر.

تتبع هذه الكسور الثلاثة أسلوباً واحداً، وتعكس تقليداً فنياً جامعاً كشفت أعمال التنقيب عن شواهد عدة له في نواحٍ عديدة من الإمارات العربية وسلطنة عُمان

الكسر الثالث يمثّل القسم الأوسط من الآنية، وهو بيضاوي وقطره نحو 14 سنتيمتراً. في القسم الأوسط، يحضر نجم ذو 8 رؤوس في تأليف تجريدي صرف. وهو يحل وسط دائرة تحوط بها دائرة أخرى تشكّل إطاراً تلتف من حوله سلسلة من الطيور. تحضر هذه الطيور في وضعية جانبية ثابتة، وتتماثل بشكل تام، وهي من فصيلة الدجاجيات، وتبدو أقرب إلى الحجل. تلتف هذه الطيور حول النجم، وتشكّل حلقة دائرية تتوسط حلقة أخرى أكبر حجماً، تلتف من حولها سلسلة من الجمال. ضاع القسم الأكبر من هذه السلسلة، وفي الجزء الذي سلم، تظهر مجموعة من ثلاثة جمال تتماثل كذلك بشكل تام، وهي من النوع «العربي» ذي السنام الواحد فوق الظهر، كما يشهد الجمل الأوسط الذي حافظ على تكوينه بشكل كامل.

تتبع هذه الكسور الثلاثة أسلوباً واحداً، وتعكس تقليداً فنياً جامعاً، كشفت أعمال التنقيب عن شواهد عدة له في نواحٍ عديدة من الإمارات العربية وسلطنة عُمان. خرجت هذه الشواهد من المقابر الأثرية، ويبدو أنها شكلت جزءاً من الأثاث الجنائزي الخاص بهذه المقابر في تلك الحقبة من تاريخ هذه البلاد. عُثر على هذه الكسور في موقع مليحة، وفي هذا الموقع كذلك، عثر فريق التنقيب البلجيكي في عام 2015 على شاهد يحمل اسم «عامد بن حجر». يعود هذا الشاهد إلى أواخر القرن الثالث قبل الميلاد، ويحمل نقشاً ثنائي اللغة يجمع بين نص بخط المسند الجنوبي ونص بالخط الآرامي في محتوى واحد. يذكر هذا النص اسم «عمد بن جر»، ويصفه بـ«مفتش ملك عُمان»، ونجد في هذا الوصف إشارة إلى وجود مملكة حملت اسم «مملكة عُمان».

ضمّت هذه المملكة الأراضي التي تعود اليوم إلى الإمارات العربية المتحّدة، كما ضمّت الأراضي التي تعود إلى شمال سلطنة عُمان، وشكّلت استمرارية لإقليم عُرف في النصوص السومرية باسم بلاد ماجان. جمعت هذه المملكة بين تقاليد فنية متعدّدة، كما تشهد المجموعات الفنية المتنوّعة التي خرجت من موقع مليحة في إمارة الشارقة، ومنها الأواني البرونزية التي بقيت منها كسور تشهد لتقليد فني تصويري يتميّز بهوية محليّة خاصة.