السبعينيون... ظاهرة المرشحين الديمقراطيين «الأكثر شعبية»

امتاز المرشحون الديمقراطيون الذين تضعهم استطلاعات الرأي في صدارة التنافس بالانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020 بأن الصفة الجامعة الأبرز بينهم هي تقدمهم في السن!
الواقع، وهذه ظاهرة فعلاً، أن المرشحين «السبعينيين» - أي الذين تجاوزوا حاجز الـ70 سنة - هم الذين تضعهم الاستطلاعات في المقدمة. وبين هؤلاء نائب الرئيس السابق جو بايدن (77)، وبيرني ساندرز (78) المنافس السابق لهيلاري كلينتون على ترشيح الديمقراطيين عام 2016. وإليزابيث وارين (تجاوزت الـ70)، وها هو ينضم إليهم مايكل بلومبرغ ذو الـ77 سنة. والجدير بالذكر، أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب هو الآخر يبلغ من العمر 73 سنة.
من ناحية أخرى، بينما يعد الهدف الأول لجميع المرشحين الديمقراطيين، كالعادة، الإطاحة برئيس ينتمي إلى الحزب الجمهوري، فإن غاية الرئيس ترمب العمل على التغلب على مرشح الديمقراطيين النهائي، والفوز بولاية رئاسية ثانية تبقيه في البيت الأبيض لمدة أربع سنوات أخرى غير قابلة للتجديد دستورياً.
تعد السيناتورة إليزابيث وارين (عن ولاية ماساتشوستس) والسيناتور بيرني ساندرز (عن ولاية فيرمونت) من أكثر المرشحين ميلاً إلى الأفكار اليسارية والمناداة بالمساواة في الأعمال والحقوق الاجتماعية. بل إن ساندرز كان أساساً اشتراكياً معلناً، ودخل مجلس النواب ثم مجلس الشيوخ كمستقل لكنه ليساريته كان يصوّت دائماً مع الديمقراطيين. ومن ثم، عندما قرر خوض انتخابات الرئاسة ترشح ضمن المرشحين الديمقراطيين، وبسرعة اجتذب تأييد الناخبين الديمقراطيين المنفتحين على الاشتراكية. وبالفعل، نادي بكثير من المفاهيم الاشتراكية خلال حملته الانتخابية الأولى في 2016 والآن مجدداً في 2020.
على النقيض تماماً، اقترعت نسبة لا بأس بها من الناخبين من أبناء الطبقة العاملة، الذين كانوا عادة يصوتون للديمقراطيين، لدونالد ترمب عام 2016 متأثرين بخطابه الشعبوي ضد المهاجرين الذين «يأخذون وظائف الأميركيين» و«تصدير الوظائف إلى الخارج» ولصالح إنهاض بعض الصناعات التقليدية كمناجم الفحم الحجري. وبالتالي، لئن كان البعض يظن أن ترمب فاز بانتخابات 2016 فقط بفضل ثروته المالية، فإن هذا العامل لم يكن هو الأساس، بل كان في قدرته الوصول إلى شريحة شعبية غاضبة من الطبقة السياسية وتعتبر نفسها مهمشة. وهذا الأمر كان الدرس الذي استوعبه المرشحون الحاليون - ولا سيما في الحزب الديمقراطي - فبادروا إلى تبني العديد من الأفكار التي تشغل بال الطبقتين المتوسطة والكادحة في توفير الفرص المتكافئة في الصحة والتعليم والوظائف.
نائب الرئيس السابق جو بايدن يعد المرشح الوحيد الذي يصف نفسه بـ«الديمقراطي المعتدل» من بين المرشحين الديمقراطيين ذوي النسب الأعلى من التأييد الشعبي في استطلاعات الرأي العام. وهو عموماً، من المرشحين المفضلين عند عدد من قادة النقابات العمالية. وبعد بايدن يأتي بيت بوتيجيج (أبو دجاج)، وهو عمدة شاب يصف نفسه أيضاً بأنه «ديمقراطي معتدل» لا يحمل الأفكار اليسارية التي لدى وارين وساندرز.
بصفة عامة، المنافسة بين المرشحين الديمقراطيين الباقين في حلبة التنافس ازدادت سخونة، وأصبحت أكثر صعوبة مما كانت عليه في السابق بعد انضمام مايكل بلومبرغ إلى السباق. ذلك أن البعض يرى فيه الوجه الأوفر حظاً من بين المتنافسين، لا سيما، وأن بايدن قد يواجه مصاعب في ملف الصفقة التجارية الأوكرانية لصالح شركة ابنه، والتي يواجه ترمب بسببها دعوة إلى العزل من منصبه. ثم إن كتلة أصوات الناخبين اليساريين ستتوزّع على الأرجح خلال الأشهر المقبلة بين وارين وساندرز ولا بد من أن يسقط أحدهما على الطريق، وبينما في معسكر «الوسط» تشير استطلاعات الرأي بصورة مطرّدة إلى عجز السيناتورة كمالا هاريس، عضو مجلس الشيوخ عن كاليفورنيا - كبرى الولايات الأميركية - عن تحقيق الاختراق الذي كانت تأمل به، ما أفقدها كثيرا من قوة الدفع.
صحيح، أن التنافس على ترشيح الديمقراطيين ما زال في مرحلة مبكرة من العد العكسي الحقيقي، لكن دخول شخصية بوزن مايكل بلومبرغ، لديها رصيدها الواسع على مستوى البلاد كلها من شأنه تغيير كثير من المعطيات. بل إن مرشحاً مثل بلومبرغ، بعيد عن اليسار التقليدي، لن يوحد فقط الوسط واليمين الديمقراطيين، بل سيجتذب نسبة لا بأس بها من الناخبين الجمهوريين المعتدلين المحسوبين على الاتجاه المحافظ اقتصاديا والليبرالي اجتماعياً ودينياً.