مرضى بلا دواء وخسائر بملايين الدولارات ...ماذا فعل انقطاع الإنترنت بإيران؟

مواطنة إيرانية تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي (موقع أتلانتيك كاونسل الأميركي)
مواطنة إيرانية تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي (موقع أتلانتيك كاونسل الأميركي)
TT

مرضى بلا دواء وخسائر بملايين الدولارات ...ماذا فعل انقطاع الإنترنت بإيران؟

مواطنة إيرانية تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي (موقع أتلانتيك كاونسل الأميركي)
مواطنة إيرانية تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي (موقع أتلانتيك كاونسل الأميركي)

اضطر شاب إيراني، تحفظ على ذكر اسمه، لدفع أضعاف سعر دواء لشقيقته، بعدما فشل في العثور عليه في الصيدلية المجاورة لمنزله بوسط طهران.
كان السبب وراء فشل شراء الدواء من الصيدلية هو انقطاع الإنترنت، الذي حال دون تسجيل اسم الوصفة الطبية على موقع شركة التأمين، وبالتالي تعذر بيعه، وفقاً لما نقله الشاب الإيراني عن الصيدلي.
وامتدت آثار انعكاس انقطاع الإنترنت على عجز المواطنين على استخدام التأمين الطبي لدفع تكاليف زيارات الطبيب، بحسب طبيب صيدلي تحدث لمراسل موقع أتلانتيك كاونسل الأميركي.
وكانت إيران قد تعرضت لانقطاع شبه كامل لخدمة الإنترنت في جميع أنحاء البلاد، في 16 نوفمبر (تشرين الثاني)، استمر لخمسة أيام متصلة، قبل أن يعود تدريجياً عبر استعادة اتصالات الإنترنت الأرضية في معظم المدن، لكن بيانات الهاتف الجوال لم تكن تعمل.
وقالت خدمة «نتبلوكس» غير الحكومية، آنذاك، في بيان، إن «إيران وسط انقطاع وطني شبه كلي للإنترنت». وأضافت «نتبلوكس»: «لقد أظهرت بيانات الشبكة خلال الوقت الفعلي أن الاتصال قد انخفض إلى 7 في المائة فقط من المستويات العادية بعد 12 ساعة من الانقطاع التدريجي للشبكة، مع استمرار الاحتجاجات العامة في جميع أنحاء البلاد». يشار إلى أن مجموعة «نتبلوكس» من منظمات المجتمع المدني وتتعامل مع الحقوق الرقمية والأمن السيبراني وإدارة الإنترنت.
وطالت آثار انقطاع الإنترنت كذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة التي أوقفت كثيراً من عملياتها التجارية، وتكبدت خسائر قُدرت بملايين الدولارات، ويقول نازانين دانشفار، الرئيس التنفيذي لواحدة من كُبرى الشركات التجارية: «لقد فقدنا نحو 80 في المائة من مبيعاتنا... إذا لم تتم استعادة الاتصال بالإنترنت بشكل كامل فسوف نضطر إلى إغلاق أعمالنا».
بينما تُضيف امرأة إيرانية عاملة في شركة محلية للسيارات وطلبت عدم استخدام اسمها، بعداً آخر للخسائر التي تكبدتها شركتها، قائلة: «اعتدنا على الدردشة مع شركائنا الصينيين باستمرار عبر تطبيق مراسلة صيني؛ خصوصاً المهندسين الذين يستشيرون نظراءهم الصينيين في أمور فنية». مؤكدة أن انقطاع الإنترنت، عطل جميع العمليات التجارية للشركة.
إلى جانب الخسائر التجارية والصعوبات المعيشية، فقد أضاف انقطاع الإنترنت صعوبة أخرى لآلاف الشباب الإيرانيين من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، إذ تقول شابة إيرانية إنها فقدت شيئاً مهماً جداً بعدما باتت عاجزة عن الدخول على حساباتها الشخصية».
كما تسببت الاتصالات المعطلة أيضاً في قلق شديد بين الإيرانيين مع أقاربهم المقيمين في الخارج الذين يستخدمون عادة برامج مثل «واتساب»، أو «تليغرام»، أو «سكايب» لإجراء محادثات يومية مع أحبائهم.
وتجنب الكثيرون استخدام الإنترنت الوطني عبر التطبيقات المحلية التي تتيحها السلطات الإيرانية، تخوفاً من مراقبتهم، في ضوء أن جميع هذه البرامج تخضع لسيطرة من جانب الحكومة.



«هدنة غزة» أشعلت حرباً إعلامية حول الطرف المنتصر

فلسطينيون فرحون بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة (أ.ب)
فلسطينيون فرحون بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة (أ.ب)
TT

«هدنة غزة» أشعلت حرباً إعلامية حول الطرف المنتصر

فلسطينيون فرحون بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة (أ.ب)
فلسطينيون فرحون بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة (أ.ب)

لم يكد اتفاق «هدنة غزة» يُعلَن، وتسود الآمال في وقف القتال بالقطاع، حتى اندلعت معركة أخرى في الفضاء الإعلامي العربي حول اسم المنتصر في الحرب، التي اندلعت في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

ذلك الصراع على «هوية المنتصر» ارتبط بخلاف حول معايير النصر والهزيمة، بين من يربطها بحجم الدمار وأعداد القتلى، ومن يحيلها إلى فضاء أوسع رابطاً إياها بإحياء القضية الفلسطينية وصمود الشعب الفلسطيني، لتشتعل حرب إعلامية في وسائل الإعلام التقليدية وعلى منصات التواصل الاجتماعي، تبارى كل طرف فيها من أجل ترجيح كفة المنتصر في الحرب التي استمرت أكثر من عام، وخلّفت نحو 50 ألف قتيل، إضافة إلى آلاف الجرحى، ناهيك عن الدمار الذي لحق بقطاع غزة وتبعاته الاقتصادية داخلياً وإقليمياً.

تزامنت هذه الحرب الافتراضية مع احتفالات وتهانٍ باتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنه الوسطاء «مصر، وقطر، والولايات المتحدة الأميركية»، الأربعاء الماضي، ومن المنتظر أن يدخل حيز التنفيذ، صباح الأحد، آملين أن ينهي معاناة سكان قطاع غزة.

رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أحد أقاربها في غارة إسرائيلية على دير البلح بوسط قطاع غزة (رويترز)

وكانت حركة «حماس»، قد اعتبرت أن اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل «إنجازاً وانتصاراً» جاء نتيجة «الصمود الأسطوري» للشعب الفلسطيني.

«الحرس الثوري» الإيراني، أيضاً عدّ الاتفاق «هزيمة كبرى لإسرائيل»، حسب إفادة رسمية، الخميس الماضي. فيما كتب حساب المرشد، علي خامنئي، عبر منصة «إكس» أن «المقاومة الفلسطينية»، و«محور المقاومة» المدعوم من إيران، نجحا في إجبار إسرائيل على «التراجع». وأشادت وزارة الخارجية الإيرانية باتفاق وقف إطلاق النار في غزة، عادّةً إياه «انتصاراً تاريخياً للشعب الفلسطيني». كما هنأ أمين عام «حزب الله»، نعيم قاسم، الفلسطينيين بوقف إطلاق النار في غزة.

«صمود الشعب الفلسطيني» كان أحد المعايير الرئيسية فيمن يرون في اتفاق وقف إطلاق النار «انتصاراً». وفي هذا السياق كتب عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، الإعلامي مصطفى بكري، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «إكس»، يقول: إن «فرحة الفلسطينيين، رغم الموت والدمار، رغم الجوع والمرض، تؤكد أنه شعب جبّار لا يعرف اليأس أو الإحباط. عاد المحتل الصهيوني يجر أذيال الخيبة والعار... الشعب يشعر بالانتصار رغم الدمار والخراب».

وبالمثل حيّت الإعلامية المصرية لميس الحديدي «صمود ومقاومة» الشعب الفلسطيني، عبر منشور بحسابها على «إكس» اختتمته بهاشتاغ «غزة تنتصر».

على الجانب الآخر كان هناك من لا يرى في اتفاق وقف إطلاق النار انتصاراً، مبرراً ذلك بحجم الدمار الذي ألمّ بقطاع غزة، وعدد الضحايا والمصابين، فضلاً عن التداعيات الاقتصادية محلياً وإقليماً وعالمياً، لا سيما مع هجمات جماعة «الحوثي» في اليمن على السفن المارة في البحر الأحمر، التي أدت إلى تغيير مسار الملاحة العالمية، ما كبّد شركات الشحن الكبرى تكاليف إضافية، فضلاً عن تراجع عائدات «قناة السويس المصرية» بنسبة وصلت إلى 60 في المائة، حسب تقديرات رسمية.

وهو ما عبّر عنه مدير «المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، العميد خالد عكاشة، في تصريحات متلفزة، الأسبوع الماضي، بقوله: «إن حصاد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ثقيل للغاية من حيث عدد الشهداء والجرحى والمفقودين». وأضاف: «ليس من الواضح من هو المنتصر ومن المهزوم بالحرب الدامية في غزة».

وبينما عدّ حساب على «إكس»، الحديث عن انتصار بعد هذا العدد من الضحايا بمثابة «عبث بدماء الأبرياء». قال حساب آخر على «إكس» إن «النصر لا يُقاس بالقتلى المدنيين ولا التدمير في البنية التحتية... النصر هو انتصار قوة على قوة في الميدان وفرض الشروط».

لكن الصحافية المصرية سارة علام شلتوت كتبت عبر حسابها على «فيسبوك»، تقول إن «الحديث عن الانتصار في غزة لا يراعي حجم الخسائر والتضحيات»، مشيرة إلى أن «الانتصار الوحيد الذي تم، هو إفشال مخطط التهجير»، وإن عدت ذلك «تراجعاً معنوياً ضخماً كونه مجرد إفشال مخطط».

ومن مواقع التواصل، انتقل الجدل إلى وسائل الإعلام الرسمية، عبر تقارير ومقالات عدة تحاول الإجابة عن سؤال «من المنتصر في حرب غزة».

وشارك حساب قناة «العربية» على «إكس» رابطاً من حلقة ناقشت هوية المنتصر مع تعليق، قال فيه الباحث في العلاقات الدولية، عباس خامه يار، يصف اتفاق وقف النار في غزة بـ«انتصار لـ(حماس)»... وقالت مذيعة «العربية»، ميسون نويهض: «بعد مقتل 50 ألف فلسطيني وتسوية القطاع بالأرض؟».

وتناولته قناة «فرنسا 24» في تقرير، وكتبت عبر «إكس»: «هل اتفاق تبادل الرهائن هو انتصار لـ(حماس)؟».

وكتب أستاذ الاجتماع السياسي في جامعة الكويت، محمد الرميحي، في مقاله بـ«الشرق الأوسط» يقول: «سوف يحصل الغزيون على غزة منقوصة الجغرافيا، ومن دون سيطرة (حماس)، والكثير من المقابر الجديدة، ومع ذلك سنجد من يتحدث عن (الانتصار)!».

الجدل بشأن هوية المنتصر بدأ قبل إعلان الاتفاق بوقت طويل، فمع طول أمد الحرب حاول كثيرون وضع سيناريوهات لنهايتها بناء على تعريف «الانتصار والهزيمة» بالنسبة لأطرافها. وقال الدكتور محمد عباس ناجي، في مقال نشره «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في فبراير (شباط) من العام الماضي، إن «هناك غموضاً بشأن معنى (الانتصار) و(الهزيمة) لدى كلٍّ من طرفَي الحرب والقوى الداعمة لهما».

إخلاء سكان مخيمي النصيرات والبريج للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور مصطفى كامل السيد، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «تحديد هوية المنتصر والمهزوم في أي حرب مرتبط بمدى تحقيق كل طرف لأهدافه في تلك المعركة»، مشيراً إلى أنه «بتطبيق ذلك على غزة، فإن تل أبيب أعلنت أن هدفها من الحرب هو القضاء على حركة (حماس)، واستعادة الرهائن وهو ما لم تحققه».

وأضاف: «بينما لا يمكن على وجه الدقة معرفة أهداف حركة (حماس) من هذه الحرب، لكن يمكن ربط نتائجها بسياق القضية الفلسطينية وإعادة إحيائها سواء عبر حركة التضامن العالمي مع غزة، أو تحريك قضايا في محكمة العدل الدولية، وبالقياس على ذلك يمكن أن يعد اتفاق وقف إطلاق النار انتصاراً لفلسطين».

وعشية دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، قالت حركة «حماس»، في إفادة رسمية السبت، إن «إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها العدوانية في غزة».