ثلاثة مواقع «أون لاين»، تضيء مناطق مهمة في النتاج الثقافي؛ الأدبي والفني، في الساحات الثقافية في العالم، منتجة للمنتج الثقافي في بلد ما، أو مساهمة في إنتاجه، أو جامعة للمهمتين في إطار ما تنشره، كما هي حال مدونة «آسيان ريفيو أوف بوكس»، التي «تحتكر» لنفسها، إعادة نشر بعض نتاج بلدان شرق آسيا وجنوب شرقيها، من مراجعات الكتب؛ شعرا ورواية بصورة خاصة، وما ينشر من مراجعات لنتاج آسيوي، في صحف البلدان الأخرى، وبالذات في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. وتكاد الأميركية مارشا لينكس - كوايلي، «تحتكر» بدورها، لمدونتها المهمة، متابعة النتاج الثقافي العربي وما يترجم منه إلى أي من لغات العالم، بينما ينفتح موقع «وورلد ليتريتشر توداي» على اسمه الذي يشكل لافتة عريضة لما ينشره.
هذه المواقع، وبعضها في عداد المدونة، تجمع حولها مئات آلاف المهتمين بالنتاج الأدبي من جنوب شرقي آسيا إلى المكسيك وقرى جبال الإنديز، ومن سيبيرا إلى جنوب أفريقيا، تاركة لمجلة وموقع «واسافيري» حيزا ليشكل حاضنة أوسع لنتاج أفريقيا الثقافي ودول الكاريبي. والموقع يستحق تجوالا خاصا به. وتلتقي هذه المواقع أيضا، في متابعتها الأنشطة الثقافية التي تحظى باهتمام عالمي، كجوائز الفن والأدب، والمؤتمرات الثقافية والفنية، والمناسبات ذات الصلة عموما.
* «أراب ليت (بالإنجليزية)»
عام 2009، أطلقت الأميركية، مارشا لينكس - كوايلي، مدونتها «أراب ليتريتشر (بالإنجليزية)»، ولم تكن تتخيل أن يتحول ما بدأته على أنه مدونة صغيرة، إلى «أرضية للباحثين عن فضاء للنقاش والتفاعل وزيادة معرفتهم بالثقافة العربية». ينتمي متابعو المدونة، إلى النقاد والمترجمين، والناشرين، والمؤلفين، من بلدان تتحدث الإنجليزية، ومن مصر والهند وإندونيسيا، وآلاف القراء المهتمين بالأدب ومتابعي الحياة الثقافية. يتصفح المدونة شهريا، أكثر من 40 ألف زائر (حتى قبل عامين). يصعب تحديد ماهية المتصفحين, لكن مارشا تظن أن نسبتهم من العرب الذين يقرأون بالإنجليزية، تبلغ 30 في المائة، بينما يتابعها 70 في المائة من بلدان لغتها الأصلية هي الإنجليزية، أو ترتبط الثقافة السائدة فيها بالإنجليزية. تتولى مارشا تحديث المواضيع المنشورة في مدونتها بنفسها، بشكل يومي تقريبا. لكنها تتعاون أيضا، مع عدد من المراسلين في كل من القاهرة، والجزائر، ولندن، وبيروت، وعمان، وبوسطن، ونيويورك، وتتشارك في نشر بعض النتاج الأدبي، مع موقع «حبر» الأردني (ينشر بالعربية)، أحيانا.
«أراب ليتريتشر» مدونة تعد بكل المعايير مؤسسة ثقافية كاملة. وكما يشي اسمها، تنشط محررتها لتكون سبّاقة في نشر أهم الأخبار الثقافية على مستوى ترجمة الأعمال الإبداعية العربية إلى الإنجليزية ولغات أوروبية أخرى، ومتابعة تناول هذه الأعمال أو بعضها في الصحافة العالمية، والمنشورات الأدبية المتخصصة، بالإضافة إلى نقل أبرزها أو إعادة نشره وتعميمه. هي أيضا بوتقة بمعنى ما، تصب فيها روافد الحركة الثقافية، وتحولها إلى منتدى ثقافي يلتقي فيه العديد من المثقفين العرب وغير العرب المهتمين بالاطلاع على النتاج العربي، في فضاء مجاني.
مارشا التي تقيم في القاهرة وتتحدث العربية، بدأت حياتها ناشطة في الصحافة الإلكترونية في منتصف تسعينات القرن الماضي، وتعمل صحافية مستقلة مع «المصري اليوم» (النسخة الإنجليزية)، وموقع «وورلد ليتريتشر توداي»، والـ«غارديان» البريطانية، ومنشورات أخرى.
* من هونغ كونغ.
في الشرق الأقصى، ينشط بيتر غوردن، في تحرير ونشر مواد مدونة صغيرة، أطلق عليها «آسيان ريفيو أوف بوكس»، تتسع لنماذج من نتاج دول آسيا كلها تقريبا. والمدونة كما يشير اسمها، تختص بـ«مراجعة كتب آسيوية»، وتتميز بتغطيتها النشاطات الثقافية في الصين، واليابان، وماليزيا، والهند، وفيتنام، وسريلانكا، وبلدان أخرى في جنوب شرقي آسيا، وتعرج أحيانا على الشرق الأوسط والنتاج العربي منقولا عن صحف غربية. وقد أقدم بيتر خلال العام الحالي على مبادرة في هذا الاتجاه، حين نشر مراجعة أعدها هو لرواية «السيدة من تل أبيب»، التي تنتمي، مثل كاتبها، إلى منطقة الشرق الأوسط. سألت بيتر عن مدى اهتمام مدونته بالرواية العربية، فقال إنها لا تغطيها كما ينبغي. وأرجع ذلك جزئيا، إلى نقص الخبرة والمعلومات. وأوضح بيتر: «لقد حددنا آسيا مجالا لنشاطنا، لكن ليس بشكل كامل، وبينما نستطيع توسيع المجال قليلا، إلا أننا لا نستطيع تغطية العالم العربي».
ويقوم موقع «آسيا بوك أوف ريفيو»، بتزويد متصفحيه بروابط للمواد التي جرى اختيارها من صحف في بلدان آسيوية، مثل «جابان تايمز»، أو في الصحافة الغربية مثل «نيويورك تايمز»، و«كريستيان ساينس مونيتور»، و«تورنتو ستار». ويقدم بذلك خدمة للمهتمين في تلك البلدان وخارجها، ممن لا تتوفر لهم فرص الاطلاع على تلك الصحف ونشاطاتها وتغطياتها الثقافية، خصوصا في مجال عرض الكتب، الصادرة بلغاتهم وتنتمي إلى ثقافاتهم. وكذلك للراغبين في بلدان في قارات أخرى في التعرّف على ما يصدر في تلك البلاد البعيدة.
في عددها للشهر الماضي سبتمبر (أيلول)، قدمت المدونة على سبيل المثال، مراجعة للرواية الأخيرة للصينية غوو كسياولو «أنا الصين»، قام بها لُهْ سو هسنغ الذي وصف العمل بـ«المحاولة المهمة»، وهي أطول عمل روائي لغوو. وقالت كسياولو في مقابلة أجريت معها، إن الرواية هي «أكثر أعمالي التي اشتغلت عليها، حتى الآن، بطئا وتطلبا»، لم لا، فغوو «تتصدى لثيمات الحب، والمنفى، والترجمة، والسياسات الصينية، والفن، وتحاول تقديم الثيمات في قصة تعتمد أسلوب الرسائل»، كما قال هسنغ.
وفي المدونة نقرأ، نقلا عن «هندوستان تايمز» و«جابان تايمز»، مراجعة لرواية باري لانسيت الثانية، «Tokyo kill» (طوكيو قتل)، التي تتفاعل فيها قضايا فنية واجتماعية وثقافية، وأخرى تتعلق بالحرب وكل ما يقسم المجتمع. وهي رواية «مثيرة، عن تاجر التحف جيم برودي الذي ورث عن والده شركة للتحقيقات الخاصة والحماية الشخصية، ومقرها طوكيو».
في «طوكيو قتل»، يغوص لانسيت عميقا في تعقيدات الثقافة الآسيوية، من خلال أحداث درامية حبكت بطريقة مقنعة. عالم تاجر التحف برودي يعج بالتحف النادرة «التي لا تقدر بثمن، لكنها تخفي أسرارها أيضا، وتقود إلى الجشع الذي يتحول إلى حافز قوي للعنف».
* من كل الثقافات
أما «وورلد ليتريتشر توداي» فهي مدونة تلف العالم بحثا عن النتاج الثقافي والإبداعي. من حيث الشكل والتصميم، تقترب المدونة من مواقع الصحف الورقية على الإنترنت، وإن تميزت بفضاءات مريحة بين النصوص. تبويب الموقع مريح أيضا، وتوزيع النصوص على المساحات المعروضة يسهل تجوال القارئ على المدونة.
في الموضوعات الرئيسة نقرأ خبرا عن احتفال جائزة «نيوستادت» (أو «نوبل الكندية» كما يطلق عليها)، بمرور 10 سنوات على إطلاقها. وكذلك «السنونوات»، وهي قصيدة لـ«جي مند - وويو»، من ترجمة سايمون ويكام - سميث عن المنغولية. والنص مرفق بتسجيل للقصيدة بصوت الشاعر وويو. هناك أيضا موضوع مثير كتبه جيه ماديسون ديفيز، حول أفضل 10 من روايات الجريمة التي شكلت علامات بارزة خلال عقد من الزمن نشرت بلغات مختلفة. الأكثر أهمية في المقال من عناوين الروايات نفسها وتعليقات الكاتب عليها، ما طرحه من تساؤلات حول ما يحكم مثل هذه الخيارات عادة. يقول ديفيز، إنه لا يعد تلك الروايات «الأفضل»، ويستعير من دبليو إتش أودن، قوله: «الأدب ليس سباق أحصنة، بالإضافة إلى العوائق التي تنشأ عن صدورها بلغات مختلفة عدة، حيث المعايير مطاطة. هل نقيس النوعية وفقا لتأثير الرواية علينا؟ أم بالنجاح التجاري؟ بالابتكار والإبداع؟ أم بمعايير تقليدية؟ أم بالقوة العاطفية أو الفلسفية؟ أم بلوغاريتمات حسابية؟ هل نفضل جوهرة نقية فوق جمرة متقدة؟ النصيحة التي يقدمها العديد من زملائي الكتاب حول العالم، هي: أن هناك احتمالات – لروايات - أخرى جديرة تستحق انتباها مماثلا».
ونقرأ أيضا، قصيدتان (مسجلتان) لميكياس صانشيز، المكسيكية، كتبتها بلغتها الأم، المسماة «زوك»، التي يتحدث بها 70 ألفا فقط من سكان ولاية شياباس الأصليين في جنوب المكسيك.
ومن المكسيك إلى كوريا، ينقل الموقع قصيدة «دابي» لكيم ميونغ وُن. ودابي هو طقس حرق الجثة الاحتفالي لإعادة الجسد من حيث أتى، وفقا للديانة البوذية.
يقول مترجم القصيدة من الكورية إلى الإنجليزية «إي جيه كوه» إن القصيدة هي فعل «الدابي» نفسه، أي طقوسه؛ إذ يبدأ المقطع الأول فيها مع النجوم، ثم ينتقل إلى الوجود الزمني في المعبد، وأخيرا إلى السجود الكاذب، إلى أن يعود القارئ إلى حرق الحطب، والنجوم، حيث تعيد الشاعرة القارئ إلى البداية. وفي الوقت عينه، تحمل الراوية – الشاعرة - جثة والدها وتنتقل بها داخل الدائرة نفسها.