السفر هو وقت الاكتشاف والمغامرة والتحرر من الروتين اليومي، وشحن الجسم بجرعات من النشاط والتجدد، ولكن يبدو أن هذا التعريف لم يعد كافياً في يومنا هذا، بعد أن صارت السياحة صناعة وتجارة وفناً وسياسة، من دون أن ننسى أن توقعات المسافرين تصاعدت وتنوعت مستوياتها.
ومن أجل لم شمل صناع السياحة في العالم، وجمعهم تحت سقف واحد، تعقد لندن كل عام سوقاً عالمية للسياحة والسفر، تحمل عنوان «World Travel Market London» (سوق لندن العالمية للسفر)، التي تحتفل هذا العام بدورتها الأربعين، وتقيم فعالياتها في قاعات «إكسل لندن» التي تقع على الأطراف الشرقية من العاصمة.
يشارك فيها عدد كبير من الوزراء والخبراء والعاملين في حقول السياحة ووكالات السفر، وكل الباحثين عن موطئ قدم في هذا العالم الزاخر بالتنوع والدهشة.
ما بين مكافأة المسافر أو تغريمه:
في هذه السوق، يبدأ كل شيء له علاقة بالسفر. تتحول الزوايا والأروقة إلى ورش للمحاضرات والمؤتمرات وعروض الأزياء وموائد الطعام والجلسات التراثية، وصولاً إلى السيرك؛ حيث يجد الزائر نفسه في محطات مفتوحة تحوله كل واحدة إلى أخرى، وتمنحه الفرصة كي يجوب العالم في بضع ساعات فقط. يجد هنا أيضاً بغيته، من حجز بطاقات السفر، مروراً بالفنادق، وصولاً إلى سلة كاملة لرحلات ممتعة إلى محميات طبيعية أو ثقافية أو منتجعات صيفية، عدا السياحة الطبية والدينية ورحلات العمل وغيرها. كانت هناك أيضاً وجهات جديدة لمدن تاريخية لم تدخل سوق السياحة من قبل.
أما في الندوات فكان التركيز هذا العام على مشكلات تغير المناخ، وانبعاثات الكربون، ومحاولات إيجاد وسائل نقل أقل تلويثاً للبيئة، مع مطالبات بتقليل رحلات السفر بالطائرات قدر الإمكان، وإنهاء برنامج مكافأة المسافرين الذين يستخدمون الطيران لمرات كثيرة في السنة، وتغييره بدفع رسوم تصاعدية كلما زاد عدد رحلاتهم. كانت هناك أيضاً مطالبة بوقف التوسع في المطارات، والبحث عن وقود طائرات أكثر استدامة، وصديق للبيئة.
ناقشت السوق أيضاً، وفي أكثر من ندوة، مستقبل السفر الرقمي الذي يشهد قفزات هائلة. وقد أكد ليام ماكاي، مدير شؤون الشركات في مطارات لندن، قرب تغيير الوثائق الورقية التي تُسلَّم عادة في المطار بأخرى غير ورقية، يمكن إدراجها عبر مواقع الإنترنت متعددة اللغات. وبهذا يمكن للمسافر أن يُكمل مستلزمات السفر وهو في بيته أو مكتبه، قبل التوجه إلى المطار، مع إمكانية تسليمه لحقائبه مسبقاً، أو في موقف السيارات. وأشار ماكاي إلى إكمال العمل في تثبيت أول جسر أوتوماتيكي تشهده بريطانيا والعالم، والذي يسمح للركاب بالخروج من الطائرة إلى المحطة مباشرة، بهدف تسريع عملية مغادرة المسافرين، وضبط مواعيد الطائرة حتى تكون ملتزمة بمواعيد أكثر دقة.
وفي ندوة أخرى، جرى الحديث عن آلية مستقبلية لترتيب باقات الرحلات التي تعتمد على فهم شخصية وأسلوب وذوق وحتى الحالة الصحية للسائح، لمعرفة ما الذي سيختاره مستقبلاً، والعمل على توفير ما يريده؛ حيث يعمل موقع البحث «غوغل» كمرشد يساهم في اتخاذ قرارات السفر والوجهات التي يختارها الشخص، بعد أن يضع بياناته الخاصة. وفقاً لهذه البيانات يقدم الموقع برنامجاً سنوياً مفصلاً له. طبعاً بعد أن يرسل له رسالة تذكير تقول: «حان الوقت للسفر وأخذ قسط من الراحة».
كان الحضور العربي قوياً وفاعلاً في هذه السوق؛ حيث تقاربت أروقة مصر والسعودية والكويت ودولة الإمارات العربية وتونس والعراق، وغيرها من الدول العربية التي قدمت نشاطات متنوعة كانت مثار اهتمام وجذب الزوار. رواق المغرب مثلاً كان لافتاً بتقديمه بعض المشاهد الحية عن الخط العربي، وطقوس شاي النعناع الذي يعده رجل بملابس مغربية تقليدية، وشرح طرق صنع زيت الأرغان واستعمالاته المتعددة. في هذا الصدد، أشار جمال كليتو، مدير المكتب الوطني المغربي الخاص بالسوق البريطانية والإيرلندية، إلى مشاركة أربعين شركة سياحية مغربية في هذه السوق، التي يواظب عليها المغرب منذ ثمانية وثلاثين عاماً. فبريطانيا هي الرابعة بالنسبة لعدد السياح الذين يفدون إلى المغرب كل عام بعد فرنسا، التي تحتل المرتبة الأولى بسبب عامل اللغة والجغرافية والتاريخ المشترك، ثم تليها إسبانيا وألمانيا. ويحقق البريطانيون نحو مليونين من المبيتات السياحية كل عام. وأكد كليتو كون المغرب هو الأول أفريقيا في عدد السياح الذين يصل عددهم إلى أكثر من 12 مليون و300 ألف سائح سنوياً، وأن الرقم في تصاعد مستمر، وهو الثاني عربياً بعد دولة الإمارات العربية المتحدة؛ حيث يتجه السياح بشكل أساسي إلى مدينة مراكش، وبعدها أغادير، بحثاً عن الأصالة والتقاليد الشعبية التي يتوارثها الأجيال، رغم استيعابهم للتكنولوجيا الحديثة وروح العصر. وأشار أيضاً إلى أن السائح يجد فرصة للتواصل مع الشعب المغربي؛ كونه منفتحاً على ثقافات الغير ولغاتهم، إضافة إلى الدور الكبير الذي يلعبه المناخ الدافئ والمطبخ المميز في جذب السياح بهذا العدد كل عام.
السعودية تعرض كنوزها للسياح
كما شاركت المملكة العربية السعودية في هذه السوق من خلال رواقين: الأول هو «العلا» الذي اعتمد على آخر وسائل التكنولوجيا للتعريف بمنطقة العلا، تحت عنوان «تاريخ منحوت في الصخر» والثاني لشركة «سيرا» (Seera) بشعار «اكتشف السعودية» يُروج للسياحة السعودية واكتشاف كنوزها التاريخية والجمالية؛ خصوصاً بعد البدء في منح التأشيرات السياحية، والتسهيلات التي تعزز من موقع المملكة السياحي في العالم، وفقاً للخطة التي اعتمدتها البلاد للوصول إلى 100 مليون سائح بحلول عام 2030. وقد أشار عبد العزيز الداود، مساعد مدير الاستراتيجية في الشركة، إلى توافد عدد كبير من البريطانيين والأوروبيين وغيرهم من الجنسيات الأخرى إلى الرواق، للسؤال عن التأشيرة، وأسهل السبل لزيارة السعودية، ونوعية الفنادق المتوفرة، والأماكن التي يمكن زيارتها، وما هو مسموح أو غير مسموح به، وما شابه من أمور. أشار أيضاً إلى أن قطاع السياحة حريص على تقديم باقات سفر لجميع الأذواق، تشمل سياحة الرفاهية، والسياحة الدينية، وسياحة المغامرات والسفاري، والتخييم، وكثيراً من النشاطات الأخرى التي لا يجدونها في مكان آخر من العالم.
بدوره علق عبد العزيز محرز، الذي يشغل وظيفة مماثلة في الشركة على الموضوع، مشدداً حرصهم على إشعار السائح بالثقة والأمان؛ خصوصاً لمن يملك معرفة محدودة عن البلد، وتشغله التساؤلات المشروعة التي تدور في ذهن أي شخص يرغب في السفر إلى بلد لا يعرف عنه الكثير. وشرح: «هذه هي مهمتنا في ترجمة شعار (اكتشف السعودية)؛ حيث نرتب باقات مرنة تناسب كل الاحتياجات، وتلبي رغبات كل الفئات العمرية، مع تأكيدنا على التعريف بثقافة وهوية البلد والكنوز التي تحتضنها السعودية، والتي لم يتعرف عليها العالم بعد».
عن سوق لندن العالمية للسفر
> شارك في هذه السوق أكثر من ألف مختص وخبير في صناعة السياحة، يمثلون 189 بلداً.
> شاركت في سوق هذا العام أكثر من خمسة آلاف شركة سياحية.
> تميزت السوق هذا العام بحضور كبير للإعلاميين من كل أنحاء العالم، وقد تجاوز عددهم ثلاثة آلاف إعلامي.
> حصل الأردن على جائزة السوق الذهبية، في حقل «السياحة المستدامة وتخفيض نسب الكربون»، بعد أن قدم دراسة رصينة حول كيفية إعادة التفكير في كل جوانب النشاطات السياحية، لتكون مستدامة قدر الإمكان.
> شهدت سوق هذا العام توقيع عقود سياحية تبلغ قيمتها أكثر من ثلاثة مليارات جنيه إسترليني.