نحو رؤية أكثر موضوعية

فولتير
فولتير
TT

نحو رؤية أكثر موضوعية

فولتير
فولتير

لا أعتقد أن فولتير كان مخطئاً عندما قال «إن المنطق المألوف لم يعد مألوفاً بين العامة»، وهي جملة تهكمية من الطراز الأول، تؤكد على الحياد الواسع عن الفكر القويم في معالجتنا للأمور والأشخاص والتفاعل اليومي معهما، وكل ما نحتاج إليه هو التركيز أمام الفضائيات، وعلى رأسها بعض القنوات الإخبارية، لندرك أننا أمام مشكلة متكررة في كثير من الأحيان، تكمن في التشويش على الرأي العام من خلال طرح مغالطات واستنتاجات فكرية تُخدم على أهدافها السياسية، بما يحيد بالمشاهد عن الموضوعية. ونظراً لصعوبة التعريف الدقيق لمفهوم الموضوعية المرتبط بالتطبيق المنطقي السليم للاستنباط والاستقراء، وغيرهما من أدوات تحصيل المعرفة والتحقق منها، فسنركز هنا على ما يجب تحاشيه لنكون أكثر موضوعية، وذلك بتجنب ما هو معروف باسم «المغالطات المنطقية»، التي هي نتاج لجهد ممتد لفلاسفة عظماء، على رأسهم أرسطو.
ولعل أكثر هذه المغالطات شيوعاً هي «الحجة على الذات Ad Hominem»، وتحدث عندما نبعد عن مضمون الحجة، فنهاجم أو نؤيد صحتها استناداً لقائلها، فإذا ما كرهنا شخصاً رفضنا رؤيته، والعكس صحيح. وهنا، نحيد عن الموضوعية تماماً، استناداً لرؤى شخصية لا علاقة لها بصحة المقولة، فنرفض حقيقة علمية مثلاً لأن قائلها على غير هوانا السياسي. وعلى مستوى أوسع، فهناك مغالطة «الحجاج الجماهيري»، وتحدث عندما نستخدم الاعتقادات العامة لدى الأغلبية كسند منطقي لقبول طرح أو رفضه، فقبول فئة عريضة من الشعب لفكرة ما ليس معناها أنها فكرة سليمة، وهي مغالطة نراها كثيراً عند مشاهدة البرامج الإخبارية، خصوصاً في المجتمعات التي تمر بالثورات.
وتؤكد مغالطة «تجاهل الموضوع» الخطأ الذي نقع فيه بتجاهل عناصر صحة الموضوع، واتصالها بالاستنتاج الذي وصلنا إليه، وكثيراً ما يقترفها الساسة والمؤلفون عند التحدث إلى الحشود، وتهدف إلى تضليل المتلقي عن الاستنتاج، بإغراقه بمعلومات ثم الخروج باستنتاج مختلف تماماً عن خط سير متن السرد. أما مغالطة «الحجة بالسلطة»، فتشير إلى التحجج بسلطة معنوية أو سياسية لإقرار استنتاج محدد وإصباغ الحقيقة عليه، ولعل الله سبحانه وتعالى قد أورد في كتابه العزيز مثالاً لهذه المغالطة عند الكفار في قوله تعالى: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شيئا وَلَا يَهْتَدُونَ». وهنا، يخاطبهم القرآن لرفض هذه الحجية لأن آبائهم غير موضوعيين، ومن ثم لا يجب اتباع عقيدتهم لمجرد أنها جاءت من سلطة الآباء.
وتشير مغالطة «الحجية بالتهديد باستخدام القوة Ad Baculum» إلى قبول صحة المقولة استناداً إلى التهديد المباشر، وهو ما حدث على سبيل المثال مع العالم الفلكي «برونو» في القرون الوسطي، عندما طالبته الكنيسة بأن يعلن مغالطته العلمية بأن الأرض تدور حول الشمس، وعندما رفض التهديد تم إحراقه حياً. وهنا، فإن منطقية الاكتشاف العلمي لم تقابله الكنيسة بالموضوعية، بل بالتهديد بالقوة ثم اللجوء إليها.
وتعد مغالطة «الحجية بالعاطفة Misericordiam» أكثر الأنواع شيوعاً، عندما تلجأ قناة لاستخدام عاطفة المشاهد لنقل رسالتها دون الاستناد إلى الموضوعية، فتبرز على سبيل المثال مشهداً درامياً يؤثر فيناً، فتركبه على أهدافها السياسية لجذب التعاطف، أما مغالطة «المصادرة على المطلوب» فهي نوع شائع من المغالطات الفكرية المبنية على المجادلة الدائرية، وهي تحدث عندما نضع الاستنتاج في الأول، ونجادل على أساسه لنصل إليه، ولعل أكثر الأمثلة شيوعاً تحدث عندما نقول على سبيل المثال: «إن أفضل كاتب هو فلان لأن كتبه هي الأكثر مبيعاً»، فنحن هنا نضع الاستنتاج أولاً، ونبرر صحته بمبرر قد لا يكون ضرورياً أو منطقياً.
كذلك فإن «مغالطتي القسمة والتكوين» منتشرة أيضاً على النحو نفسه، فالأولى تحدث عندما نربط الجزء بالكل، فنقول مثلاً: «إن السيارة ثقيلة الوزن، وبالتالي فكل مكوناتها ثقيلة»، وهذا غير صحيح لأن بعض المكونات قد تكون خفيفة. والعكس يحدث في مغالطة التكوين، عندما نقول مثلاً: «إن كل اللاعبين عظماء، ومن ثم فالفريق عظيم»، وهذا غير ضروري فقد يكون كل لاعب عظيم، ولكنهم كفريق غير متفاهمين.
ومن المغالطات الشائعة إعلامياً مغالطة «الأسئلة المركبة»، وهي تحدث عندما نفرض على البعض سؤالاً، ونجبره على الرد إما بالنفي أو الإيجاب بما يخفي أو يُلبس الحقيقية، فالاستدلال سيكون خاطئاً بما قد يدفعنا إلى استنتاج خاطئ تماماً، ومثال ذلك عندما نسأل شخصاً بالرد سلباً أو إيجاباً على سؤال: «هل أقلعت عن التدخين؟» فلو أجاب بنعم فهذا معناه أنه كان مدخناً من قبل فأقلع، ولو نفى فهذا معناه أنه لا يزال مدخناً، بينما الحقيقة هي أنه لم يكن مدخناً قط، وهذا النوع من الاستجواب كثيراً ما يُستعان به خلال المحاكمات، أو عندما نريد أن نفرض حجية معينة عنوة.
لقد دارت كل هذه المغالطات وغيرها في ذهني أمام بعض الفضائيات ورسائلها المُبطنة، وهو ما يدفعنا لأهمية تشييد دفاعاتنا الفكرية لنشكل رؤية أكثر موضوعية ودقة في حُكمنا على ما نتناوله فكرياً حتى لا نقع فريسة للمغرضين منا أو الجهلاء.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)

أكد البيان الختامي لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي اختُتم مساء السبت، إقامة مشروع بحثي فلسفي يدرس نتاج الفلاسفة العرب وأفكارهم وحواراتهم.

وبعد اختتام مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي أُقيم بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر «بيت الفلسفة» بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة؛ اجتمع أعضاء «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» في مقرّها بـ«بيت الفلسفة»، وأصدروا بياناً دعوا إلى تأسيس نواة «اتحاد الجمعيات الفلسفية العربية»، ومقرّه الفجيرة، وتشجيع الجمعيات على الانضمام إلى «الفيدرالية الدولية للفلسفة».

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وأكد البيان أهمية مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج العربي، مثل مشكلة الهوية وتعزيز الدراسات حولها.

ودعا للسعي إلى «الإضاءة على الفلسفة في العالم العربي وتمييزها من الفلسفة الغربية؛ لأنّ هدف بيت الفلسفة المركزي تعزيز الاعتراف بالآخر وقبوله».

كما دعا البيان إلى تعزيز دائرة عمل «حلقة الفجيرة الفلسفيّة»، بما يضمن تنوّع نشاطها وتوسّع تأثيرها؛ بدءاً بعقد جلسات وندوات شهريّة ودوريّة من بُعد وحضورياً، ومروراً بتعزيز المنشورات من موسوعات ومجلّات وكتب وغيرها، وانتهاء باختيار عاصمة عربيّة في كلّ سنة تكون مركزاً لعقد اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» بإشراف «بيت الفلسفة».

وأكد توسيع دائرة المشاركين خصوصاً من العالم الغربي؛ بحيث يُفعّل «بيت الفلسفة» دوره بوصفه جسراً للتواصل الحضاري بين العالمين العربي والغربي.

كما بيّن أهمية إصدار كتاب يجمع أعمال المؤتمرات السابقة. وبدءاً من العام المقبل سيعمد «بيت الفلسفة» إلى تعزيز الأبحاث المطوّلة في المؤتمر ونشرها في كتاب خاصّ.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة هو الأول من نوعه في العالم العربي، وتشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان: «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام التي بدأت يوم الخميس الماضي واختُتمت السبت، إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً بتعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة؛ مثل: الفلسفة، والأدب، والعلوم.

وتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطوّر الفكر المعاصر.

وخلال مؤتمر هذا العام سعى المتحدثون إلى تقديم رؤى نقدية بنّاءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث، ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي، ومفاهيم مثل «نقد النقد»، وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وعملت دورة المؤتمر لهذا العام على أن تصبح منصة غنيّة للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

وشملت دورة هذا العام من مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتُتح اليوم الأول بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد «بيت الفلسفة»، وكلمة للأمين العام للاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتضمّنت أجندة اليوم الأول أربع جلسات: ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أما الجلسة الثالثة فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما ضمت الجلسة الرابعة محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، وترأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما ضمّت أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش، وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

جانب من الحضور (الشرق الأوسط)

وتكوّن برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024) من ثلاث جلسات، ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، وترأست الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وضمت الجلسة الثالثة محاضرة للدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم أي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

وتكوّن برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تناولت الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي في طلاب الصف الخامس»، شارك فيها الدكتور عماد الزهراني، وشيخة الشرقي، وداليا التونسي.

وشهدت الجلسة الثانية اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفية» ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.