الاحتفاء بتاريخ العاصمة المصرية السينمائي في معرض فني

«القاهرة... أحبك» يوثق بعض مشاهد الأفلام الكلاسيكية

لقطة من فيلم «زقاق المدق» مع مؤثرات حديثة
لقطة من فيلم «زقاق المدق» مع مؤثرات حديثة
TT

الاحتفاء بتاريخ العاصمة المصرية السينمائي في معرض فني

لقطة من فيلم «زقاق المدق» مع مؤثرات حديثة
لقطة من فيلم «زقاق المدق» مع مؤثرات حديثة

الأفلام السينمائية المصرية القديمة لم تقدم المتعة والإثارة والتشويق للجمهور المصري فقط، بل وثقت معالم شوارع وميادين العاصمة المصرية القاهرة، عبر مشاهدها ولقطاتها المتنوعة، وهو ما يحتفي به معرض «القاهرة... أحبك» الذي دشنته إدارة مهرجان القاهرة السينمائي أخيراً بدار الأوبرا، ويجمع بين السينما والتاريخ، ويبرز دور القاهرة التي احتضنت الفن والسينما والأوبرا، وصارت من أهم المدن العربية فنياً وثقافياً.
المعرض يضمّ لقطات من أفلام «الأبيض والأسود» داخل أحياء القاهرة التاريخية والشعبية، يظهر بها نجوم السينما على غرار الفنانة هند رستم في مشهد من فيلم «بين السماء والأرض»، وهي تخطو في بهو عمارة «ليبون» الشهيرة بالزمالك، حيث صوّر الفيلم، وأخرى لشادية وصلاح قابيل من فيلم «زقاق المدق»، وثالثة لفاتن حمامة وهي تقود مظاهرة في شوارع القاهرة من فيلم «الباب المفتوح»، ومجسم لسينمات «راديو» و«ريفولي» و«ميامي» بوسط البلد، وتسجيل صوتي يصدر من مجسم لرائد الاقتصاد المصري طلعت حرب يحاكي تمثاله الشهير الكائن وسط القاهرة، وهو يروي قصة إقامة «استديو مصر» للتصوير السينمائي، وشاشة تعرض فيلم «صغيرة على الحب» لسعاد حسني ورشدي أباظة.
يضمّ المعرض أيضا أفيشات أشهر الأفلام المصرية مثل «المومياء» لنادية لطفي وأحمد مرعي، و«الباب المفتوح» لفاتن حمامة وصالح سليم، و«الحرام» لفاتن حمامة، وغيرها، ولا يكتفي المعرض برؤية تاريخية لمدينة القاهرة، بل يربطها أيضاً بالحاضر والمستقبل، حيث يتيح للجمهور من خلال تطبيق على الهاتف الذكي إمكانية القيام بجولة لاستكشاف المدينة باستخدام تقنية التعرف الجغرافي، ليعيش عدداً من مشاهد الأفلام الكلاسيكية في مواقع تصويرها الأصلية.
في طريقك لدخول المعرض، تستقبلك لوحة كتب عليها: «القاهرة من أقدم مواقع التصوير في العالم، لقد شهد قلب المدينة عرض عدد من أوائل الأفلام العالمية عام 1896، وبعد فترة قليلة أُنتج أول فيلم مصري، ومنذ ذلك الحين عرفت القاهرة بهوليوود الشرق، وأصبحت عاصمة للسينما، وعلى الرّغم من أنّ هذه الصناعة ولدت في خضم عصر الاستعمار، فإنّها ازدهرت بدعم ومساندة صناع السينما المصريين، واجتذبت المواهب السينمائية من كافة الأقطار العربية، وكانت القاهرة بمثابة استديو مفتوح للتصوير، ومع مرور الوقت التقطت السينما ذكريات المدينة، وأخذتنا في جولات داخل شوارعها وأزقتها وباتت حارساً على أسرارها».
في السياق ذاته، فإن الصور الفوتوغرافية التي ملأت جنبات المعرض، وتمثل حنيناً لزمن «الأبيض وأسود»، لم تخل من لمحات عصرية أضافها فنان «الكوميكس» محمود شلتوت، المدرس في الجامعة الأميركية بالقاهرة، الذي جمع بين صورته وأبطال السينما في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، فنرى عبد الحليم حافظ على كوبري قصر النيل، في لقطة من فيلم «موعد غرام»، بينما يقف شلتوت خلفه بالألوان، وفي لقطة أخرى تجمع بينه وبين رشدي أباظة وعبد المنعم إبراهيم في منطقة الزمالك بجوار فيلا أم كلثوم، قبل هدمها وتحويلها إلى فندق.
وتؤكد نانسي علي، منظمة المعرض، أنّها استعانت بهذه الصور التي توضح أماكن اندثرت لا تزال شرائط السينما تحتفظ بملامحها، وأخرى لا تزال قائمة، لكن تعرضت للتغيير بحكم الزمن، وقد أراد الفنان محمود شلتوت أن يعبر عنها بعمل «ديكوباج» يجمع بينها وبينه، لتبقى اللقطة جزءاً بالأبيض وأسود، وجزء صغير بالألوان لا يفقدها أصالتها.
وترى نانسي أنّ معرض «القاهرة... أحبك»، يستعيد ذكريات مدينة القاهرة عبر السينما، وكيف احتضنت الفنون بأشكالها، بدءاً من بناء الأوبرا الخديوية قبل مائة عام، ثم استيعابها المبكر لصناعة السينما، وكيف تحولت شوارعها ومبانيها وأماكنها التاريخية لاستديو مفتوح لتصوير الأفلام التي احتفظت لنا بملامح تلك الأماكن، وصارت تؤرخ عنها، وعن أحيائها، وقد أردنا أن ننقل هذه الأجواء كاملة لجمهور المهرجان، خصوصاً الأجيال الجديدة التي لا تعرف كثيراً عن تاريخ المدينة، ولهذا السبب رأينا أن نجمع بين الماضي والحاضر بواسطة التكنولوجيا التي يقبل عليها الشباب من خلال تطبيق على الهواتف الذكية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».