ظاهرة «المؤثرين» على وسائل التواصل الاجتماعي... وسيلة تسويق ناجحة أم خدعة للمستهلك؟

ظاهرة «المؤثرين» على وسائل التواصل الاجتماعي... وسيلة تسويق ناجحة أم خدعة للمستهلك؟
TT

ظاهرة «المؤثرين» على وسائل التواصل الاجتماعي... وسيلة تسويق ناجحة أم خدعة للمستهلك؟

ظاهرة «المؤثرين» على وسائل التواصل الاجتماعي... وسيلة تسويق ناجحة أم خدعة للمستهلك؟

من أهم الظواهر التي تجتاح وسائل التواصل الاجتماعي حالياً هي «المؤثرون» أو (Influencers) الذين يساهمون في تسويق السلع والخدمات، خصوصاً على موقع إنستغرام. هؤلاء ساهموا في تسويق 3.7 مليون إعلان في عام 2018 بزيادة 43 في المائة عن حجم تسويقهم في العام الأسبق. وهذا الرقم هو فقط المعترف به بأنه مادة إعلانية، حيث يوجد عدد هائل إضافي من المواد التي يروج لها هؤلاء من دون أن تظهر كمواد إعلانية. وهذا الحجم مرشح لأن يصل إلى 6.8 مليون إعلان في عام 2028.
وتعريف «المؤثر» ببساطة هو الشخص الذي يتبعه عدة ملايين، وبحد أدنى 10 آلاف متابع، على وسائل التواصل الاجتماعي، يثقون في تقييمهم لسلع أو خدمات في مجال معين بحيث تستعين بهم الشركات لتسويق منتجاتها مقابل مدفوعات أو هدايا تقدمها لهم. وهو مجال مختلف تماماً عن الإعلان المباشر وعن الإعلام، ويعترف أصحابه بتلقي مدفوعات مباشرة مقابل الخدمات التي يقدمونها.
ويأتي الترويج للمنتجات عبر العديد من الأساليب حيث يظهر المنتج في الخلفية للتعريف به أو يمثل الـ«المؤثر» دور المشتري للمنتج «لأنه يثق به» أو لأنه يعرف عن هذا المجال أكثر مما يعرف غيره. ورغم القدرة في التأثير على شراء منتجات معينة أو الترويج لها، فإن «المؤثر» غير مسؤول بالمرة عن النتائج إذا كانت هذه المنتجات ضارة أو ليست بالجودة التي يدعيها المؤثر.
المؤثرون يتمتعون بالابتكار ويرسمون خطوط توجهات الإنترنت التي تعرف باسم «تريندز». وهناك العديد من الفئات التي يمكن إطلاق اسم «المؤثرين» عليهم مثل الصحافيين والأكاديميين وخبراء التسويق ومحللي الأسواق. وهناك فئات بلا مهن محددة ولكنهم استطاعوا جمع أعداد غفيرة من المتابعين. وتجذب قراءة ما يكتبه هؤلاء في مدوناتهم أو المقتطفات التي يضعونها على مواقعهم المتابعين لهم.
المشاهير أيضاً يمكن اعتبارهم من المؤثرين. وفي مجال مثل كرة القدم يمكن اعتبار النجوم مثل رونالدو وميسي ومحمد صلاح من كبار المؤثرين دولياً. وهؤلاء يمكنهم أيضاً ترويج السلع مقابل مبالغ طائلة قد تفوق ما يحصلون عليه من الأندية التي يلعبون لها. ويشتهر محمد صلاح مثلاً بالترويج لمشروب «بيبسي ماكس» في بريطانيا، حيث تظهر صورته على زجاجات المشروب. وبخلاف حملات التسويق التقليدية يتم دفع أتعاب المؤثرين مقدماً، وليس بعد انتهاء الحملات الإعلانية.
وتبحث الشركات دوماً عن هؤلاء المؤثرين من أجل استخدامهم للترويج للمنتجات أو الخدمات التي توفرها. ولكن التأثير لا يقتصر على المنتجات التجارية بل يتخطاه إلى مجالات أخرى مثل النشاطات السياسية والاجتماعية والبيئية. ويأتي التأثير الأكبر من المؤثرين على قطاعات الشباب التي لا تأبه بالإعلانات التقليدية.
ولكن هناك قطاعات عريضة في السوق ما زالت تعتقد أن أفضل وسيلة للتسويق المستدام هي التوصية المباشرة وجهاً لوجه وليس في العالم الافتراضي، وبنسبة نجاح لا تقل عن 80 في المائة.
هناك أيضاً العديد من المخاطر المصاحبة لاستخدام المؤثرين في التسويق لسلع معينة حيث يمكن أن ينعكس أي تصرف عشوائي من المؤثر على سمعة الشركة والسلع التي تنتجها. وهناك العديد من الحالات التي ألغيت فيها صفقات تسويق من مؤثرين بسبب فضائح تورطوا فيها أو تصريحات مسيئة.
وتجبر قوانين الولايات المتحدة المؤثرين على الإفصاح عن المبالغ التي يتقاضونها وعن ضرورة كتابة أن المحتوى الذي يكتبونه هو برعاية الشركة، بينما في بريطانيا هناك اتفاق ودي واختياري، تم توقيعه في بداية هذا العام، لكي يلتزم المؤثرون بقوانين حماية المستهلك السائدة.
ومثلما هو الحال في العديد من مجالات التسويق والعلاقات العامة، هناك أيضاً فئات كاذبة من المؤثرين يشترون الأصوات والتفضيلات والتعليقات من مواقع أخرى لاستخدامها في خداع الشركات وتقاضي رسوم منها لقاء ترويج منتجاتها. وتحاول إنستغرام جهدها إغلاق المواقع التي تبيع أصوات المتابعين.
وأجرت إحدى وكالات الإعلان البريطانية تجربة اختبار بتصميم موقعين كاذبين على الإنترنت لمؤثرين مفترضين اشترت لهم الأصوات من على الإنترنت وروجت لهما بين الشركات. واكتشفت الشركة استجابة بعض الشركات الكبرى للخدعة وتصديقها.
وفي مسح آخر شمل سبعة آلاف مؤثر أثبتت النتائج أن أربعة من كل سبعة مواقع لمؤثرين كانت خادعة وكاذبة. وفي دراسة أخرى ثبت أن نسبة 12 في المائة من المؤثرين في بريطانيا اشتروا أصواتاً وهمية لخداع الشركات والمتابعين. ويكلف الاحتيال عن طريق المؤثرين الخادعين، بما في ذلك شراء أصوات المتابعين، يكلف الشركات نحو 1.3 مليار دولار، أي نسبة 15 في المائة من جملة الأنفاق السنوي في عام 2019 على المؤثرين.
وهناك فئة أخرى من المؤثرين المفترضين، وهي شخصيات وهمية يخترعها أصحابها لكي تشبه الشخصيات الحقيقية. وهي قد تكون شخصيات مشهورة أو رسوم كارتون أو شخصيات غامضة، تجذب الجمهور وتجيب على الأسئلة وتبدي آراء في كافة المواضيع عن طريق مصمميها. ويعتبر البعض أن هذه الشخصيات أيضاً تعتبر من المؤثرين الخادعين.
وهناك العديد من الأبحاث في السوق حول درجة الثقة التي يتمتع بها المؤثرون في العديد من المجالات. وتختلف الآراء وفقاً للجهة التي تنشر هذه الأبحاث. وبوجه عام، ما زالت أغلبية الأبحاث تشير إلى وجود درجة من الثقة بين المؤثرين ومتابعيهم وزيادة الإقبال عليهم من الشركات في مجالات التسويق.
ولكن الأبحاث تشير إلى ضرورة «تنظيف» السوق الافتراضية من الحسابات الوهمية، ونشاط شراء الأصوات والمؤثرين الكاذبين، وتنبيه الشركات إلى هدر أموال التسويق في استخدام مؤثرين وهميين أو كاذبين، وتحسين درجة الشفافية من مواقع التواصل الاجتماعي لمساعدة الشركات على قياس درجة التأثير الفعلية التي يقدمها المؤثرون.
ولوضع الأمور في نصابها الصحيح، فإن عالم المؤثرين يعتبر ضئيلاً للغاية، بالمقارنة مع جمهور الإنترنت الدولي الذي أثبتت العديد من الأبحاث أن نسبة من يثقون في المؤثرين لا يتعدى أربعة في المائة من مستخدمي الإنترنت. ويزيد عدد من يثق في الحكومات (12 في المائة) عن عدد هؤلاء الذين يثقون في المؤثرين.



الإعلام اللبناني الموروث أباً عن جد... أهو نقمة أم نعمة؟

النقيب جوزيف القصيفي (الشرق الأوسط)
النقيب جوزيف القصيفي (الشرق الأوسط)
TT

الإعلام اللبناني الموروث أباً عن جد... أهو نقمة أم نعمة؟

النقيب جوزيف القصيفي (الشرق الأوسط)
النقيب جوزيف القصيفي (الشرق الأوسط)

يعود تاريخ الإعلام الموروث أباً عن جد في لبنان إلى منتصف القرن الـ19 الميلادي، وجرت العادة توريث هذه الحرفة، النابعة من حب صاحبها لها، إلى البنين والأحفاد... من جيل إلى آخر.

وصحيح أن من الصعوبة بمكان توريث «مهنة المتاعب»، لكونها تتطلّب عامل الشغف في ممارستها، ولكن، في بعض الأحيان، نجح الأجداد في توريث حتى هذه المشاعر إلى الأبناء.

لائحة المؤسسات الصحافية التي تحولت إلى «بيزنس» عائلي تتوارثه الأجيال في لبنان طويلة. وفي الغالب، كان مؤسسوها أدباء وشعراء ومفكرين، مارسوا الصحافة ضمن المؤسسة لتغدو منابر إعلامية يسوقون عبرها مبادئهم وأفكارهم السياسية.

من جهة ثانية، اعتاد أولاد أصحاب هذه المؤسسات معاونة آبائهم في مجالات مختلفة. فكانوا يساعدون في تحرير المواد وتدبيج المقالات والتسويق للصحيفة. وإذا ما قمنا بجولة سريعة على تلك المؤسسات، يستوقفنا مثال صحيفة «النهار» والدار التي تصدرها. أُسّست «النهار» على يد جبران تويني عام 1933. وتابع نشرها بعده ابنه غسان، الذي أورثها وهو لا يزال حياً، إلى ابنه جبران. ومن ثم، بعد اغتيال جبران في عملية تفجير طالت سيارته خلال عام 2005، تولت ابنتاه نايلة وميشيل إكمال مشواره.

عماد الخازن (الشرق الأوسط)

الخلافات العائلية والخسائر المادية

وكما «النهار» نذكر «دار الصياد» التي أسّسها سعيد فريحة عام 1943. وانتمت إلى هذه الدار بعض أشهر المطبوعات في لبنان حتى منتصف الألفية الثانية. وبعد وفاة المؤسس تولى أولاده إلهام وعصام وبسام إكمال مشوار والدهم. ولكن، بدءاً من أواخر عام 2018، توقفت معظم إصدارات الدار الورقية لأسباب مختلفة، وأرجعت الدار قرار إغلاقها بعد 75 سنة على تأسيسها إلى خسائر مالية، وعزوف الجيل الجديد في إكمال المشوار.

أيضاً، من المؤسسات الصحافية التي لاقت شهرة واسعة في لبنان لفترة غير قصيرة «دار ألف ليلة وليلة» التي أسّسها الأديب والصحافي كرم ملحم كرم في منتصف العشرينات. وبعده أكمل المشوار نجله نقيب المحررين الراحل ملحم كرم، الذي تُوفي عام 1995. ولكن خلافات عائلية حصلت بين أولاده أدت إلى إغلاق الدار.

ومثل آل كرم، برز آل مروة، مع تأسيس الناشر والصحافي الكبير كامل مروة جريدتَي «الحياة» (بالعربية) و«ديلي ستار» (بالإنجليزية)، وسمعان فرح سيف صاحب مطبوعة «الأحوال»، وأكمل مشواره لفترة أولاده وفي مقدمهم أنطوان. أما جريدة «الهدى» لصاحبها أحمد السبع، فتسلمها ابنه الصحافي والوزير الأسبق باسم السبع. وهنا، يتمحور السؤال الأهم حول التوريث الإعلامي... وهل يمكن لهذه المهنة أن تُورّث؟

ميشيل تويني (الشرق الأوسط)

يستحيل توريث الصحافة

يتمتع جوزيف القصيفي، نقيب محرري الصحافة اللبنانية، بتاريخ طويل مع المهنة؛ إذ عايش عدة عهود إعلامية في مؤسساتها. وكانت النتيجة خبرة متراكمة مع الصحافة تعزّزت بمرافقة أهم رجالها والتعرف إليهم عن قرب.

يرى النقيب القصيفي في لقاء مع «الشرق الأوسط»، بحزم، «أن مهنة الصحافة لا يمكن توريثها. وهذا الأمر يكون متاحاً فقط عند الأبناء الذين يملكون شغف آبائهم نفسه». ويضيف: «هناك أمثلة كثيرة عن أبناء صحافيين عمالقة رفضوا دخول عالم الصحافة، فلم يكملوا ما بدأه أسلافهم؛ لأنهم لا يكترثون لهذه المهنة. كذلك فإن المهنة تبدلت كثيراً مع الوقت، وتسبّب ذلك في تراجع كبير للصحف بطبعتها الورقية؛ مما اضطر أصحابها إلى إقفال أبوابها، تحت وطأة الخسائر المادية الكبيرة».

حالة «دار النهار»

قد تكون «دار النهار» من المؤسسات الإعلامية الوحيدة، الموروثة أباً عن جد، التي استطاعت إكمال مشوار مؤسسيها. فبعد اغتيال مديرها جبران تويني في عام 2005 تسلّمت ابنتاه نايلة وميشيل الدفة. وصارت نايلة بعد اغتيال والدها تعمل في إدارتها. أما ميشيل، التي ورثت حب الصحافة عن والدها جبران وجدها غسان، فتقدّم اليوم على شاشة تلفزيون «الجديد» برنامجها «بيت الشاعر»، وتستقبل فيه ضيوفها داخل منزل جدها الإعلامي والسياسي اللامع الراحل.

قد يعتقد البعض أن الإرث الإعلامي هو نوع من الـ«بيزنس» يخوضه الأبناء وفقاً لهذه الفكرة، كما يعدّه آخرون تجربة تستأهل منهم خوضها، لتنتهي عندما يملون منها. لكن نسبة أخرى تدافع عن إرثها وتعد أنه يسري في جيناتها منذ الولادة.

مبنى دار الصياد (الشرق الأوسط)

ليست «بيزنس»

ترفض ميشيل جبران تويني أن تعدّ انتماءها إلى عالم الصحافة أتى من باب الـ«بيزنس» العائلي. وتوضح لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «هذه المهنة لا يمكن عدّها كذلك، كونها لا توفّر الملايين لصاحبها، بل ممارسة الصحافة في رأيي لا تنبع إلا من شغف صاحبها. وأنا شخصياً، تأثرت بمسيرتي الراحلَيْن والدي جبران وجدي غسان من دون شك. لكنني كنت منذ صغري أحب الكتابة. كنت أمسك بقلمي وأعبر عن مشاعري، وأذكر عندما اغتيل والدي أقفلت باب غرفتي، ورحت أفرغ مشاعري الحزينة على الورق».

ميشيل تويني تؤكد أنها من خلال برنامجها اكتشفت مدى تأثر ضيوفها بأجواء عائلاتهم، «فالفنان كما الموسيقي والشاعر يرث حب هذه الفنون من أحد والديه». وتختم: «كنت أطرح على نفسي مرات ومرات السؤال حول المجال المهني الذي بإمكاني العمل فيه لولا قدَري الصحافي. وصرت أتأكد يوماً بعد يوم، أنني وُلدت من أجل ممارسة هذه المهنة. أنا أعدّها نعمة ورثتها عن عائلتي، واليوم أعيش أجمل لحظات حياتي المهنية من خلال تقديمي برنامجي التلفزيوني (بيت الشاعر)».

المرئي والمسموع والإرث

مثل حال الإعلام المكتوب، الإعلامان المرئي والمسموع. إذ يميل أصحاب مؤسساتهما إلى توريثها لأبنائهم وهم على قيد الحياة. ونختصر هذه النماذج بمحطات تلفزيونية محلية. فقناة «إم تي في» التي أسّسها غبريال المر ورثها عنه ابنه ميشال. وبعد خلافات عدة ودعاوى قضائية بينهما، ثبت الابن رئاسة مجلس إدارتها له. أما المؤسسة اللبنانية للإرسال «إل بي سي آي» فقد عمد رئيس مجلس إدارتها بيار الضاهر إلى تسليم قيادتها إلى ابنه جوي. ووضع تحسين خياط، صاحب تلفزيون «الجديد»، ابنته كرمى في واجهة المحطة.

وفي مجال الإعلام المسموع، يُعدّ عماد الخازن من أهم النماذج الناجحة فيه. فهو أكمل مشوار والده الراحل سيمون الخازن في إدارة إذاعة «صوت لبنان». وأصبح اسمها في عام 2020 «صوت كل لبنان»، وهي اليوم تابعة للشركة العصرية للإعلام.

«والدي لم يشجعني»

يدير عماد الخازن إذاعة «صوت كل لبنان» بنجاح رغم تحديات كثيرة واجهها في أثناء أزمات شهدها لبنان، وكان الإرث الإعلامي بالنسبة إليه نعمة حضّته على التطوير والتوسع.

رافق عماد والده الراحل سيمون لنحو 6 سنوات متتالية، وتعلّم منه الكثير ما صقل شغفه للإعلام. وعلى هذا يعلّق: «لطالما أحببت هذه المهنة ولا سيما المتعلقة بالمسموع. حاول والدي أكثر من مرة إقناعي بالابتعاد عنها، لكنني في أعماقي كنت أدرك مدى حبي لها. كان عليّ بعد رحيله إيجاد رؤية مستقبلية توفّر لي الاستمرارية، فاتجهت نحو التعاون مع الإذاعات الأجنبية. الإعلام المرئي تبدّلت ملامحه اليوم، كما أنه لا يُعد (بيزنس) مربحاً... فليس هناك من مؤسسة لا تواجه المشكلات، ولكن الأهم عندي المواجهة بإرادة صلبة».