أربعة مؤلفات لمحمد الصفراني

أغلفة الكتب الصادرة
أغلفة الكتب الصادرة
TT

أربعة مؤلفات لمحمد الصفراني

أغلفة الكتب الصادرة
أغلفة الكتب الصادرة

للناقد والأكاديمي السعودي الدكتور محمد الصفراني أستاذ الأدب والنقد والدراسات البينية في جامعة طيبة، وعن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، صدرت مؤخراً أربع دراسات نقدية، الأولى حملت اسم «شعر غازي القصيبي دراسة أسلوبية»، ضمّت رسالة من غازي القصيبي للمؤلف بشأن رسالة الماجستير التي أعدَّها عن شعره. وكذلك رأي القصيبي في الدراسة حيث قال: «وجدتُ فيه مجهوداً طيباً وعملاً منهجياً، لما قرأتُ العمل هذا فوجئتُ، ما كنت أعرف كم قصيدة كتبتها من هذا البحر ولا كم قصيدة من ذاك، ولا عدد قصائد التفعيلة، ولا أكثر قافية ترددت في شعري، وأن صور المرأة سبع: الجسد، الروح، الوطن... إلخ، هذه الأشياء أتت بشكل عفوي، وأعتقد أن تقييم أي شاعر أو أي كاتب يُترك لمن هم أقدر من الكاتب نفسه، وهم النقاد».
يقع الكتاب في 432 صفحة من القطع الكبير.
الدراسة الثانية حملت عنوان «أسلوبية الشعر»، وتضم بحثين علميين محكّمين ينتميان إلى حقل الدراسات النقدية التطبيقية في مساري النقد الأسلوبي ونقد النقد، والبحثان يسعيان إلى محاولة الكشف عن الممارسات النقدية الأسلوبية على المستويين الإبداعي والنقدي. وتقدم الدراستان المنهج الأسلوبي من زاويتين: تطبيقه على إبداع محمود درويش، ونقد النقد، من خلال نقد عيّنات دالّة من أهم وأبرز تطبيقات المنهج الأسلوبي على الإبداع الشعري في النقد العربي الحديث. وبهذا يقدم الكتاب صورة عميقة ودالة على تطبيقات الأسلوبية بوصفها وعياً مناهضاً للتحليل الانطباعي والأحكام الذوقية التي سادت في نقد الشعر العربي الحديث، ويقع الكتاب في 224 صفحة من القطع الكبير.
كما صدر للصفراني الجزء الثاني من كتاب التشكيل البصري بعنوان «التشكيل البصري وعلم التجويد: بحث في المحاقلة بين التشكيل البصري وعلم التجويد»، وفيه يواصل المؤلف تحليل ظاهرة التشكيل البصري من الجانبين الصوتي والحركي، عبر استراتيجية المحاقلة، ففي الجانب الصوتي يحاقل التشكيل البصري مع علم تجويد القرآن الكريم، مُخرِجاً علم التجويد من عزلته الحقلية التي دامت أكثر من ألف عام، بسبب الظن السائد بين الباحثين بأن علم التجويد يختص بتلاوة القرآن الكريم فحسب، ويطلق المؤلف على الجزء الصوتي من التشكيل البصري مصطلح: سمات الأداء الشفهي الصوتية والصمتية، وبهذا يشكل إضافة نوعية لحقلي علم التجويد والنقد الأدبي. وعبر استراتيجية المحاقلة ذاتها يحاقل الجانب الحركي مع فن الإلقاء، ويطلق على الجزء الحركي من ظاهرة التشكيل البصري مصطلح سمات الأداء الشفهي الحركية؛ حركات الجسم. ويعد الكتاب بمثابة الجزء الثاني لكتاب «التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث»، ويجيء وفاء بوعد قطعه المؤلف على نفسه في خاتمة الجزء الأول.
ويقع الكتاب في 110 صفحات من القطع الكبير.
وحمل الإصدار الرابع عنوان: «التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث 1950 - 2004 بحث في المحاقلة بين الشعر والفنون»، ويطرح الكتاب مصطلحاً واستراتيجية في ميداني الأدب والنقد، أما المصطلح فهو: التشكيل البصري، وأما الاستراتيجية فهي: المحاقلة، بوصفها خطة منهجية متكاملة لدراسة الظواهر الأدبية يفضي تطبيقها إلى نتائج علمية مستقاة من بنيات الظواهر والمتون المدروسة، مؤكدةً بمستندات نصية من جوهر الفن الإبداعي الشعري، ومن خلال المحاقلة يصل المؤلف إلى إرساء مفهوم علمي إجرائي لمصطلح التشكيل البصري، وبهذا تكون المحاقلة وصفاً إجرائياً دقيقاً لما أصبح يُطلَق عليه في بعض الأوساط العلمية: الدراسات البينية، فالنسبة إلى الظرف المكاني: بين، صفة عامة، أما المحاقلة على وزن «مفاعلة» فصفة إجرائية منهجية، تدل دلالة واضحة على تداخل وتلاقح حقلين معرفيين مستقلين، وتمخضهما عن معرفة جديدة. مثل تداخل وتلاقح ظاهرة التشكيل البصري في فن الشعر مع جملة من الفنون والعلوم مثل: الرسم الهندسي، والرسم الفني، والرسم الخطي، والطباعة، وعتبات النص، وتقسيم الصفحة، والسطر الشعري، وعلامات الترقيم. واللقطة السينمائية، والمونتاج، والسيناريو. وقد أسفرت استراتيجية المحاقلة في هذا الكتاب عن وضع جهاز اصطلاحي لدراسة تنوعات الظاهرة، وتعريفات إجرائية لكل مصطلح، وجاءت المصطلحات فاعلة من خارج النظرية والممارسة النقدية، مسترفدة من حقول علمية وفنية متعددة، أو من وصف المؤلف، مما يعد إثراء للنظرية النقدية.
ويقع الكتاب في 296 صفحة من القطع الكبير.



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.