أقال نادي توتنهام مديره الفني الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو بعد خمسة أشهر فقط من قيادته للنادي للوصول إلى المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا في إنجاز يمكن وصفه بالإعجازي. ونقل الكاتب الصحافي المتخصص في الشؤون الرياضية، كين جونز، عن كيث بوركينشو قوله بعد إقالته من تدريب توتنهام في عام 1984 رغم قيادته للفريق للفوز بكأس الاتحاد الأوروبي: «لقد كان هذا نادياً لكرة القدم في وقت من الأوقات، لكنه لم يعد كذلك».
وكان بوركينشو يعمل في نادٍ يسعى لاستغلال الأموال التي سيحصل عليها من مشاركته في بطولات كرة القدم لكي يصبح أول نادٍ يطرح أسهمه في البورصة، متجاوزاً بذلك القيود التي كانت تفرضها اللعبة على مدار قرن كامل والتي كانت تمنع مالكي الأندية من تحقيق أرباح بعيداً عن أنشطة النادي الرياضية. وبعد ثماني سنوات، نظم آلان شوجار، بصفته رئيساً للنادي آنذاك، تصويتاً لاختيار شبكة «بي سكاي بي» كمذيع حصري لمباريات الفريق في الدوري الإنجليزي الممتاز على حساب قناة «آي تي في» المجانية، وفي الوقت نفسه كانت شركة «أمسستراد» المملوكة لشوجار تصنع أطباق الأقمار الصناعية.
ويجب أن ندرك أن كرة القدم لم تعد تلك اللعبة التي كانت ذات يوم تعتمد في المقام الأول والأخير على النواحي الرياضية بعيداً عن الأمور المالية، لكن البعض ما زال يتذكر تصريح قائد توتنهام الفائز بالثنائية المحلية عام 1961. داني بلانشفلاور، عندما قال: «هناك مغالطة كبيرة تقول إن كرة القدم تتعلق في المقام الأول والأخير بالفوز ولا شيء غير ذلك، لكن الحقيقة هي أنه لا يوجد شيء من هذا القبيل. هذه اللعبة تدور حول المجد، وحول القيام بالأشياء بطريقة أنيقة ومتقدمة».
وبغض النظر عن الأسباب التي دفعت رئيس نادي توتنهام، دانييل ليفي، لإقالة بوكيتينو من منصبه بعد الانتقال إلى الملعب الجديد والتعاقد مع المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو، فمن الإنصاف القول إن ما حدث مع بوكيتينو يختلف كثيراً عما قاله بلانشفلاور. ومن المؤكد أن الجميع سيظل يتذكر النجاحات الكبيرة التي حققها بوكيتينو مع توتنهام، والتي كان أبرزها الوصول للمباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا والانتصارات المذهلة في ذلك الموسم على مانشستر سيتي وأياكس أمستردام بعدما كان الفريق متأخراً في النتيجة، وسيتذكر الجميع أن المدير الفني الأرجنتيني كان يعمل بكل جدية وتواضع لتحقيق تلك الإنجازات. وبعد أن استجمع بوكيتينو قواه واستوعب ما حدث، وجه الشكر لكرة القدم نفسها على ما وصفه بهداياها الرائعة.
أما ليفي، فكان يظهر على شاشات التلفزيون إلى جانب مجموعة من كبار المسؤولين في النادي خلال تحقيق هذه الانتصارات لكي يشيد بالمدير الفني الأرجنتيني وبالمجهود الكبير الذي يبذله، ويصفق لبوكيتينو بينما يبكي الأخير متأثراً بما حققه هو ولاعبوه. لكن الآن، وبعد فترة وجيزة من تحقيق هذه الإنجازات، يجب أن يدرك الجميع أن العمل والأمور المالية هي التي تحكم كل شيء في هذه اللعبة. وفي الحقيقة، ربما لم يكن بلانشفلاور وبوركينشو، وربما لورد شوجار نفسه، يتصورون أنه من الممكن أن تصل كرة القدم الحديثة إلى هذا الهيكل المالي الضخم الذي أصبحت عليه الآن. ولا يتصورون أيضاً كيف يفكر ليفي، الذي يترأس النادي المملوك لتاجر العملة جو لويس عبر جزر البهاما، في بناء ملعب ضخم جديد للفريق وكيف يحصل على الأموال اللازمة لذلك.
إن إقالة بوكيتينو في وقت مبكر من هذا الموسم كانت بهدف إعطاء أكبر وقت ممكن لمورينيو من أجل العمل على قيادة الفريق لاحتلال أحد المراكز الأربعة الأولى في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز والتأهل للمشاركة في دوري أبطال أوروبا، لأن هذه هي الأولوية القصوى للنادي الآن. ويمكن تلخيص هذا الأمر ببساطة في أن هناك ستة أندية كبرى في الدوري الإنجليزي الممتاز من حيث تحقيق الأرباح والنتائج بشكل منتظم، لكن أربعة أندية فقط هي التي تتأهل لدوري أبطال أوروبا، لذلك فإن المنافسة تكون شرسة للغاية على حجز هذه المقاعد. ويعني هذا أن ناديين من هذه الأندية الستة سيفشلان في الوصول لدوري أبطال أوروبا، وعندما يحدث ذلك فإن هذين الناديين يعانيان بشدة، سواء على مستوى كرة القدم نفسها أو على المستوى المالي، وهو الأمر الذي يجعلهما يشعران بالمرارة وكأنهما قد هبطا من الدوري الإنجليزي الممتاز إلى دوري الدرجة الأولى!
وفي الحقيقة، يمكن النظر إلى بوكيتينو على أنه ضحية للإنجازات التي حققها بشكل يفوق القدرات المالية للفريق، حيث قاد الفريق للمشاركة في دوري أبطال أوروبا بشكل متوالٍ، رغم أن الفريق كان يلعب على ملعب «وايت هارت لين» ثم لعب بعد ذلك بشكل مؤقت على ملعب ويمبلي، ورغم أن النادي يأتي في المرتبة السادسة بين أندية الدوري الإنجليزي الممتاز من حيث الإيرادات.
ولم ينشر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم حتى الآن البيانات والأرقام المتعلقة بالملايين التي حصلت عليها الأندية من النسخة الماضية من دوري أبطال أوروبا، وهو الموسم الأول ضمن صفقة عائدات البث التلفزيوني الجديدة والتي تصل قيمتها إلى أربعة مليارات يورو والتي تغطي الفترة بين عامي 2018 و2021. وكان توتنهام قد حصل على 61 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم في موسم 2017 - 2018، رغم خروجه من دور الستة عشر. وسيعلن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الأرقام الخاصة بالموسم الماضي خلال الأيام القليلة المقبلة، ومن المتوقع أن يحصل توتنهام على نحو 80 مليون يورو، بسبب وصول النادي للمباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا بقيادة بوكيتينو.
ويجب أن نعرف أن هذه المبالغ المالية الكبيرة، التي تساعد الأندية الستة الكبرى في الدوري الإنجليزي الممتاز على التفوق بشكل كبير على منافسيها الطامحين، هي الأموال التي تحصل عليها هذه الأندية من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم فقط، فبالإضافة إلى ذلك تحصل هذه الأندية المشاركة في دوري أبطال أوروبا على مبالغ مالية أخرى من استضافة المباريات الأوروبية الكبرى على ملاعبها، كما تزيد عائداتها المالية من حقوق الرعاية، رغم أن اللاعبين يحصلون على جزء من هذه الأموال في صورة مكافآت.
وبالنسبة لتوتنهام، فإن مشروع بناء الملعب الجديد قد حول مشاركة الفريق في دوري أبطال أوروبا من مكافأة سعيدة إلى هدف كبير وأولوية قصوى ينبغي تحقيقها لتغطية النفقات، حيث اقترض النادي 637 مليون جنيه إسترليني. ولكي يتم سداد هذه الأموال، ينبغي استغلال المزايا التجارية لهذا الاستاد الجديد الفخم في العاصمة البريطانية لندن بشكل كامل، وينبغي الاستمرار في المشاركة في دوري أبطال أوروبا من أجل الحصول على المكافآت المالية، وهي الأسباب التي تفسر قرار ليفي بالإطاحة ببوكيتينو بعد 12 جولة فقط من الموسم الحالي، لأن توتنهام ينظر إلى كرة القدم الآن على أنها صناعة وليس مجرد لعبة لإمتاع الجماهير.
توتنهام كان يبحث عن المجد... لكن رئيسه يهتم بالأمور المالية فقط
الفريق اللندني ينظر إلى كرة القدم الآن على أنها صناعة وليس مجرد لعبة لإمتاع الجماهير
توتنهام كان يبحث عن المجد... لكن رئيسه يهتم بالأمور المالية فقط
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة