في خامس أيام تصاعد نيران الغضب على «ارتفاع أسعار البنزين»، أعلنت منظمة العفو الدولية عن رصد مقتل أكثر من 100 شخص بسبب استخدام الذخائر الحية، فيما أصر مسؤولون إيرانيون على عودة الهدوء وتضييق الخناق على «مثيري الشغب» في دوائر التوتر، في حين استمر قطع الإنترنت وأعلن عن تأجيل مباريات الدوري الممتاز لكرة القدم، وبالتزامن أظهرت تسجيلات فيديو، اخترقت قيود الإنترنت، استمرار حراك الإيرانيين في مناطق عدة بوسط العاصمة طهران وضاحيتها الغربية ليل الاثنين - الثلاثاء.
وأعلن القضاء الإيراني أمس أن الاحتجاجات التي شهدتها عشرات المدن انحسرت غداة تحذير «الحرس الثوري» من إجراء «حاسم» إذا لم تتوقف الاحتجاجات المناهضة للحكومة. وأوضحت المعلومات المتوفرة أن الاحتجاجات دخلت مساراً مأساوياً بعد تدخل عنيف من قوات الأمن لمنع اتساع الاحتجاجات في المدن التي شهدت أكبر زخم من نزول المتظاهرين إلى الشارع. وبدأ أمس توافر بيانات من مصادر محلية في مختلف المناطق عن عشرات القتلى سقطوا في وقت استمر فيه الغموض على خلفية امتناع السلطات عن نشر إحصائية لعدد القتلى في صفوف المتظاهرين، بينما أكدت مقتل 7 على الأقل من قوات الأمن على مدى الأيام الأربعة الأولى من الاحتجاجات.
وأفادت وكالة الصحافة الفرنسية بأن العشرات من عناصر مكافحة الشغب انتشروا في طهران صباح أمس في مواقع عدة وإلى جانبهم خراطيم مياه.
وخرج مئات من الشبان وأبناء الطبقة العاملة إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم من تراجع مستوى المعيشة والفساد الحكومي واتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء. وأحرق متظاهرون خلال 5 أيام عشرات البنوك والمباني الحكومية من بينها مكاتب للمثلي المرشد الإيراني. وأظهرت لقطات مصور منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي المحتجين يحرقون صور كبار المسؤولين ويدعون حكام المؤسسة الدينية إلى التنحي، بالإضافة إلى اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن والمتظاهرين.
وذكرت وكالة «إيسنا» الحكومية في وقت متأخر من مساء الاثنين أن 3 من «(الحرس الثوري) قُتلوا طعناً قرب طهران». وذكرت وكالات إيرانية أن الثلاثة قتلوا «بالسلاح الأبيض» بعد نصب كمين لهم من قبل «مثيري شغب» في محافظة طهران غرب العاصمة.
وقال التلفزيون الرسمي إن جنازات ستقام اليوم (الأربعاء) للقتلى من أفراد الأمن، وإن «آلاف الإيرانيين نظموا تجمعات في مدن عدة لإدانة الاضطرابات».
وأفادت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» أن نقيباً من قوات الشرطة قتل في مواجهات مسلحة مع من وصفتهم بـ«الأشرار».
ودعم المرشد علي خامنئي في وقت سابق من هذا الأسبوع قرار اللجنة الاقتصادية العليا التي تضم رؤساء السلطات الثلاث (الحكومة والبرلمان والقضاء).
وبحسب معلومات نشرتها وكالات إيرانية، قتل 6 أشخاص آخرين على الأقل، من دون إرفاقها عموماً بمصدر وبتفاصيل، وعلى نقيض ذلك، توقعت تقارير غير رسمية استندت إلى روايات شهود عيان وتسجيلات فيديو، أن 200 على الأقل قتلوا في الاحتجاجات.
وقالت وكالة الصحافة الفرنسية إنه «يجري الحديث على مواقع التواصل الاجتماعي عن عدد قتلى أعلى من ذلك بكثير، لكن ليس من الممكن التأكد من تلك الأرقام».
وقال المتحدث باسم الحكومة علي ربيعي، أمس الثلاثاء، إن الإعلان عن إحصائية القتلى بحاجة إلى زمن أطول. وبحسب السلطات، سقط العديد من القتلى؛ منهم أفراد من قوات الأمن والشرطة في الاحتجاجات التي بدأت يوم الجمعة بعد إعلان رفع أسعار البنزين بنسبة 50 في المائة على الأقل. وقالت وكالة «فارس» المنبر الإعلامي لـ«الحرس الثوري» إن ألفاً من «مثيري الشغب» اعتقلوا، قبل أن يعلن مسؤولون في عدد من المحافظات اعتقال نحو 600 شخص بمختلف المدن الإيرانية.
قتلى في الأحواز وكردستان
قالت منظمة العفو الدولية أمس إنها رصدت على الأقل 106 قتلى في 21 مدينة في الاحتجاجات الإيرانية. ومع ذلك رجحت أن يكون عدد القتلى أكبر من الرقم المعلن.
وجاء في بيان المنظمة أن مقاطع الفيديو التي تم التحقق منها وشهادات شهود العيان من الأشخاص على الأرض والمعلومات التي جمعها نشطاء حقوق الإنسان خارج إيران، كشفت عن وجود «نهج مرعب للقتل غير القانوني من قبل قوات الأمن الإيرانية، التي استخدمت القوة المفرطة والمميتة لسحق المظاهرات السلمية على نطاق واسع» في أكثر من مائة مدينة بجميع أنحاء البلاد.
وذكرت منظمة العفو الدولية أن الأعداد الفعلية للقتلى يمكن أن تكون أعلى بكثير، مع وجود تقارير تشير إلى وفاة نحو 200 شخص.
وأضافت المنظمة أن مقاطع الفيديو أظهرت استخدام القوات الإيرانية الأسلحة النارية ومضخات المياه وقنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، كما أن عدد القتلى المرتفع يشير إلى استخدام الرصاص الحي.
وقال فيليب لوثر، مدير الأبحاث لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: «يتعين على السلطات إنهاء هذه الحملة الوحشية والمميتة على الفور، وإظهار الاحترام لحياة البشر».
كما طالبت المنظمة السلطات الإيرانية «باحترام حرية التجمع السلمي والتعبير عن الرأي؛ بما في ذلك رفع الحظر شبه الكامل المفروض على الوصول للإنترنت، الذي فرض لمنع خروج المعلومات بشأن القمع إلى خارج البلاد». كما ذكرت المنظمة أنه تم رصد استخدام أسلحة القناصة من فوق المباني المرتفعة وأحياناً من المروحيات.
كما ذكر شهود عيان أن قوات الأمن تقوم بنقل جثث القتلى والمصابين من الشوارع والمستشفيات، في نمط لممارسات سابقة، ورفض جهازا الاستخبارات والشرطة إعادة جثث كثير من الضحايا إلى أسرهم أو أرغموا أسرهم على دفنهم بسرعة أو من دون عمليات تشريح لمعرفة أسباب الوفاة، وهذا يتعارض مع القانون الدولي ومعايير التحقيق الخاصة بعمليات القتل غير القانونية، بحسب منظمة العفو الدولية.
وأفادت تقارير بأن العشرات سقطوا بين قتلى وجرحى في بلدتي الجراحي والكورة في ضواحي ميناء معشور النفطي جنوب الأحواز، فيما ذكرت مصادر محلية سقوط قتلى في صفوف قوات «الحرس الثوري» والباسيج يومي الاثنين والثلاثاء. جاء ذلك، في وقت أفادت فيه وكالة «إيسنا» الحكومية نقلاً عن حاكم المدينة أن الاحتجاجات توقفت ليل الاثنين - الثلاثاء وعاد الهدوء إلى المدينة بعد 4 أيام من الاحتجاجات، مضيفاً أنه سيقدم معلومات عن عدد القتلى في وقت لاحق.
وأفادت مصادر محلية بأن المراكز الطبية ترفض استقبال الجرحى والمصابين في المدن العربية.
وكانت معشور التي تضم أكبر منشأة بتروكيماويات إيرانية في الجنوب بين أولى المدن التي خرجت في احتجاجات الجمعة التي امتدت إلى 70 في المائة من المحافظات الإيرانية؛ بحسب السلطات.
وقال محافظ الأحواز غلام رضا شريعتي إن 15 مدينة في المحافظة تشهد احتجاجات.
ونقلت وكالة «إيلنا» العمالية الاثنين عن المساعد الأمني في الأحواز وجود معلومات عن مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن، لكنه رفض الكشف عن عدد القتلى.
وبث التلفزيون الرسمي مشاهد جديدة للاضطرابات، قال إنها في مدينة الصالحية (أنديمشك) شمال شرقي محافظة الأحواز. وأظهرت المقاطع رجلاً يحمل رشاشاً ويطلق النار منه مرات عدة فيما كان عشرات الشبان يرمون الحجارة، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
ونقل موقع «إيران واير» الإيراني عن مصادر محلية في كردستان أن 45 شخصاً على الأقل قتلوا برصاص قوات «الحرس الثوري» في الاحتجاجات بين يومي السبت والأحد، مشيراً إلى التأكد من هوية 19 قتيلاً؛ بينهم 15 قتلوا بمدينة جوانرود بمحافظة كرمانشاه. وأشارت كذلك إلى مقتل 15 آخرين بمدينة كرمانشاه، و8 بمدينة مريوان في محافظة كردستان، بينما قتل 5 في بوكان بمحافظة أذربيجان الغربية، وسقط قتيل في كل من مدينتي سنندج وسقز، مع جرح أكثر من 500 بحسب مركز «هەنكاو» المعني بحقوق الإنسان في المدن الكردية غرب إيران.
وقال حاكم مدينة مريوان بمحافظة كردستان آرتيكاس إقبال إنه «لا يملك إذناً» بتقديم معلومات عن عدد القتلى، نافياً سقوط 15 قتيلاً خلال الاحتجاجات، فيما ذكرت مصادر كردية أن عدد القتلى وصل إلى 7 أشخاص.
وأفادت الخدمة الفارسية التابعة لـ«هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطاني (بي بي سي)» نقلاً عن صحافيين محليين بأن 6 على الأقل قتلوا بنيران قوات الشرطة. وأشارت إلى أوضاع متدهورة في مدن كرمانشاه وجوانرود ومريوان وسنندج وبوكان.
وأعلن رئيس القضاء بمحافظة زنجان إسماعيل صادقي نياركي اعتقال 30 شخصاً من «مثيري الشغب» بسبب دورهم «في الإخلال بالأمن وإلحاق الضرر بالأموال العامة».
حملة اعتقالات ضد المحتجين
قال المتحدث باسم الجهاز القضائي غلام حسين إسماعيلي في مؤتمر صحافي: «عاد الهدوء إلى البلاد»، مشيراً إلى اعتقالات استهدفت من «أحرقوا مباني حكومية وبنوكاً». ودعا الإيرانيين إلى تقديم المعلومات عمّن وصفهم بـ«المخربين»، مشيراً إلى التعرف على الأشخاص الذين «أحرقوا بنوكاً ومراكز حكومية». كما أشار إلى اعتقال أشخاص أرسلوا تسجيلات إلى وسائل الإعلام. وقال: «سنواجه بحزم من يهددون الأمن ويحرقون رأس المال العام» وأضاف: «سنتخذ سياسة جزائية، وسينال أي شخص جزاءه بالتناسب مع أعماله»، موضحاً أن سياسة القضاء في الأحداث الأخيرة «حفظ الأمن العام وحفظ مصالح المواطنين والعمل على مواجهة العنف ونهب بيت المال».
وكرر إسماعيلي مواقف كبار المسؤولين الإيرانيين بشأن الفصل بين الناس ومن تصفهم السلطات بـ«المخربين». وقال في هذا الصدد: «نحترم هواجس الناس، لكن ندعوهم إلى عزل صفوفهم عن أهل العنف». في الأثناء، قال قائد «الحرس الثوري» في محافظة شيراز، هاشم غياثي إن قواته «اعتقلت قادة الاضطرابات» في شيراز. ونقلت وكالة «تسنيم» التابعة لجهاز استخبارات «الحرس الثوري» عنه قوله إنه «تم التعرف واعتقال رؤوس الاضطرابات المرتبطة بتيارات معادية وعدد آخر تحت الملاحقة».
وأشار غياثي إلى عودة «الهدوء» في محافظة فارس ومركزها شيراز. وقال: «الأمن مستتب بعد خطوات مؤثرة من أجهزة الأمن والمخابرات والجهاز القضائي» وأضاف: «أحبطنا مشروع الأعداء لزعزعة موسعة للأمن». بدوره قال رئيس شرطة طهران الجنرال حسين رحيمي، لوكالة إيرانية، إن قواته «اعتقلت عدداً كبيراً من مثيري الشغب» في طهران خلال يومي الأحد والاثنين، من دون أن يذكر عدداً، لكنه أضاف: «سنلاحق من تبقى منهم ونعتقلهم».
وقال رحيمي إن «أمن الناس والمجتمع خط أحمر للشرطة» مضيفاً أن «عدداً (من مثيري الشغب)، تحت ذرائع واهية، أقدموا على إجراءات وحشية وألحقوا أضراراً بالناس والممتلكات العامة».
وحذّر «الحرس الثوري» الإيراني، أول من أمس، المحتجين المناهضين للحكومة من إجراء «حاسم» إذا لم تتوقف الاضطرابات. وكان «الحرس الثوري» وقوات «الباسيج» التابعة له قد قمعوا اضطرابات في أواخر عام 2017، مما أسفر عن مقتل 22 شخصاً على الأقل.
وقال «الحرس الثوري» في أول بيان منذ اندلاع الاحتجاجات إنه مستعد «للرد بحزم... بمواجهة استمرار انعدام الأمن، والأنشطة التي تهدد السلم الاجتماعي».
وقال الجيش الإيراني في بيان أمس إنه «جاهز لأي هجوم خارجي»، مضيفاً أنه «بالتزامن مع التركيز على الأمن والهدوء في البلاد وضرورة تبيين المؤامرات المصممة من الأعداء، (أيضاً) من الضروري أن نحافظ على الجاهزية لمواجهة أي مؤامرة على الحدود».