أوروبا والكنيسة تحذران من «خروج الوضع عن السيطرة» في بوليفيا

موراليس يعلن تأييده عقد طاولة حوار والحكومة المؤقتة تلتزم الصمت

الأصابع على الزناد في الأزمة البوليفية... والمفوّضية الأوروبية تشكّل «خلية أزمة» لمتابعة الوضع قبل فوات الأوان (أ.ف.ب)
الأصابع على الزناد في الأزمة البوليفية... والمفوّضية الأوروبية تشكّل «خلية أزمة» لمتابعة الوضع قبل فوات الأوان (أ.ف.ب)
TT

أوروبا والكنيسة تحذران من «خروج الوضع عن السيطرة» في بوليفيا

الأصابع على الزناد في الأزمة البوليفية... والمفوّضية الأوروبية تشكّل «خلية أزمة» لمتابعة الوضع قبل فوات الأوان (أ.ف.ب)
الأصابع على الزناد في الأزمة البوليفية... والمفوّضية الأوروبية تشكّل «خلية أزمة» لمتابعة الوضع قبل فوات الأوان (أ.ف.ب)

بعد النداء الذي وجّهه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرّيش إلى الحكومة البوليفية الجديدة والقوى المؤيدة للرئيس المستقيل إيفو موراليس من أجل التهدئة والحوار لحل الأزمة التي تدفع بالبلاد نحو صدام أهلي مفتوح، دخل الاتحاد الأوروبي على خط المعالجة بالتعاون مع الكنيسة الكاثوليكية التي دعت طرفي النزاع إلى الجلوس حول طاولة الحوار في أسرع فرصة «قبل أن يخرج الوضع عن السيطرة» كما جاء في بيان صادر عن مؤتمر الأساقفة البوليفيين في العاصمة لاباز.
وكانت المفوّضية الأوروبية قد شكّلت «خلية أزمة» لمتابعة الوضع في بوليفيا، ودعت ممثلين عن الحكومة المؤقتة وعن حزب «التيّار نحو الاشتراكية» المؤيد لموراليس وعن عدد من منظمات المجتمع المدني، إلى اجتماع من أجل الاتفاق على تجديد أعضاء المحكمة الانتخابية العليا وتحديد موعد لإجراء الانتخابات، وذلك بعد أسابيع من الاضطرابات وأعمال العنف التي أوقعت ما يزيد على 24 قتيلاً.
وتظاهر أنصار موراليس وأغلقوا الشوارع للمطالبة برحيل الرئيسة الموقتة. وأعلنت الشرطة وفاة أحد عناصرها بعدما هاجمه حشد خلال اقتحام مركز للشرطة، ما يرفع إلى 24 عدد القتلى خلال نحو شهر من النزاع. ورفع كثير من المتظاهرين، ومعظمهم من السكان الأصليين مثل موراليس، علمهم، وهم يرون أن استقالته لم تكن سوى «انقلاب». وكتب على لافتة رفعها المحتجون: «احترموا الحياة. لا للرصاص»، مشيرين بذلك إلى مقتل 9 من مزارعي الكوكا في ساكابا بالقرب من كوتشابامبا معقل موراليس، في صدامات مع الشرطة والجيش. وغذى غضب المتظاهرين مرسوم أصدرته الرئيسة جانين آنييز ينص على إعفاء قوات الأمن من الملاحقات الجزائية خلال ممارستها مهامها. ورأى بعض البوليفيين أن هذا النص يشبه «تصريحاً بالقتل»، بينما طالبت منظمة العفو الدولية الاثنين بإلغائه.
وعبر موراليس في تغريدة على «تويتر» عن استيائه الشديد. وقال: «بدلاً من العمل على إحلال السلم» تقوم السلطات الجديدة «بإصدار أوامر لإهانة وقمع إخوتنا الذين يدينون انقلاباً».
وفي حديث هاتفي مع «الشرق الأوسط» قال جان آرنو، المستشار الدبلوماسي للأمين العام للأمم المتحدة: «بوليفيا تقف على حافة الهاوية بسبب الأزمة المستعصية بين المؤسسات، والاحتجاجات التي تتفاقم خطورتها، والقمع الذي تمارسه الأجهزة الأمنية، وأعمال العنف والتخريب التي عمّت مناطق كثيرة من البلاد». وأضاف آرنو، الذي يملك خبرة واسعة في معالجة الأزمات السياسية في أميركا اللاتينية والكاريبي: «ننسّق مع الاتحاد الأوروبي والكنيسة البوليفية لعقد طاولة حوار قبل خروج الوضع عن السيطرة، لأن التقارب بين الأطراف المتنازعة والحوار هما السبيل الوحيد لحل الأزمة». وجاء في بيان صدر عن مؤتمر الأساقفة البوليفيين: «لا مفرّ من الحوار لتجاوز الخلافات والتجاوب مع الدعوة إلى عقده في أقرب فرصة ممكنة. والانتخابات الشفّافة والنزيهة هي السبيل الوحيد للخروج من الأزمة بالطرق السلمية والديمقراطية». وفيما أعلن الرئيس السابق إيفو موراليس من المكسيك حيث لجأ مطلع الأسبوع الماضي عن تأييده الحوار الذي كان قد ناشد الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والكنيسة الكاثوليكية المساعدة على تنظيمه، لم يصدر بعد عن الحكومة المؤقتة أي موقف واضح بشأنه.
يذكر أن الحكومة، التي وضعت الدعوة لإجراء انتخابات جديدة على رأس أولوياتها، لم تعلن عن موعد لهذه الانتخابات بحجّة عدم التمكّن من تجديد أعضاء المحكمة الانتخابية في البرلمان الذي تسيطر على أغلبية مقاعده القوى المؤيدة لموراليس.
وأمهلت 6 نقابات لمزارعي الكوكا في شاباري بالقرب من معقل موراليس، الرئيسة آنييز مساء السبت 48 ساعة للاستقالة، وطالبوا السلطة التشريعية بالموافقة على قانون «يضمن إجراء انتخابات وطنية خلال 90 يوماً». ولإسماع صوتهم، يغلق بعض المتظاهرين الطرق المؤدية إلى لاباز التي يبلغ عدد سكانها 80 ألف نسمة وتضم المناطق الزراعية التي تغذي العاصمة الإدارية.
من جهته، دعا كارلوس ميسا، المرشّح الذي نافس موراليس على الرئاسة في الانتخابات الأخيرة، الحكومة إلى إصدار مرسوم تشريعي بتجديد أعضاء المحكمة وتحديد موعد للانتخابات الرئاسية والعامة.
ومن التطورات السياسية التي زادت من تعقيد الأزمة المؤسسية، أن حزب «التيّار نحو الاشتراكية» الذي يسيطر على ثلثي أعضاء البرلمان، ما زال يصرّ على أن ما حصل كان انقلاباً على الشرعيّة، فيما يدلي موراليس من المكسيك بتصريحات يدعو فيها إلى الحوار ويعرب عن استعداده للعودة ويتعهد بعدم الترشّح للرئاسة مجدداً. وكانت جهات الوساطة الثلاث؛ الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والكنيسة الكاثوليكية، قد ناشدت وسائل الإعلام والشخصيات النافذة في أوساط الرأي العام «خفض نبرة المواقف والتصريحات لتسهيل الحوار والتفاهم بين الجميع»، بعد التصعيد الذي تميّزت به مواقف أنصار موراليس والخطوات الأولى للحكومة في الأيام الأخيرة.
يذكر أن الحكومة المؤقتة قد أقدمت على خطوات سياسية بعيدة المدى، مثل قطع العلاقات مع نظام مادورو في فنزويلا والاعتراف بخوان غوايدو. كما أعلن وزير الداخلية آرتورو موريّو، الرجل القوي في الحكومة الجديدة، عزمه على ملاحقة سلفه الذي اتهمه بتدبير اغتيالات والقيام بأعمال إجرامية. وزاد في حدّة التوتر ما أعلنه أمس موريّو عن مخطط لاغتيال الرئيسة الجديدة جانين آنييز عندما قال: «قرّرنا إلغاء الزيارة التي كانت الرئيسة تستعد للقيام بها إلى مسقط رأسها، بعد الكشف عن مجموعة إجرامية كانت تخطط لاغتيالها».
وقد علمت «الشرق الأوسط» من مصادر دبلوماسية أوروبية أن الاتحاد الأوروبي يسعى منذ أيام، بالتنسيق مع الحكومة المكسيكية والأمم المتحدة، إلى إقناع الحكومة البوليفية المؤقتة بعدم ملاحقة الرئيس المستقيل إيفو موراليس في حال عودته إلى البلاد، لاعتبارها أن عودته من شأنها أن تساهم في تهدئة الأجواء بين صفوف أنصاره الذين يرفضون التطورات التي أدت إلى استقالته وتنصيب الحكومة الجديدة. وكانت الرئيسة المؤقتة قد صرّحت أنه بإمكان موراليس العودة إلى بوليفيا، لكن عليه أن يمثل أمام القضاء في تهم موجّهة ضده بالفساد المالي وتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية. وكان موراليس قد أعلن أنه مستعد للعودة، متعهداً بعدم الترشح مجدداً لرئاسة الجمهورية التي تولّاها 3 مرات متتالية.



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.