أنقرة تهدد بتوسيع «نبع السلام»

TT

أنقرة تهدد بتوسيع «نبع السلام»

لوحت تركيا بعملية عسكرية جديدة على غرار عملية «نبع السلام» في شمال شرقي سوريا بعدما أشارت إلى أن كلا من الولايات المتحدة وروسيا لم تلتزما بتنفيذ تفاهمين قادا إلى وقف العملية بعد 8 أيام من انطلاقها في 9 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، يتعلقان بإخراج عناصر وحدات حماية الشعب الكردية التي تقود قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من الشريط الحدودي.
وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن بلاده تدرك أن دعم الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب الكردية لن ينتهي على الفور وإن معركة تركيا ستستمر مع «هذا التنظيم الإرهابي» في إشارة إلى الوحدات الكردية التي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور.
وأضاف إردوغان، في كلمة أمام نواب حزبه بالبرلمان التركي أمس (الثلاثاء)، أن تركيا ستواصل قتال وحدات حماية الشعب الكردية إلى «حين زوال كل التهديدات ضد تركيا والقضاء على جميع المسلحين»، معتبرا أنه لا يمكن إنجاز أي خطة في المنطقة دون موافقة تركيا ودعمها.
في السياق ذاته، ألقى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو باللوم على الولايات المتحدة وروسيا بشأن عدم تنفيذ اتفاقين تم التوصل إليهما بشأن شمال شرقي سوريا، قائلا إنهما لم تقوما بما يلزم بموجب الاتفاقات حول شمال سوريا، ويجب عليهما القيام بذلك. ولفت، جاويش أوغلو خلال جلسة لمناقشة ميزانية وزارة الخارجية بالبرلمان مساء أول من أمس، إلى أنه تم التوصل إلى اتفاقات أو بيانات مشتركة من خلال التفاوض على نصوص أعدتها تركيا. موضحا أن بلاده توصلت إلى اتفاقين مع البلدين (الولايات المتحدة وروسيا) في غضون 5 أيام (من 17 إلى 22 أكتوبر الماضي).
وتساءل: «هل قام البلدان بما يلزم بموجب هذه الاتفاقات؟ لا لم يفعلا، وعليهما القيام بذلك، فنحن نفذنا ما يقع على عاتقنا بموجبها، ولكن قمنا بما يلزم عند حدوث تحرشات ضدنا».
وأكد جاويش أوغلو أنه في حال عدم الحصول على نتيجة بخصوص تطهير شمال سوريا من الوحدات الكردية فإن تركيا ستقوم بما يلزم مجدداً كما فعلت عندما أطلقت عملية «نبع السلام»، مضيفا: «ليس هناك خيار آخر، حيث يتعين علينا تطهير التهديد الإرهابي المجاور لنا».
وعبرت موسكو عن انزعاجها للتلويح التركي بعملية عسكرية جديدة في شمال شرقي سوريا. ووصفت وزارة الدفاع الروسية التصريحات التركية في هذا الشأن بأنها «مثيرة للدهشة» لافتة إلى أنه سيتم الدفع بالمزيد من عناصر الشرطة العسكرية الروسية إلى المنطقة لتهدئة الوضع هناك.
وأقر وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، بوجود بعض الصعوبات في الشمال السوري، قائلا إن بلاده تعمل على حلها عبر اللقاءات مع روسيا. وقال أكار، في تصريح أمس: «بعيداً عن الدوريات المشتركة مع روسيا، ثمة عدد من الصعوبات معهم، ونعمل على حلها عبر اللقاءات».
وأكد الوزير التركي استمرار الدوريات المشتركة للقوات التركية والروسية في الشمال السوري، بموجب اتفاق سوتشي بين الطرفين في 22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ولفت إلى أنه يتم اتخاذ التدابير اللازمة، مباشرة، حيال الاستفزازات التي تتعرض لها الدوريات المشتركة.
واتهمت وزارة الدفاع التركية، في بيان من سمتهم بـ«أنصار» وحدات حماية الشعب الكردية بإلقاء قنابل مولوتوف على عربات عسكرية روسية، أثناء إجرائها دورية مشتركة مع عناصر الجيش التركي، في مدينة عين العرب (كوباني) شمال سوريا أول من أمس. وبثت وكالة أنباء «الأناضول» التركية الرسمية مقطعا مصورا للدورية البرية المشتركة لعناصر الجيشين الروسي والتركي يظهر قيام من قالت إنهم أنصار الوحدات الكردية أثناء قيامهم بإعاقة سير العربات المصفحة، وإلقاء الحجارة عليها. وأظهر مقطع الفيديو وضع حواجز إسمنتية في الطرقات لعرقلة الدورية، وإلقاء أشخاص قنابل مولوتوف على عربات روسية، ما أدى إلى اندلاع النار في الجانب الخلفي لإحداها، قبل أن تتوقف قليلا ثم تستكمل سيرها.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.