فرجينيا وولف ترحب بكم

صور فوتوغرافية ولوحات ومذكرات ورسائل.. وتاريخ عصر

فرجينيا وولف
فرجينيا وولف
TT

فرجينيا وولف ترحب بكم

فرجينيا وولف
فرجينيا وولف

لم أكن أتخيل أن قامة فرجينيا وولف الفارعة تحتاج إلى عصا تستند عليها في مشوارها الأخير نحو نهر أوز (Ouse) لإسكات جنونها غير المحتمل، لكن هذه العصا هي التي دلّت ليونارد زوجها إلى المكان الذي غرقت فيه. توقفت كثيرا أمام العارضة الزجاجية التي ضَمّتْ هذه العصا، ورسالتيها الأخيرتين إلى ليونارد وأختها فينيسا.
العصا وغيرها الكثير من المواد الأرشيفية من صور فوتوغرافية ولوحات ومذكرات ورسائل وطبعات أولى من الكتب التي صدرت عن دار نشر «هوكارث»، التي أسستها فرجينيا مع زوجها هو فحوى معرض «فرجينيا وولف.. الفن والحياة والرؤية» في «ناشيونال بورتريت غاليري» لموسم الخريف الحالي.
يركز المعرض أيضا على أرشيف جماعة «بلومزبري» الأدبية الشهيرة الإنجليزية بداية القرن الـ20، التي ضمت أكاديميين وفنانين وكتابا ومفكرين، وسُميت باسم المكان الذي كانوا يلتقون به (بلومزبري) في مركز لندن، حيث يتناقشون بالأمور السياسية والأدبية والفنية.
فرجينيا وولف أحد أشهر أعضاء هذه الجمعية الأدبية برواياتها الحداثوية مثل «أمواج» (1931) و«السيدة دالاوي» (1925). والأرشيف المعروض يتناول حياتها وأدبها، وصداقاتها الكثيرة رغم قولها ذات مرة: «يجب أن أكون ذات خصوصية، مجهولة كما كل المجهولين، مغمورة كي أكتب ما أريد». يتناول المعرض أيضا معاناتها الطويلة مع الاكتئاب والانهيارات العصبية البعيدة عن الرومانسية، وتُستعرض بوفرة تفاصيل حياتها الشخصية بشكل محايد وبعيد عن نزعة تمجيد المشاهير.
هناك أيضا صور ولوحات لفرجينيا عبر مراحل حياتها، وعدد من اللوحات رسمها أعضاء جماعة «بلومزبري» لفرجينيا، منها اللوحات المشهورة التي رسمتها أختها فينيسا بل (Vanessa Bell) ودونكان كراند (Duncan Grant) وروجر فري (Roger Fry). صور فوتوغرافية وهي في أشد حالاتها ضعفا أو في أوج شبابها، صور وهي في قمة تألقها الأدبي، وجهها الذي يَنمّ عن قلق وإبداع وشرود، قوامها الممشوق، عظام خديها، عيناها المدورتان الغائرتان كأنهما عينا مارد كتوم ترحب بالزائر وتتهكم منه بالوقت نفسه.
المثير بهذا المعرض أيضا هو الربط بين إبداع فرجينيا الأدبي والفنون البصرية التي كانت سائدة في ذلك الوقت. تجاربها اللونية في الوصف التي تأثرت بألوان سيزان المركزة والمعقدة، رغم أنها لم تكن معجبة بعالم الفن وتجارته، فقد كتبت في مذكراتها عام 1912: «الفنانون هم متنافسون مقيتون تثيرهم المتعة البغيضة».
يستقبلك المعرض بصورة فوتوغرافية كبيرة لفرجينيا بنظرة حانية ساخرة ويد على الخد، وبجانبها صورة فوتوغرافية بالحجم ذاته لحطام بيتها في دافيستوك سكوير (Tavistock Square) بعد أن دُمر بغارة جوية عام 1940.
انشطرت البناية من المنتصف، بقي الموقد واللوحة التي فوقه وغرفة الجلوس في الطابق الأعلى مرئية من الشارع، كتبت في مذكراتها: «الأنقاض تغطي المكان الذي كتبتُ فيه روايات كثيرة، الغرفة التي سهرنا بها مع أصدقاء كثر مكشوفة للهواء».
ولدت فرجينيا لعائلة عريقة مثقفة عام 1882. العائلة ضمت 7 إخوة وأخوات. كان أبوها الكاتب ليزلي ستيفنس، لذلك كان بيتهم مزارا لكثير من مشاهير الأدب في ذلك الوقت، الذين لم يغفلهم هذا المعرض فهناك صورا فوتوغرافية بكاميرا خالة فرجينيا (جوليا ماركريت كامرون) لتشارلز دارون وروبرت برواننغ وألفريد تينسون كلهم بلحى، ويبدو عليهم تقشف ما كأنهم ينوءون بحمل عبقرياتهم. كتبت فرجينيا في صورة من الماضي 1939 «العظمة تبدو لي ملكة إيجابية غريبة الأطوار تزدهر بالعزلة، شيء ما أقاد له بإخلاص من قبل والدي، بل العظمة وجود مجسد، كائن حي موجود في بعض الأشخاص». ستسير فرجينيا نحو إبداعها دائما، خاصة اختيارها لموتها بطريقة منقطعة النظير. اختلافها الوحيد عن عظماء وقتها أنها كانت امرأة في وقت كانت العبقرية والإبداع والتعليم امتيازات رجولية. كتبت في «غرفة تخص المرء وحده»، وهي من مقالاتها التي تدافع بها عن حقوق المرأة الكاتبة.. «أغلق مكتبتك لو شئت، لكن لا يمكنك أن تضع بابا أو قفلا أو مزلاجا على عقلي الحر».
صورة فوتوغرافية بكاميرا فينيسا أختها، تُظهر الأبوين جالسين يقرآن في منزل عطلتهما عام 1893 في سانت أيفز، خلفهما في الجهة اليمنى تظهر فرجينيا ذات الـ11 عاما تحدق بعينين دائرتين مستسلمتين، كأنها شبح تسترق النظر وذقنها مقعر بيدها. سوف تموت أمها بعد هذه الصورة بسنتين، هذا الفقدان المبكر أصابها بأول انهيار عصبي وهي بعمر الـ13، وستختبر انهيارا أكثر حدة بعد وفاة والدها عام 1904. بعد ذلك ستسكن العائلة منطقة بلومزبري، وستتكون الجماعة الأدبية التي تحمل ذات الاسم عام 1906.
عُرض أيضا عدد من الرسائل العاطفية، مثل رسالة الكاتب الإنجليزي ليتون ستارَجي (Lytton Strachey) أحد مؤسسي جماعة بلومزبري لأخيه جيمس 1909.. «تقدمتُ لخطبة فيرجينيا، كما تتخيل كانت لحظة حرجة، خصوصا إدراكي أن الأمر مقزز بمجمله، فرجينيا كانت مذهلة بحدسها، ولحسن الحظ، رفضت طلبي»، كتب ستارجي بعد ذلك إلى صديقه ليونارد وولف: «أنت من يستحقها، تزوجها أنت».
كان ستارجي مثليّ الجنس، رغم أنه ارتبط بالرسامة دورا كارنكتون (Dora Carrington). وكتبت فرجينيا عنهما في مذكراتها بعد وفاة ستارجي: «أعتقد أن تأثير ستارجي عليها سحبها لدوامة الجنون»، وصدقت نبوءة فرجينيا، فقد انتحرت كارنكتون بعد شهرين من وفاته.
صورة فوتوغرافية لزواج فيرجينيا وليونارد 1912، وصورة أخرى للكاتبة الأرستقراطية فيتا ساكفل - ويست (Vita Sackville - West) تزين عنقها قلادة لؤلؤ وترتدي قبعة بنية وسيجارة بين أصبعيها، فيتا صديقة فرجينيا وعشيقتها فيما بعد، كتبت لها فرجينيا أثناء رحلتها إلى إيران عام 1926: «انظري فيتا، اتركي الرجل الذي معك وتعالي نذهب إلى هامبتون كورت، نتناول غداءنا معا على ضفة النهر، ونسير في الحديقة ليلا في ضوء القمر، ونعود إلى المنزل في وقت متأخر، نشرب النبيذ ونثمل وسوف أقول لك ملايين الأشياء في رأسي، لا أبوح بها في النهار، في الليل فقط وعلى ضفة النهر أبوح بها، فكري بهذا، أقول لك اتركي رجلك وتعالي».
وجاء في رسالتها الأخيرة إلى أختها فينيسا: «أشعر أنني قد ذهبتُ بعيدا جدا هذه المرة ويصعب علي العودة»، ورغم أنها حاولت الانتحار قبل ذلك في شبابها، مما اضطرها للعيش في المصحات والتشبث بمخالب عقلها لتحقيق إبداع أدبي متميز، انتحرت فيرجينيا عام 1941 عن عمر 59 عاما، وكتبت فينيسا بعد انتحارها: «على الأقل يمكننا أن نشعر بالسعادة لأنها لم تمت من المحاولة الأولى، كانت مواهبها ستتبدد نهائيا».



مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟
TT

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

صدر العدد الجديد من مجلة الفيصل وتضمن العديد من الموضوعات والمواد المهمة. وكرست المجلة ملف العدد لموضوع إقصاء المرأة من حقل الفلسفة، وعدم وجود فيلسوفات. شارك في الملف: كل من رسلان عامر: «غياب المرأة الفلسفي بين التاريخ والتأريخ». خديجة زتيلي: «هل بالإمكان الحديث عن مساهمة نسائية في الفلسفة العربية المعاصرة؟» فرانك درويش: «المرأة في محيط الفلسفة». أحمد برقاوي: «ما الذي حال بين المرأة والتفلسف؟» ريتا فرج: «الفيلسوفات وتطور الأبحاث الحديثة من اليونان القديمة إلى التاريخ المعاصر». يمنى طريف الخولي: «النساء حين يتفلسفن». نذير الماجد: «الفلسفة نتاج هيمنة ذكورية أم نشاط إنساني محايد؟» كلير مثاك كومهيل، راشيل وايزمان: «كيف أعادت أربع نساء الفلسفة إلى الحياة؟» (ترجمة: سماح ممدوح حسن).

أما الحوار فكان مع المفكر التونسي فتحي التريكي (حاوره: مرزوق العمري)، وفيه يؤكد على أن الدين لا يعوض الفلسفة، وأن الفلسفة لا تحل محل الدين، وأن المفكرين الدينيين الحقيقيين يرفضون التفلسف لتنشيط نظرياتهم وآرائهم. وكذلك تضمن العدد حواراً مع الروائي العربي إبراهيم عبد المجيد الذي يرى أن الحزن والفقد ليس مصدرهما التقدم في العمر فقط... ولكن أن تنظر حولك فترى وطناً لم يعد وطناً (حاوره: حسين عبد الرحيم).

ونطالع مقالات لكل من المفكر المغربي عبد العزيز بومسهولي «الفلسفة وإعادة التفكير في الممارسات الثقافية»، والكاتب والأكاديمي السعودي عبد الله البريدي «اللغة والقيم العابرة... مقاربة لفك الرموز»، وضمنه يقول إننا مطالبون بتطوير مناهج بحثية لتحليل تورط اللغة بتمرير أفكار معطوبة وقيم عدمية وهويات رديئة. ويذهب الناقد سعيد بنكراد في مقال «الصورة من المحاكاة إلى البناء الجمالي» إلى أن الصورة ليست محاكاة ولا تنقل بحياد أو صدق ما تمثله، لكنها على العكس من ذلك تتصرف في ممكنات موضوعاتها. وترجم ميلود عرنيبة مقال الفرنسي ميشال لوبغي «من أجل محبة الكتب إمبراطورية الغيوم».

ونقرأ مقالاً للأنثروبولوجي الفرنسي فرانك ميرمييه بعنوان «مسار أنثربولوجي فرنسي في اليمن». ومقال «لا تحرر الحرية» (أريانا ماركيتي، ترجمة إسماعيل نسيم). و«فوزية أبو خالد... لم يزل الماء الطين طرياً بين أصابع اللغة» (أحمد بوقري). «أعباء الذاكرة ومسؤولية الكتابة» (هيثم حسين). «العمى العالمي: غزة بين فوضى الحرب واستعادة الإنسانية» (يوسف القدرة). «الطيور على أشكالها تقع: سوسيولوجيا شبكة العلاقات الاجتماعية» (نادية سروجي). «هومي بابا: درس في الشغف» (لطفية الدليمي).

ويطالع القارئ في مختلف أبواب المجلة عدداً من الموضوعات المهمة. وهي كالتالي: قضايا: سقوط التماثيل... إزاحة للفضاء السيميائي وإعادة ترتيب للهياكل والأجساد والأصوات (نزار أغري). ثقافات: «هل يمكن أن تحب الفن وتكره الفنان؟» ميليسا فيبوس (ترجمة خولة سليمان). بورتريه: محمد خضر... المؤلف وسرديات الأسلوب المتأخر (علي حسن الفواز). عمارة: إعادة تشكيل الفضاءات العامة والخاصة في جدة بين التراث والحداثة (بدر الدين مصطفى). حكايتي مع الكتب: الكتب صحبة رائعة وجميلة الهمس (فيصل دراج). فضاءات: «11 رصيف برنلي»... الابنة غير الشرعية لفرنسوا ميتران تواجه أشباح الحياة السرية (ترجمة جمال الجلاصي). تحقيقات: الترفيه قوة ناعمة في بناء المستقبل وتنمية ثقافية مؤثرة في المجتمع السعودي (هدى الدغفق). جوائز: جوائز الترجمة العربية بين المنجز والمأمول (الزواوي بغورة). المسرح: الكاتبة ملحة عبد الله: لا أكتب من أجل جائزة أو أن يصفق لي الجمهور، إنما كي أسجل اسمي في تاريخ الفن (حوار: صبحي موسى).

وفي باب القراءات: نجوان درويش... تجربة فلسطينية جسورة تليق بالشعر الجديد (محمد عبيد الله). جماليات البيت وسردية الخواء... قراءة في روايات علاء الديب (عمر شهريار). «أغنية للعتمة» ماتروشكا الحكايات والأنساب تشطر التاريخ في صعودها نحو الأغنية (سمية عزام). تشكيل: مهدية آل طالب: دور الفن لا يتحقق سوى من خلال الفنان (هدى الدغفق). مسرح: المنظومة المسرحية الألمانية يؤرقها سوء الإدارة والتمييز (عبد السلام إبراهيم)

ونقرأ مراجعات لكتب: «وجه صغير يتكدس في كل ظهيرة» (عماد الدين موسى)، «مروة» (نشوة أحمد)، «خاتم سليمي» (نور السيد)، «غراميات استثنائية فادحة» (معتصم الشاعر)، «أبناء الطين» (حسام الأحمد)، «حساء بمذاق الورد» (جميلة عمايرة).

وفي العدد نطالع نصوص: «مارتن هيدغر يصحو من نومه» (سيف الرحبي)، «مختارات من الشعر الكوري» (محمد خطاب)، «سحر الأزرق» (مشاعل عبد الله)، «معرض وجوه» (طاهر آل سيف)، «سارقة الذكريات» (وجدي الأهدل)، «أوهام الشجر» (منصور الجهني).