عادل مالك لـ («الشرق الأوسط»): حاورت نيكسون والسادات وسلطان باشا الأطرش

الصحافي اللبناني قال إن إجادة الإعلام تحتاج إلى المثابرة واحترام عقول المتلقين

عادل مالك لـ («الشرق الأوسط»): حاورت نيكسون والسادات وسلطان باشا الأطرش
TT

عادل مالك لـ («الشرق الأوسط»): حاورت نيكسون والسادات وسلطان باشا الأطرش

عادل مالك لـ («الشرق الأوسط»): حاورت نيكسون والسادات وسلطان باشا الأطرش

كتب له أن يكون من جيل الأوائل والرواد في مجال التلفزيون في لبنان والعالم العربي، فكان قدوة لجيل مديد. عادل مالك الذي تمرّس الإعلام بمختلف فروعه المرئية والمسموعة والمكتوبة، لمع نجمه في ستينات القرن العشرين وسبعيناته، عبر شاشة تلفزيون «لبنان والمشرق»، محاورا بارعا من خلال برنامجه الأول «سجل مفتوح» إلى «أوراق وأحداث» والكثير من البرامج الثقافية والاجتماعية والسياسية وعمله في إذاعة «مونت كارلو». حاور أهم الشخصيات السياسية والفنية العربية والعالمية.
وثّق مالك مسيرة حياته المهنية في صفحات كتاب «من رودس إلى جنيف: فلسطين من الضياع إلى الربيع العربي» وتقع أحداثه في بابين؛ الأول يسرد فيه مشكلة النزاع العربي الإسرائيلي حول فلسطين؛ أما الباب الثاني الذي أطلق عليه عنوان «زعماء قابلتهم»، فيتحدث فيه عن لقاءاته وحواراته مع الملوك والرؤساء والمسؤولين وآرائهم حول الصراع العربي الإسرائيلي.
وفي حوار خاص لـ«الشرق الأوسط» أخبرنا مالك ردا على سؤال تناول بداياته الإعلامية واختياره لمجال الإعلام وإن كان صائبا، قال: مع وصول نص هذا اللقاء إلى قراء جريدة «الشرق الأوسط» أكون قد أكملت العام الـ54 في ممارسة الإعلام بمختلف فروعه المرئية والمسموعة والمكتوبة. ولو عاد الزمن إلى الوراء لما اخترت غير هذه المهنة. وكأن مهنة الإعلام التي اخترتها منذ ما يزيد على نصف قرن، هي التي اختارتني بدورها أيضا.
* ما هو أول برامجك وعلى أي شاشة كانت إطلالتك الأولى؟
- أول البرامج التي قدمتها: «سجل مفتوح»، كان أول برنامج حواري، أو مجلة مرئية أسبوعية، وكان على شاشة تلفزيون «لبنان والمشرق».
* من هي أهم الشخصيات السياسية والفنية التي استقبلتها في برنامجك؟ وهل تفردت بمقابلة شخصية سياسية لم يحاورها أحد قبلك؟
- اللائحة طويلة جدا، وعلى سبيل المثال: العاهل الأردني الراحل الملك حسين والعاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، ومعظم الوجوه اللبنانية البارزة، التي لعبت أدوارا أساسية في الحياة الوطنية والسياسية، وأيضا الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، والدكتور بريجنسكي (مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي)، ومارغريت ثاتشر وأنديرا غاندي والرئيس الراحل أنور السادات وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح والرئيس ياسر عرفات وكثيرين غيرهم. وتضم على الصعيد الفني؛ السيدة فيروز والأخوين رحباني، وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ، وأذكر وللمرة الأولى أنني كنت من جمع الشاعر نزار قباني وعبد الحليم حافظ، ونتج عن هذا اللقاء الأغاني الشهيرة مثل «قارئة الفنجان» و«رسالة من تحت الماء» وغيرهما الكثير، إضافة إلى الفنان اللبناني وديع الصافي، والمطرب الفرنسي شارل ازنافور، والسيدة صباح. ومن كبار الشعراء نزار قباني وعمر أبو ريشة وسعيد عقل ومحمود درويش.
أما ما تفردت به من إنجاز إعلامي، فإنني أذكر اللقاء مع الزعيم الثائر سلطان باشا الأطرش؛ وهي المقابلة الوحيدة التي منحتها هذه الشخصية الجهادية الفذة عبر تاريخ نضالها الطويل في جيل العرب وفي السويداء، منذ حقبة الاحتلال الفرنسي لسوريا، وحتى أيامه الأخيرة.
* وضعت الكثير من الملفات، ما هو الملف الذي تعتقد أنك أجدت في كتابته ولماذا؟ وما هو الموضوع الذي ترغب في كتابته؟
- أجيب بأمرين؛ المواضيع كثيرة ومتعددة. لكنني أوجز فأقول: إلى الجانب الإعلامي في المجالين المرئي والمكتوب: أشير إلى التركيز الخاص على الصراع العربي – الإسرائيلي في ماضيه وحاضره ومستقبله. ولأنني أركز في مختلف مراحل اهتماماتي الإعلامية على الجانب الوثائقي، فقد أعددت كتابا بعنوان «من رودس إلى جنيف»، كما صدر لي كتاب آخر بعنوان: «من رودس إلى الربيع العربي- زعماء قابلتهم»، كذلك نشرت كتابا بعنوان: «1958 القصة- الأسرار- الوثائق»، وهو كتاب وثائقي ومراجعي عن هذه الحقبة الحساسة من التاريخ اللبناني.
* من تعتقد أنه كان قدوة في عملك بالإعلام؟
- كتب لي أن أكون من جيل الأوائل والرواد في مجال التلفزيون، لذلك لم يكن في الإعلام اللبناني والعربي في حينه وجوه إعلامية بارزة يمكن الاقتداء بها. أما في مجال الصحافة المكتوبة فأقول: لقد كنت سعيد الحظ في أن أعاصر وأعمل عن قرب مع الأساتذة: كامل مروة وجورج نقاش وغسان تويني، ومثل هؤلاء الرجال لا يتكررون بسهولة.
* ما هو رأيك في الإعلام الجديد وهل – في رأيك- سيحل محل الإعلام التقليدي؟ وهل تعتقد أن الإعلام بالأمس كان أكثر حرفية ومصداقية؟
- سؤال مهم ومحوري ويحتاج إلى غير مجال للإحاطة به، لكنني أوجز بقول الآتي؛ قيض لي أن أعايش فترة ازدهار الإعلام بكافة فروعه، فيما انطلق عليه ذلك الزمن الجميل. في الماضي كان الاعتماد على العنصر البشري أكثر من أي عنصر آخر، وكان الإعلام في حينه أكثر صدقية وحرفية من أي حقبه أخرى تلت. طبعا التطور التكنولوجي الهائل الذي طرأ نقل العالم إلى واقع جديد. إنني مع التعدد والتنوع والتجدد والتحديث. لكنني أعارض «الفلتان الإعلامي» القائم حاليا. بإمكان الإعلام أن يعمّر أو أن يدمر. وأميل إلى الإعلام الذي يعمر وينشر الثقة والمصداقية لدى المشاهدين أو المستمعين أو القراء.
* هل تعتقد أنه من المهم والأفضل على الصحافي أن يكون متخصصا في مجال معين لتغطية أحداث معينة؟
- بالتأكيد إنها حقبة الإعلام التخصصي، لكن مع الاحتفاظ بثقافة إعلامية عامة.
* ما هي نصيحتك للصحافيين الشباب في بداية حياتهم الإعلامية؟
- لا أسمح لنفسي بأن أكون واعظا. لكن من موقع تجربتي الطويلة أقول للأجيال الإعلامية الطالعة: إن إجادة الإعلام في كافة فروعه تحتاج إلى صفات أساسية ومنها: الدراسة والمثابرة واحترام عقول المتلقي سواء كان مشاهدا، أو قارئا أو مستمعا، وعدم السقوط ضحايا الإبهار الإعلامي والاكتفاء بالمظاهر. إن إتقان هذه المهنة يحتاج إلى صبر وأناة وإلى تضحيات جمة، وعدم الاكتفاء بالجانب الاستعراضي مع قليل من التواضع الذي سيفيد الإعلامي حتما.
* الصحافي الناجح أو الإعلامي الناجح ماذا تعني لك هاتان العبارتان؛ وكيف نصف النجاح الإعلامي؟
- هذه توصيفات بالغة الأهمية والنجاح في مجالنا الإعلامي يجب أن يحملنا الكثير من المسؤوليات، كي تكون أنفسنا في حال انسجام مع الذات، فالنجاح له مكاسبه، لكنه يتطلب الكثير من التضحيات.
* ما هو الاختلاف بين ثورات الماضي وثورات «الربيع العربي» اليوم؟
- صحيح لقد عايشت وتوليت المتابعة والتغطية المباشرة للكثير من الثورات سواء في المنطقة أو في العالم. إن الفارق الأساس بين ثورات الأمس وثورات اليوم هو الإعلام، الذي يلعب دورا كبيرا في مسار هذه الثورات ومصيرها.
وفيما يتعلق بـ«الربيع العربي» يؤسفني أن أقول إنه شكّل صدمة كبيرة، نظرا للآمال العريضة التي علقت عليه. لكن انتهى الأمر إلى حال جديدة من الإحباط.
ثورات التغيير يجب ألا تقتصر على تغيير الحاكم أو الحكم، بل التهيئة للأنظمة البديلة، وإلا سيتكرر ما نشهده اليوم من الاكتفاء بالهدم والتدمير وسقوط الضحايا البريئة، من دون أي جدوى لإحداث تغييرات جديدة تتماشى مع سمات المرحلة التي نعايش.
* هل ظهور جماعات متشددة مثل «داعش» و«جبهة النصرة» وظهور اسم تنظيم جديد «خراسان»، حالة طبيعية لما بعد ثورة الربيع العربي؟
- حبذا لو نجح «الربيع العربي» في إحداث النقلة النوعية للواقع العربي من حال إلى حال، لما كنا نشهد ظهور الجماعات المتشددة. هذه حقبة مظلمة وقاتمة في تاريخنا العربي المعاصر. وأقول أكثر، إن هذه الثورات التي تستغل الدين بهذا التشويه المريع، فيها عودة إلى العصر الجاهلي، فأي نضال هذا الذي يعتمد على قطع رؤوس الرهائن؟!
إن الإسلام الذي تزعم هذه الفئات أنها تنطق باسمه وتعمل على إعلاء شأنه على نقيضين؛ فالإسلام الحقيقي انفتاح ونور وهداية، في حين أن «إسلام جماعات التكفير» هو ظلامي ومتخلف، يعيد الإنسان العربي إلى القرون الوسطى، وإلى حقبة الجاهلية وما قبل الإسلام. وفي المقابل ومن زاوية التحليل الموضوعي، علينا الاعتراف بأن ظهور مثل هذه الجماعات في الآونة الأخيرة يعود إلى الفترة التي شهدت فيها المنطقة عملية غزو العراق في العام 2003. فإذا كانت قوات التحالف الدولي في حينه (أميركا وبريطانيا والدول الأخرى) قد ربحت الحرب من الناحيتين العسكرية والتقنية وقضت على صدام حسين ونظامه، فإن هذه القوات فشلت فشلا ذريعا في كسب معركة السلام، لذا شهدنا ونشهد ما آلت إليه الأوضاع في العراق من التقسيم، حيث نرى دولة كردستان في شمال العراق، والجيب الشيعي في الجنوب، ويبقى «الجيب السني» في الوسط، دون أن ننسى استمرار المجازر والتفجيرات بشكل يومي، ومسلسل «العرقنة» ما يزال مستمرا.
ومثل حرب العراق إضافة إلى عوامل أخرى، ظهرت هذه المجموعات التي تعتمد الإرهاب وسيلة للاستيلاء على السلطة والحكم، بل التحكم بمصائر الشعوب واعتماد أسلوب الابتزاز والتخويف والإرهاب.
إن العناصر التكفيرية التي تنشر الرعب في المنطقة من محيطها إلى خليجها أكثر الظواهر خطورة، ويجب عمل أي شيء لمقاومة الذين يعتمدون هذا الفكر، وهو أبرز التحديات التي تواجه العالم العربي والعالم في التاريخ المعاصر.
في الختام: شكرا لـ«الشرق الأوسط» على هذه الاستضافة.
وفي الكلام الأخير؛ سألني صديق؛ مع انقضاء كل هذا الوقت الطويل من التمرس بالعمل الإعلامي بكافة فروعه، هل تفكر بالاعتزال؟ فأجبته: الإعلام بالنسبة لي هو نمط حياة أستمتع به كل يوم بل في كل لحظة، لذا لا يمكن لي أن أستقيل من... الحياة.



كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
TT

كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)

قبل 861 عاماً، نهضت كاتدرائية «نوتردام دو باريس» في قلب العاصمة الفرنسية. ومع مرور العقود والعصور تحوّلت إلى رمز لباريس، لا بل لفرنسا. ورغم الثورات والحروب بقيت «نوتردام» صامدة حيث هي، في قلب باريس وحارسة نهر السين الذي يغسل قدميها. إلا أن المأساة حلّت في شهر أبريل (نيسان) من عام 2019، عندما اندلع حريق هائل، التهمت نيرانه أقساماً رئيسة من الكاتدرائية التي انهار سقفها وتهاوى «سهمها»، وكان سقوطه مدوياً.

منظر للنافذة الوردية الجنوبية لكاتدرائية نوتردام دو باريس(رويترز)

حريق «نوتردام» كارثة وطنية

وكارثة «نوتردام» تحوّلت إلى مأساة وطنية، إذ كان يكفي النظر إلى آلاف الباريسيين والفرنسيين والسياح الذين تسمّروا على ضفتي نهر السين ليشهدوا المأساة الجارية أمام عيونهم. لكن اللافت كانت السرعة التي قررت فيها السلطات المدنية والكنسية مباشرة عملية الترميم، وسريعاً جدّاً، أطلقت حملة تبرعات.

وفي كلمة متلفزة له، سعى الرئيس إيمانويل ماكرون إلى شد أزر مواطنيه، مؤكداً أن إعادة بناء الكاتدرائية و«إرجاعها أجمل مما كانت» ستبدأ من غير تأخير. وأعلن تأسيس هيئة تشرف عليها، وأوكل المهمة إلى الجنرال جان لويس جورجولين، رئيس أركان القوات المسلحة السابق. وبدأت التبرعات بالوصول.

وإذا احتاجت الكاتدرائية لقرنين لاكتمال بنائها، فإن ترميمها جرى خلال 5 سنوات، الأمر الذي يعد إنجازاً استثنائياً لأنه تحول إلى قضية وطنية، لا بل عالمية بالنظر للتعبئة الشعبية الفرنسية والتعاطف الدولي، بحيث تحوّلت الكاتدرائية إلى رابطة تجمع الشعوب.

وتبين الأرقام التي نشرت حديثاً أن التبرعات تدفقت من 340 ألف شخص، من 150 دولة، قدّموا 846 مليون يورو، إلا أن القسم الأكبر منها جاء من كبار الممولين والشركات الفرنسية، ومن بينهم من أسهم بـ200 مليون يورو. ومن بين الأجانب المتبرعين، هناك 50 ألف أميركي، وهو الأمر الذي أشار إليه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وكان أحد الأسباب التي دفعته للمجيء إلى فرنسا؛ البلد الأول الذي يزوره بعد إعادة انتخابه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

متطوعون يضعون برنامج الحفل على المقاعد قبل الحفل (أ.ف.ب)

منذ ما يزيد على الشهر، تحوّلت الكاتدرائية إلى موضوع إلزامي في كل الوسائل الإعلامية. وخلال الأسبوع الحالي، حفلت الصحف والمجلات وقنوات التلفزة والإذاعات ببرامج خاصة تروي تاريخ الكاتدرائية والأحداث الرئيسة التي عاشتها في تاريخها الطويل.

وللدلالة على الأهمية التي احتلتها في الوعي الفرنسي، فإن رئيس الجمهورية زارها 7 مرات للاطلاع على التقدم الذي حققه المهنيون والحرفيون في إعادة البناء والترميم. وإذا كانت الكاتدرائية تجتذب قبل 2012 ما لا يقل عن 12 مليون زائر كل عام، فإن توقعات المشرفين عليها تشير إلى أن العدد سيصل العام المقبل إلى 15 مليوناً من كل أنحاء العالم.

المواطنون والسياح ينتظرون إفساح المجال للوصول الى ساحة الكاتدرائية (أ.ف.ب)

باريس «عاصمة العالم»

خلال هذين اليومين، تحوّلت باريس إلى «عاصمة العالم»، ليس فقط لأن قصر الإليزيه وجّه دعوات لعشرات من الملوك ورؤساء الدول والحكومات الذين حضر منهم نحو الخمسين، ولكن أيضاً لأن الاحتفالية حظيت بنقل مباشر إلى مئات الملايين عبر العالم.

وقادة الدول الذين قدّموا إلى «عاصمة النور» جاءوا إليها من القارات الخمس. وبسبب هذا الجمع الدولي، فإن شرطة العاصمة ووزارة الداخلية عمدتا إلى تشكيل طوق أمني محكم لتجنب أي إخلال بالأمن، خصوصاً أن سلطاتها دأبت على التحذير من أعمال قد تكون ذات طابع إرهابي. وإذا كان الرئيس الأميركي المنتخب قد حظي بالاهتمام الأكبر، ليس لأنه من المؤمنين المواظبين، بل لأنه يُمثل بلداً له تأثيره على مجريات العالم.

لكن في المقابل، تأسف الفرنسيون لأن البابا فرنسيس اعتذر عن تلبية الدعوة. والمثير للدهشة أنه سيقوم بزيارة جزيرة كورسيكا المتوسطية الواقعة على بُعد رمية حجر من شاطئ مدينة نيس اللازوردية، في 15 الشهر الحالي. والمدهش أيضاً أنه منذ أن أصبح خليفة القديس بطرس في روما، «المدينة الخالدة»، فإنه زار فرنسا مرتين، ثانيها كانت لمدينة مرسيليا الساحلية. بيد أنه لم يأتِ إلى باريس إطلاقاً. ووفق مصادر واسعة الاطلاع، فإن قرار البابا أحدث خيبة على المستويين الديني والرسمي. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى حدث تاريخي رئيس، وهو أن بابا روما بيوس السابع، قدم إلى باريس يوم 2 ديسمبر (كانون الأول) من عام 1804، لتتويج نابليون الأول إمبراطوراً.

وتمثل لوحة الرسام الفرنسي الشهير لوي دافيد، التي خلد فيها تتويج بونابرت، ما قام به الأخير الذي لم ينتظر أن يضع البابا التاج على رأسه، بل أخذه بيديه ووضعه بنفسه على رأسه، وكذلك فعل مع الإمبراطورة جوزفين.

احتفالية استثنائية

لم يساعد الطقس مساعدي الاحتفالية الذين خططوا لأن تكون من جزأين: الأول رسمي، ويجري في ساحة الكاتدرائية الأمامية؛ حيث يلقي الرئيس ماكرون خطابه المقدر من 15 دقيقة، وبعدها الانتقال إلى الداخل للجزء الديني. وكان مقدراً للمواطنين الـ40 ألفاً، إضافة إلى 1500 مدعو حظوا بالوجود داخل الكاتدرائية، أن يتابعوا الحدث من المنصات التي نصبت على ضفتي نهر السين، إلا أن الأمطار والعواصف التي ضربت باريس ومنطقتها أطاحت بالبرنامج الرئيس، إذ حصلت كل الاحتفالية بالداخل. بيد أن الأمطار لم تقض على شعور استثنائي بالوحدة والسلام غلب على الحاضرين، وسط عالم ينزف جراء تواصل الحروب، سواء أكان في الشرق الأوسط أم في أوكرانيا أم في مطارح أخرى من العالم المعذب. وجاءت لحظة الولوج إلى الكاتدرائية، بوصفها إحدى المحطات الفارقة، إذ تمت وفق بروتوكول يعود إلى مئات السنين. بدءاً من إعادة فتح أولريش لأبواب «نوتردام» الخشبية الكبيرة بشكل رمزي.

كاتدرائية «نوتردام» السبت وسط حراسة أمنية استعداداً لإعادة افتتاحها (إ.ب.ى)

وسيقوم بالنقر عليها 3 مرات بعصا مصنوعة من الخشب المتفحم الذي جرى إنقاذه من سقف الكاتدرائية الذي دمرته النيران، وسيعلن فتح الكاتدرائية للعبادة مرة أخرى. ونقل عن المسؤول عن الكاتدرائية القس أوليفييه ريبادو دوما أن «نوتردام»، التي هي ملك الدولة الفرنسية، ولكن تديرها الكنيسة الكاثوليكية «أكثر من مجرد نصب تذكاري فرنسي وكنز محبوب من التراث الثقافي العالم، لا بل هي أيضاً علامة على الأمل، لأن ما كان يبدو مستحيلاً أصبح ممكناً»، مضيفاً أنها أيضاً «رمز رائع».

الأرغن الضخم يحتوي على 8 آلاف مزمار تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام (أ.ف.ب)

كذلك، فإن تشغيل الأرغن الضخم الذي تم تنظيفه وتحضيره للمناسبة الاستثنائية، تم كذلك وفق آلية دقيقة. ففي حين ترتفع المزامير والصلوات والترانيم، فإنه جرى إحياء الأرغن المدوي، الذي صمت وتدهورت أوضاعه بسبب الحريق. ويحتوي الأرغن على 8 آلاف مزمار، تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام. وقام 4 من العازفين بتقديم مجموعة من الألحان بعضها جاء مرتجلاً.

إلى جانب الشقين الرسمي والديني، حرص المنظمون على وجود شق يعكس الفرح؛ إذ أدت مجموعة من الفنانين الفرنسيين والأجانب لوحات جميلة جديرة بالمكان الذي برز بحلة جديدة بأحجاره المتأرجحة بين الأبيض والأشقر وزجاجه الملون، وإرثه الذي تم إنقاذه من النيران وأعيد إحياؤه.

وبعد عدة أيام، سيُعاد فتح الكاتدرائية أمام الزوار الذي سيتدفقوة بالآلاف على هذا المعلم الاستثنائي.

حقائق

846 مليون يورو

تدفقت التبرعات من 340 ألف شخص من 150 دولة قدموا 846 مليون يورو لإعادة ترميم نوتردام