هل يتحول «الإخوان المسلمون» إلى خلايا نائمة؟

مراجعات إقليمية ودولية لمنهجها بعد تصنيفها جماعة «إرهابية» في مصر وبعض دول الخليج

هل يتحول «الإخوان المسلمون» إلى خلايا نائمة؟
TT

هل يتحول «الإخوان المسلمون» إلى خلايا نائمة؟

هل يتحول «الإخوان المسلمون» إلى خلايا نائمة؟

في إحدى ليالي أواخر شهر يوليو (تموز) لعام 2012 كان كثير من المشاهدين أمام الشاشات يتحفزون لإعلان نتيجة السباق الانتخابي بين د. محمد مرسي والفريق أحمد شفيق، فيما كانت وسائل التواصل الاجتماعي تعج بالتسريبات المرجحة لكفة أحد المتنافسين. كان السؤال الأكبر، هل حقا سيخرج «الإخوان المسلمون» إلى الضوء؟ كانت «البؤر» الإخوانية على امتداد العالم العربي تتحين لحظة الانتصار للجماعة الأم، لتتفجر بدورها في دول الفروع. وكان لهم ذلك. علا صوت «إخوان» الفروع في كل مكان، في الكويت انخرطوا في مظاهرات بتحالفات تشبه إلى حد كبير تحالفات الجماعة الأم في القاهرة. في الإمارات أعلن عن القبض على خلية إخوانية تخطط لقلب نظام الحكم، في السعودية القيادات «الإعلامية» للجماعة أصدرت البيانات تلو الأخرى، بلغت بها الوقوف حتى مع معتقلي تنظيم «القاعدة» الذين يطالب بهم إبراهيم الربيش، الإرهابي القيادي في «قاعدة» اليمن. في الأردن حلت مطالب أعلى سقفا وبوادر تحركات على الأرض، في تونس كانت الانتخابات تعلن فوز حزب «النهضة» الإخواني، وشرقها ليبيا كان الإخوان وميليشياتهم المسلحة يعقدون الصفقات السياسية.

كانت تجربة لافتة في صعود «القوى الأصولية» استمرت لمدة عام انتهت بمظاهرات عارمة في القاهرة تطالب بخلع حكم «الإخوان». والقبض على قيادات الجماعة بعد صراعات كر وفر مسلحة بين الجماعة والجيش المصري. ما دفع النظام المصري وبعض دول الخليج تصنيفهم كجماعة إرهابية.. وبقية القصة مشهورة.
وضع قيادات الجماعة الأم في مصر في السجون كان أشبه ما يكون بخنق «العقل السياسي» للفروع. وجدت هذه البؤر نفسها متروكة لمواهبها الخاصة، التي أظهرت اتجاهات الواقع السياسي أنها محدودة.. باستثناء تونس. يقول هاني نسيرة، مدير مركز العربية للدراسات في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «العمل أو النشاطية السرية في مصر صارت مشكلة عويصة بالنسبة لهم، لأنهم لم يخسروا القوى المدنية فقط ولكن خسروا قطاعات كبيرة من المدنيين، من الأزهر الذي اقتحموا مشيخته ومن الإفتاء الذي حاولوا اختطافه وخسر مرشحهم مفتي الجماعة في انتخاباته أوائل 2013. كما خسروا السلفيين مبكرا، قبل 30 يونيو (حزيران) وبعدها، وخسروا كذلك القطاع العريض من الجماعة الإسلامية الذي يقوده كل من ناجح إبراهيم وعبود الزمر، وقد أصدر الأخير مؤخرا عددا من المواقف ترفض مواقف الجماعة ورؤاها، ويرفض جمودها عند المطالبة بعودة مصر، ومدحا الجيش المصري الذي استطاع مواجهة الإرهاب المرتبط بها والمدافع عن أطروحاتها وحمى الدولة المصرية من التصدع والسقوط كما نشاهد في اليمن أو ليبيا! أو قوات المالكي المنحى في العراق».
ويزيد نسيرة «الجماعة الأم كانت كما وصفها قائد قبل تجربتها في الحكم، وقبل الثورات، إسفنجة جففت الماء عن فروعها، وظني أنها الأكثر تأزما الآن، لأنه تم تجريبها بعد 8 عقود من الوعد واليوتوبيا، فكانت جحيما تمرد عليها المصريون وأسقطوها، ولم يعد ممكنا لدى الفاعلين المصريين من مختلف القوى، حتى من اقتربوا من الإخوان قبل وبعد 30 يونيو القبول بإعادة معزولهم وجماعتهم للحكم».
«وفي حال لجأوا للتستر تحت غطاء جماعات أخرى، فهناك جماعة التبليغ والدعوة السلمية وغير المؤدلجة، التي تستر وانخرط فيها قادة جهاديون في السابق، لأنها ليست تنظيما، ولكن ظني أن هذه الجماعة صارت أكثر وعيا بإمكانيات اختراقها من الآخرين وكذلك الجمعيات الدينية كالشرعية وأنصار السنة، والأقرب برأيي للإخوان الآن هم الجهاديون والسلفية الجهادية في سيناء»، بحسب رأيه.
خارج الجغرافيا المصرية، بدا «إخوان الأردن» (أحد أهم الفروع) يعانون صعوبات بالغة. وصفها الصحافي والمحلل اللبناني حازم الأمين بأن «الإخوان المسلمون أصابهم الوهن من دون شك في أعقاب (الصفعة المصرية) التي ترددت أصداؤها في وجدانات جميع فروع الجماعة في العالم».
كانت العبارة السابقة من مقالة للأمين نشرت في صحيفة «الحياة» الدولية تحت عنوان «يا (إخوان الأردن)... لا تُخرجونا من حزبكم فتصيبنا المعصية»، تشرح بوادر تصدع داخلي في التنظيم داخل المملكة الأردنية.
والحال، يبدو أن الضربة الثانية لإخوان الأردن كانت عقب تصعيدها ضد الدولة الأردنية منذ بواكير الحرب الإسرائيلية على غزة. الجميع تحدث عن مظاهر تشكيلات مقاتلة قدمتها الأذرع الشبابية للإخوان في مهرجان «طبربور» لدعم حماس في غزة في حينه.
ما أفضى إلى تسريبات إعلامية رفيعة عن دراسة الحكومة الأردنية إلى اعتبار جماعة الإخوان المسلمين حزبا سياسيا غير مرخص والانتماء له محظور. في ذات الوقت الذي كانت حماس لا تجد بدا من الاقتراب من الدولة المصرية الجديدة والرضوخ لواقع القوى الإقليمية، وأن القاهرة.. عاصمة لا يمكن تجاوزها في حل معادلة السلام.

* إخوان الخليج

* تعرضت دول الخليج لهزات متفاوتة القوى جراء موجة «الربيع العربي»، كانت الكويت والمنامة الأكثر تأثرا كل منهما بمعطيات بيئته السياسية والاجتماعية والطائفية وتوازنها التعدادي، فيما كانت الرياض وأبوظبي العاصمتين الأكثر ثباتا، ومبادرة للتهدئة في دول الجوار والحد من تأثير صعود موجات «إسلام سياسي» يؤدي إلى التطرف والإرهاب. أما الدوحة فقد كانت مشغولة بتدوير عجلة صعود «الإخوان المسلمين» في مختلف دول الربيع، وأخيرا مسقط التي لاحت فيها بوادر أزمة داخلية لم تلبث أن توارت عن الأضواء.
يقول فهد الشافي، الباحث في الحركات الإسلامية في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «تموضع فروع حركة الإخوان المسلمين في الخليج ليست على درجة واحدة من التجذر. فالكويت شهدت ولادة أقدم هذه الفروع الخليجية تنظيما من خلال عبد العزيز المطوع، الذي تعرف في منتصف الأربعينات من القرن الماضي على حسن البنا، وعاد للكويت وفي عنقه بيعة، تخوله إنشاء التنظيم. وتبعه عبد الرحمن الجودر في البحرين الذي بايع أيضا التنظيم الأم في القاهرة. في هاتين العاصمتين يبدو الإخوان أكثر مأسسة وتغولا في الحياة السياسية منها في بقية عواصم الخليج العربي».
ويضيف «في حالة الدول التي لا تسمح بالأحزاب السياسية، كان أفراد الجماعة عادة ما يلجأون للعمل والنشاط السري. وليس من الصعب تتبع التنظيرات السياسية لبعض نجوم الشباك في المشهد السعودي المحلي والخليجي من تيار (الإسلام السياسي) للتنبه إلى أن أدبياتهم تتبنى الرؤية الإخوانية».
وينبه الشافي في ختام مداخلته «هناك مأزق جديد يواجه (الإخوان الجدد) أو الجيل الشاب منهم، أن صيغة تكوينهم السياسي تختلف عن جيل الكبار الأوائل الذين كانوا أكثر مهاودة مع الأنظمة الحاكمة في حقب سابقة لثورات الربيع العربي. انخراط الجيل الشاب من الإخوان في الموقف الثوري، ومحاولتهم اكتساب موقف سياسي منه، سيجعل من الصعب عليهم التراجع لمربع التصالح مع النظام والدولة. تجربة الإخوان المسلمين في مصر خذلت حتى أكثر المتحمسين من تيارات الإسلام السياسي الأخرى، وقناعتي أن عودتهم للحياة السياسية ستكون صعبة جدا وهم مصنفون كجماعة إرهابية، دون أن ننسى تأثير المتغير المصري على المشهد بالعموم».

* إخوان المغرب العربي

* إذا كانت الحالة الليبية الأوضح لتغول ميليشيات «الإسلام السياسي» بما فيها التابعة لـ«الإخوان المسلمين» والتي تشير دوائر استخباراتية ورسمية إلى تلقيها أموالا خارجية لإنعاشها وتقويتها، فإن جارتها الصغيرة، تونس، تبدو حالة مثيرة للانتباه على مستوى الأداء السياسي لحزب «النهضة» هناك، الذراع الإخوانية.
«البراغماتية» السياسية التي أظهرها حزب النهضة، بقيادة راشد الغنوشي فرضها مأزق سقوط حكم الجماعة الأم في القاهرة.
احتفالية الانتهاء من كتابة الدستور وتمريره بالموافقة قبل نحو العام، جاءت لحزب النهضة الذي يقوده راشد الغنوشي كطوق نجاة، أو سجادة يمكن تخبئة المشكلات السياسية تحتها حتى موعد الانتخابات المقبلة على الأقل، المقررة في نهاية الشهر الجاري. فبينما كان الجميع يراقب تداعيات موجة سقوط حكم الإخوان العارمة في مصر على توازن القارب التونسي بقيادة حزب النهضة الإخواني. كان الغنوشي يبدي مرونة لم تكن لتظهر لولا التداعيات الشعبية في التجربة المصرية ومزاجها «الثوري» الذي كادت عدواه أن تنتقل لتحرك الشارع التونسي.
قال في حينه، الباجي السبسي رئيس حزب «نداء تونس» الأكثر قربا في أدبياته لأحزاب اليمين الليبرالي في حديثه لمجلة «لو بوان» الفرنسية بعد إقرار الدستور بأن هدف حزبه كان يتمثل في رحيل الحكومة السابقة، عادا أن تحقق ذلك مثّل يوما عظيما لتونس.
وأضاف السبسي، أحد رجالات الدولة البورقيبية، الذي تشير بعض المؤشرات واستطلاعات الرأي هنا وهناك عن تقارب نسب التأييد لحزبه منافسا للنهضة «منذ 2011 كنت أقنع حركة النهضة بالمشاركة في الحوار، وأخبرت راشد الغنوشي أنه في صورة عدم التعاون فإن النهضة ستزاح من الحكم بالقوة (...) ما نأخذه على حزب النهضة، ليس أنه حركة إسلامية بل تسببه في تأخر تونس كما لم يحدث من قبل ودفع البلاد نحو الإفلاس».
قبل أكثر من أسبوع كان الأب الروحي لـ«الإخوان المسلمين» يوسف القرضاوي ينشر على موقعه الخاص في «تويتر» تصريحا ينص على أنه لا يرضى أن تقاتل الولايات المتحدة الأميركية تنظيم داعش في العراق والشام.
على ذات النسق تبعه بأيام، راشد الغنوشي، في حواره مع صحيفة «الأخبار» اللبنانية المقربة من حزب الله ونظام بشار الأسد. حول موقفه من التحالف الدولي الذي يشن أحد حروبه على الإرهاب المتمثل في تنظيم «داعش» بقوله «في هذا الإطار كان موقفنا واضحا ومشرفا بعد رفض المشاركة في تدخل التحالف الدولي في العراق وسوريا تحت غطاء محاربة ما يسمى (داعش) أو الإرهاب».
في سياق متصل، كان المؤلف والباحث مصطفى القلعي كتب مقالا في «الخلفية الإخوانية لحزب النهضة التونسي»، قائلا: «الإخوان يعرفون أنّ لهم دعما كبيرا تمثّله التيّارات السلفيّة بمختلف تشكّلاتها. ولهذا انعقدت بينهم العلاقات السريّة والعلنيّة. ولا يمكن للتيّار الإخواني أن يرفض المساعدة ممّن يتطوّع لإسناده في إزالة الخصوم من قبل الجماعات العنفيّة وعلى ترويض المجتمع عن طريق الدعاة والجمعيّات وأئمّة المساجد. ولعلّ هذا التقارب والتعاضد بين التيّار الإخواني والتيّارات السلفيّة الجهاديّة يتجلّى في أوضح صوره في سوريا اليوم».
«الإخوان المسلمون» كحالة سياسية متفاوتة الارتفاع والانخفاض على امتداد العالم العربي، وذهاب الكثير من الباحثين إلى أن الجانب «العنفي» لدى الجماعات المسلحة من تيارات الإسلام السياسي، مرده للأدبيات الإخوانية القائمة على مفاهيم الخلافة والجهاد المسلح. يضع الجماعة في مأزق سياسي فلسفي وجماهيري.
يشرحه نسيرة الذي أنهى أطروحته للدكتوراه حول العلاقة بين فكر شيخ الإسلام ابن تيمية والجماعات الجهادية المعاصرة في مصر والعالم العربي بقوله «الإخوان على المستوى الفكري والمطلبي الإسلامي الآن أقرب للتيارات الجهادية والسلفية الجهادية في موقفهم من دولة ما بعد 30 يونيو والدول الداعمة له، ولا شك أنه من المرجح عقدهم اتصالات قوية مع هذه التيارات والتنسيق فيما بينها، يتضح في التزامن بين المظاهرات والعمليات التفجيرية في كثير من الأحيان! والاستعداد العالي لدى قواعد الإخوان للعنف بعد سقوط حلمهم الذي كان كابوسا في الرئيس المعزول».
ويزيد «لكن نرجح أيضا أنه مع انشقاق جبهة 30 يونيو وعدم رأب الصدع مع حركات شبابية ثورية وحزبية وآيديولوجية، يسارية واحتجاجية ونقابية، قد يسعى الإخوان للانضمام تحت لوائها والانضمام إليها بنفس مطلبياتها الناقدة والمعارضة للدولة، أو المعارضة لقانون التظاهر، أو لبعض أحكام القضاء، وبعض ممارسات الأمن، والتي يزيد الإعلام الغوغائي في مصر من انتشارها لأن خطابه انقسامي وغير علمي وغير موضوعي في كثير من الأحيان.. قد ينضوي الإخوان تحت رايات هؤلاء بوصفهم نشطاء سريين لخدمة القضية الإخوانية ككل وتعميق فكرة النزوع الثوري المعارض من جهة أخرى على النظام القائم».
حالة «الانسداد السياسي» التي تعيشها الجماعة كآخر التجارب الأممية، بعد أفول نجم «الشيوعية» بدوره بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، والفشل اللاحق للتجربة «القومية»، تدفع باتجاه ارتياب قلق من جماعات «الإسلام السياسي» و«الإخوان» تحديدا الذين بات مناصروها وقواعدها الشعبية تخوض ما يشبه حرب الشوارع في مصر. وحيث جميع الإشارات تشير إلى أنه لا مصالحة مع «الإرهاب» على حساب استقرار الأوطان وأمنها الإقليمي، على الأقل من قبل دول الخليج باستثناء قطر.. حتى الآن فإن الذاكرة الخليجية ما زالت تسترجع بمرارة، تجربة أوائل التسعينات من القرن الماضي، حين شكل موقف الجماعة (الأم) في مصر صدمة لأتباعها في الخليج، وفي الكويت تحديدا بعد تأييدها صدام حسين في غزوه الكويت. هذه الصدمة منبعها أنه إبان تلك الفترة كانت دول الخليج والكويت تحديدا أهم مصدر لاقتصاديات الإخوان.
تلك التجربة التي أظهرت ملمحا سياسيا جديدا قائما على التضحية بالهويات الفرعية للجماعة في سبيل تحقيق المشروع الأممي حتى لو كان بالتضامن مع صدام حسين في غزوه دولة عربية مجاورة، وحتى لو كان على حساب الخليج الذي غذى شرايين الجماعة ماديا لعقود، قبل أن تصنف الجماعة على أنها إرهابية في بعض دول الخليج، ما يعني أن الأسئلة القادمة الأكثر قلقا للفروع، ماذا سيحدث مع ما تواجهه الجماعة من تجفيف للمنابع الاقتصادية وحصار سياسي يزداد يوما بعد آخر؟



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».