هزيمة «الراديكالية المسلحة»... ضرورة حتمية

لمرحلة ما بعد الإرهاب

مدنيون تم إجلاؤهم من قبضة «داعش» ينتظرون في منطقة فحص تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» (أ.ف.ب)
مدنيون تم إجلاؤهم من قبضة «داعش» ينتظرون في منطقة فحص تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» (أ.ف.ب)
TT

هزيمة «الراديكالية المسلحة»... ضرورة حتمية

مدنيون تم إجلاؤهم من قبضة «داعش» ينتظرون في منطقة فحص تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» (أ.ف.ب)
مدنيون تم إجلاؤهم من قبضة «داعش» ينتظرون في منطقة فحص تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» (أ.ف.ب)

تثير الدراسات والأبحاث المتعلقة بهزيمة الإرهاب انشغال أجهزة الاستخبارات الرسمية. كما انصبت جهود الخبراء ومراكز البحث الدولية، بعد هزيمة «داعش» بداية 2019، على تقديم خبرتهم على مستوى فهم وإنتاج سياسات وطنية ودولية تمكن من الانتصار الشامل على الحركات الإرهابية، المحلية والعالمية. ويمثل التقرير الذي نشرته مؤسسة المعهد الأميركي للمشاريع، في أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، واحدة من أهم الدراسات التي تناولت فيها الباحثة كاثرين زيمرمان، المتخصصة في التهديدات الحرجة والإرهاب، موضوع مواجهة «الراديكالية المسلحة»، بوصفها مرحلة حتمية للقضاء على الإرهاب العالمي.

تنطلق الخبيرة زيمرمان من فكرة أساسية، ترى فيها أن «الولايات المتحدة الأميركية، التي تخوض حرباً ضروساً منذ 20 سنة ضد الإرهاب، قد أساءت فهم طبيعة العدو في هذه الحرب؛ ذلك أن سياسة واشنطن في هذا المجال تركز باستمرار على مجموعات، وأفراد محددين، بدا أنهم يهددون أكثر المصالح الأميركية».
فقد منحت أميركا الأولوية لتدمير «القاعدة» بأفغانستان وباكستان، وبالتالي قامت بجهود جبارة فيما يخص رصد وقتل كل من أسامة بن لادن، وزعيم «القاعدة» في العراق أبو مصعب الزرقاوي، وكذلك أنور العولقي زعيم التنظيم باليمن، وصولاً إلى جهودها غير المتوقفة حالياً التي تهدف لقتل مؤسس «داعش» أبو بكر البغدادي. كما أن سياسة واشنطن في مواجهة الإرهاب ركزت إلى حد كبير على استعادة الأراضي من هذه الجماعات، وحرمانها من الملاذ الآمن، بقصد القضاء على القيادة وغيرها من المتورطين في التخطيط للهجمات. وكانت نتيجة هذه الاستراتيجية سلسلة من الانتصارات العسكرية في ساحة المعركة، لم تولد أثراً حاسماً دائماً في الحد من التهديدات الإرهابية.

الاستراتيجية الجديدة
وبعد نحو 20 سنة من المواجهة العالمية مع الإرهاب، أصبح من اللازم إعادة تحديد العدو الحقيقي، ووضع سياسة واستراتيجية جديدة شاملة تعد الحركة «الراديكالية المسلحة» العدو الأساسي. ويعد تنظيم «القاعدة» و«داعش»، وغيرهما من الجماعات، جزءاً من الجماعات المتطرفة. وعليه، فإن السياسة الجديدة يجب أن تنطلق من منطلق مركزي، يضع الحركة والجماعات والمنظمات التي تلتزم بآيديولوجية المتشددين في صلب المواجهة الشاملة.
وتمكّن هذه الآيديولوجية المجموعات من إعادة البناء، وتوحيد جهود الأتباع في إطار هدف مشترك، حتى بعد معاناتها من الهزائم العسكرية الرهيبة. كما أن التصورات والأفكار القتالية المتطرفة، التي تأخذ طابعاً آيديولوجياً، تخلق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية الموسعة التي تتجاوز الهجمات الإرهابية، وتهديد الأمن القومي الأميركي.
وعليه، فإن كاثرين زيمرمان، المتخصصة في التهديدات الحرجة، ترى أن الاستراتيجية والسياسة الجديدة لمرحلة ما بعد الإرهاب يجب أن تركز على مهاجمة هذه الآيديولوجية وتشويه سمعتها لإضعافها. فإذا كان من المستحيل تدمير آيديولوجية المتطرفين تدميراً كلياً، ولا يمكن القضاء على جميع أو معظم أتباع هذه الأفكار المتطرفة، فإن الواقع والتاريخ يثبتان أن المسلمين رفضوا لقرون الفكر المتطرف، وهو ما يفسر ظهور تنظيماتها في أطراف المجتمع العربي والإسلامي المعاصر، وسعي هذه التنظيمات المستمر لتجميع نخبة تمثل الآيديولوجية الحربية وغطاءً ودعماً شعبياً بين المسلمين، مستغلة بذلك حالة عدم الاستقرار التي تعيشها الجغرافية العربية بعد 2011.
وفي هذا السياق، أعادت جماعات «الراديكالية المسلحة» تغيير اسمها، وهيكلة تنظيماتها، للاحتفاظ بالدعم المحلي، وإخفاء صلاتها بالجماعات التي تستهدفها أعمال مكافحة الإرهاب الأميركية. وبهذه السياسة، فصلت التنظيمات الإرهابية جهود «الجهاد» العالمية عن «القتال» المحلي، مما جعل هذه المجموعات المتطرفة أكثر قبولاً لدى بعض المجتمعات، مع ما وفرته هذه السياسة من حماية الطليعة المحلية من الجهود العالمية لمكافحة الإرهاب.
ويمكن الحديث في هذا الإطار عما أتاحته النزاعات المحلية في بعض الأماكن، مثل مالي والصومال وسوريا، حيث ظهرت طليعة المتشددين بوصفها قوة محلية لحماية المجتمعات المحلية، مما أدى بدوره لانتشار آيديولوجية الإرهاب في واقع متشابك دينياً وعرقياً، وغير مستقر اجتماعياً وسياسياً.
والأخطر مما سبقت الإشارة إليه أن السياسة التي اتبعتها «الراديكالية المسلحة» مكنت نخبها من اختراق الحكم والمؤسسات المحلية في بعض المجتمعات. ويمكن الاستدلال على ذلك بدور تنظيمات «الراديكالية المسلحة» في شمال غربي سوريا، وكذلك تلك المجموعات التي عززت علاقاتها مع المجتمعات المحلية، وتوسعت بشكل كبير في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا. وقد طورت «الراديكالية المسلحة» هذه العلاقات، من خلال تقديم السلع الأساسية أو خدمات الدفاع عن السكان. وتمكنت بفضل هذه العلاقات من خلق تأثيرها داخل المجتمعات المحلية، وبالتالي استطاعت التنظيمات الإرهابية تحقيق أهدافها الاستراتيجية، المتمثلة في فرض حكمها في بعض المناطق من العالم الإسلامي. وفي سياق هذه الاستراتيجية، قامت «القاعدة» بإصلاح شبكات الصرف الصحي، وتوصيل المياه والوقود للسكان في اليمن. كما أن محاكم هذا التنظيم الإرهابي، في الصومال ومالي، تقدم حلاً عادلاً للنزاعات المحلية، وتقوي نفسها من خلال تأمين الموارد. كل هذا يمكّن طليعة «الراديكالية المسلحة» من استخدام روابطها المحلية مع المجتمعات للبدء في إعادة تشكيلها وفق آيديولوجيتها المتطرفة، وتوسيع أتباعها مع مرور الوقت، مما يشكل تحدياً حقيقياً للحكومات والدول القائمة.
ويتضح إذن أن الحركات الأصولية المسلحة تستهدف من استراتيجيتها الناجحة خلق علاقات صلبة وطيدة مع المجتمعات المحلية. وجعل هذه الأخيرة عرضة للافتراس من الآيديولوجية الإرهابية التي تنشرها الطليعة المتحكمة في المؤسسات المحلية. وعليه، يجب على الولايات المتحدة مهاجمة الوسائل التي بنت بها الطليعة القتالية علاقاتها مع المجتمعات المحلية.
ومن شأن اتباع هذه السياسة الجديدة إضعاف التنظيمات الإرهابية، وإرجاعها مرة أخرى إلى هامش المجتمع العربي الإسلامي، خصوصاً إذا ما كانت الجهود الأميركية تهدف لحل النزاعات المحلية، وتقديم بديل سياسي قابل للتطبيق، بعيداً عن الصراعات الدينية والعرقية القائمة.

هزيمة المتطرفين
ولا يمكن لهذه الجهود أن تنجح إلا في ظل سياسة شاملة مندمجة لإدارة ترمب، تستحضر واقع المنافسة مع القوى العظمى. ذلك أن الاستراتيجية الأميركية الحالية تعتمد على جهودها الاستخباراتية، في مواجهة روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية، مما يدعم الاستراتيجية الحالية لمكافحة الإرهاب، ويطرح مسألة قابليتها للاستمرار مع تخفيض للموارد المالية.
وفي هذا الإطار، وفي ظل هذا الواقع الدولي، أمام الولايات المتحدة فرصة لمواجهة الجهود الروسية والإيرانية، التي سهلت توسيع نطاق «الحركة الراديكالية المسلحة»، وبالتالي إعادة صياغة استراتيجية جديدة تراعي تحولات آيديولوجية للمتطرفين، واستفادتهم من الموارد المختلفة. وكل هذا يعني أن على الولايات المتحدة تطوير وتنفيذ استراتيجية لهزيمة «الراديكالية المسلحة» التي تتجاوز مكافحة الإرهاب. ومن الناحية التفصيلية، يمكن للسياسة الأميركية الجديدة أن تتضمن خطة دقيقة تعمل بداية على عزل الجماعات «الراديكالية المسلحة» عن السكان المحليين. وسيتم تحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية من خلال إنجاز كثير من المهام الرئيسية، وهي: أولاً، قطع العلاقات بين المجتمعات وجماعات التطرف، من خلال دعم حل النزاعات المحلية ومعالجة المظالم، وتعزيز الحكم المحلي والوطني المقبول، وتزويد المجتمعات ببديل للسلع أو الخدمات؛ وثانياً، عرقلة جهود الطليعة لاختراق المجتمعات وبناء علاقات جديدة؛ وثالثاً، دعم أو تمكين أشكال مقبولة من الحكم؛ ورابعاً، تمكين وتطوير الهياكل الأمنية التي يمكن أن تعمل بدعم خارجي محدود، ولا تؤدي إلى مزيد من الصراع وتنفير السكان على المستويين المركزي والمحلي.
إن المعنى العام للسياسة الجديدة هو مهاجمة تأثير هذه الجماعات داخل المجتمعات السنية، من خلال استعادة قدرة المجتمعات على رفض جهود المتشددين لاختراقها. والهدف من ذلك هو ضمان عزل الطليعة المتطرفة، والقضاء على نفوذها في المجتمعات، والحد من تهديداتها الإرهابية.
وفي هذا السياق، يجب أن تكون السياسة الجديدة هي المعتمدة في برامج وزارة الخارجية، فيما يتعلق بترتيب الأولويات، وتكثيف الجهود، وتشكيل برامج المساعدات الخارجية والأمنية الأميركية. كما يجب أن يكون سفراء الولايات المتحدة، كرؤساء للبعثة الدبلوماسية، أصحاب مصلحة في نجاح هذه السياسة الجدية في مواجهة «الراديكالية المسلحة»، وأخيراً يجب التأكد من أن الشركاء الأميركيين يقبلون ويدعمون هذا النهج الجديد الشامل، وأن تدعم مؤسساتهم القطرية تنفيذه.
إن التغيير الرئيسي هو إعادة توجيه برامج المساعدات الخارجية والأمنية الأميركية إلى إطار استراتيجي، يهدف إلى الحد من تأثير «الحركة الراديكالية المسلحة». ورغم أن الولايات المتحدة تبنت سابقاً هذا النهج في نطاق محدود، فإن الخبرة والتجربة موجودة بالفعل داخل الوكالات المدنية والعسكرية الأميركية، فيما يخص كيفية تخطيط وتنفيذ البرامج التي من شأنها تعزيز هياكل الحكم والأمن المحلي، وتقليل مساحة عمل الجماعات المتطرفة. ومن دون شك، سيتطلب النجاح في هذا النهج أن تعمل الولايات المتحدة مع شركاء محليين وإقليميين وعالميين. ولا بد أن تضع إدارة ترمب الإطار العالمي الذي يعمل من خلاله شركاؤها، وضمان أن يتم إشراك الشركاء في الأماكن التي تطبق فيها هذه السياسة الجديدة. ويمكن التأكيد على أن هذا النوع من الاستراتيجيات التي يقودها المدنيون سوف يسفر عن نتائج طويلة الأمد. كما أنها تدعم وتمكن من رفع فعالية الشركاء للقيام بما يجب عليهم، مع تجاوز خطر تعذر تنفيذ بعض جوانب السياسة الجديدة من طرف بعض الشركاء. وعلى الولايات المتحدة أيضاً أن تتأكد من أن شركاءها يتعاونون، ولهم تعريف موحد للعدو. بشكل مركز، تحتاج الولايات المتحدة إلى إعادة صياغة سياسة جديدة للتعامل مع الجماعات «الراديكالية المسلحة» ودورها الإرهابي.

* أستاذ العلوم السياسية - جامعة سيدي محمد بن عبد الله (المغرب)



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.