«الداعشيات» بين القضاء على الإرهاب ومكافحة الإسلاموفوبيا

قلق من تسلل هؤلاء النساء وأسرهن إلى العواصم الأوروبية

داعشيات في مخيم الهول بالحسكة تحت حراسة مشددة (أ.ف.ب)
داعشيات في مخيم الهول بالحسكة تحت حراسة مشددة (أ.ف.ب)
TT

«الداعشيات» بين القضاء على الإرهاب ومكافحة الإسلاموفوبيا

داعشيات في مخيم الهول بالحسكة تحت حراسة مشددة (أ.ف.ب)
داعشيات في مخيم الهول بالحسكة تحت حراسة مشددة (أ.ف.ب)

مع توالي الأنباء عن هرب «داعشيات» من مخيمات عدة في سوريا جراء العمليات العسكرية التي شنتها تركيا على شمال سوريا أكتوبر (تشرين الأول) 2019 وانسحاب عناصر حراسة المخيمات للانضمام إلى ساحات القتال، تزايد القلق في الدول الغربية من تسلل هؤلاء النساء وأسرهن إليها.

وفي ظل تصاعد النبرات المعادية للإسلام والمسلمين في الغرب، أصبحت قضية «الداعشيات» ورقة أخرى تستغلها الأحزاب اليمينية المتطرفة للتضييق على المسلمين والمطالبة بإغلاق باب الهجرة أمامهم.
وقد أشارت التقارير إلى أن المئات من زوجات مقاتلي التنظيم المتطرف في مخيم عين عيسى الواقع في ريف الرقة الشمالي، تمكنّ من الفرار مع أطفالهن، وأنهن ينحدرن من جنسيات أجنبية عربية وغربية. وأوضح مسؤول في المخيم، أن بعضهن توجه نحو الحدود التركية، وغادر بعضهن إلى وجهة غير معلومة، بينما تم التمكن من إلقاء القبض على البعض الآخر.
من جهة أخرى، ونتيجة للهجوم التركي، علّقت غالبية المنظمات الإنسانية الدولية عملها في ثلاثة مخيمات تعيش فيها «داعشيات» مع أطفالهن إلى جانب نازحين سوريين وعراقيين. وهذه المخيمات بقي منها اثنان - بعد إجلاء الداعشيات اللواتي لم يتمكنّ من الهرب من مخيم عيسى إلى مخيمات أخرى - وهما مخيم الهول الواقع بريف الحسكة، ومخيم آخر يقع بريف المالكية على المثلث الحدودي السوري - العراقي - التركي. وبحسب مسؤولين، فإن هناك 10500 داعشية مع أطفالهن في مخيم الهول و1500 في المخيم الآخر.
وقد حذّر المجتمع الدولي أنقرة من أن هجومها العسكري على المقاتلين الأكراد شرق الفرات سيمهّد لعودة تنظيم «داعش» مرة أخرى مع وجود آلاف الجهاديات في هذه المخيمات، إلى جانب أزواجهن المعتقلين في سجون «الإدارة الذاتية» واستمرار القلق من وجود خلايا نائمة للتنظيم؛ مما قد يعرّض أمن المنطقة للخطر.
وباستثناء تسلم عدد قليل من الأيتام، ترفض معظم الدول الأوروبية عودة رعاياها إليها، ولجأ بعضهم إلى سحب الجنسية لمنعهم من العودة، إلا أن بعض الجهات ترى أنه من الأفضل استعادتهم، مثل وكالة الأمن ومكافحة الإرهاب في هولندا التي نبهت الحكومة إلى أن استعادة النساء المنتميات إلى «داعش» وأطفالهن يُعَد أفضل بالنسبة للأمن القومي للبلاد؛ نظراً لأن عدم استعادتهم في الوقت الراهن من شأنه أن يكون مشكلة بعد أن يكبروا.
وسبق للاستخبارات الأميركية أن حذرت من أن مخيم الهول قد بات يتطور ليصبح بؤرة جديدة لآيديولوجية تنظيم «داعش»، وأصبح يشكل تربة خصبة هائلة لتفريخ الإرهابيين في المستقبل. وهو التقييم نفسه الذي توصل إليه تقرير حديث للأمم المتحدة، حيث أكد أن الأشخاص الذين يعيشون في الهول «قد يشكلون تهديداً إذا لم يتم التعامل معهم على نحو مناسب».
وتفيد معلومات من داخل المخيم، بأن زوجات مقاتلي تنظيم «داعش» الأجانب قمن بتشكيل حسبة خاصة للنساء تقوم بمعاقبة «مرتكبات المنكرات» وطعن الحراس وحرق للخيام وتحريض فلول المقاتلين ضد عناصر قوات الأمن ومطالبتهم بشن الهجمات على المخيم لتحريرهن والعودة بهن إلى «أرض الخلافة» وهتافات ورفع لراية التنظيم، إضافة إلى ما يقوم به الأطفال من رشق لعناصر قوات الأمن وموظفي الإغاثة بالحجارة. وقد حولت مجموعة نساء من الدواعش المخيم إلى «إمارة» بدلاً من إبدائهن الندم على المجيء إلى «أرض الخلافة» المزعومة وإعلان براءتهن من العقيدة التكفيرية. وفي مثل هذه الظروف المعيشية الصعبة في المخيم من نقص في الغذاء ومياه الشرب والرعاية الصحية والتعليم وانقطاع التيار الكهربائي، وما يقابله من رفض تام لخروج النساء والأطفال من هذا السجن الكبير، إضافة إلى تشبعهم بالعنف والتطرف ونبذهم من قبل المجتمع، من المنطقي توقع نمو جيل جديد من الإرهابيين الحاقدين على كل شيء والراغبين في الانتقام.
وتهدد تركيا بترحيل عناصر التنظيم الأجانب المحتجزين في سجونها بتركيا وسوريا، البالغ عددهم نحو 1200 سجين في تركيا و278 آخرين تم اعتقالهم مؤخراً خلال عمليتها العسكرية في شمال سوريا، بينما تفضل الدول الأوروبية أن تتم محاكمتهم في الدول المحتجزين فيها.
إن التعامل مع «الداعشيات» الأوروبيات يحتاج إلى برامج غير تقليدية لتأهيلهن، وخاصة بعد السنوات التي أمضينها في ظل تنظيم «داعش» والمهام التي تقلدنها، فقد مارسن أدواراً تنظيمية وعسكرية وقمن بعمليات تجنيد للشباب، وشاركن في العمليات الإرهابية. وقد يرفض بعضهن التخلي عن معتقداتهن التكفيرية والمتطرفة وولائهن للتنظيم، وكذلك بالنسبة لأطفالهن، حيث لا يمكن التجاوز أو التغاضي عما رأينه وعاشوه وتأثروا به من تجارب قاسية وأفكار متطرفة، وهي عوامل بالتأكيد ستكون أساسية في تشكيل شخصيتهم ورؤيتهم للأمور. لذلك؛ تعتبر النساء التحدي الأهم والأكبر في مواجهة تنظيم «داعش» حتى بعد سقوط دولته، ويحذر البعض من أن غياب رؤية للمواجهة والتعامل معهن ربما يضع احتمالية عودة التنظيم من خلال المرأة. فالمرأة هي أيضاً المفتاح الرئيسي ضد الإرهاب؛ لأنها هي التي تُعلِّم المجتمع وتتولى مهمة تنشئة الأجيال القادمة، كما أنها تَعلم جيداً آلام الصراعات ومرارة الجوع والاضطراب.
وفي اجتماع وزاري تشاوري ضم خبراء من الدول الأعضاء في منظمة «التعاون الإسلامي» ومنظمات دولية أخرى، استضافته مصر في يونيو (حزيران) 2019، وكان الهدف منه بلورة ما يمكن أن تضطلع به منظمة تنمية المرأة التابعة لمنظمة «التعاون الإسلامي» من دور فور بدء نشاطاتها، ناقش المشاركون خطر «الإرهاب النسائي» وأهمية أن تؤدي المرأة دورها في مواجهة هذا الخطر. وأكد الخبراء الحاجة الملحة إلى اتباع نهج شامل متعدد الأبعاد لمعالجة قضايا الإرهاب، حيث ينبغي أن يكون للمرأة دور نشط ورئيسي تؤديه في إطار هذا النهج، فهي تمثل الوعاء الذي يحمل القيم الثقافية والاجتماعية والدينية للمجتمعات، وهي من موقعها الفريد يمكنها نقل هذه القيم إلى الأجيال القادمة. كما أن المرأة يمكن أن تكون سداً منيعاً وتشارك في جهود تشكيل وتنفيذ سياسات وبرامج للتخفيف من أثر الإرهاب والتطرف. ومن دون انخراط المرأة النشط، ستصبح المجتمعات غير مستقرة.
من جهة أخرى، لا يمكن استبعاد عدم قدرة المجتمعات الأوروبية على قبول واستيعاب عودة الداعشيات من جديد إليها، وخاصة في ظل التداعيات التي فرضتها العمليات الإرهابية التي قام بها التنظيم داخل الكثير من العواصم والمدن الأوروبية خلال السنوات الماضية، وكذلك تنامي مشاعر وملامح العداء والعنصرية ضد المسلمين، وهو ما تؤكده الدراسات والاستطلاعات، حيث يشير أحدها مؤخراً إلى أن أكثر من 40 في المائة من المسلمين في فرنسا كانوا ضحايا سلوك عنصري خلال السنوات الخمس الماضية، وأن حالات التمييز تمس النساء أكثر من الرجال، وخصوصاً إذا كنً يرتدين الحجاب أو النقاب، وهناك تشويه متعمد لمكانة المرأة في الإسلام. كما أن تصاعد نفوذ الحركات اليمينية المتطرفة زاد من حوادث العنصرية ضد المسلمين عبر نشر خطاب الكراهية في الإعلام والإنترنت وفي خطابات كبار السياسيين الأوروبيين الذين يستغلونها لتحقيق مآرب وأغراض سياسية. ويبدو أنه أسلوب نجح في منحهم مقاعد حزبية أكثر في البرلمان والمجلس الأوروبي في كل الدول الأوروبية تقريباً، وآخرها في نتائج الانتخابات في إسبانيا.
كما استغلت تيارات الأحزاب اليمينية المتطرفة خطابات تنظيم «داعش» وغيره من المنظمات الإرهابية الناشطة باسم الإسلام، وما قام به من أعمال إرهابية في الربط بين الإرهاب والإسلام وتهييج المشاعر ضد المسلمين واللاجئين والمهاجرين من الدول الإسلامية؛ مما يؤثر على أنماط التعامل المجتمعي مع المسلمين هناك، وبالتالي ستعاني أيضاً الداعشيات العائدات حتى من قبل أسرهن، على نحو ربما يدفع بعضهن إلى العودة من جديد لتبني الأفكار المتطرفة.
وفي الحقيقة، فإنه من الصعب التعاطف مع الداعشيات، ولا يمكن التعامل مع الداعشيات الأجنبيات على أنهن ضحايا أو بريئات حتى وإن ادعين أنهن خُدعن وتم استدراجهن. لكن لا يمكن تركهن مع أطفالهن في مخيمات ليس فيها أدنى مقومات العيش وغير قابلة للاستمرار وفي منطقة غير مستقرة، بل تنذر بمزيد من الاضطرابات في ظل وضع اقتصادي وأمني مختلّ.



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.