المتظاهرون يسيطرون على ساحتي «الخلاني» و«السنك» في بغداد

«جبل أحد» ثانٍ وسط العاصمة... ودعوات لإضراب عام اليوم

محتجون يتقدمون على (جسر السنك) في بغداد بعد انسحاب القوات الأمنية أمس (أ.ب)
محتجون يتقدمون على (جسر السنك) في بغداد بعد انسحاب القوات الأمنية أمس (أ.ب)
TT

المتظاهرون يسيطرون على ساحتي «الخلاني» و«السنك» في بغداد

محتجون يتقدمون على (جسر السنك) في بغداد بعد انسحاب القوات الأمنية أمس (أ.ب)
محتجون يتقدمون على (جسر السنك) في بغداد بعد انسحاب القوات الأمنية أمس (أ.ب)

انتهت أمس، ما يمكن تسميتها «معركة السيطرة على الجسور» التي تدور رحاها منذ نحو أسبوع بين القوات الأمنية العراقية والمتظاهرين في بغداد، لصالح المحتجين الذين سيطروا على جسري «السنك» و«الأحرار» المرتبطين بساحتي «الخلاني» و«السنك» في جانب الرصافة، وإبعاد القوات الأمنية إلى مدخل الجسرين من جهة الكرخ.
ولا يعرف على وجه التحديد الأسباب التي دفعت القوات الأمنية إلى التراجع، لكن مصادر أمنية تعزو ذلك إلى «حالة الإرهاق الشديد التي تعرض لها الجنود نتيجة إصرار المتظاهرين على استعادة السيطرة على الجسور، وعمليات الكر الفر المتواصلة منذ أيام بين الجانبين والتي أدت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى».
وتأتي التطورات التي شهدتها العاصمة بغداد أمس، بعد ليلة من الهجمات بالعبوات «الصوتية» على المتظاهرين في ساحة التحرير، وانفجار غامض أدى إلى مقتل مواطن وإصابة 16 آخرين بجروح بحسب بيان لخلية الإعلام الأمني، التي تقول إن «تحقيقات تجري لمعرفة ملابسات الحادث». لكنها لم تشر إلى احتراق إحدى السيارات التي أظهرتها صور المعتصمين بالقرب من ساحة التحرير نتيجة العبوات الصوتية، غير أن عددا كبيرا من الناشطين يشيرون بأصابع الاتهام إلى السلطات العراقية وقواها الأمنية بالوقوف وراء الحوادث، ويرون أن «السلطات تسعى لإرهاب المتظاهرين والمعتصمين في ساحة التحرير بهدف إرغامهم على مغادرة الساحة».
ويرى المتظاهر محمد المشايخي أن «المستفيد الوحيد من تفجير ساحة التحرير هم الجهات التي تصف المظاهرات باستمرار بأنها مؤامرة خارجية، فمن يعتقد أن المظاهرة مؤامرة فسيفعل كل شيء لإنهائها». كما يشير بعض المعتصمين والمتظاهرين إلى «قيام السلطات بزرع عملائها داخل ساحة التحرير من خلال وجودهم الدائم في خيم خاصة تدعم الاحتجاج ظاهرا، لكن هدفها نقل تفاصيل الاحتجاج أولا بأول إلى السلطات».
وبمجرد انسحاب القوات الأمنية أمس من ساحتي «الخلاني» و«السنك»، عمد المتظاهرون إلى السيطرة على بناية لركن السيارات مؤلفة من سبعة طوابق، والإعلان عن تحويله إلى «جبل أحد» ثان على غرار بناية «المطعم التركي» في ساحة التحرير التي سميت «جبل أحد» في إشارة إلى الجبل التاريخي الذي سيطر عليه المسلمون في المعركة الشهيرة. وصعد مئات المتظاهرين إلى طوابقه المختلفة وأعلنوا عزمهم على البقاء فيه إلى حين تحقيق جميع مطالبهم التي على رأسها إطاحة حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وإجراء انتخابات مبكرة بإشراف أممي وتشكيل مفوضية انتخابات جديدة مستقلة وغير تابعة للأحزاب السياسية.
وأظهرت صور تناقلها ناشطون ووكالات أنباء محلية ناشطين وهم يقومون بحملة لتنظيف ساحتي «الخلاني» و«السنك» والشوارع المرتبطة بهما ورفع الكتل والحواجز الإسمنيتة التي وضعتها القوات الأمنية هناك.
في غضون ذلك، واصلت جماعات الحراك دعواتها إلى القيام بإضراب عام اليوم. وانتشرت في مواقع التواصل المختلفة الدعوة للإضراب والأماكن التي سيوجد فيها المضربون والمتظاهرون في مناطق مختلفة من العراق. ولم تعرف طبيعة الاستجابة لإضراب اليوم، خاصة أن الدعوة جاءت مشابهة لتلك التي أطلقها زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الأسبوع الماضي، الأمر الذي قد يدفع بعض جماعات الحراك إلى عدم الاستجابة لها بسبب إصرارهم على عدم السماح لأي شخصية مشتركة في العملية السياسية بـ«ركوب موجة المظاهرات».
بدورها، أدانت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، أمس، التفجير الذي استهدف المتظاهرين السلميين في ساحة التحرير. وقالت المفوضية في بيان إن «الفعل بمثابة تهديد خطير لسلامة المتظاهرين وينعكس سلبا على سلمية المظاهرات والمطالبات الشعبية بالحقوق المشروعة». وأَضافت المفوضية: «لقد حذرنا منذ اليوم الأول لانطلاق المظاهرات عبر بياناتنا وتصريحاتنا ولقاءاتنا الرسمية مع القادة الأمنيين من وقوع هذه الحوادث، وطالبنا في مخاطبات رسمية بتوفير الحماية للمتظاهرين وساحات التظاهر، واقترحنا عددا من الحلول منها أن تكون هنالك نقاط تفتيش مشتركة بين القوات الأمنية والمتظاهرين». وطالبت المفوضية الأجهزة الأمنية بحماية المتظاهرين السلميين وتأمين مناطق وجودهم في ساحة التحرير والمناطق القريبة منها والحفاظ على حياتهم.
كذلك، أصدرت لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي، أمس، تنبيهاً إلى الحكومة بشأن عمليات الاغتيال وخطف الناشطين. وكررت اللجنة مخاوفها بشأن «خطف واغتيال الناشطين والمدونين والمنظمات المدنية»، ودعت «الأجهزة الأمنية إلى كشف ملابسات اغتيال الناشط عدنان رستم، وضرورة المحافظة على حياة المدنيين وفق القوانين الدولية». كذلك طالبت اللجنة منسقي المظاهرات بالحفاظ على المحال التجارية وممتلكات المواطنين في ساحات التظاهر. وكان مسلحون اغتالوا الناشط المدني عدنان رستم، أول من أمس، في منطقة الحرية بالعاصمة بغداد.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.