العاهل المغربي يوجه رسائل «حب الوطن» إلى من يهمه الأمر في الداخل والخارج

رفض بلا هوادة المزايدة السياسية والمتاجرة بصورة البلد والتنكر للمكتسبات

الخطاب الملكي هيمن على اجتماع قادة أحزاب الغالبية الحكومية في الرباط أمس (تصوير: مصطفى حبيس)
الخطاب الملكي هيمن على اجتماع قادة أحزاب الغالبية الحكومية في الرباط أمس (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

العاهل المغربي يوجه رسائل «حب الوطن» إلى من يهمه الأمر في الداخل والخارج

الخطاب الملكي هيمن على اجتماع قادة أحزاب الغالبية الحكومية في الرباط أمس (تصوير: مصطفى حبيس)
الخطاب الملكي هيمن على اجتماع قادة أحزاب الغالبية الحكومية في الرباط أمس (تصوير: مصطفى حبيس)

توقف المراقبون كثيرا أمام مقولة العاهل المغربي الملك محمد السادس، مساء أول من أمس، في خطاب ألقاه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية التاسعة، التي جاء فيها: «لمن لا يدرك معنى حب الوطن أقول: تابعوا ما يقع في الكثير من دول المنطقة، فإن في ذلك عبرة لمن يعد».
ولفهم الإشارات التي بعث بها الملك محمد السادس بخصوص حب الوطن يجب استحضار السياق الذي اندرجت فيه تلك الإشارات، وتحديدا قوله الصريح في حيز آخر من خطابه إنه يرفض العدمية، وذلك حينما قال: «إننا لسنا ضد حرية التعبير والنقد البناء، وإنما ضد العدمية والتنكر للوطن»، في إشارة واضحة إلى بعض الأصوات التي ترتفع بين الفينة والأخرى في المشهد الإعلامي والسياسي، التي ما زالت تصر على تبخيس الإنجازات والمكتسبات التي حققها المغرب منذ عقود، والتي ازداد حجمها منذ وصول الملك محمد السادس إلى الحكم قبل 15 عاما.
ويبدو أن العاهل المغربي أراد أن يسهم بدوره ومن موقعه بصفته ملكا في نقاش عمومي تعرفه الساحة المغربية، وهو نقاش يتميز بتزايد الاستنكار والتنديد بما تردده قلة من الفعاليات السياسية والإعلامية من أن الوضعية السياسية والحقوقية في المملكة آخذة في التراجع.
وفي السياق ذاته، يجب أيضا استحضار أن الملك في تنديده ببعض المقاربات العدمية في قراءة الوضع العام والسياسي في البلد، التي تتسم في نظر الملاحظين بكثير من التشدد والتطرف والغلو، إضافة إلى قوله إن البلد محسود على ما ينعم به، إنما أراد أن يعلن من خلال ذلك، وبشكل أوضح وأكثر من أي وقت مضى، رفضه القاطع والصارم لبعض الحملات التي تستهدف الإساءة إلى صورة بلاده من خلال نشر ادعاءات غير صحيحة، يقول المسؤولون المغاربة إنها تجري بتنسيق مع قوى خارجية.
وكان محمد حصاد، وزير الداخلية المغربي، قد هاجم في يوليو (تموز) الماضي بعض الجمعيات الحقوقية، واتهمها «بتقديم مزاعم كاذبة ومفبركة وواهية بحق المصالح الأمنية فيما يتعلق بقضايا التعذيب بغية خلق ونشر التشكيك في الإجراءات الأمنية». وعد وزير الداخلية أن ما تفعله هذه الجمعيات الحقوقية، التي تحاشى ذكرها بالاسم: «يدخل في حملة مدروسة للإساءة إلى مصالح معينة وخلق الفوضى وضرب وحدة المغرب»، مضيفا أن هذه الجمعيات تحظى «بدعم مالي سخي يفوق في بعض الأحيان 60 في المائة مما تملكه الأحزاب السياسية»، ورفضت تلك الجمعيات الحقوقية اتهامات حصاد، لكنها لم تنف تلقيها أموالا من الخارج.
وثمة نقطة أساسية يجب الوقوف عندها هي رفض الملك محمد السادس، بلا هوادة وبلغة واضحة، المزايدة السياسية والمتاجرة بصورة الوطن، والتنكر الفظ للمكتسبات الديمقراطية والإنجازات التنموية التي تسارعت وتيرتها في عهده، وحظيت بدعم دولي غير مسبوق، من دون أن ننسى إشارة الملك إلى أن المغرب محسود على نعمه، وهي إشارة فهمها البعض على أنها رسالة موجهة إلى الجارة الجزائر التي يعد المغاربة أن نموذجها في الحكم آل إلى إخفاق كبير يتمثل في الانحباس السياسي، وعدم تجديد نخب السلطة، بينما على المستوى الاقتصادي لم تستطع الجزائر أن تنتج نموذجا اقتصاديا تنافسيا في المنطقة، مقابل اعتمادها المطلق على مداخيل النفط والغاز، يضاف إلى كل ذلك هشاشة الوضع الأمني، وتزايد مخاطر عدم الاستقرار بحكم استمرار وجود حركات أصولية مسلحة والتوترات في منطقة القبائل، وتنامي الصراع على السلطة بين أركان النظام بفعل تدهور الوضع الصحي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، هذا في الوقت الذي يحقق فيه المغرب نموا اقتصاديا ملحوظا، وتزايدا في الاستثمارات الأجنبية فيه بحكم استقرار الوضع السياسي، والثقة في المؤسسات القائمة، في ظل توافق وطني كبير بشأن تدبير الحكم؛ حيث كان دستور 2011 قد حظي بتأييد كل القوي السياسية والهيئات المدنية الفاعلة في البلاد، إضافة إلى العلماء والمراكز والهيئات الدينية.
بيد أن تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية، أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن العاهل المغربي عندما قال إن «من لا يدرك حب الوطن عليه متابعة ما يجري في عدد من دول المنطقة»، فإنه لا يقصد دولا بعينها، وإنما يقصد مضاعفات الربيع العربي التي أدت بعدد من الدول العربية إلى أن تعيش أوضاعا مأساوية نتيجة تفتت الدولة وفقدان الدولة المركزية لسلطتها بشكل ملحوظ، مثل ما يحدث حاليا في ليبيا، وسوريا، ومصر التي تعيش مرحلة إعادة بناء الدولة بعد الإطاحة بمحمد مرسي.
لقد كانت إشارة الملك محمد السادس، في نظر مراقبين مغاربة آخرين، حاسمة حينما خاطب من لا يعترف بالمكتسبات التي تحققت، وبوضعية الأمن والأمان التي يعيشها المغرب، وقال لهم إن «عليهم أن يلتفتوا إلى بلدان الجوار، ويأخذوا العبرة مما يجري من مآس في عدة بلدان عربية»، وهو ما يعني في نظر المراقبين أن الملك عبر وبشكل قوي عن اعتزازه وثقته في سلامة وتماسك البنيان الوطني للمملكة المغربية، وأن النموذج المغربي في الإصلاحات قد حقق أهدافه في تجنيب البلاد مخاطر السقوط في الفتن والحروب الأهلية التي اندلعت في بلدان عربية أخرى، في سياق ما عرف بـ«الربيع العربي».
كما يفهم من إشارة الملك أن الذي يريد أن يعرف حقيقة ما جرى ويجري في المغرب من تعزيز للإصلاحات، وتثبيت للسلم الاجتماعي، وتوسيع لمجال التوافقات الوطنية حول القضايا الكبرى والصغرى، عليه أن ينظر إلى الصورة المعاكسة في دول أخرى حلت فيها لغة السلاح محل لغة الحوار والحكمة، ذلك أنه عوض الاحتكام إلى مصلحة الوطن جرى الاحتكام والاصطفاف وراء المصالح الفئوية والمذهبية والعرقية، مع ما تخلل ذلك وواكبه من تأثير القوى الأجنبية العظمى والإقليمية في المنطقة.
ويرى الحسيني أنه «عندما تجري مقارنة الأوضاع في تلك الدول العربية بما يحدث في المغرب، الذي استطاع أن يمر بسلام من مخاض الربيع العربي بفضل الدستور الذي اقترحه الملك وصادق عليه الشعب المغربي عام 2011. نلاحظ أن المغرب يعيش حاليا مرحلة البناء التي يحسد عليها من قبل البعض»، مشيرا إلى أن الملك محمد السادس يعد أن بلاده مقبلة على منعطف جديد وهي الانتخابات المقبلة، وسط تساؤلات حول ما إذ كانت الحكومة الحالية ستكمل ولايتها، التي يقودها حزب محسوب على التيار الإسلامي؛ هو العدالة والتنمية، لا سيما في ظل تراجع مد الحركات الإسلامية في مختلف بلدان العالم العربي، خاصة في مصر وتونس.
وفي سياق ذلك، قال عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، إن العاهل المغربي وضع أمام السياسيين إطارا واضحا يتلخص في نقطتين، هما: الاعتزاز بالوطن، وشروط استحقاق هذا الاعتزاز، وأضاف: «نحن جميعا نعتز بمغربيتنا ونقدر المكانة التي وصلت إليها بلادنا والثناء الذي تحظى به في الخارج»، مشيرا في اجتماع عقده، أمس، قادة أحزاب الغالبية مع فرقها في البرلمان، إلا أن الملك محمد السادس نبه أيضا إلى شروط استحقاق الاعتزاز بالوطن، الذي لن يتجسد في رأيه، إلا من خلال «اجتهاد كل واحد منا ليكون أهلا للانتماء إلى هذا الوطن».
من جهته، قال صلاح الدين مزوار، وزير الخارجية ورئيس التجمع الوطني للأحرار، إن الخطاب الملكي نبه إلى دقة المرحلة السياسية التي تعيشها البلاد، والتي يتعين فيها «استيعاب كيفية التعامل مع المستجدات والتحولات والتيار الجارف الذي تعرفه المنطقة؛ حيث تنهار دول وتتفكك مجتمعات، بينما دول أخرى تواجه المجهول في ظل تنامي الطائفية والمذهبية والانحرافات داخل المجتمع».
وقال محمد العمراني بوخبزة، الباحث السياسي لـ«الشرق الأوسط»، إن «الملك محمد السادس عندما ربط حب الوطن بما يجري في دول المنطقة، أراد أن يذكر المغاربة بنعمة الاستقرار التي تنعم بها البلاد والاستثناء الذي شكله بعد الربيع العربي»، وأضاف أن «العاهل المغربي أراد أن يقول: إن ما حصل في بلدان الربيع العربي لا يشكل ثورة بالمفهوم الإيجابي للكلمة، بقدر ما كان مجرد حملة عرفتها المنطقة سواء بمبررات داخلية أو تدخلات خارجية، لأنه لو كان حب الوطن هو الذي حرك الأوضاع في تلك البلدان لما كانت النتيجة بالشكل الذي وصلت إليه حاليا».
بدوره، أوضح النائب الروداني الشرقاوي، عن حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، لـ«الشرق الأوسط» أن خطاب العاهل المغربي أمام البرلمان تطرق إلى نقطة أساسية تتمثل في معنى الوطن والمواطنة، لأن «الوطن من دون مواطنة حقيقية ليس سوى انتهازية ووصولية»، بحسب رأيه، وأوضح الروداني أن العاهل المغربي «أراد أن يؤكد لجميع المسؤولين المغاربة أن رأسمال المغرب هو أمنه واستقراره، وأنه يجب على الأحزاب السياسية والنقابات والمجتمع المدني أن يعيشوا في توافق، وأن تكون المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار».



رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.