شرطة هونغ كونغ تحذر من عواقب «لا يمكن تصورها»

عنف «غير مسبوق» في الحرم الجامعي

محتجون من الحركة الديمقراطية في هونغ كونغ خلف أحد المتاريس داخل الحرم الجامعي (إ.ب.أ)
محتجون من الحركة الديمقراطية في هونغ كونغ خلف أحد المتاريس داخل الحرم الجامعي (إ.ب.أ)
TT

شرطة هونغ كونغ تحذر من عواقب «لا يمكن تصورها»

محتجون من الحركة الديمقراطية في هونغ كونغ خلف أحد المتاريس داخل الحرم الجامعي (إ.ب.أ)
محتجون من الحركة الديمقراطية في هونغ كونغ خلف أحد المتاريس داخل الحرم الجامعي (إ.ب.أ)

حذر مدير الأمن في هونغ كونغ، جون لي من عواقب «لا يمكن تصورها» ربما تأتي إذا استمر العنف، فيما تجمعت حشود في المركز المالي للمدينة، بعد ظهر أمس الأربعاء، لليوم الثالث على التوالي من الاحتجاجات وتم إلغاء الفصول الدراسية بالمدارس الحكومية.
وتم إجلاء عشرات الطلاب من الجامعة بعد ليلة من عنف «غير مسبوق» بين محتجين مناهضين للحكومة والشرطة. واقتحمت شرطة مكافحة الشغب قلب الحي المالي في هونغ كونغ الثلاثاء، وأطلقت الغاز المسيل للدموع ونفذت عمليات اعتقال، بينما حاول أفرادها إخلاء الشوارع بعد خروج آلاف المحتجين المناهضين للحكومة. ووقف موظفو المكاتب، الذين كانوا يرتدون ملابس العمل الخاصة بهم، إلى جانب المتظاهرين الذين كانوا يرتدون ملابس سوداء، وهم يحملون المظلات ويستخدمون نظارات واقية أثناء مواجهتهم مع شرطة مكافحة الشغب، التي أزالت المتاريس التي وضعها متظاهرون في الخطوط الأمامية. وأطلقت الشرطة وابلاً من الغاز المسيل للدموع والرصاصات المطاطية، فيما أقام محتجون المتاريس وألقوا قنابل حارقة، في مسعى لمنع السلطات من دخول الحرم الجامعي. وقال مكتب التعليم في هونغ كونغ أمس الأربعاء إنه سيتم تعليق الدراسة في جميع مدارس المدينة اليوم الخميس لأسباب تتعلق بالمواصلات والسلامة. أعلن المكتب ذلك في بيان، وحث المحتجين على وقف جميع أعمال العنف. واستعدت هونغ كونغ لمزيد من الاشتباكات أمس الأربعاء بينما أصابت الاحتجاجات المناهضة للحكومة أجزاء من المدينة بالشلل لليوم الثالث. وأغلقت بعض وسائل المواصلات والمدارس وكثير من الشركات بعد تصاعد العنف.
وقالت الشرطة أمس الأربعاء إنه تم استخدام أكثر من 1567 من قنابل الغاز المسيل للدموع و1312 من الرصاصات المطاطية و126 من قنابل الإسفنج لقمع المظاهرات وإنه تم اعتقال أكثر من 142 شخصاً. وذكرت الشرطة أن الحرم الجامعي تحول إلى «مصنع أسلحة»، مشيرة إلى أنه تم إلقاء أكثر من 400 من القنابل الحارقة على السلطات، خلال احتجاجات الثلاثاء. وقالت الرئيسة التنفيذية لهونغ كونغ، كاري لام، في وقت سابق من الأسبوع الجاري إن المحتجين لن يحققوا أهدافهم عبر العنف. وذكرت وكالة «بلومبرغ» أن الفوضى تأتي مع تصاعد العنف بعد أن شهدت هونغ كونغ الأسبوع الماضي أول حالة وفاة ترتبط بالاحتجاجات. وفي الوقت نفسه، تعطلت شبكة النقل، حيث قام المتظاهرون ببناء حواجز مرورية وتخريب الحافلات. وقد تم إجبار الركاب على إخلاء القطارات بالقرب من «جامعة سيتي»، والسير لمدة تصل إلى 30 دقيقة، إلى أقرب وسيلة نقل بديلة، بحسب صحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست».
وكان المحتجون قد رابطوا في الجامعة، الليلة الماضية وبدأوا في بناء المزيد من المتاريس وإعادة تخزين إمدادات الأسلحة. ونقلت وكالة «بلومبرغ» للأنباء أمس عن ماثيو تشيونغ، كبير الأمناء والرجل الثاني في هونغ كونغ أن الحكومة ما زالت واثقة في قدرتها على احتواء الفوضى، بينما كان يطلع هو وجون لي الصحافيين على الأوضاع عقب عرقلة حركة المرور في الصباح من قبل المتظاهرين. وعاد المتظاهرون إلى الجامعة الصينية، ومن المتوقع تنظيم المزيد من المسيرات في العاصمة المالية.
وتشهد هونغ كونغ احتجاجات منذ يونيو (حزيران) بسبب مشروع قانون لتسليم المطلوبين إلى البر الرئيسي للصين تم سحبه في وقت لاحق. ورغم تعليق مشروع القانون، وسع المتظاهرون نطاق مطالبهم لتشمل إجراء تحقيق مستقل بشأن «عنف الشرطة» وأيضاً تمكينهم من ترشيح وانتخاب قادتهم، وهي مطالب ترفضها بكين.
وفي سياق متصل، دعت رئيسة تايوان تساي إنج ون المجتمع الدولي أمس الأربعاء إلى اتخاذ إجراء للوقوف إلى جانب هونج كونج، بعد يوم واحد من اقتحام شرطة مكافحة الشغب لعدد من الجامعات هناك. وكتبت تساي على «فيسبوك»: «أريد دعوة حكومة هونغ كونغ للتراجع في الوقت المناسب وعدم الرد على المواطنين بالعنف». وجاءت تصريحات تساي بعد يوم واحد من دخول شرطة هونغ كونغ إلى حرم عدد من الجامعات، واستخدامها للغاز المسيل للدموع لمواجهة الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية، والتي شارك فيها الطلاب بشكل أساسي. وذكرت تساي أن أي حكومة تفقد في النهاية ثقة المواطنين عندما لا يحصلون على حماية من الشرطة. وقالت: «يتعين على المجتمع الدولي ومن يدعمون قيم الديمقراطية والحرية اتخاذ إجراء وتولية الاهتمام للوضع في هونغ كونغ الذي يخرج عن السيطرة».
وصرح نائب الأمين العام للحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم في تايوان، لين فاي فان، بأن هونغ كونغ هي الآن «مدينة للشرطة بالفعل». وأدان شرطة هونغ كونغ لتحويلها حرم الجامعات إلى ساحات قتال وإجراء اعتقالات غير لائقة. وقال لين في مؤتمر صحافي في تايبيه: «قضية هونغ كونغ هي قضية دولية».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟