أيام في لوزان... حيث تتراكم التجارب والذكريات اللذيذة

من الطبيعة الساكنة إلى المتاحف الغنية والحياة الصاخبة

أحد سواحل المدينة
أحد سواحل المدينة
TT

أيام في لوزان... حيث تتراكم التجارب والذكريات اللذيذة

أحد سواحل المدينة
أحد سواحل المدينة

عندما تُغدق عليك الطبيعة بحليف هو أقرب ما يكون إلى الجنة، مثل بحيرة «لومان» الساكنة عند أقدام الجبال الخضر الساحرة، تخف وطأة الحياة اليومية، ويندفع في العروق نشاطٌ يجعلك تُقبِل بفرح وشغف على ما يستعصي عليك أو يضنيك في أماكن أخرى... تلك هي الحال مع مدينة لوزان المتراكمة فوق التضاريس والتشكيلات الجيولوجية التي تجعل من طرقاتها صعوداً وتسلّقاً كيفما اتجهت. ولذا، فإن أهلها، للدلالة على المواقع فيها، يفصلون بين المدينة دون محطة القطار وتلك التي فوقها، وكلتاهما متّصلتان بواسطة مترو يربط بين أطرافها بدقة الساعات السويسرية.
منذ عرفتها ولوزان مدينة تتأنى في العناية بمبانيها العريقة وساحاتها، وتجددها باستمرار، لكنها أيضاً تفتح مساحاتها أمام الإبداع المعماري الحديث، حتى صارت تضمّ مجموعة من المباني لأبرز المهندسين العالميين، تستقطب فضول الزائرين واهتمام السيّاح بقدر ما تجذبهم مبانيها القديمة. وآخر المشاريع الهندسية التي ينتظر إنجازها في عام 2021 هو حي الفنون الجديد، الذي يشمل متحف الفنون الجميلة، ومتحف الإليزيه، ومتحف «موداك» للتصميم الصناعي.
هذه المتاحف سوف تضاف إلى ستة أخرى موجودة، ويبرز من بينها المتحف الأولمبي الذي يرتفع مبناه الجميل على ضفاف البحيرة، شاهداً على الصلة الوثيقة التي تربط هذه المدينة بالرياضة، إذ يوجد فيها مقرّ اللجنة الأولمبية الدولية منذ تأسيسها. زيارة المتحف الأولمبي متعة لا تضاهى للكبار والصغار، يستعرضون فيه تاريخ الحركة الأولمبية، وأهمّ مراحلها، وأبرز أبطالها، إلى جانب قاعة مخصصة لتطور الملابس والمعدات الرياضية، وأخرى للملاعب والتطورات التي شهدتها المنشـآت الرياضية على مرّ السنين.
نترك المتحف الأولمبي، ونتجه صعوداً في متنزه «فيسّيل»، لنصل إلى أحد أجمل الأحياء السكنية في المدينة، الذي سكنت فيه -وما زالت- عائلات أرستقراطية من شتّى أنحاء العالم، لجأت إلى لوزان بعد أن دار عليها الدهر السياسي في بلدانها. وفي هذا الحي، يقع فندق «سافوي» الشهير، إحدى جواهر «الفن الجديد» الذي بُني في عام 1907، وتمّ ترميمه مؤخراً ليستعيد كامل رونقه وعظمته، كواحد من أجمل القصور الفنادق في العالم.
وأنسب المواقع للإطلال على المدينة في شكلها الأساسي من العصور الوسطى، والوقوف على الأسباب التي اقتضت هذا العدد الكبير من الجسور للتنقّل فيها، هي محطة «فلون» للمترو التي يرتفع بمحاذاتها مبنى «متروبول» الذي كان أول ناطحة سحاب على طراز «ديكو» من عام 1932. وعلى مقربة من المحطة، يقوم مبنى البريد، ومقرّ المصرف المركزي، وكلاهما من المباني التي يزورها طلاب كليات الهندسة المعمارية في سويسرا، ويحملان توقيع المهندس الشهير البارون هوسمان، الذي كلّفه نابليون الثالث بالإشراف على تجديد العاصمة الفرنسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
وعلى بعد عشرات الأمتار، نجد ساحة «سان فرنسوا» الجميلة التي تطلّ عليها كنيسة من القرن الثالث عشر، وبجانبها متجر «Besson» ذائع الصيت، لبيع التبغ والسيجار ومستلزمات التدخين، الذي يعد من أجمل هذا النوع من المتاجر في العالم. ويذكر أن كاتب الروايات البوليسية المشهورة، البلجيكي جورج سيمينون، صاحب الشخصية الأسطورية المفتّش «ميغريه»، لم يكن يشتري تبغه إلا من هذا المتجر حتى وفاته في لوزان عام 1989. ولمن ليس مهتماً بالتبغ ولوازمه، فإن زيارة لهذا المتجر لها ما يبرّرها لأناقته، وما يزخر به من تاريخ، ولأن بمحاذاته يقع متجر «مانويل» للحلويات الذي يقدم منذ عام 1945 أفخر أنواع الشوكولا السويسرية.
أصحاب المزاج المتعكر ندعوهم للترفيه عن أنفسهم بزيارة ميدان «بالود» وسوق الخضراوات والفواكه الذي يقوم وسطه، ويمتدّ في نهاية الأسبوع إلى الشوارع الصغيرة المحيطة به، ويضجّ بالحركة والألوان وأصوات الباعة الذين يتبارون منشدين للمناداة على منتوجاتهم.
الكاتدرائية الكبرى، التي تعود إلى مطالع القرن الثالث عشر علـى الطراز القوطي، تستحق زيارة هادئة لما تحويه من روائع وتحف فنيّة. ومن الطرائف أن لوزان ما زالت تحتفظ بعادة انقرضت منذ العصور الوسطى، وهي أن الكاتدرائية ما زال لها حارسها الذي يسهر الليل في برجها، لينذر السكان في حال وقوع سرقات أو حرائق، وينادي معلناً الساعة من العاشرة ليلاً حتى الثانية فجراً.
واقتراحنا لأفضل المطاعم التي تلخّص نمط الحياة في هذه العاصمة الأولمبية هو «Brasserie de Montbenon» الذي لا تكتمل زيارة لوزان من دونه. وهو مطعم على الطريقة الفرنسية التقليدية، لكن مع الخدمة السويسرية التي لا تضاهى. وقد كان يتردد عليه عبقري الرقص الحديث، الفرنسي موريس بيجار، الذي قرر في عام 1987 أن تكون لوزان مقراً لفرقته العالمية التي حملت إلى كل الأرجاء اسم المدينة. وعرفاناً منها له، أطلقت اسمه على إحدى محطات المترو، وأقامت له نصباً تذكارياً قرب المنزل الذي أمضى فيه آخر سنوات عمره.
وجامعة لوزان العريقة هي أيضاً من المحطات اللازمة في زيارة المدينة، خصوصاً بعد افتتاح مكتبتها الشهيرة التي فاز تصميمها بعشرات الجوائز العالمية منذ تدشينها في عام 2010، حيث تتعانق في رحابتها سكينة البحيرة وأحدث الوسائل التكنولوجية، بلا أبواب ولا قواطع، تحت أمواج متلاصقة من الأسمنت.
ونهاية جولتنا في لوزان نتركها لزيارة حي «فلون»، الذي تمتزج فيه المطاعم بالمقاهي مع معهد الموسيقى، والمسارح وصالات العرض الفنّية بمتاجر التحف القديمة بالمرابع الليلية، تذكـّرنا بأن الحياة هي، كما قال بيجار عن الرقص: «قلّة من الشرح، وحفنة من الظرف، وقدر لا حدود له من المشاعر».



«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)
من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)
TT

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)
من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد»، إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست»، يحتوي متحف بريطاني يعرض حيثيات أشهر الجرائم الأكثر إثارة للرعب على بعض من أكثر القطع الأثرية إزعاجاً والتي تعيد عقارب الساعة إلى الوراء وتشعرك بأحلك اللحظات في التاريخ.

ويعتبر «متحف الجريمة» (المتحف الأسود سابقاً) عبارة عن مجموعة من التذكارات المناطة بالجرائم المحفوظة في (نيو سكوتلاند يارد)، المقر الرئيسي لشرطة العاصمة في لندن، بإنجلترا.

مقتنيات استحوذ عليها المتحف من المزادات والتبرعات (متحف الجريمة)

وكان المتحف معروفاً باسم «المتحف الأسود» حتى أوائل القرن الحادي والعشرين، وقد ظهر المتحف إلى حيز الوجود في سكوتلاند يارد في عام 1874. نتيجة لحفظ ممتلكات السجناء التي تم جمعها بعد إقرار قانون المصادرة لعام 1870 وكان المقصود منه مساعدة عناصر الشرطة في دراستهم للجريمة والمجرمين. كما كان المتحف في البداية غير رسمي، لكنه أصبح متحفاً رسمياً خاصاً بحلول عام 1875. لم يكن مفتوحاً أمام الزوار والعموم، واقتصر استخدامه كأداة تعليمية لمجندي الشرطة، ولم يكن متاحاً الوصول إليه إلا من قبل المشاركين في المسائل القانونية وأفراد العائلة المالكة وغيرهم من كبار الشخصيات، حسب موقع المتحف.

جانب من القاعة التي تعرض فيها أدوات القتل الحقيقية (متحف الجريمة)

ويعرض المتحف الآن أكثر من 500 قطعة معروضة، كل منها في درجة حرارة ثابتة تبلغ 17 درجة مئوية. وتشمل هذه المجموعات التاريخية والمصنوعات اليدوية الحديثة، بما في ذلك مجموعة كبيرة من الأسلحة (بعضها علني، وبعضها مخفي، وجميعها استخدمت في جرائم القتل أو الاعتداءات الخطيرة في لندن)، وبنادق على شكل مظلات والعديد من السيوف والعصي.

مبنى سكوتلاند يارد في لندن (متحف الجريمة)

يحتوي المتحف أيضاً على مجموعة مختارة من المشانق بما في ذلك تلك المستخدمة لتنفيذ آخر عملية إعدام على الإطلاق في المملكة المتحدة، وأقنعة الموت المصنوعة للمجرمين الذين تم إعدامهم في سجن «نيوغيت» وتم الحصول عليها في عام 1902 عند إغلاق السجن.

وهناك أيضاً معروضات من الحالات الشهيرة التي تتضمن متعلقات تشارلي بيس ورسائل يُزعم أن جاك السفاح كتبها، رغم أن رسالة من الجحيم سيئة السمعة ليست جزءاً من المجموعة. وفي الداخل، يمكن للزوار رؤية الحمام الذي استخدمه القاتل المأجور جون تشايلدز لتمزيق أوصال ضحاياه، وجمجمة القاتل والمغتصب «لويس ليفيفر»، والحبل الذي استخدم لشنق المجرمين. وقال جويل غريغز مدير المتحف لـ«الشرق الأوسط» إن المتحف هو بمثابة واقع وجزء من التاريخ، مضيفاً: «لا أعتقد أنه يمكنك التغاضي عن الأمر والتظاهر بأن مثل هذه الأشياء لا تحدث. هناك أشخاص سيئون للغاية».

وقال جويل إنه لا يريد الاستخفاف بالرعب، وقال إنهم حاولوا تقديم المعروضات بطريقة لطيفة، وأضاف: «عندما أنظر إلى مجلات الجريمة في المحلات التجارية، فإنها تبدو مثل مجلات المسلسلات ومجلات المشاهير، لذلك يُنظر إليها على أنها نوع من الترفيه بطريقة مماثلة».

وتُعرض البراميل الحمضية الأسيدية المستخدمة من قبل جون جورج هاي، والمعروف باسم قاتل الحمامات الحمضية، في كهف خافت الإضاءة. وهو قاتل إنجليزي أدين بقتل 6 أشخاص، رغم أنه ادعى أنه قتل 9. وفي مكان آخر، يمكن للزوار مشاهدة رسائل حب كان قد أرسلها القاتل الأميركي ريتشارد راميريز إلى مؤلفة بريطانية تدعى ريكي توماس، وكان يعرف راميريز باسم «المطارد الليلي»، لسكان كاليفورنيا بين عامي 1984 و1985 وأدين بـ13 جريمة قتل وسلسلة من اقتحام المنازل والتشويه والاغتصاب. وكشفت ريكي، التي كتبت عدداً من الكتب الأكثر مبيعاً عن القتلة المحترفين، أنها اتصلت بالقاتل في مرحلة صعبة من حياتها وشعرت بجاذبية جسدية قوية ناحيته. ووصفت رسالتها الأولى إلى راميريز بأنها «لحظة جنون». وقالت في حديثها إلى صحيفة «سوسكس بريس» المحلية: «كان رجلاً جيد المظهر، لكنني لم أشعر قط بأنني واحدة من معجباته». وقررت المؤلفة التبرع بالرسائل للمتحف عام 2017 لإعطاء فكرة عن عقلية الوحش.

من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

وفي الوقت نفسه، يعرض متحف الجريمة أيضاً السراويل البيضاء التي كانت ترتديها القاتلة روز ويست، والتي تم شراؤها بمبلغ 2500 جنيه إسترليني في المزاد. وحصل على تلك السراويل ضابط سجن سابق كان يعمل في برونزفيلد، حيث سجنت ويست لمدة 4 سنوات حتى عام 2008. وقامت روزماري ويست وزوجها فريد بتعذيب وقتل ما لا يقل عن 10 فتيات بريطانيات بين عامي 1967 و1987 في غلوسترشير. واتهم فريد بارتكاب 12 جريمة قتل، لكنه انتحر في السجن عام 1995 عن عمر 53 عاماً قبل محاكمته. وقد أدينت روز بارتكاب 10 جرائم قتل في نوفمبر (تشرين الثاني) 1995 وهي تقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة.

يعرض المتحف الآن أكثر من 500 قطعة (متحف الجريمة)

تم التبرع بمعظم القطع الأثرية للمتحف، وقام أيضاً جويل بشراء الكثير منها في مزادات علنية.

في مكان آخر في المتحف المخيف يمكن للزوار رؤية السرير الحقيقي للموت بالحقنة القاتلة والقراءة عن الضحايا والمشتبه بهم الذين لهم صلة بجاك السفاح بين عامي 1878 إلى 1898.

الأسلحة التي استخدمت في الجريمة (متحف الجريمة)

وفي الوقت نفسه، يضم المتحف قفازات الملاكمة التي تحمل توقيع رونالد وريجينالد كراي، والمعروفين أيضاً باسم «التوأم كراي». كان روني وريجي المخيفان يديران الجريمة المنظمة في منطقة إيست إند في لندن خلال الخمسينات والستينات قبل أن يسجن كل منهما على حدة في عام 1969 ثم انتقل كلاهما إلى سجن باركهرست شديد الحراسة في أوائل السبعينات. وتوفي روني في نهاية المطاف في برودمور عام 1995، عن عمر 62 عاماً. في أغسطس (آب) 2000. تم تشخيص ريجي بسرطان المثانة غير القابل للجراحة، وتوفي عن 66 عاماً بعد وقت قصير من الإفراج عنه من السجن لأسباب إنسانية.