إرجاء جلسة البرلمان اللبناني على وقع الاحتجاجات

تحوّلت جلسة البرلمان اللبناني، التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي، إلى مادة خلافية بين القوى السياسية، ووقود للدعوة إلى إضراب عام من قبل المتظاهرين الذين رفضوا انعقادها، والتشريع في ظل حكومة مستقيلة، فيما يفترض أن ينصب الاهتمام على تشكيل حكومة جديدة، وأن تكون الجلسة الأولى للبرلمان مخصصة لمناقشة البيان الوزاري، ومنح الحكومة الثقة، قبل البحث في أي أمر آخر.
وعلى وقع هذه الاحتجاجات، أعلن بري، ظهر أمس، عن إرجاء الجلسة التي كانت مقررة اليوم إلى الثلاثاء المقبل، بجدول الأعمال نفسه. وقال في مؤتمر صحافي بعد اجتماع «كتلة التنمية والتحرير»، وهي من المرات القليلة التي يتحدث فيها بري بعد اجتماع الكتلة، إن «الحملة التي قامت تهدف إلى إبقاء الفراغ السياسي القائم حالياً، وهي ليست من مصلحة مخططي الفراغ»، وتساءل: «إذا أقر قانون ضد الفساد، وغيره من القوانين المهمة، فما معنى رفض أغلب جدول أعمال الجلسة؟». وأعلن أن الكتلة قررت الطلب من جميع أعضائها، رئيساً ووزراء سابقين وحاليين ونواباً، رفع السرية المصرفية عن حساباتهم، ورفع الحصانة إزاء أي محاسبة تتعلق بالمال العام، داعياً إلى «استعجال تأليف حكومة جامعة لا تستثني الحراك الحقيقي». ويتضمن جدول أعمال الجلسة التشريعية، التي أرجئت إلى الثلاثاء المقبل، اقتراحات قوانين، أبرزها العفو العام، وإنشاء محكمة خاصة للجرائم المالية، وإنشاء محكمة لمحاربة الفساد، ورفع الحصانة عن الموظفين، وحق الوصول إلى المعلومات، وتعديل قانون الضمان الاجتماعي، وإنشاء نظام الحماية الاجتماعية.
وتباينت المواقف حيال دستورية التشريع في ظل الفراغ الحكومي، وفي ذروة الانتفاضة الشعبية المصرة على تغيير الطبقة السياسية برمتها. وأكد مصدر في كتلة «التحرير والتنمية»، التي يرأسها برّي، لـ«الشرق الأوسط» أن «البرلمان سيّد نفسه، ويحقّ له التشريع حيثما تدعو الحاجة، خصوصاً أنه في دورة انعقاد عادية»، لافتاً إلى أنه «لا أحد يلغي دور الحكومة، ما دام أن جدول أعمال الجلسة سيبحث اقتراحات قوانين مقدمة من النواب، وليس مشاريع قوانين محالة من الحكومة»، وعد أن «الحملة تستهدف بالدرجة الأولى قانون العفو العام الذي بات مطلباً إنسانياً لكل اللبنانيين، وهذا الاقتراح هو طبق الأصل عن مشروع قانون العفو الذي أنجزته اللجنة الوزارية برئاسة رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري».
وترسم قوى سياسية وكتل نيابية علامات استفهام حول توقيت الجلسة، وأبرزها «القوات اللبنانية» و«تيار المستقبل» و«الكتائب اللبنانية»، وحتى نواب من قوى «8 آذار». واستغرب عضو كتلة «الكتائب» النائب إلياس حنكش، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إصرار البعض على «المضي بجلسات التشريع، بموازاة استمرار الثورة الشعبية». ورأى أن «المشاريع المدرجة على جدول أعمال الجلسة لا تلاقي مطالب الناس، وهي تنصبّ على قانون العفو العام بالدرجة الأولى لرشوة الناس»، لافتاً إلى أن «مشروع العفو يحتاج إلى درس معمق». وقال حنكش: «صحيح أن هناك أبرياء يجب النظر بوضعهم، لكن ذلك من مسؤولية القضاء الذي يجب أن يسرع المحاكمات، لا أن نعفي عن كل السجناء والموقوفين والمرتكبين بشكل عشوائي».
وعد الخبير القانوني والدستوري المحامي الدكتور سعيد مالك أن «الدستور لم يحرّم إمكانية انعقاد جلسة تشريعية، ولو في ظلّ حكومة مستقيلة، لأن ذلك لا يتعارض مع صلاحية أي من السلطات الأخرى»، وشدد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «المادة 69 من الدستور تنصّ على أنه بمجرّد استقالة الحكومة، يصبح البرلمان في حالة انعقاد دائمة حتى تأليف حكومة جديدة، ونيلها ثقة المجلس، ولو أراد المشرع عكس ذلك، لكان أورد ذلك في المادة 77 من الدستور التي منعت اقتراح أي تعديل دستوري في الدورة الاستثنائية».
وتتقاطع هذه القراءة مع اجتهادات لبعض مراجع القانون في لبنان، وحتى هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل. ومن هذا المنطلق، لا يجد المحامي مالك أي قيود على العمل التشريعي، مذكراً بأن «المجلس صاحب صلاحية كاملة للتشريع، وهذا ما تحدث عنه قرار المجلس الدستوري في 6 يونيو (حزيران) 2005، عندما شدد على مبدأ استمرارية السلطات الدستورية منعاً لأي فراغ، وتحدث عن احتفاظ البرلمان بصلاحياته، وعدم أسر السلطة التشريعية رهن الحكومة المستقيلة».
لكن الخبير الدستوري لفت إلى أن «جدول أعمال الجلسة غير ضروري، ولا يتضمن اقتراحات قوانين ملحة، وبالتالي لا داعي للاستعجال في عقد هذه الجلسة»، معتبراً أن «غياب الحكومة عن جلسات التشريع يفقدها دورها، لجهة استرداد مشاريع القوانين، وحقها بطلب إرجاء البحث بأي من القوانين إلى جلسة لاحقة، ومن هنا يجب إبقاء التشريع في نطاقه الضيق».