لم يسبق للتسوية الرئاسية التي أدت إلى انتخاب ميشال عون رئيساً للبنان في 2016 أن شهدت قطوعاً كالذي تشهده اليوم بعد الانتفاضة الشعبية التي أدت لاستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري. فقرار الأخير التجاوب مع المطلب الرئيسي للمتظاهرين في الشارع، قافزاً فوق إرادة «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» ورئيس الجمهورية، ترك تداعيات كبيرة على هذه التسوية التي كانت تظلل كل الحركة السياسية في السنوات الماضية، لحد إعلان رئيس حزب «القوات اللبنانية»، سمير جعجع، أن «هذه التسوية سقطت حكماً بعد نزول اللبنانيين إلى الشارع في المناطق كافة».
ويتريث الفريقان الرئيسيان اللذان حرصا على التمسك بهذا الاتفاق خلال السنوات الـثلاث الماضية، أي «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، قبل ملاقاة جعجع بإعلان السقوط المدوي، إذ يربطان مصير التسوية بما ستؤول إليه مفاوضات تسمية رئيس الحكومة الجديدة، كما عملية تشكيل هذه الحكومة.
وفيما يعد عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب أسعد درغام أن «إعادة إحياء اصطفاف (تكتلي) 8 آذار و14 آذار، كما مصير التسوية، يتحددان على أثر المسار الذي سيسلكه تشكيل الحكومة»، يرى عضو كتلة «المستقبل» محمد الحجار أن «التسوية الرئاسية قامت أصلاً على هدف أساسي، هو تأمين مصلحة البلد. وبعدما كانت هذه المصلحة تتحقق بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً، رأينا أنها كانت مرتبطة مؤخراً باستقالة الرئيس الحريري، وهذا ما حصل».
وقال الحجار لـ«الشرق الأوسط» إن «تيار المستقبل مستمر بالتسوية، وبالتحديد بالحفاظ على العلاقة التي تجمع الرئيسين عون والحريري، ما دام الفريق الآخر متمسكاً بها، من منطلق أنها تخدم الهدف الأساسي القائم على تأمين المصلحة اللبنانية العليا»، وأضاف: «أما أن يؤدي ذلك إلى إحياء اصطفافي 8 آذار و14 آذار كمعسكرين متواجهين، فأمر مستبعد، خصوصاً بعد التطورات والعناصر الجديدة التي دخلت على الخط أخيراً من خلال الحراك الشعبي».
ويشير درغام إلى أنه «إذا أعيد تكليف الرئيس الحريري بعد الاتفاق على كل ملامح ومراحل المرحلة المقبلة، فعندها يمكن الحديث عن إحياء التسوية وإعطاء دفع لها، ما يترك الاصطفافات السياسية على حالها. أما في حال الذهاب إلى حكومة لا يكون الحريري على رأسها، فإن ذلك لا شك سيؤدي إلى إحياء الاصطفافات التي اعتقدنا أن الزمن قد مر عليها».
وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض ما شهده الشارع أخيراً لجهة التصويب على رئيس الجمهورية والوطني الحر ورئيسه إنما يندرج بإطار المخطط القديم - الجديد الذي يسعى لإفشال العهد»، لافتاً إلى أن «خصوم الرئيس يتكتلون عند كل مناسبة لتوحيد جهودهم في هذا المجال، إلا أن ما حصل في الأسابيع القليلة الماضية يثبت أن نجاح العهد هو نجاح لكل الطبقة الحاكمة، وفشله فشل سيصيب الجميع من دون استثناء».
وفي حين ترى مصادر قيادية في «القوات اللبنانية» أن المرحلة الحالية ليست مرحلة إعادة إحياء الانقسام السياسي التقليدي بين 8 آذار و14 آذار، باعتبار أننا أمام مرحلة خلافية اجتماعياً ومعيشياً، فإنها تلفت إلى أن «التقاطعات والتموضعات السياسية الموجودة، وضمناً التقاطع والالتقاء بين القوات والمستقبل والتقدمي الاشتراكي، مشهد طبيعي، ولكنه ثانوي أمام المشهد الأساسي المتمثل بالانقسام حول المسألة المعيشية».
تريث بتحديد مصير التسوية الرئاسية في لبنان
تريث بتحديد مصير التسوية الرئاسية في لبنان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة