أبحاث جريئة لقراءة الأفكار البشرية

لتطوير علاج للشلل والتحكم في الروبوتات

أبحاث جريئة لقراءة الأفكار البشرية
TT

أبحاث جريئة لقراءة الأفكار البشرية

أبحاث جريئة لقراءة الأفكار البشرية

يعمل باحثو «وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة (داربا)» على مشروع بحثي جديد يهدف إلى تطوير «واجهات دماغ - كومبيوتر» قادرة على السيطرة على «أسراب طائرات الدرون بالاعتماد على سرعة الأفكار»... ولكن ماذا إن نجحوا؟
تحفيز الدماغ
في أغسطس (آب) الماضي، اجتمع 3 من خرّيجي جامعة «كارنيغي ميلون» في مختبر صغير دون نوافذ تحت الأرض، واستخدموا إطاراً (أو تشكيلة) غريباً لطابعة ثلاثية الأبعاد، في صعق جزء من دماغ فأر بالكهرباء.
بدا هذا الجزء المقتطع من منطقة الحصين في دماغ الفأر، أشبه بشريحة صغيرة من فصّ ثوم مستقرّة على منصّة قرب الإطار الغريب. بعدها، وُضعت الشريحة في أنبوب ضيّق يحتوي على محلول من الملح والغلوكوز والأحماض الأمينية. وحافظ هذا المحلول على بقاء الشريحة على قيد الحياة، فاستمرّت الأعصاب الموجودة بها في العمل بنشاط، مما سمح للباحثين بجمع البيانات. في الوقت نفسه، تولّى قطبٌ كهربائي موجود أسفل الشريحة توصيل الشحنات الكهربائية، بينما قاس مجسّ معدني يشبه الحقنة استجابة الأعصاب. تضمّنت التجربة أيضاً مصابيح «ليد» أضاءت على الطبق. وبحسب تعبير العاملين في المختبر، كان الإعداد للتجربة أشبه بالتسلّل.
إلى جانب الإطار، استخدم الباحثون جهاز مراقبة لعرض عمليات التحفيز والاستجابة: صدمات كهربائية من الأقطاب الكهربائية، تبعتها بعد بضعة أجزاء من الثانية، قفزة في نشاط الأعصاب، ثم لاحقاً، وضع الباحثون مادّة تملك الخصائص الكهربائية والبصرية نفسها للجمجمة البشرية بين الشريحة الدماغية والأقطاب الكهربائية ليروا ما إذا كانت الأقطاب قادرة على تحفيز الشريحة مروراً بالجمجمة المزيّفة.
واجهة دماغية - كومبيوترية
نفّذ الباحثون هذه التجربة لأنّهم يبحثون عن وسيلة تتيح لهم رصد الإشارات والتلاعب بها في الدماغ البشري دون الاضطرار إلى شقّ الجمجمة للوصول إلى أنسجة الدماغ الحسّاسة. أمّا الهدف الأساسي منها فهو تطوير «واجهات دماغ - كومبيوتر» دقيقة يمكن وضعها ونزعها كخوذة أو عصبة للرأس دون الحاجة إلى جراحة.
وعادة لا يزيد سُمك الجمجمة البشرية عن سنتيمتر واحد، ويختلف السمك الدقيق بين شخص وآخر وبين مكان وآخر. تعمل الجمجمة كفلتر حاجب ينشر الأشكال الموجية سواء كانت تيّارات كهربائية، أو ضوء، أو صوت. ويبلغ قطر الأعصاب الدماغية بضعة آلاف الملّيمترات، ومهمّتها توليد نبضات كهربائية ضعيفة لا تتجاوز قوّتها واحداً من العشرين (أي 5 في المائة) من الفولت.
صُممت تجربة الطلّاب لجمع سلسلة أساسيّة من البيانات تمكّنهم من مقارنة نتائج تقنية جديدة يأمل بولكيت غروفر، المحقّق الرئيسي في الدراسة، تطويرها.
يقول غروفر في حديث لمجلة «تكنولوجي ريفيو» إنّ «هذا الأمر ليس ممكناً حالياً، وإنّه صعب التنفيذ».
يذكر أنّ المحقّق الرئيسي يقود اليوم واحداً من 6 فرق تشارك في «برنامج الجيل المقبل من التقنية العصبية غير الجراحية «Next - generation Nonsurgical Neurotechnology Program»، أو ما يُعرف اختصارا ب«ـN3»، الذي يرتكز على جهود بقيمة 104 ملايين دولار أطلقتها «داربا» هذا العام. وفي الوقت الذي يعمل فيه غروفر وفريقه على التلاعب بالإشارات الكهربائية وفوق الصوتية، تستخدم فرق أخرى التقنيات البصرية أو المغناطيسية. وفي حال نجحت إحدى هذه المنطلقات فستكون لها نتائج تحوّلية.
قراءة الأفكار
الجراحات باهظة، فضلاً عن أنّ استخدامها لصناعة محارب خارق سيواجه تحدّيات أخلاقية. لهذا السبب، يعتقد العلماء أنّ الجهاز القارئ للأفكار والذي لا يتطلّب أي إجراء جراحي، سيفتح الأبواب على عالم جديد من الاحتمالات. تستخدم «واجهات الدماغ - الكومبيوتر» منذ مدّة لمساعدة المصابين بالشلل الرباعي على استعادة سيطرة محدودة على أجسامهم، وللسماح للمحاربين القدامى الذين خسروا أطرافهم في الحروب بالتحكّم في أطراف صناعية.
ويعدّ برنامج «N3» المحاولة الجديّة الأولى للبحرية الأميركية لتطوير واجهة دماغ - كومبيوتر لهدف متصل بالحروب. يقول آل إيموندي، مدير «N3» إنّ «العمل مع طائرات الدرون وأسرابها، وتشغيلها بواسطة الأفكار بدل الأدوات الميكانيكية، وأشياء أخرى مشابهة، هو الوظائف الحقيقية لهذا النوع من الواجهات».
استخدم جاك جي. فيدال، عالم الكومبيوتر من جامعة كاليفورنيا، في لوس أنجليس، مصطلح «واجهة دماغ - كومبيوتر» في أوائل السبعينات، وكان الذكاء الصناعي واحداً من المجالات التي تطوّرت في هذا الإطار. ويعدّ تخطيط أمواج الدماغ، الذي يسجّل النشاط الكهربائي في الدماغ بواسطة أقطاب كهربائية موضوعة على الجمجمة، الواجهة الأولى بين الأدمغة والكومبيوترات. وفي أواخر التسعينات، استخدم باحثون من جامعة «كيس وسترن ريزرف» هذه التقنية لتفسير الموجات الدماغية لشخص يعاني من الشلل الرباعي، فأتاحت له تحريك سهمٍ على شاشة الكومبيوتر عبر سلك يمتدّ من الأقطاب الكهربائية المثبّتة في فروة رأسه.
منذ ذلك الوقت، شهدت التقنيات التدخلية وغير التدخلية تقدّماً ملحوظاً، وكذلك فعلت الأجهزة التي تحفّز الدماغ عبر الإشارات الكهربائية لعلاج حالات كالصرع. ولكنّ الآلية الأكثر قوّة حتى اليوم تحمل اسم «نسق يوتاه (Utah array)»، وتأتي على شكل سرير صغير من الأشواك (يعادل حجم الواحد منها نصف حجم ظفر الخنصر)، وهي قادرة على اختراق بقع محدّدة من الدماغ.
علاج الشلل
خلال عطلة كان يمضيها في آوتر بانكس بكارولينا الشمالية، اصطدم رأس إيان بوخارت بجسم رملي صلب أثناء الغوص في المحيط. سببت له الضربة كسراً في العمود الفقري وأفقدته وظيفة العصب العنقي السادس من الأسفل. ظلّ إيان قادراً على تحريك ذراعيه عند الكتفين والكوعين، ولكنّه خسر حركة يديه ورجليه. لم يساعده العلاج الطبيعي كثيراً، فطلب من طبيبه في مركز «ويكسنر» الطبي التابع لجامعة أوهايو ستيت، القيام بأي إجراء إضافي يساهم في تحسّن حالته. في ذلك الوقت، كان مركز «ويكسنر» يأمل في تطبيق تجربة لاختبار فعالية «نسق يوتاه» في استعادة حركة أطراف شخص مشلول، بالتعاون مع شركة «باتيل» البحثية التي لا تهوى الربح.
يظهر تخطيط الأمواج الدماغية النشاط الإجمالي لعدد كبير جداً من الأعصاب، بينما يستطيع «نسق يوتاه» تسجيل نبضات عدد صغير منها أو حتّى واحدة منها فقط. في عام 2014، زرع الأطباء قطعة من «نسق يوتاه» في رأس بوخارت، فقاس الحقل الكهربائي 30 ألف مرّة في الثانية في 96 مكاناً داخل القشرة الحركية. لأكثر من سنة، زار بوخارت المختبر أيّام عدّة في الأسبوع، ودرّب باحثو «باتيل» خوارزميات معالجة الإشارات خاصتهم لالتقاط رغبات المريض من أفكاره المتعلّقة بكيفية تحريك يده إن تمكّن من ذلك.
عمل سلك سميك متصل بالنسق في جمجمة بوخارت على إرسال النبضات المقاسة إلى جهاز كومبيوتر. حلّل الكومبيوتر رموز هذه النبضات ثمّ نقل الإشارات إلى كمّ من الأقطاب الكهربائية التي غطّت ذراعه اليمنى بالكامل. حرّك الكمّ عضلات المريض لتأدية الحركات التي أراد القيام لها، كالإمساك، والرفع، وإفراغ زجاجة، أو سحب بطاقته المصرفية من محفظته.
بفضل هذه التجربة، أصبح بوخارت أول شخص يستعيد السيطرة على عضلاته عبر «التفاف عصبي» من هذا النوع. واليوم، تعمل شركة «باتيل»؛ إحدى الفرق المشاركة في مشروع «N3»، مع بوخارت لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم الحصول على النتائج نفسها دون تدخّل جراحي في الجمجمة.
ولكنّ هذا الأمر لا يعني تطوير أجهزة جديدة فحسب، بل العمل أيضاً على تحسين تقنيات معالجة الإرسال للاستفادة من الإرسالات الضعيفة وغير الواضحة التي يمكن التقاطها من خارج الجمجمة. وهذا هو السبب الذي دفع إلى تسليم رئاسة فريق «كارنيغي ميلون» في «N3» إلى غروفر، المهندس الكهربائي، وليس إلى عالم أعصاب.
من جهته، صرّح غروفر بأنّه «متحمّس جداً للأمر، وأكثر من أي أحد آخر في المختبر».
بعد فترة قصيرة من وصول غروفر إلى «كارنيغي ميلون»، دعاه زميل له من كليّة الطبّ في جامعة بيتسبرغ لحضور لقاءات عيادية خاصّة بمرضى الصرع. عندها، بدأ يقتنع بأنّ تخطيط الأمواج الدماغية يمكن أن يزوّده بكمّ معلومات أكبر بكثير مما كان يتوقّع الآخرون، وأنّه على عكس الفكرة السائدة، يمكن للتلاعب الذكي بالإشارات الخارجية أن تكون له تأثيرات عميقة في الدماغ. بعد سنوات قليلة، نشر فريق يقوده إدوارد بويدن من «مركز الهندسة العصبية الحيوية» التابع لمعهد ماساتشوستس، ورقة بحثية مهمة ذهبت أبعد بكثير من حدس غروفر.
تحفيز الاعصاب
طبّقت مجموعة بويدن إشارتين كهربائيتين مختلفتين وعاليتي التردّد خارج الجمجمة. لم تؤثّر هذه الأخيرة على الأعصاب القريبة من سطح الدماغ بل على الأخرى الموجودة في عمقه. في ظاهرة تُعرف بالتدخّل البنّاء، عمل الباحثون على جمع إشارة منخفضة التردّد حفّزت الأعصاب على زيادة نشاطها.
يعمل غروفر وفريقه اليوم على توسيع نتائج مجموعة بويدن من خلال استخدام مئات الأقطاب الكهربائية المتصلة بسطح الجمجمة، لاستهداف المناطق الصغيرة داخل الدماغ بدقّة ولـ«إشعال» الإشارة حتّى تتمكّن من الانتقال من منطقة إلى أخرى في الدماغ بينما تبقى الأقطاب في مكانها. وأشار غروفر إلى أنّ هذه الفكرة لم تُنفّذ من قبل علماء الأعصاب من قبل.
في الوقت الحالي، يعمل فريق آخر من مشروع «N3»، من مختبر الفيزياء التطبيقية التابع لجامعة جونز هوبكنز، على استخدام منطلقات مختلفة كلياً عمادها «الأشعة دون الحمراء القريبة».
من المعروف أنّ الأنسجة تتضخّم وتتقلّص عندما يشتعل نشاط الإشارات الكهربائية في الأعصاب. هذه الإشارات هي ما يسجّله العلماء من خلال تخطيط الأمواج الدماغية، و«نسق يوتاه»، وغيرهما من التقنيات.
من جهته، يرى ديف بلودجيت من مختبر الفيزياء التطبيقية أنّ التضخّم والتقلّص الذي يصيب الأنسجة إشارة جيّدة على النشاط العصبي، وعبّر عن رغبته في تطوير نظام بصري قادر على قياس هذه التغييرات.
لم تعمل التقنيات القديمة على التقاط هذه الحركات الصغيرة، ولكنّ بلودجيت وفريقه أثبتوا أنّهم قادرون على رؤية النشاط العصبي في دماغ الفأر عندما يهزّ شاربه. يستخدم بلودجيت تقنية بصرية لتسجيل الأعصاب التي يشتعل نشاطها بعد 10 ملّي/ ثانية على هزّ القارض شاربه. (هناك ألف ملّي/ ثانية في الثانية، وألف ميكرو/ ثانية في ملّي/ الثانية).
في نسيج عصبي مكشوف، سجّل فريق بلودجيت النشاط العصبي في 10 ملّي/ ثانية، بالسرعة نفسها التي يعمل بها «نسق يوتاه» وغيره من الوسائل الكهربائية.
أمّا التحدّي المقبل فسيكون النجاح في القيام بكلّ هذه المهام عبر الجمجمة.



التنشيط الزائد للجهاز المناعي الفطري قد يسبب السرطان

رسم تصويري للإنترفيرون الذي يفرزه نظام المناعة لمحاربة الفيروسات الدخيلة
رسم تصويري للإنترفيرون الذي يفرزه نظام المناعة لمحاربة الفيروسات الدخيلة
TT

التنشيط الزائد للجهاز المناعي الفطري قد يسبب السرطان

رسم تصويري للإنترفيرون الذي يفرزه نظام المناعة لمحاربة الفيروسات الدخيلة
رسم تصويري للإنترفيرون الذي يفرزه نظام المناعة لمحاربة الفيروسات الدخيلة

تؤكد دراسة أميركية جديدة على الدور المزدوج الذي يلعبه الجهاز المناعي الفطري (الطبيعي)، ليس فقط بوصفه حارساً ضد مسببات الأمراض، ولكن أيضاً، من جهة أخرى، بوصفه مساهماً محتملاً في الإصابة بالسرطان عندما يُنشَّط باستمرار بسبب عدم الاستقرار الجيني.

وتلعب الإشارات المناعية عادة دوراً رئيسياً في الحفاظ على استقرار الجينوم خلال تضاعف «الحمض النووي (دي إن إيه - DNA)».

وجاءت نتائج الدراسة لتضيف رؤى حيوية لفهمنا البيولوجيا البشرية الأساسية، كما أنها قد تلقي أيضاً ضوءاً جديداً على بدايات نشوء الورم الخبيث، وتقدم فرصاً محتملة لعلاجات جديدة.

لقد طورت الكائنات الحية مسارات معقدة لاستشعار الحمض النووي التالف وإرسال الإشارات إليه وإصلاحه. وهناك جوانب جديدة حول دور الجهاز المناعي الفطري في الاستجابة للتعامل مع هذا الضرر، سواء في سياق الإصابة بالسرطان، وفي تعزيز صحة الإنسان بشكل عام.

تنشيط الجهاز المناعي... والسرطان

تكشف الدراسة الجديدة، التي قادها المؤلف الأول الدكتور هيكسياو وانغ، من «برنامج البيولوجيا الجزيئية» في «مركز ميموريال سلون كيترينغ للسرطان» الأميركي في نيويورك، ونُشرت في مجلة «Genes & Development» يوم 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، عن وجود صلة بين الإشارات المناعية الفطرية وتطور الورم في أنسجة الثدي.

وتشير البيانات البحثية إلى أنه عندما ينشأ عدم الاستقرار في الجينوم، فإن التنشيط المزمن للجهاز المناعي الفطري يمكن أن يزيد بشكل كبير من احتمالات الإصابة بالسرطان.

وركزت الدراسة على مركب بروتيني معقد يسمى «مركب بروتين إصلاح كسور الحمض النووي (دي إن إيه) مزدوج السلسلة (Double-strand break repair protein Mre11)»، وهو إنزيم يرمَّز في البشر بواسطة الجين «MRE11» الذي يلعب دوراً محورياً في الحفاظ على استقرار الجينوم من خلال استشعار وإصلاح «كسور الحمض النووي مزدوج السلسلة».

طفرة بروتينية وتطور الورم

ولدراسة كيف يمكن أن تؤدي المشكلات المتعلقة بهذا البروتين إلى الإصابة بالسرطان، تلاعب الفريق بنسخ من البروتين في «عضويات الأنسجة الثديية (وهي أعضاء نموذجية مصغرة مزروعة في المختبر)»، وقد زُرعت في فئران المختبر.

* تطور الورم: عندما نُشّطت الجينات السرطانية، طورت الفئران التي تحتوي عضويات تحمل «مركب بروتين إصلاح» متحولة مختبرياً، أوراماً بمعدل أعلى بكثير (نحو 40 في المائه) مقارنة بنحو 5 في المائة فقط لدى الفئران الطبيعية. ويؤكد هذا الاختلاف الصارخ على دور «مركب بروتين الإصلاح» في الحفاظ على الاستقرار الجينومي وقمع تكوّن الورم.

* عدوانية الورم: كانت الأورام التي نشأت لدى الفئران التي تحتوي عضويات تحمل «مركب بروتين إصلاح» متحولة، أكثر عدوانية بشكل ملحوظ من تلك الموجودة لدى نظيراتها الطبيعية. وهذا يشير إلى أن فقدان، أو طفرة، «مركب بروتين الإصلاح» لا يزيدان فقط من احتمالية بدء السرطان، ولكنهما قد يساهمان أيضاً في ظهور نمط سرطاني أكثر توغلاً أو سريع التقدم.

كما توفر هذه النتائج رابطاً واضحاً بين أوجه القصور في «مركب بروتين الإصلاح» وعدم الاستقرار الجيني وارتفاع خطر الإصابة بالسرطان؛ مما يسلط الضوء على الدور الحاسم الذي يلعبه المركب في الحماية من تطور الورم. وقد يساعد فهم هذه العلاقة في إعداد استراتيجيات علاجية محتملة لاستهداف ضغوط التكاثر السرطاني ومسارات تنشيط المناعة في تلك السرطانات المرتبطة بخلل في عمل «مركب بروتين الإصلاح».

نقص البروتين يهدد الجينوم

يعتمد هذا البحث الجديد على دراسة سابقة قادها الدكتور كريستوفر واردلو من «برنامج علم الأحياء الجزيئي» في «مركز ميموريال سلون كيترينغ للسرطان» التي نشرت في مجلة «Nature Communications» يوم 10 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

وركزت تلك الدراسة على دور «مركب بروتين الإصلاح» في الحفاظ على سلامة الجينوم. ووجدت أنه عندما يكون المركب غير نشط أو ناقصاً فإنه يؤدي إلى تراكم الحمض النووي في سيتوبلازم الخلايا، وتنشيط الإشارات المناعية الفطرية. وكشف هذا الجانب من البحث عن ارتباط مهم بين طفرات «المركب» وتنشيط الاستجابة المناعية.

وأدى «المركب المتحور» إلى زيادة تنشيط الجينات المحفزة بالإنترفيرون (ISGs) وهو ما يشير إلى أنه عندما يكون المركب غير فعال فإن الجهاز المناعي الفطري يُنشَّط بشكل غير طبيعي، حتى في غياب محفز فيروسي أو مسبب للأمراض خارجي نموذجي.

والإنترفيرونات جزيئات إشارات تطلقها الخلايا عادة استجابة للعدوى الفيروسية والتحديات المناعية والضغوط الخلوية، ويشير تنشيطها في سياق طفرات «مركب بروتين الإصلاح» إلى أن الخلية تدرك عدم الاستقرار الجيني بوصفه شكلاً من أشكال الإجهاد يتطلب استجابة مناعية.

إمكانات العلاج

وقد سلطت هاتان الدراستان (وغيرهما) معاً ضوءاً جديداً على كيفية عمل «مركب بروتين الإصلاح» لحماية الجينوم عند تكاثر الخلايا، وكيف أنه يمكن عندما لا يعمل بشكل صحيح أن يحفز الجهاز المناعي الفطري بطرق يمكن أن تعزز السرطان.

وقد يؤدي فهم هذه الآليات إلى استراتيجيات تخفف من «تنشيط المناعة المزمن»، مما قد يمنع تطور الأورام، أو يقدم طرقاً علاجية جديدة، كما يفتح طريقاً واعدة للعلاجات التي قد تمنع سوء التنظيم الجيني، أو تخفف من الاستجابات المناعية الضارة.