الطائفيون لا يجيدون القراءة

الطائفيون لا يجيدون القراءة
TT

الطائفيون لا يجيدون القراءة

الطائفيون لا يجيدون القراءة

«نعي»
«انتقلت إلى رحمة الله تعالى الطائفية عن عمر 16 سنة من 9 - 4 - 2003 إلى 1 - 10 - 2019، وسيقام العزاء في ساحة التحرير.
إنا لله وإنا إليه راجعون».

هذا «النعي» المرفوع على جدار في ساحة التحرير في بغداد - التي يمكن القول عنها إنها صارت تمثل وطناً مستعاداً، ولو على المستوى الرمزي، تبدو أمامه المنطقة الخضراء مجرد ذكرى بغيضة من ماض بعيد - يعكس، بكلمات قليلة، وعياً نادراً، ولكنه يطرح في الوقت نفسه أسئلة لا تنتهي. هل تولد الطائفية، أو تبرز على السطح بأنيابها الحادة، في ظرف معين، وتموت، أو تتوارى في ظرف آخر مختلف، وإن تحت السطح بانتظار موسم اللقاح؟ هل يجسد هذا النعي حقيقة لم نبصرها من قبل، ولم نحسن قراءتها في تاريخنا؟ ونعني أن هذه الظاهرة المقيتة لم تتجسد فعلاً على مستوى الشارع العربي، على عكس ما تحاول أن تصوره الأحزاب الطائفية؟ ثم، هل يختلف الوعي الشعبي عما سجله ويسجله فقهاء الطائفية، الذين قسموا تاريخنا الإسلامي إلى قسمين، يتشعبان في كل مرحلة، ويلدان أقساماً أخرى تظل تتناسل إلى يوم القيامة، مذاهب ومللاً؟
يعلمنا التاريخ أنه في كل منعطف ثوري، حين ينهض الناس، موحدين بفعل القمع والقهر والجوع، تنهار كل الأسوار الصينية بينهم، تلك التي بناها الفقهاء والمنظرون الزائفون، وأودعوها كتبهم التي شكلت سردية كبرى، ولكنها سردية وهمية، بمعنى أن لا أساس مادياً يسندها، فهي سرعان ما تنهار حين يتقدم الحس العفوي، الفطري، الصافي من أي آيديولوجية عمياء، دينية كانت أم علمانية.
في هذه اللحظات الكبرى، كما نشاهد الآن في ساحات لبنان والعراق، وكما شاهدنا سابقاً في ساحات سوريا، يتجلى الإنسان فقط، بلا أي عنوان، باسمه المجرد، رامياً بكل محمولاته الطائفية والمذهبية التي لم تكبله فقط، وإنما صغّرته أيضاً، وجردته من أسمى ما يملك: إنسانيته.
بهذا التجلي يرتفع الإنسان على طبقته، وعرقه، ومذهبه، وانحداره الاجتماعي، وضيعاً كان أم عظيماً. إنها نشوة كبرى أن يشعر المرء أنه حر أخيراً، ولو لحين، ولو على المستوى الرمزي، وأنه تجاوز طائفيته، وليس طائفته، التي اخترعها الفقهاء، وحملوها ما ليس فيها، وأثقلوا ظهور الناس بها وعقولهم وأحاسيسهم عبر التاريخ، إلى الوطن الفسيح، الجامع، الذي قسمه الطائفيون إلى أزقة وشوارع وحارات. ومن هنا، لم يرفع الفتيان العراقيون، الذين تسقي دماؤهم شوارع العراق يومياً، سوى شعار واحد: «نريد وطناً».
هذا هو الدرس الأكبر الذي علمنا إياه الناس في العراق ولبنان، بعد انتظار متعب، وهو أنهم غير معنيين بما نظر وينظر له الفقهاء الطائفيون، وأن التاريخ الطويل من التضليل الذي قسمهم إلى خانات وحارات، وأكياس ومتاريس في مواجهة بعضها البعض، لم يتغلل عميقاً في دواخلهم. كان مجرد صمغ سرعان ما ذاب، ليكشف عن الوجوه الحقيقية، التي تنتظر عيونها باتجاه واحد.
لكن الطائفيين لا يجيدون القراءة، وهم بحكم تكوينهم أناس ذوو بعد واحد، من ذلك النوع الذي ينطبق عليه المثل الصيني:
تشير إلى القمر فينظر الأحمق إلى إصبعك.



«سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد

هدى حمد
هدى حمد
TT

«سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد

هدى حمد
هدى حمد

صدرت حديثاً عن «منشورات تكوين» في الكويت متوالية قصصية بعنوان «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد. وتأتي هذه المتوالية بعد عدد من الروايات والمجموعات القصصية، منها: «نميمة مالحة» (قصص)، و«ليس بالضبط كما أريد» (قصص)، و«الأشياء ليست في أماكنها» (رواية)، و«الإشارة برتقاليّة الآن» (قصص)، «التي تعدّ السلالم» (رواية)، «سندريلات في مسقط» (رواية)، «أسامينا» (رواية)، و«لا يُذكَرون في مَجاز» (رواية).

في أجواء المجموعة نقرأ:

لم يكن ثمّة ما يُبهجُ قلبي أكثر من الذهاب إلى المصنع المهجور الذي يتوسطُ حلّتنا. هنالك حيث يمكن للخِرق البالية أن تكون حشوة للدُّمى، ولقطع القماش التي خلّفها الخياط «أريان» أن تكون فساتين، وللفتية المُتسخين بالطين أن يكونوا أمراء.

في المصنع المهجور، ينعدمُ إحساسنا بالزمن تماماً، نذوب، إلا أنّ وصول أسرابٍ من عصافير الدوري بشكلٍ متواترٍ لشجر الغاف المحيط بنا، كان علامة جديرة بالانتباه، إذ سرعان ما يعقبُ عودتها صوتُ جدي وهو يرفع آذان المغرب. تلك العصافير الضئيلة، التي يختلطُ لونها بين البني والأبيض والرمادي، تملأ السماء بشقشقاتها الجنائزية، فتعلنُ انتهاء اليوم من دون مفاوضة، أو مساومة، هكذا تتمكن تلك الأجنحة بالغة الرهافة من جلب الظُلمة البائسة دافعة الشمس إلى أفولٍ حزين.

في أيامٍ كثيرة لم أعد أحصيها، تحتدُّ أمّي ويعلو صوتها الغاضب عندما أتأخر: «الغروبُ علامة كافية للعودة إلى البيت»، فأحبسُ نشيجي تحت بطانيتي البنية وأفكر: «ينبغي قتل كلّ عصافير الدوري بدمٍ بارد».

وهدى حمد كاتبة وروائيّة عُمانيّة، وتعمل حالياً رئيسة تحرير مجلة «نزوى» الثقافية.