الأسواق الناشئة... فرص شديدة التقلب على وقع الأزمات والحروب التجارية

المدى القصير مقلق... والطويل واعد

تعد البرازيل أحد أبرز الوجهات التي ينصح بها مديرو الأصول للاستثمار في الأسهم (رويترز)
تعد البرازيل أحد أبرز الوجهات التي ينصح بها مديرو الأصول للاستثمار في الأسهم (رويترز)
TT

الأسواق الناشئة... فرص شديدة التقلب على وقع الأزمات والحروب التجارية

تعد البرازيل أحد أبرز الوجهات التي ينصح بها مديرو الأصول للاستثمار في الأسهم (رويترز)
تعد البرازيل أحد أبرز الوجهات التي ينصح بها مديرو الأصول للاستثمار في الأسهم (رويترز)

فوائد مرتفعة، ونمو متماسك، واتجاهات مستقبلية واعدة بفرص مجزية... تلك هي نظرة المستثمرين الأجانب لعدد من الأسواق الناشئة. لكن الحرب التجارية الدائرة معاركها حول العالم، لا سيما الأميركية الصينية، والاضطرابات الاجتماعية التي تتكاثر هنا وهناك... عوامل ترفع درجات تقلب تلك الأسواق، وترتفع معها المخاطر.
وتؤكد التقارير المصرفية الغربية أن الأسواق الناشئة مستمرة في توفير عوائد جيدة للمستثمرين، لكن يقابل ذلك مخاطر يتعين وضعها في الحسبان، كي لا يتكرر مشهد الخسائر التي مني بها المستثمرون ومديرو الأصول عندما انهارت عملات بعض تلك الدول الناشئة، والمثالان البارزان هما انهيار البيزو الأرجنتيني والليرة التركية.
وتنصح تلك التقارير بزيادة درجات الحيطة والحذر، بانتظار ما ستؤول إليه المفاوضات التجارية الأميركية الصينية، علماً بأن انكشاف المستثمرين الأوروبيين والأميركيين واليابانيين على الأسواق الناشئة ليس واسع النطاق، ويكاد التركيز الأكبر ينحصر في حيازة السندات السيادية. ورغم ذلك، فهناك إشارات توحي بعودة المستثمرين إلى تلك الأسواق بانكشافات انتقائية أكبر.

المدى الطويل

يؤكد مديرو الأصول العالميون أن فرص الأسواق الناشئة تبقى جاذبة جداً على المدى الطويل، علماً بأن نسبة 30 في المائة منهم يرون أن فرص المدى القصير جاذبة أيضاً، لا سيما في بعض أسواق الأوراق المالية التي سترتفع أسعارها في 2020 أكثر من أي أسواق أخرى حول العالم، وفقاً لتوقعات المتفائلين في استطلاع أجراه «بنك أوف أميركا - ميريل لينش».
وللمتفائلين على المدى الطويل أمثلة مشجعة كثيرة، أبرزها أن الطبقة المتوسطة في الصين سيتضاعف عددها من الآن حتى عام 2030، لتبلغ 723 مليون نسمة، وفقاً لتقرير صادر عن «مورغان ستانلي»، أي أن أمام المستثمرين فرصاً هائلة في كل ما يتعلق بهذه الطبقة؛ استهلاكاً واستثماراً وادخاراً وسياحة وتوظيفاً للأموال.

الديون السيادية

أما الآن، فالمستثمرون منجذبون إلى الديون والسندات السيادية التي توفر عوائد أعلى بكثير من تلك التي توفرها الأدوات المماثلة في الأسواق المتقدمة. وفي المقابل، فإن التدفقات إلى الأسهم الناشئة متقلبة جداً، على وقع التصريحات النارية - أو الباردة - التي يطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لا سيما تلك التي تتناول الشركاء التجاريين للولايات المتحدة. فمنذ بداية العام، جذبت الصناديق المستثمرة في السندات السيادية للدول الناشئة نحو 56 مليار دولار، بينما صناديق الأسهم لم تجذب أكثر من 30 ملياراً، مع تقلبات مرتبطة بأي تصريح خاص بالحرب التجارية.

الصين

بالنظر إلى حجمها، الصين هي السوق التي تستحوذ على الاهتمام الأكبر. لكن رغم ضخامة اقتصادها ونموه المستدام، فإن تغريدات ترمب تؤثر فيها وفي نظرة المستثمرين إليها. وفي موازاة ذلك، لا يغفل المستثمرون أن نمو الطلب الداخلي الصيني أو الاستهلاك المحلي مستمر في توفير الفرص، كما جاء في تقرير لشركة «جيموي» المتخصصة في استثمارات الأسهم الصينية، الذي أشار تحديداً إلى ارتفاع درجة احترافية السوق المالية الصينية، واستمرار صعود القدرة الشرائية لشرائح جديدة من الصينيين. لكن التقرير يلفت إلى ضرورة التروي عند اختيار الأسهم، لأن في الصين أكثر من 5 آلاف شركة مدرجة. وتنصح «جيموي» - على سبيل المثال لا الحصر - بالاستثمار في شركات المياه ومنصات التجارة الإلكترونية التي تنتشر بقوة في المدن المتوسطة الحجم.

أميركا اللاتينية

على صعيد آخر، تتناول التقارير أسواق أميركا اللاتينية، حيث تشهد بعض البلدان هناك اضطرابات اجتماعية تجعل المستثمرين «أكثر برودة» حيال هذه الأسواق. ومع ذلك، تجذب السندات السيادية المكسيكية أموالاً أجنبية طامعة بالعوائد المرتفعة، كما أن المكسيك امتصت نسبياً غضب جارها الأميركي، بعد أن لاح شبح حرب تجارية بين البلدين.
أما على صعيد الأسهم، فتذهب توصيات تقارير مديري الأصول ناحية البرازيل، حيث ينتعش الاستهلاك، كما الاستثمار في البنية التحتية، إضافة إلى أن الإصلاحات الهيكلية التي شرعت في تنفيذها الحكومة توفر فرصاً مستقبلية أيضاً في البرازيل. وهناك إيجابية أيضاً في إصلاح نظام التقاعد... إلا أن المستثمرين قلقون من عدم قدرة الاقتصاد البرازيلي على تسجيل معدلات نمو متصاعدة أو متماسكة. إلى ذلك، فإن البنك المركزي خفض معدلات الفوائد كثيراً بنظر المستثمرين، حتى أثر ذلك على سعر صرف الريال البرازيلي الضعيف حالياً.
وتقول المصادر أيضاً إن «نتائج الانتخابات في الأرجنتين تركت انطباعاً بأن الأزمة المالية متواصلة في بعض تداعياتها، لأن الحكومة الجديدة تبدو (غير متوافقة تماماً) مع برنامج صندوق النقد الدولي الخاص بالأرجنتين، علماً بأن البلاد مرتبطة جداً بالصندوق الذي يعد هو المصدر الوحيد للأموال التي تحتاج إليها البلاد لإدارة دينها العام الضخم».

روسيا

وفي روسيا، تبقى العقوبات الأميركية والأوروبية ضاغطة نسبياً على أعصاب المستثمرين، لكن ذلك لا يمنع شركات مالية غربية من الاستثمار في بعض الأسهم، بعدما أظهر الاقتصاد الروسي مقاومة نسبية لتلك العقوبات. ويؤكد تقرير صادر عن شركة «بيكتيه إيه إم»، أن في بورصة موسكو بعض الأسهم مقومة بأقل من قيمتها العادلة، وهي توفر عوائد تصل إلى 7 في المائة على الأقل.
تركيا

أما في تركيا، فيرى المستثمرون مخاطر جمة، رغم أن ميزان المدفوعات انتقل من عجز نوعي إلى فائض بسيط، ورغم أن المصارف استطاعت إلى حد ما إعادة تمويل ديونها الخارجية. وساهمت الصادرات إلى أوروبا في امتصاص بعص الصدمات الاقتصادية التي تسببت فيها السياسات الحكومية... بيد أن تركيا تبقى فقيرة في احتياطات النقد الأجنبي، وهذه نقطة ضعف خطيرة إذا اندلعت أزمة مالية ما في البلاد. والنقطة الأهم بالنسبة للمستثمرين الأجانب أنهم لا يثقون بما قد يقوم به الرئيس رجب طيب إردوغان، وفقاً لمصدر في شركة «جام» الأوروبية لإدارة الأصول.

توقعات أسواق المال

وعلى صعيد عام، تتوقع التقارير ارتفاع بورصات الاقتصادات الناشئة في السنوات العشر المقبلة نحو 30 في المائة، مقابل 22 في المائة في الولايات المتحدة الأميركية، و17 في المائة في الصين، و15 في المائة في أوروبا، و6 في المائة في اليابان، و3 في المائة فقط في بريطانيا... ومعظم تلك التوقعات وردت في تقرير خاص صادر عن «بنك أوف أميركا - ميريل لينش»، بناء على استطلاع آراء 175 مدير أصول يديرون ما يناهز 500 مليار دولار.
وتبقى الإشارة أخيراً إلى أن المستثمرين الأجانب يركزون في نظرتهم إلى الأسواق الناشئة على عدد من المؤشرات الأساسية التي تعبر عن أزمة محتملة، مثل ميزان المدفوعات في تركيا والأرجنتين، كما ينظرون إلى احتياطيات النقد الأجنبي. وهناك سعر الصرف، إذ إن التنبيهات تأتي أيضاً عندما تزداد الرغبة في اقتناء الدولار على حساب العملة الوطنية التي يفقد السكان الثقة فيها. وما يزيد الطين بلة ارتفاع عجز الميزان التجاري.



النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
TT

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)

خفّضت وكالة التصنيف الدولية «موديز»، في تقرير محدث، سقف ترقبات النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني هذا العام، من 5 في المائة المرتقبة محلياً، إلى 2.5 في المائة، مع إدراجها ضمن مسار إيجابي يرتفع إلى نسبة 3.5 في المائة خلال العامين المقبلين، ومع التنويه بأنّ هذه الأرقام «قابلة للتحسّن في حال تنفيذ الإصلاحات بشكلٍ سريع».

وتتلاقى مبرّرات الوكالة ضمنياً، مع تقديرات صندوق النقد الدولي التي تلاحظ أن التقدم المسجّل في ملف إبرام اتفاق مشترك مع لبنان، لا يزال «بطيئاً للغاية»، ويتعرض لانتكاسات تشريعية وقانونية، ما يؤكد مجدداً أن الأزمة لا تزال تتطلب توافقاً سياسياً جدياً لسن القوانين الإصلاحية الضرورية التي تمنح الصندوق الثقة الكافية للموافقة المكتملة على اتفاق يتضمن برنامج تمويل بمبالغ تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار، وقابلة للزيادة أيضاً.

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال اجتماعه مع وفد من صندوق النقد الدولي (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

ورغم التباين في تقديرات النمو المتوقعة لهذا العام، فإن التبدلات الطارئة على المناخات السياسية وانضمام مسؤول مدني إلى اللجنة العسكرية المعنية بوقف الأعمال العسكرية بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، قلّصت نسبياً من مخاوف توسّع الأعمال الحربية، وأنعشت بالتالي، بحسب مسؤول مالي معني تواصلت معه «الشرق الأوسط»، التطلعات الحكومية لتصحيح الأرقام، وربما فوق مستوى 5 في المائة، ربطاً بكثافة النشاط التجاري والسياحي المعتاد في فترة الأعياد والعطلات بنهاية العام.

وتعدّ عودة الاقتصاد المحلي إلى مسار النمو الإيجابي، وبمعزل عن التفاوت في النسب المحققة أو المرتقبة، تحولاً نوعياً لتأثير عودة الانتظام إلى عمل المؤسّسات الدستورية، بعد 5 سنوات متتالية من الأزمات الحادة والتخبط في حال «عدم اليقين» سياسياً واقتصادياً. ثم تُوّجت باندلاع حرب تدميرية طاحنة، أودت إلى اتساع فجوة الخسائر الإعمارية والقطاعية بما يزيد على 7 مليارات دولار.

وتكفلت تضافر هذه الوقائع السلبية المتتالية بانكماش حاد للناتج المحلي من أعلى المستويات البالغة نحو 53 مليار دولار عشية انفجار الأزمة إلى نحو 20 مليار دولار في ذروة الانهيارات المالية والنقدية، والمعزّزة بإشهار الحكومة الأسبق بتعليق دفع مستحقات الديون العامة، قبل أن يستعيد الاقتصاد حيوية هشّة دفعت أرقامه إلى حدود 31.6 مليار دولار بنهاية عام 2023، وفق رصد إدارة الإحصاء المركزي، ليصل بعدها إلى نحو 43 مليار دولار، وفق تقرير مصرفي محلي، بدفع من مؤشرات متنوعة تشمل السياحة وزيادة الاستيراد واستمرار التضخم واستدامة التحويلات الخارجية، ولا سيما من المغتربين والعاملين في الخارج.

رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام يُشير بيده أثناء حديثه خلال اجتماع مع وفد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (أ.ف.ب)

إعادة هيكلة القطاع المالي

لكن بلوغ مرحلة النمو المستدام للاقتصاد، والاستفادة من التزام الدول المانحة بدعم لبنان، يظل مشروطاً بتطبيق برنامج الإصلاح المعدّ من قبل صندوق النقد الدولي، حيث تتمحور المطالب الرئيسية حول إعادة هيكلة القطاع المالي، واعتماد استراتيجية متوسطة الأجل لتعبئة الإيرادات وترشيد النفقات، وخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي واستعادة الاستدامة المالية، فضلاً عن أولويات معالجة ضعف الحوكمة وتعزيز إطار مكافحة الفساد، وإجراء عمليات تدقيق موثوقة لمجمل المؤسسات والحسابات العامة.

وليس خافياً في هذا السياق، ملاحظة إدارة الصندوق أن موازنة الحكومة للعام المقبل، لم ترتقِ إلى مستوى التطلعات الإصلاحية المطلوبة، والاستجابة لضرورة الشروع بإعادة هيكلة الديون الخارجية للبلاد، والتي تشمل سندات «اليوروبوندز» المقدرة بأكثر من 41 مليار دولار، كجزء لا يتجزأ من استعادة القدرة على تحمل الديون. في حين تنبّه إلى أن الحكومة تستمر في الاعتماد على سياسة التقشف القاسي بغية فائض تشغيلي جزئي في الخزينة، بدلاً من التركيز على الإصلاح الهيكلي، والنظر في إصلاح السياسة الضريبية لإتاحة الحيز المالي اللازم للإنفاق على الأولويات مثل إعادة الإعمار والحماية الاجتماعية.

كما تبرز التباينات التي تقارب التناقضات في نقاط محددة بشأن منهجية معالجة الفجوة المالية ستظل عائقاً محورياً على مسار المفاوضات المستمرة بين الحكومة وصندوق النقد، خصوصاً في مقاربة مسألة الودائع التي تناهز 80 مليار دولار، حيث تعلو التحذيرات والانتقادات الحادة لمنحى «الاقتراحات المسرّبة» من اللجنة الحكومية التي تعكف على إعداد مشروع القانون الرامي إلى تغطية عجز القطاع المالي، والمتضمنة صراحة أو مواربة شطب ما يصل إلى 30 مليار دولار من إجمالي المدخرات لدى المصارف، وحصر الضمانة للسداد بمبلغ 100 الف دولار، وإصدار سندات «صفرية» الفوائد لمدة تتعدى 20 عاماً للمبالغ الأكبر.

وقد حافظت «موديز» على تصنيف لبنان السيادي عند الدرجة «سي»، وعلى النظرة المستقبليّة «المستقرّة» في تحديثها للتقييم الائتماني السيادي للحكومة اللبنانيّة، مؤكدة أن هذا التصنيف يعكس احتماليّة كبيرة بأن تتخطّى خسائر حاملي سندات الدين الدولية (اليوروبوندز) نسبة 65 في المائة. في حين يتم تداول هذه السندات حالياً في الأسواق الدولية بأسعار تقارب 25 في المائة من قيمتها الدفترية، بعدما انحدرت خلال الحرب الأخيرة إلى 6 في المائة فقط.

ولم يفت الوكالة الإشارة إلى أنّ تصنيف لبنان سيبقى على حاله، إلا إذا تمّ تطبيق إصلاحات جوهريّة على مدى سنوات عدّة من جهة، وتحسين القدرة على تحصيل الإيرادات وحصول تقدّم ملحوظ في ديناميكيّة الدين، كالنموّ الاقتصادي ومستويات الفوائد وإيرادات الخصخصة والقدرة على تسجيل فوائض أولية كبيرة من جهة موازية، وذلك لضمان استدامة الدين في المستقبل.


«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
TT

«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)

تلقت شركة «إيرباص» الأسبوع الماضي تذكيراً قاسياً بأن طائرتها الأكثر مبيعاً في العالم، وهي سلسلة «إيه 320»، ليست محصنة ضد الصدمات، سواء كانت من مصدر فلكي، أو من خلل في الصناعة الأساسية. بعد أيام فقط من اضطرار العملاق الأوروبي لسحب 6 آلاف طائرة من طراز «إيه 320» بسبب خلل برمجي مرتبط بالإشعاع الكوني، اضطرت الشركة إلى خفض أهدافها لتسليم الطائرات لهذا العام بسبب اكتشاف عيوب في بعض ألواح جسم الطائرات (الفيوزلاج).

تؤكد هاتان النكستان المترابطتان -إحداهما متجذرة في الفيزياء الفلكية، والأخرى في مشكلات معدنية بسيطة- مدى هشاشة النجاح لشركة طيران تهيمن على أهم جزء في قطاع الطيران، وتتجه لتفوق «بوينغ» للعام السابع على التوالي في عدد التسليمات.

وقد علق الرئيس التنفيذي لـ«إيرباص»، غيوم فوري، لـ«رويترز» قائلاً: «بمجرد أن نتجاوز مشكلة، تظهر لنا مشكلة أخرى»، وذلك في معرض حديثه عن عدد الطائرات المحتمل تأثرها بمشكلات سمك الألواح.

جاءت هذه النكسات بعد أسابيع من تجاوز سلسلة «إيه 320»، بما في ذلك الطراز الأكثر مبيعاً «إيه 321»، لطائرة «بوينغ 737 ماكس» المضطربة بوصفها أكثر طائرة ركاب تم تسليمها في التاريخ.

خطأ برمجي مرتبط بالرياح الشمسية

بدأت أزمة الأسبوع الماضي عندما أصدرت «إيرباص» تعليمات مفاجئة لشركات الطيران بالعودة إلى إصدار سابق من البرنامج في جهاز كمبيوتر يوجه زاوية مقدمة الطائرة في بعض الطائرات، وذلك بعد أسابيع من حادثة ميلان طائرة «جيت بلو» من طراز «إيه 320» نحو الأسفل، ما أدى لإصابة نحو 12 شخصاً على متنها. أرجعت «إيرباص» المشكلة إلى ضعف في البرنامج تجاه الوهج الشمسي، والذي يمكن نظرياً أن يتسبب في انحدار الطائرة، في إشارة إلى الأسطورة اليونانية، حيث أطلق خبراء على الخلل اسم «علة إيكاروس». ورغم أن التراجع عن تحديث البرنامج تم بسرعة، فإن «إيرباص» واجهت بعد أيام قليلة مشكلة «أكثر رتابة» هددت بتقليص عمليات التسليم في نهاية العام: اكتشاف عيوب في ألواح الفيوزلاج.

تقليص الأهداف المالية

أدى اكتشاف الخلل في ألواح جسم الطائرة إلى انخفاض حاد في أسهم الشركة، حيث تراجعت أسهم «إيرباص» بنحو 3 في المائة خلال الأسبوع بعد أن انخفضت بنسبة 11 في المائة في يوم واحد. وفي غضون 48 ساعة، اضطرت «إيرباص» إلى خفض هدفها السنوي للتسليم بنسبة 4 في المائة.

تخضع «إيرباص» حالياً لضغوط من المحققين لتقديم المزيد من البيانات حول تعليق البرامج، بالإضافة إلى تردد بعض شركات الطيران في تسلم الطائرات المتأثرة دون ضمانات جديدة. كما تواجه الشركة أسئلة مستمرة حول سلاسل التوريد.

ويؤكد هذا الخلل، الذي اكتُشف لدى مورد إسباني، على التحديات التي تواجهها شركات الهياكل الجوية، ويبرز المخاوف المستمرة بشأن سلاسل التوريد التي اضطربت بسبب جائحة كوفيد-19. وأشار خبراء إلى أن حادثة الإشعاع الكوني هي تذكير بمدى تعرض الطيران للإشعاعات القادمة من الفضاء، أو الشمس، وهي مسألة أصبحت أكثر أهمية مع اعتماد الطائرات الحديثة على المزيد من الرقائق الإلكترونية. ودعا خبير الإشعاع الكوني جورج دانوس إلى ضرورة عمل المجتمع الدولي على فهم هذه الظاهرة بشكل أعمق.


وزير الطاقة القطري: الذكاء الاصطناعي يضمن الطلب المستقبلي على الغاز المسال

الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
TT

وزير الطاقة القطري: الذكاء الاصطناعي يضمن الطلب المستقبلي على الغاز المسال

الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)

شكلت تصريحات وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري، سعد الكعبي، خلال «منتدى الدوحة 2025»، نقطة محورية في مناقشات المنتدى الذي افتتحه أمير البلاد، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في نسخته الثالثة والعشرين تحت شعار: «ترسيخ العدالة: من الوعود إلى واقع ملموس». وأكد الكعبي على رؤية متفائلة للغاية لمستقبل الغاز، مشدداً على أنه «لا قلق لديه على الإطلاق» بشأن الطلب المستقبلي بفضل الحاجة المتزايدة لتشغيل مراكز الذكاء الاصطناعي.

وأكد الكعبي أن الطلب العالمي على الغاز الطبيعي سيظل قوياً بفضل تزايد احتياجات الطاقة لتشغيل مراكز الذكاء الاصطناعي، متوقعاً أن يصل الطلب على الغاز الطبيعي المسال إلى ما بين 600 و700 مليون طن سنوياً بحلول عام 2035. وأبدى في الوقت نفسه، قلقه من أن يؤثر نقص الاستثمار على الإمدادات المستقبلية للغاز الطبيعي المسال والغاز.

وقال الكعبي: «لا أشعر بأي قلق على الإطلاق بشأن الطلب على الغاز في المستقبل»، مُضيفاً أن الطاقة اللازمة للذكاء الاصطناعي ستكون مُحرّكاً رئيسياً للطلب. عند بلوغه كامل طاقته الإنتاجية، من المتوقع أن يُنتج مشروع توسعة حقل الشمال 126 مليون طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنوياً بحلول عام 2027، مما سيعزز إنتاج قطر للطاقة بنحو 85 في المائة من 77 مليون طن متري سنوياً حالياً.

وأضاف أن أول قطار من مشروع «غولدن باس» للغاز الطبيعي المسال، وهو مشروع مشترك مع «إكسون موبيل» في تكساس، سيبدأ العمل بحلول الربع الأول من عام 2026.

وأكد الكعبي أن أسعار النفط التي تتراوح بين 70 و80 دولاراً للبرميل ستوفر إيرادات كافية للشركات للاستثمار في احتياجات الطاقة المستقبلية، مضيفاً أن الأسعار التي تتجاوز 90 دولاراً ستكون مرتفعة للغاية.

كما حذّر من كثرة العقارات التي تُبنى في الخليج، ومن احتمال «تشكُّل فقاعة عقارية».

الاتحاد الأوروبي

كما أبدى الكعبي أمله أن يحل الاتحاد الأوروبي مخاوف الشركات بشأن قوانين الاستدامة بحلول نهاية ديسمبر (كانون الأول).

وكانت دول مجلس التعاون الخليجي، أعربت يوم الجمعة، عن بالغ قلقها تجاه التشريعين المعروفين بتوجيه العناية الواجبة لاستدامة الشركات، وتوجيه الإبلاغ عن استدامتها، اللذين تتعلق بهما مجموعة تعديلات رفعها البرلمان الأوروبي، مؤخراً، إلى المفاوضات الثلاثية. وأكّدت دول المجلس أن قلقها نابع من أن هذه التشريعات ستفضي إلى إلزام الشركات الكبرى، الأوروبية والدولية، اتباع مفهوم الاتحاد الأوروبي للاستدامة، وبتشريعات تتعلق بحقوق الإنسان والبيئة، وبتقديم خطط للتغير المناخي خارج إطار الاتفاقيات المناخية الدولية، كذلك الالتزام بتقديم تقارير عن الاستدامة حول آثار تلك الشركات، والإبلاغ عن ذلك، وفرض غرامات على التي لا تمتثل لهذا التشريع.

كما أعربت قطر عن استيائها من توجيه العناية الواجبة في مجال استدامة الشركات الصادر عن الاتحاد الأوروبي، وهدّدت بوقف إمدادات الغاز. ويتمحور الخلاف حول إمكانية فرض توجيه العناية الواجبة في مجال استدامة الشركات غرامات على المخالفين تصل إلى 5 في المائة من إجمالي الإيرادات العالمية. وقد صرّح الوزير مراراً بأن قطر لن تحقق أهدافها المتعلقة بالانبعاثات الصفرية.

من جهة أخرى، أطلق الكعبي تحذيراً بشأن النشاط العمراني في المنطقة، مشيراً إلى أن هناك «بناءً مفرطاً للعقارات في منطقة الخليج»، ما قد يؤدي إلى «تشكُّل فقاعة عقارية».

استراتيجية مالية منضبطة

من جهته، أكد وزير المالية القطري، علي أحمد الكواري، خلال المنتدى، قوة ومتانة المركز المالي للدولة. وأوضح أن التوسع المخطط له في إنتاج الغاز الطبيعي المسال سيعمل كعامل تخفيف رئيسي يقلل من تأثير أي انخفاض محتمل في أسعار النفط مستقبلاً. وأضاف أن السياسة المالية «المنضبطة» التي تتبعها قطر تمنحها مرونة كبيرة، مما يعني أنها لن تضطر إلى «اللجوء إلى أسواق الدين» لتلبية احتياجاتها من الإنفاق في أي مرحلة.