في ساحة التحرير بوسط بغداد، يترجم المحتجون «الثورة» التي يسعون من خلالها إلى «إسقاط النظام»، من خلال جداريات ملونة يظهرون فيها الحال التي يأملون أن تكون عليها بلادهم.
تبدو فاطمة حسام (20 عاماً) التي ترتدي قفازات بلاستيكية تغطيها الألوان، مشغولة جداً بتوجيه فريق رسامين لتنفيذ جدراية اليوم. وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، أنجزت هذه الشابة بالتعاون مع آخرين، قبل فترة قصيرة، نسخة عراقية من الأيقونة الأميركية ناعومي باركر، التي اشتهرت في الحرب العالمية الثانية، في إشارة إلى جيل الفتيات اللواتي يشاركن في الاحتجاجات. كما أضيفت عبارة «هكذا هن نساؤنا».
وتقوم فاطمة اليوم برسم جدارية أخرى، على جانب نفق يمتد تحت ساحة التحرير، لامرأة تلوح بشعار رئيسي للمتظاهرين العراقيين، يقول «نريد وطن». وتقول هذه الشابة التي تضع حجاباً وردياً: «لدينا الكثير من الفنانين في بلدنا، لكن ليس لديهم أي مكان للتعبير عن فنهم، لذا قررنا استخدام ساحة التحرير من أجل ثورة فنية إضافة لثورة بلادنا».
وتشهد بغداد ومدن متفرقة أخرى في وسط وجنوب العراق، احتجاجات دخلت شهرها الثاني تطالب بـ«إسقاط النظام»، انطلقت الموجة الأولى منها في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ثم عادت، بعد أسابيع من التوقف لتستأنف في 24 من الشهر نفسه، لكنها قوبلت بعنف من السلطات أدى إلى مقتل نحو 300 شخص حتى الآن.
على مسافة قريبة، يقف شقيقها الأكبر يراقبها بفخر كبير، لأن ما تقوم به يمثل خرقاً للتقاليد والأعراف الاجتماعية في العراق الذي يعد بين أدنى دول العالم من حيث معدلات توظيف النساء، وتسود فيه تقاليد دينية وعشائرية.
من جهته، يقول الرسام محمد عبد الوهاب (23 عاماً): «نحن جيل التغيير». ويؤكد هذا الشاب الذي يتحلق حوله عشرات آخرون على جانب النفق الذي غطت لوحات جدارية عشرات الأمتار من جدرانه، أن «هذا التغيير نحو الأفضل». ويواصل بجهد رسم خريطة للعراق باللون الأبيض على خلفية سوداء، ليتدرج إلى حافاتها برسم شعارات كتلك التي رفعها محتجون في ساحة التحرير.
في غضون ذلك، يقوم رسام آخر بكتابة كلمة «حب» تضعها أيادٍ ملطخة بالدماء، موضحاً أن عشرات «الشهداء» سقطوا منذ الأول من أكتوبر.
وفيما تواصل السلطات اتهام «مندسين» بين المحتجين يحاولون حرف المظاهرات، يؤكد عبد الوهاب: «لسنا هنا للتدمير أو الاعتداء على الدولة». ويضيف: «نريد إعادة الألوان والفرح» في العراق الذي عانى خلال 40 عاماً من حروب متتالية وحصار وعنف طائفي واعتداءات من تنظيمات متطرفة.
ويعتقد محمد عباس (38 عاماً)، وهو بغدادي يقطع طريقه صباح كل يوم عبر النفق منذ 16 عاماً، للوصول إلى عمله، إن الهدف تحقق. ويوضح هذا الرجل مفتول العضلات أنه «من 16 سنة، لم أر هذا المكان جميلاً بهذا الشكل (...) فعلاً بلدنا بحاجة لهذا». ويؤكد أنه «عادة، تكون الجدران قذرة ويغطيها السواد»، بسبب التلوث في العاصمة التي يصل عدد سكانها إلى 10 ملايين نسمة، وتعاني من اختناقات مرورية يومياً. ويضيف هذا الرجل وهو يواصل سيره باتجاه موقع الاحتجاجات المطالبة بالقضاء على الفساد في البلاد، إن «الشباب نجحوا في تحقيق ما لم تفعله الدولة، رغم إنفاقها المليارات على بغداد».
من جهته، قرر إبراهيم (39 عاماً) القيام بجولة داخل النفق، الذي يتحول بعد ظهر كل يوم إلى ما يشبه المهرجان. ويتوافد موسيقيون للعزف على آلات مختلفة من العود إلى الكلارينيت، فيما يقوم آخرون بالحفر على الخشب، ويبيع بعضهم سلاسل مفاتيح على شكل عجلة «توك توك»، المركبة الصغيرة ذات العجلات الثلاث، التي صارت أيقونة المظاهرات من خلال عمليات نقل الجرحى وتوفير خدمات للمتظاهرين. ويؤكد إبراهيم أن «هؤلاء الفنانين، وبالقليل مما يتوفر، أرسلوا رسالة سلمية إلى العالم كله. نقول للعالم إن الشعب العراقي حي».
محتجو العراق يرسمون بالألوان طموحاتهم
جداريات ضخمة في ساحة التحرير ببغداد
محتجو العراق يرسمون بالألوان طموحاتهم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة