عند نقطة تفتيش أمنية في منتصف جسر الجادرية ببغداد المؤدي إلى جامعة بغداد وحي الكرادة، وحيث تقف العشرات من السيارات بانتظار اجتياز الحاجز الأمني، تقترب سيارة بيضاء، ذات الدفع الرباعي، تضم 4 شباب ملتحين، بضمنهم السائق، 3 منهم يحملون بنادق كلاشنيكوف، أحدهم يبرزها من نافذة السيارة متعمدا، وتطلق صفارة إنذار شبيهة بتلك التي تطلقها سيارات الأجهزة الأمنية وسيارات طواقم حمايات ومرافقي المسؤولين الحكوميين العراقيين، وبسهولة بالغة تمر السيارة مجتازة نقطة السيطرة من دون أن تتوقف أو أن تجري مساءلة ركابها المسلحين.
هذا المنظر يتكرر في شوارع العاصمة العراقية، منظر الميليشيات المسلحة التي باتت «تتحكم بشوارع بغداد أكثر مما تفعل الأجهزة الأمنية»، حسبما يوضح عضو البرلمان السابق السياسي المستقل عزة الشابندر الذي يحرص على أن يتحرك بسيارته بلا طاقم حماية أو مرافقين.
لكن الفريق الركن محمد العسكري، المستشار الإعلامي لوزارة الدفاع العراقية، نفى أن «يكون لمثل هذه الميليشيات وجود ببغداد»، عادا الحديث «عن هذه المجاميع المسلحة ينطلق إما من عدم دراية ومعرفة بالأوضاع أو ضمن أجندات معينة».
ظاهرة ازدياد عدد الميليشيات المسلحة ببغداد تعد اليوم من أخطر الأمور التي تهدد أمن الناس وتقلق استقرارهم، أكثر مما يقلقهم انفجار السيارات المفخخة التي تحدث في مناطق مختلفة من العاصمة العراقية، خاصة بعد اتساع نطاق جرائم خطف الشباب وقتلهم بعد ابتزاز عوائلهم والحصول على فدية مالية تصل إلى 50 ألف دولار أو أكثر، وبعد حادث مقتل 23 فتاة و4 شبان في عمارة بمنطقة زيونة وسط جانب الرصافة من بغداد من قبل ميليشيا معروفة بحجة «الدفاع عن الشرف وكونهم يعملون في النوادي الليلية»، حيث لم تكشف التحقيقات عن هذه الجريمة أي معلومات أو نتائج.
يقول الشابندر لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذه الميليشيات الشيعية اليوم تتحكم بالشارع العراقي»، مؤكدا أن «إيران تسلح الميليشيات الشيعية التي قاتلت ضد (داعش) في وقت أخفق فيه الجيش العراقي بمواجهة هذا التنظيم الإرهابي، وهذه الميليشيات ستعود إلى بغداد بعد الانتهاء من القتال وستطالب بمستحقاتها في المشاركة بصناعة القرار الأمني وعندما لا يستجاب لها ستكون عصية وسترفع السلاح بوجه الحكومة»، منبها إلى إن «رئيس الوزراء حيدر العبادي جاد في سحب السلاح من كل الميليشيات، لكن تحقيق هذا الموضوع ليس سهلا على الإطلاق»، مضيفا: «أنا مؤمن بأن منظمة بدر وميليشيات مثل عصائب أهل الحق والكتائب التابعة لـ(حزب الله) العراقي هي كتل مؤمنة بالعقل الإيراني لإدارة العراق».
وذكر الشابندر، أن طرح فكرة أن «تتسلم منظمة بدر بزعامة هادي العامري، ككتلة داخل التحالف الوطني (الشيعي)، وزارة الدفاع أو الداخلية لم توافق الولايات المتحدة على أن تتسلم هذه المنظمة أي من الوزارات الأمنية كون لها ميليشيا».
وينذر الخبير العسكري والأمني العراقي اللواء الركن عبد الكريم خلف من خطورة ظاهرة «غياب القانون الذي يضبط وجود السلاح خارج الدولة ووجود الميليشيات في بغداد»، مضيفا: «إنني أحصيت وجود 12 ميليشيا مسلحة في العاصمة، وهذا يهدد سلامة وأمن الناس ويثلم من هيبة المؤسسات الأمنية التي لم تعد قادرة على ضبط حمل السلاح في الشوارع العامة».
وقال خلف الذي كان يشغل منصب المتحدث الرسمي لعمليات بغداد ووزارة الداخلية العراقية لـ«الشرق الأوسط»، إن «قيام المتطوعين بحمل السلاح ومقاتلة تنظيم (داعش) كون الجيش العراقي بوضعه الحالي لا يتمكن من سد الفراغات في جبهات مواجهة هذا التنظيم الإرهابي، سواء كان هؤلاء المتطوعون ضمن ما يسمى (الحشد الشعبي) أو منضوين تحت تنظيمات سياسية وبوصفهم ميليشيات مقاتلة (منظمة بدر، كتائب (حزب الله) العراقي، سرايا السلام التابعة للتيار الصدري) يجب أن يواجه بتشريع قانوني قبل عودة هؤلاء المقاتلين إلى مدنهم، وخصوصا بغداد»، مشيرا إلى أن «تشكيل الحرس الوطني يبدو هو الحل الأمثل لاستيعاب مقاتلي هذه الميليشيات والمجاميع التي تطوعت ضمن دعوة المرجعية الدينية وحصر السلاح بيد الدولة بشرط أن يجري تشريع قانون منضبط ومن قبل مشرعين وخبراء عسكريين وأمنيين».
ونبه الخبير العسكري والأمني اللواء خلف إلى أن «الدولة اليوم منشغلة بتحديات كبيرة لمواجهة تنظيم (داعش) الإرهابي وهي غير قادرة على ضبط تحرك الميليشيات في الشارع العراقي، وخصوصا بغداد، فهناك مجاميع مسلحة تجوب شوارع العاصمة ومن الصعب السيطرة عليها». وقال: «يمكن اليوم لأي مجموعة أن يحمل أفرادها الأسلحة وترتدي بزات عسكرية غير نظامية، ويطلق أفرادها اللحى وتسمي نفسها ميليشيا، وليس هناك من يستطيع محاسبتها أو التعرض لهم لأنه ليست هناك إجراءات أو قوانين رادعة ضد مثل هذه المجاميع أو ضد الميليشيات المتنفذة». وذكر قصة مفادها «قبل أيام كانت هناك سيارة أجرة (تاكسي) تطلق صافرة إنذار شبيهة بصافرات إنذار السيارات الأمنية وتجوب الشوارع ليجري فسح المجال أمامها، وقصة أخرى حدثت معي وهي اجتياز سيارة، تطلق صافرة الإنذار، وفيها بعض الشباب المسلحين والذين يرتدون ملابس عسكرية غير نظامية للشارع الذي كنت وغيري نقود سياراتنا فيه مع أن الشارع لم يكن مزدحما وهذه السيارة غير معروفة لأي جهة ولمن تتبع»، مشددا على أن «ذلك يحدث بسبب غياب قوانين صارمة للمرور، فرجال المرور هم يمثلون القانون والدولة في الشارع وبغياب القوانين القوية التي تمكنهم من محاسبة المخالفين يغيب القانون عن الشارع».
وأضاف اللواء الركن خلف قائلا: «اليوم كل الميليشيات تعمل في الشارع بلا انضباط، نعم هناك قوات أمنية تابعة لوزارة الداخلية وللجيش العراقي، لكن المشكلة أن الجيش نفسه يعاني من سوء في الانضباط العسكري بسبب قلة التدريب والإعداد والتربية على الانضباط، وهذا يعود للظروف الصعبة التي يمر بها البلد»، مقرا بوجود «جرائم خطف وقتل واعتداءات على المواطنين بسبب غياب القوانين وآلية تطبيق ما موجود من قوانين، وإلا كيف يمكن لمسلحين غير شرعيين أن يتجاوزوا نقاط التفتيش ببغداد من غير إبراز أي وثائق ثبوتية تعرف بهم»، منبها إلى أن «ما يجري من حوادث تقوض الأمن اليوم من قبل الميليشيات المسلحة سيكون بسيطا نسبة إلى عودة هذه الميليشيات من ساحات القتال، وما نراه اليوم يحدث من قبل أشخاص قد يتمتعون بإجازاتهم أو يعملون في مقرات لميليشياتهم ببغداد». وقال: «يجب منع بيع وارتداء الملابس العسكرية إلا للعسكريين الحقيقيين ومنع حمل السلاح من قبل الأشخاص غير المرخص لهم، حتى بالنسبة للمتطوعين الذين يقاتلون (داعش) عليهم الانضباط وعدم حمل السلاح عندما يعودون إلى المدن».
وحول قرار رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي بأن يكون السلاح بيد الدولة حصريا، قال الخبير العسكري والأمني، إن «العبادي جاد في تحقيق وتنفيذ هذا القرار، لكنه سيواجه عقبات كثيرة، فهناك من يحاول أن يضع العراقيل في طريق رئيس الحكومة، وأقول: إن هناك آليات وسبلا كفيلة بحصر السلاح بيد الحكومة وهذا يحتاج إلى تكاتف الجميع وإلى إصدار تشريعات صارمة وملزمة للجميع»، مشيرا إلى أن «رئيس الوزراء كان قد اتخذ قرارات جريئة وأهمها إلغاء مكتب القائد العام للقوات المسلحة الذي هو بؤرة فساد المؤسسات الأمنية في الدولة، وأعود وأقول: إن أفضل طريقة لسحب السلاح من الشارع هو الإسراع بتشكيل الحرس الوطني ووفق قوانين وتشريعات منضبطة تسبق عودة الميليشيات من قتال (داعش) إلى المدن ويجب تنفيذ هذا الموضوع حاليا وألا يجري تأجيله».
الفريق الركن محمد العسكري، المستشار الإعلامي لوزارة الدفاع قال لـ«الشرق الأوسط»: «أنا أتجول كل يوم ببغداد ولم أشهد مثل هذه المجاميع المسلحة، فكيف يمكن للميليشيات أن تتحرك في ظل وجود 4 فرق عسكرية تابعة لوزارة الدفاع وفرقتين للشرطة الاتحادية تابعة لوزارة الداخلية، بالإضافة إلى بقية التشكيلات الأمنية من شرطة وحماية الشخصيات والمنشآت»، مشيرا إلى أن «هناك قوة أمنية هائلة وقيادة عمليات بغداد تفرض سيطرتها بالكامل لحماية بغداد ولا تسمح بتجوال المجاميع المسلحة، لكن العاصمة مفتوحة أمام وسائل الإعلام والصحافيين على عكس بقية مراكز المحافظات لهذا هي (بغداد) مستهدفة إعلاميا»، معترفا بحدوث «بعض الخروقات هنا وهناك والتي تنجم عنها بعض التفجيرات في مناطق متفرقة».
وحول المجاميع المسلحة والسيارات التي تقل ملتحين ومسلحين وتتجول ببغداد متجاوزة حواجز التفتيش الأمنية التي رصدتها «الشرق الأوسط» في العاصمة العراقية، قال العسكري: «تعرفون أن هناك طواقم حمايات أعضاء مجلس النواب(لكل نائب 30 فردا لحمايته)، وكذلك حمايات الوزراء ومن يحملون درجات خاصة وبقية المسؤولين، وسيارات هؤلاء معروفة وأرقامها مسجلة وهم معروفون من قبل الأجهزة الأمنية، وهؤلاء يتحركون قانونيا وبموافقة عمليات بغداد، ومع ذلك يجب أن يتوقفوا عند نقاط التفتيش ويجري التأكد من وثائقهم».
وفي رد المستشار الإعلامي لوزارة الدفاع عن حقيقة وجود ميليشيات شيعية مثل عصائب أهل الحق وكتائب «حزب الله» العراقي ومنظمة بدر وغيرها، قال العسكري: «توجد فصائل متطوعي الحشد الشعبي التي دعت إليها المرجعية الشريفة لدعم القوات المسلحة في قتالها ضد (داعش)، وهذه الفصائل وجودها في جبهات القتال، وإذا وجودوا ببغداد، على ألا يكونوا مسلحين، خلال إجازاتهم فهذا لا يعني أنهم ميليشيات، الأمر ذاته ينطبق على متطوعي أبناء عشائر الأنبار والذين يعدون مثلهم مثل الحشد الشعبي، لكنهم من العرب السنة، فهل نسميهم ميلشيات؟»، مشيرا إلى أن «ما يطلق من كلام حول متطوعي الحشد الشعبي كان يطلق على أبناء الصحوات عندما تشكلت».
جدل حول 12 ميليشيا تسيطر على شوارع بغداد
وزارة الدفاع لـ {الشرق الأوسط} : هؤلاء متطوعو «الحشد الشعبي»
جدل حول 12 ميليشيا تسيطر على شوارع بغداد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة