عندما تتفتح الورود شتاء

المفترض فيها حالياً أن تبدو نسوية أكثر منها أنثوية

«فالنتينو» (هوت كوتور خريف وشتاء 2020)   ... وعرض آخر لـ «فالنتينو»  -  من اقتراحات ريتشارد كوين للموسم المقبل
«فالنتينو» (هوت كوتور خريف وشتاء 2020) ... وعرض آخر لـ «فالنتينو» - من اقتراحات ريتشارد كوين للموسم المقبل
TT

عندما تتفتح الورود شتاء

«فالنتينو» (هوت كوتور خريف وشتاء 2020)   ... وعرض آخر لـ «فالنتينو»  -  من اقتراحات ريتشارد كوين للموسم المقبل
«فالنتينو» (هوت كوتور خريف وشتاء 2020) ... وعرض آخر لـ «فالنتينو» - من اقتراحات ريتشارد كوين للموسم المقبل

لعل كثير منا يتذكر ردة فعل النجمة ميريل ستريب، في فيلم «الشيطان يلبس برادا»، وهي تنتقد بسخرية اقتراح إحدى الخبيرات عن موضة الورود، قائلة: «ورود؟ وفي فصل الربيع؟ يا لها من فكرة ثورية». ردة فعلها مفهومة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه الموضة تظهر دائماً في موسمي الربيع والصيف. لو قيل لميريل ستريب (التي كانت تُجسد شخصية أنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» النسخة الأميركية، في الفيلم آنذاك) إنها لفصل الشتاء، لكانت ردة فعلها مختلفة تماماً. كانت ستتقبلها كفكرة تخض المتعارف عليه حينذاك، بأن هذه الموضة حكر على الربيع والصيف. فهذا هذا هو دور الموضة: أن تبحث عن أفكار جديدة. وإن لم تنجح، فعلى الأقل تُطوع القديم بشكل جديد مبتكر. وبعد صدور الفيلم بفترة، ظهرت آنا وينتور بمعاطف مطرزة بالورود، فيما يمكن اعتباره إقراراً بأن هذه الموضة لم تعد تعترف بالفصول والمواسم، ولا بالمكانة الاجتماعية. لكن هذا التوجه أخذ شكلاً جديداً هذا الموسم، حيث طالعتنا كثير من النجمات والشخصيات به. وملكة إسبانيا ليتيزيا مثلاً اعتمدته من خلال فستان سهرة مغطى بالكامل بالورود، خلال حضورها حفل تنصيب ناروهيتو إمبراطوراً لليابان.
وسواء أعجبنا بفستان الملكة أم لا، فإن الموضة قالت رأيها هذا الموسم: إن نقشات الورود حاضرة وبقوة. وكانت هناك محاولات لإيجاد مضادات تحل محلها، وتُخفف من وهجها، من دون نتيجة، فقد بينت عبر العقود أنها قد تتراجع قليلاً، إلا أنها سرعان ما تتفتح من جديد، لسبب بسيط لخصه النحات الفرنسي أوغست رودان بقوله إنها «تتحاور مع الفنانين والمُبدعين عندما تتمايل أوراقها وتتفتح بتلاتها». وفي الخمسينات من القرن الماضي، تبنى المصمم كريستيان ديور هذه الموضة، وكانت له مقولة شهيرة في هذا الصدد، مفادها أن «أجمل شيء منحه الله للعباد، بعد المرأة، هو الورود». ومنذ ذلك الوقت وهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأنوثة والرومانسية. ولا يختلف اثنان على أنها «قديمة»، لكن ليس بمعنى أن الزمن ولى عليها، ولم تعُد مواكبة للعصر، بل بمعنى أنها ازدهرت منذ قرون في الشرق الأقصى، قبل أن تتعزز في بداية القرن الماضي في أوروبا، على يد تجار الأقمشة والعطارين، لتنتقل عدواها إلى المصمم كريستيان ديور، ومنه إلى آخرين من أمثال الثنائي «فيكتور أند رولف»، والثنائي «دولشي أند غابانا»، وجيامباتيستا فالي، وغيرهم ممن لا يتوقفون عن تجديدها. ومع هؤلاء، تأخذ دائماً أبعاداً فنية ثلاثية الأبعاد، يعتمدون فيها على الأحجام والألوان تارة، وعلى الخلفيات التي تُطبع عليها تارة أخرى، ويراعون فيها تطورات العصر إلى حد أنها يمكن أن تكون قراءة لكل حقبة.
فبعد أن سوقها الراحل كريستيان ديور للعالم من خلال فساتين طويلة وتنورات مستديرة في نهاية الأربعينات والخمسينات، أدخلتها لورا آشلي في السبعينات عصراً مختلفاً، شهدت فيه إقبالاً من الكبار والصغار على حد سواء. لكن ورودها سُرعان ما تحولت إلى نقمة لأسباب كثيرة، نذكر منها ارتباطها الوثيق بأسلوب ريفي إنجليزي يعكس أسلوب طبقة معينة. ثم جاءت موجة «الهيبيز» لتمنحها إيحاءات، عبارة عن رسائل حب تُعبر عن رغبة في معانقة الآخر وثقافات بعيدة. ومع حلول حقبة الثمانينات، بدأت هذه الموضة تتراجع قليلاً، بسبب تنكر المرأة لكل ما هو رومانسي أو يشي بالأنوثة بمعناها المثير، إذ انصب اهتمام المرأة حينها على فرض نفسها في أماكن العمل، والتأكيد أنها ليست أقل من الرجل كفاءة وقدرة على إدارة الأعمال والمؤسسات الكبيرة. ولم تكن الورود سلاحا يمكنها الاعتماد عليه، مقارنة بالألوان الترابية والخطوط المستقيمة والجاكيتات ذات الكتافات الصارمة والبنطلونات الواسعة أو المستقيمة. والطريف في هذه الحقبة أن الرجل هو من تبنى هذه الموضة، من خلال قمصان «هاواي» التي روج لها نجوم السينما والتلفزيون، مثل آل باتشينو في فيلم «سكارفيس»، وتوم سيليك في السلسلة التلفزيونية «ماغنوم بي آي»، وغيرهما. ولحسن الحظ أنها كانت مجرد صرعة سرعان ما انتهت مدة صلاحيتها، وأصبحت مجرد صورة للتفكه.
أما بالنسبة للمرأة، فإن الأمر يختلف. فرغم معانقتها للتايورات والألوان الترابية، وكل ما يرفع شعار «القليل كثير»، لم تخاصم الورود كلياً، أو بالأحرى لم تستطع ذلك، لأن بيوت أزياء مهمة، مثل «ديور»، لم تتوقف عن تقديمها في تصاميم مُغرية.
وما ساعدها على الصمود أيضاً تجددها الدائم لتناسب مستجدات كل عصر تظهر فيه. فهي اليوم تختلف عن تلك التي طرحتها المصممة لورا آشلي في السبعينات من القرن الماضي. كما أن المغرق في الرومانسية منها لم يعد مناسباً بقدر ما تحول إلى مجرد صور تُلهم المصممين الجُدد. والاختلاف يكمن في أن ورود وأزهار خريف وشتاء هذا العام تتميز بالقوة والجرأة في آن واحد. تلفت الأنظار بتناقضاتها وتضارب أحجامها، لكن من دون أن تصدم العين. والجميل فيها أنها تخففت من «حلاوة» أيام زمان، واكتسبت حداثة، بدليل تشكيلات كثير من المصممين، من نيكولا غيسكيير مصمم دار «لويس فويتون»، التي ظهرت فيها بأحجام كبيرة طبعها على أقمشة عملية أكثر منها مُترفة، إلى تشكيلة بيير باولو بيكيولي مصمم دار «فالنتينو»، حيث كانت سخية في عددها وأحجامها. ولحسن الحظ أن حرفيتها العالية وتصاميمها المميزة أنقذتها من الوقوع في فخ المبالغة. ولا يمكن عدم الحديث هنا عن تشكيلات إيلي صعب، وجيامباتيستا فالي، ودريز فان نوتن، وسيمون روشا، وهلم جرا ممن تفننوا فيها، كل حسب أسلوبه وفهمه لزبوناته. ومع ذلك، يبقى القاسم المشترك بينهم جميعاً أخذهم بعين الاعتبار أنها يمكن أن تكون سيفاً ذا حدين: فكما قد تكون رومانسية عصرية، يمكنها أيضاً أن تبدو «دقة قديمة»، لهذا كان أن اتفقوا على طرحها بلغة العصر الجديد: تجمع القوة بالنعومة، ولا تظهر على استحياء في جزء جانبي من فستان أو بين طيات، بل - على العكس - يمكن أن تغطيه بالكامل. كما لا يقتصر الأمر على فساتين السهرة والمساء، بل أيضاً يضم قطعاً خاصة بالنهار، تظهر فيها في أكمام أو على أكتاف، أو تتفتح على تنورة منسدلة أو ببليسيهات. والواضح في ورود هذا الموسم أنها لا تعتذر عن حجمها، ولا عن صراخ ألوانها وتضاربها، بل على العكس تماماً: كلما كانت قوية متوهجة فرضت حضورها، وليس أدل على ذلك من إبداعات مصمم دار «غوتشي»، أليساندرو ميكيلي. فهو مصمم لا يؤمن بالحل الوسط، ويقدمها بشكل مبالغ فيه. والنتيجة أنها تترك الأفواه مشدوهة والعيون مبهورة في الوقت ذاته. فكبر أحجامها وكثرة ألوانها جعلاها تبدو وكأنها لوحة رسمها فنان في لحظة إلهام سريالية. وفلسفة أليساندرو ميكيلي أن الموضة حالياً تحتاج إلى ألوان ونقشات تُحركها و«ترد لها الروح». والأهم من هذا، تتطلب تخليصها من أي إيحاءات «قديمة»، وهذا يعني أنها يجب أن تبدو نسوية أكثر منها أنثوية. الطريقة باختيارها مرسومة على خلفيات داكنة مثل الأسود، أو بأشكال عشوائية، حتى تبدو وكأنها حديقة غير مشذبة. وإذا لم يتوفر الأسود، فإن هناك ألواناً خريفية أخرى يمكن أن تفي بالمطلوب، مثل القرمزي الداكن عوض الوردي والفوشيا، أو الأزرق الغامق عوض البنفسجي، وهكذا. المصمم إيرديم موراليوغلو، مؤسس دار «إيرديم»، من بين من أعلنوا حبهم للورود، وعدم استغنائهم عنها. فمنذ بدايته، يتفنن في تطريزاتها، لكنه - مثل غيره - انتبه إلى أن الزمن تغير، وأن ما كان يناسب المرأة في السابق قد لا يناسبها في الحاضر. ومثلهم، حرص في تشكيلته الأخيرة على أن تكون أرضيتها داكنة سوداء. وعندما سُئل عن هذا التغيير، رد بأن المرأة الرومانسية التي كان يتصورها في خياله سابقاً، وكانت تمرح وتلعب في الحقول وشعرها وفساتينها تتطاير في الهواء، تختلف عن امرأة معاصرة تقضي أوقاتها في الملاهي والنوادي، وتستقل المواصلات العامة، عوض سيارة يقودها سائق خاص، لهذا كان لا بد أن يحصل هذا التغيير. ثم أضاف، وكأنه يُبرر توجهه الأخير: «هناك شيء رائع عندما يتخلل الأشياء الجميلة بعض السواد».
أما بالنسبة للمرأة، أو بالأحرى سر إقبالها على هذه الموجة، واستمتاعها بها في كل المناسبات، فيعود إلى أنها تجمع الأنيق بـ«الكاجوال»، وهو ما بات يلخص أسلوب حياتها وإيقاعه السريع. فقد تلبس بنطلون جينز عادياً، لكن ما إن تنسقه مع قميص مُورد، أو تلبس كنزة عادية مع تنورة مطبوعة بالورود، حتى تتغير الإطلالة بشكل يبث السعادة في النفس. ورغم أن هذه الموجة ولدت لمناسبات المساء والسهرة، وعلى خامات مثل المخمل والموسلين والحرير، فإنها في الوقت الحالي تناسب النهار، ولا تبدو فيه نشازاً. المهم أن تكون بكميات سخية وألوان متداخلة.
- همسات
> لا تزال هذه الورود تأخذ نكهة منطلقة ورومانسية في موسم الصيف، على العكس من فصل الشتاء الذي يجب أن تأخذ فيه شكلاً درامياً. فحتى الورود الصغيرة التي ارتبطت بلورا آشلي في السبعينات مقبولة الآن، شريطة أن تأتي على أرضية سوداء أو داكنة.
- يمكن ارتداء فستان قصير مطبوع بالورود مع جوارب سميكة وحذاء برقبة عالية. وإذا كنت تفضلين حذاء رياضياً، فمن الأفضل الاستغناء عن الجوارب.
> إذا كنت جديدة على هذه الموضة، وترهبين تأثيرها الدرامي، يمكنك الاقتصار على قطعة واحدة، مثل قميص أو كنزة مطرزة مع بنطلون عادي، أو العكس: تنورة مطرزة مع قميص بلون واحد. ولا تنسي أيضاً الاستعانة بجاكيت (بلايزر) من شأنه أن يخفف من قوتها بسهولة. وهناك أيضاً إمكانية أن تقتصر هذه الموضة على الأكسسوارات، مثل إيشارب أو حقيبة يد أو حذاء.
> ما تطرحه محلات الموضة الشعبية لا ينقصه الجمال، فهم يعرفون أنه لا مجال للاسترخاص، إذا كانوا يطمحون إلى البقاء والصمود أمام المنافسة الشرسة. لكن مع ذلك، لا بد من بعض الحذر فيما يتعلق باختيارها بأقمشة جيدة، وإلا بدت رخيصة جداً. الحرير رائج ناعم، لكن الدانتيل أو التول يمنحها بُعداً في غاية الأناقة في مناسبات المساء.
- الورود عبر التاريخ
> بغض النظر عن البيئة والجغرافيا والعمر، كانت الورود - ولا تزال - رمزاً للجمال، تبث السعادة والأمل في النفوس. ويقال إنها ظهرت على الأقمشة أول مرة في آسيا، ومنها جُلبت إلى الغرب، حيث كانت تُباع بأسعار باهظة، لأنها كانت من الحرير. وكانت وردة الفاوانيا مشهورة في الصين في عهد سلالة تانغ، في الفترة بين 618 و907 قبل الميلاد، وكانت مفضلة لدى الرسامين أيضاً، حيث كانت ترمز للجاه والقوة والرتبة العالية.
> في القرن الخامس عشر، انتقل حب الورود إلى أوروبا، لكن على الدانتيل، وهذا يعني أنه لم يكن بألوان صارخة، بل بلون القماش نفسه، وكان حينها مناسباً لكلا الجنسين.
> ظهرت الورود الكبيرة المتفتحة في القرنين السادس عشر والسابع عشر في الدولة الإسلامية على أقمشة ثقيلة غنية مثل المخمل، ولم تعد تقتصر على وردة الفاوانيا، بل شملت التوليب وزهر الرمان أكثر.
> في القرن السابع عشر، جلب التجار البريطانيون والهولنديون إلى أوروبا أقمشة من القطن من الهند مطبوعة بأنواع أخرى من الورود حققت لهم أرباحاً طائلة. ففي عام 1759، فكوا ألغازها، من طرق رسمها إلى كيفية مزج ألوانها، وأصبحوا يطرحونها بأسعار أقل. وهذا ما حصل أيضاً بعد ألف عام، أي في القرن التاسع عشر، مع انتشار الورود في أوروبا، وظهور ورشات تُقلد وتستنسخ الورود الآسيوية، لكن على أقمشة أرخص من الحرير، الأمر الذي جعلها متاحة بنسبة أكبر للناس.
> في العصر الفيكتوري، كانت الوردة المفضلة هي عباد الشمس، التي ظهرت في الأقمشة وأوراق الجدران والبلاطات.


مقالات ذات صلة

«ذا هايف»... نافذة «هارودز» على السعودية

لمسات الموضة جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)

«ذا هايف»... نافذة «هارودز» على السعودية

في ظل ما تمر به صناعة الترف من تباطؤ وركود مقلق أكدته عدة دراسات وأبحاث، كان لا بد لصناع الموضة من إعادة النظر في استراتيجيات قديمة لم تعد تواكب الأوضاع…

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة «موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

الألوان مثل العطور لها تأثيرات نفسية وعاطفية وحسية كثيرة، و«موكا موس» له تأثير حسي دافئ نابع من نعومته وإيحاءاته اللذيذة.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

2024... عام التحديات

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئن صناع الموضة بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات استباقية.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
TT

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ما الذي يمكن أن يجمع دوقة ساسكس، ميغان ماركل وكايلي جينر، صُغرى الأخوات كارداشيان؟ فالأولى ترتبط بالعائلة المالكة البريطانية بحكم زواجها من الأمير هاري، والثانية تنتمي إلى عائلة بَنَتْ شهرتها على تلفزيون الواقع. خبراء الموضة يجيبون بأن هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بينهما؛ فإلى جانب الجدل الذي تثيرانه لدى كل ظهور لإحداهما، بسبب ما تُمثلانه من ثقافة يرفضها بعض الناس ويدعمها بعضهم الآخر، فإن تأثيرهما على صناعة الموضة من الحقائق التي لا يختلف عليها اثنان. ما تلبسه ميغان يتصدر العناوين وصفحات المجلات البراقة وقد ينفد من المحلات، وما تنشره كايلي جينر على صفحاتها ينتشر انتشار النار في الهشيم، في دقائق، ويلهب رغبة متابعاتها في الشراء.

كايلي في فستان «فريز» من «غالفان» (خاص) وميغان في حفل بلوس أنجليس (أ.ب)

وهذا ما يجعل المصممين لا يمانعون ظهورهما بتصاميمهم، بغض النظر عما إذا اتفقوا مع الثقافة التي ترتبط بهما أم لا، على أساس أنه مهما وصلت نسبة الجدل والانتقادات؛ فهي نافعة تعود عليهم بالربح. أو، على أقل تقدير، تسلِّط الضوء عليهم.

في عام 2018، ظهرت كل منهما بفستان مستوحى من «التوكسيدو» باللون نفسه، ومن الماركة النيوزيلندية نفسها، ماغي مارلين. ظهرت به ماركل في زيارتها الرسمية لأستراليا ونيوزيلندا رفقة زوجها الأمير هاري، من دون أكمام، بعد أن طلبت من المصممة تعديله خصيصاً لها. كايلي، وبعد مدة قصيرة، ارتدته كما هو بأكمام، الأمر الذي يشي بأنها اشترته جاهزاً. في الحالتين، أسعدتا المصممة ماغي هيويت، التي تغنَّت بهما على صفحتها بالصورتين معبرة عن إعجابها بالشخصيتين؛ خصوصاً أن المبيعات زادت بشكل ملحوظ.

الجانب التجاري

لكن هناك أيضاً اختلافات بينهما؛ فكايلي تستفيد مادياً وترويجياً، لأنها تتلقى مبالغ طائلة لقاء منشور واحد، على العكس من ميغان التي لا تستطيع ذلك، لحد الآن على الأقل، لدواعي الحفاظ على صورة راقية تعكس لقبها كدوقة بريطانية، مع العلم بأن هذا اللقب لم يمنعها من دخول مضمار أعمال تجارية لم تحقق النجاح الذي تطمح إليه.

تغريدة واحدة من كايلي جينر تحقق ما لا يحققه عرض بكامله من ناحية تسليط الأضواء (رويترز)

في المقابل، فإن كايلي جينر، ورغم سنها الغضة، تجاوزت في فترة من الفترات حاجز المليار دولار لتُصبح واحدة من أصغر سيدات الأعمال بفضل علامتها «كاي (KHY)» لمستحضرات التجميل والعناية بالبشرة. أكدت، منذ بدايتها، أن الحس التجاري يجري في دمها؛ إذ شقت لنفسها خطأً مختلفاً عن أخواتها، ربما لأنها كانت تعرف أن منافستهن صعبة. ما نجحت فيه أنها استغلَّت اسم العائلة وشهرة أخواتها لتخاطب بنات جيلها بلغة تُدغدغ أحلامهن وطموحاتهن. وسرعان ما أصبحت نجمة قائمة بذاتها على وسائل التواصل الاجتماعي. تغريدة واحدة منها يمكن أن تغير مسار علامة تماماً.

زِيّ من ماركة «ألتوزارا» الأميركية ظهرت بها خلال مناسبة خاصة بالصحة النفسية والعقل اعتبره كثيرون غير مناسب للمكان والزمان (رويترز)

ميغان ماركل، رغم استثماراتها ومغازلتها صُنَّاع الموضة، لا تزال تستمد بريق صورتها من ارتباطها بالأمير هاري. على المستوى الربحي، لم تنجح في أن تنتقل من رتبة مؤثرة إلى درجة سيدة أعمال، كما لم تنجح في كسب كل القلوب، وهذا ما يجعل شريحة مهمة ترفض وصفها بأيقونة موضة، وتصف اختياراتها بـ«غير الموفقة». هذه الشريحة تستشهد إما بارتدائها تصاميم بمقاسات أكبر أو أصغر من مقاسها الحقيقي، أو تصاميم من ماركات عالمية لا تناسب شكلها أو طولها، وهلمّ جرّا.

ميغان ماركل رغم تأثيرها تثير كثيراً من الجدل بين رافض ومعجب (كارولينا هيريرا)

بيد أن قوتها، بالنسبة للمعجبات بها، كانت، ولا تزال، تكمن في عيوبها؛ فلأنها لا تتمتع بمقاييس عارضات الأزياء، ولا تشبه «كنَّتها»، أميرة ويلز، كاثرين، رشاقةً وطولاً، فإنها تُعبِّر عنهن. كل فتاة أو امرأة، بغض النظر عن عيوبها ومقاييسها، ترى نفسها في إطلالاتها. فعندما ظهرت بصندل من شركة «كاستنر» الإسبانية مثلاً ارتفعت مبيعاتها بنسبة 44 في المائة مباشرة، لأنها خاطبت شرائح من الطبقات المتوسطة، نظراً لأسعارها المعقولة. علامات محلية كثيرة لم تكن معروفة اكتسبت عالمية بمجرد أن ظهرت بها، لا سيما في السنوات الأولى من زواجها، حين كانت بالنسبة للبعض بمثابة «سندريلا» معاصرة. ساهمت أيضاً في تسليط الضوء على علامة «Club Monaco»، بعد ظهورها بفستان مستوحى من القميص، أي بإزار من الصدر إلى الأسفل، حين ظهرت به أول مرة خلال زيارتها الرسمية لجنوب أفريقيا.

لم يكن التصميم ثورياً أو جديداً، لكنه فتح عيون المرأة عليه، ليزيد الإقبال عليه بنسبة 45 في المائة وينفذ من الأسواق خلال 24 ساعة. كان لها نفس التأثير الإيجابي على علامات مثل «جي كرو» و«جيفنشي» و«ستيلا ماكارتني» وغيرهم. منصة «ليست»، وهي أيضاً شركة تسوُّق أزياء عالمية تربط العملاء بتجار تجزئة الأزياء رشحتها «كأهم مؤثرة لعام 2018». بيد أن تأثيرها ظلَّ مستمراً حتى بعد خروجها من المؤسسة البريطانية في عام 2020، وإن خفَّ وهج صورتها بعض الشيء.

البحث عن الجاكيت الذي ظهرت به ميغان في ألمانيا لدى حضورها ألعاب «إنفيكتوس» عطل موقع «جي كرو» (رويترز)

موقع «جي كرو» مثلاً تعطَّل في سبتمبر (أيلول) 2023، بسبب البحث عن سترة بيضاء ظهرت بها لدى مرافقتها زوجها، الأمير هاري، إلى ألمانيا، لحضور ألعاب «إنفيكتوس».

ولأنها باتت تَعرِف قوة تأثيرها على الموضة، استثمرت مؤخراً في علامة «سيستا كوليكتيف»، وهي علامة حقائب تصنعها نساء من رواندا، وتكتمل تفاصيلها في إيطاليا، لتحمل صفة «صُنع باليد». قالت إنها اكتشفتها بالصدفة وهي تقوم بعملية بحث عبر الإنترنت على حقائب مستدامة. ظهرت بالحقيبة أول مرة في مايو (أيار) من عام 2023 لدى حضورها حفل عشاء مع كل من غوينيث بالترو وكاميرون دياز في لوس أنجليس.

عروض الأزياء العالمية

ومع ذلك، لم نرَ ميغان ماركل بأي عرض أزياء في نيويورك أو في باريس أو ميلانو حتى الآن، باستثناء حضورها في عام 2018 حفل توزيع جوائز الموضة البريطانية ضيفةَ شرفٍ لتقديم جائزة العام لمصممة فستان زفافها، كلير وايت كيلر، التي كانت مصممة «جيفنشي» آنذاك. لكن كان هذا حفلاً وليس عرض أزياء.

اختتمت عرض «كوبرني» كسندريلا في فستان من التافتا أسود (رويترز)

كايلي جينر، ورغم رفض الثقافة التي تمثلها هي وأخواتها من قبل شريحة مهمة، أصبحت في السنوات الأخيرة وجهاً مألوفاً في عروض باريس. تُستقبل فيها استقبال نجمات الصف الأول. في الموسم الماضي، وخلال «أسبوع باريس لربيع وصيف 2025»، سجَّلَت في 3 ظهورات لها فقط ما يوازي ما قيمته أكثر من 20.3 مليون دولار، حسب بيانات «إنستغرام» وحده، إذا أخذنا أن «لايك» واحداً يساوي دولاراً.

لهذا ليس غريباً أن يتهافت عليها المصممون. نعم، هي مثيرة للجدل وأسلوبها لا يروق لكل الزبونات، لكنها في آخر المطاف توفر المطلوب من ناحية تسليط الضوء عليهم. ففي عالم الموضة والتجارة «أي دعاية حتى وإن كانت سلبية هي دعاية مجدية وأفضل من لا شيء». لم يقتصر حضورها في الموسم الباريسي ضيفةً فحسب، بل عارضة في عرض «كوبرني» المستلهم من عالم «ديزني». كانت هي مَن اختتمته في فستان من التافتا بإيحاءات قوطية تستحضر صورة «سندريلا».

تأثير إيجابي

3 مقاطع فقط من فيديو العرض، ولقطات من خلف الكواليس حققت 14.4 مليون مشاهدة؛ ما جعل علامة «كوبرني» تحقق 66 في المائة من إجمالي قيمة التأثير الإعلامي. كانت مشاركتها مخاطرة، لكنها أعطت ثماراً جيدة حسب تصريح الدار. تجدر الإشارة إلى أن «كوبرني» لمست تأثيرها القوي في عام 2022، عندما ظهرت في دعاية لمستحضرات التجميل الخاصة بها، وهي تحمل حقيبة من «كوبرني». ما إن نُشرت الصور، حتى زادت مبيعات الحقيبة بشكل كبير. في عرض الدار لخريف وشتاء 2023. لم تتمكن كايلي من الحضور إلى باريس، لكنها لم تغب؛ إذ نشرت صورة لها في زي من التشكيلة المعروضة، شاهدها الملايين من متابعيها، وحقَّقت ما لم يحققه العرض بالكامل من ناحية المشاهدات و«اللايكات».

كايلي جينر لدى حضورها عرض «سكاباريلي» بباريس (سكاباريلي)

وإذا كان الشك لا يزال يراود البعض على مدى تأثيرها على أساس أن علامة «كوبرني» لها شعبيتها الخاصة التي تستمدها من قدرة مصمميها على الإبداع وخلق الإثارة المسرحية أمام الضيوف، فإن تأثيرها الإيجابي على علامة «أتلين» الفرنسية الناشئة تُفند هذه الشكوك. وجودها في عرضها لربيع وصيف 2025 كان له مفعول السحر؛ حيث حققت لها ما يوازي 11.6 مليون دولار من المشاهدات واللايكات. طبعاً لا ننسى حضورها عرض «سكاباريلي» بتصميمٍ أثار انتباه العالم لغرابته وسرياليته.

رغم محاولاتها أن تُصبح أيقونة موضة لا تزال ميغان تستمد بريقها وقوة تأثيرها من ارتباطها بالأمير هاري (أ.ف.ب)

«كايلي» لا تقوم بأي حركة أو فعل من دون مقابل. حتى عندما تختار علامات ناشئة للتعاون مع علامتها الخاصة «كاي (Khy)»؛ فهي تؤمن بأنه لا شيء بالمجان. وهذا تحديداً ما يجعلها تتفوق على ميغان ماركل من ناحية التأثير التجاري حسب الأرقام والخوارزميات. الفضل يعود أيضاً إلى نجاحها في استقطاب شريحة مهمة من بنات جيلها تخاطبهن بلغة تُدغدغ أحلامهن. ماركل في المقابل لم تنجح لحد الآن في الخروج من جلباب لقبها كدوقة ساسكس.