مشهد قطع الطرقات يعمّ من جديد معظم مناطق لبنان

متظاهرون يرغمون المصارف والمؤسسات العامة على الإقفال... و«المستقبل» يرفض اتهامه بالمسؤولية عن توسع الاحتجاجات

متظاهرون يقطعون طريقاً رئيسية في بيروت أمس (إ. ب.أ)
متظاهرون يقطعون طريقاً رئيسية في بيروت أمس (إ. ب.أ)
TT

مشهد قطع الطرقات يعمّ من جديد معظم مناطق لبنان

متظاهرون يقطعون طريقاً رئيسية في بيروت أمس (إ. ب.أ)
متظاهرون يقطعون طريقاً رئيسية في بيروت أمس (إ. ب.أ)

أعاد إقفال الطرقات الذي عمّ مختلف المناطق اللبنانية أمس المشهد إلى ما كان عليه في أول أيام الحراك الشعبي، قبل 18 يوما، وذلك بعدما عاد المتظاهرون إلى الشارع لإقفال الطرقات وأعلنوا يوم أمس الاثنين إضرابا عاما، في رد منهم على تجاهل السلطة لمطالبهم، وعدم الدعوة إلى استشارات نيابية لتكليف رئيس للحكومة.
ومنذ ساعات الصباح الأولى، عمد المحتجون إلى إقفال الطرقات الرئيسية في مختلف المناطق، والتي كان بعضها قد أقفل منذ ليل أمس حيث قضى المتظاهرون ليلتهم في الخيم.
وسجّل كر وفر في مناطق عدة بين المتظاهرين والقوى الأمنية التي حاولت إعادة فتح الطرقات، حيث كانت تنجح أحيانا ويعيد المتظاهرون إقفالها أحيانا أخرى.
وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام أن القوى الأمنية حاولت إزالة الأحجار والعوائق عن جسر الرينغ، في وسط بيروت، لفتح الطريق إلا أن المعتصمين أعادوا قطعها بأجسادهم. وسُجل إشكال عند هذه النقطة بين عدد من المواطنين الذين يصرون على المرور بين المتظاهرين.
وللسبب نفسه، سُجل أيضا إشكال في منطقة الشفروليه بين مواطنين يصرون على المرور بين محتجين يرفضون مرورهم، ويؤكدون استمرار قطع الطريق ويطلبون من المواطنين المرور من طرق فرعية مفتوحة.
وعند مدخل العاصمة الجنوبي، أقفلت طريق جسر خلدة - المطار وعمدت قوى الأمن الداخلي على تحويل السير من طريق المطار باتجاه الجنوب إلى منطقة الأوزاعي.
واستمرت كذلك الاحتجاجات في منطقة الشوف في جبل لبنان، حيث أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بقطع الطرق في المنطقة من قبل مجموعات من المحتجين لا سيما في بيت الدين وسراي البلدة، التي نصب المعتصمون على مدخلها خيما خاصة بهم، وعدد من بلدات المنطقة. أما المؤسسات الرسمية فلم تتمكن من فتح أبوابها بما في ذلك المدارس والجامعات والمعاهد.
وفي عاليه، عمد عدد من المحتجين إلى الدخول إلى مصرفين في الشارع الرئيسي في المدينة وأغلقوهما.
وفي الجنوب عادت معظم مناطقه إلى حياتها الطبيعية وافتتحت معظم المؤسسات أبوابها، باستثناء مدينة صيدا التي حوّل المحتجون تحركاتهم صباحا إلى تجمعات واعتصامات متنقلة أمام المؤسسات العامة من كهرباء ومياه واتصالات لمنع الموظفين من العمل. كما عملوا على إغلاق مداخل المصارف أمام موظفيها. كذلك شهدت المحال في السوق التجارية إقفالا تاما، في حين زاول موظفو السراي الحكومي عملهم كالمعتاد. أما المدارس الخاصة والرسمية والجامعات فقد أقفلت أبوابها، بحسب الوكالة الوطنية للإعلام.
وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن المحتجين في صيدا تجمعوا أمام عدد من المصارف مانعين الموظفين من الدخول إليها، فيما لم تفتح المحال في سوق صيدا التجارية.
وبحسب «الوكالة» عمد المحتجون أيضا إلى إغلاق البوابة الرئيسية لمؤسسة الكهرباء في صيدا بالسلاسل المعدنية ووضعوا عليها ورقة كتب عليها «الطريق مقطوعة بسبب صيانة الوطن». كذلك تجمع عدد من المحتجين عند بوابة سنترال «أوجيرو» ومنعوا الموظفين من الدخول ومزاولة العمل، فيما أعاد الجيش فتح الطرق التي تم قطعها صباح اليوم، وسير دوريات في شوارع المدينة.
وكان المحتجون قد بدأوا إضرابهم فجرا بقطع الطرق الداخلية والرئيسية في صيدا، وما لبث الجيش أن فتحها في مختلف الاتجاهات، وعمل على تسيير دوريات مكثفة لمنع إقفالها من جديد أمام المواطنين.
أما في صور فبقيت كافة الطرقات المؤدية من وإلى المدينة وطرقات القرى والبلدات في القضاء سالكة ولم تشهد أي إقفال، كما زاولت كافة القطاعات الرسمية والخاصة أعمالها كالمعتاد. كما أن المدارس الرسمية والخاصة وبعض الجامعات فتحت أبوابها أمام الطلاب. وبدت خيمة الاعتصام عند ساحة العلم في ساعات الصباح خالية تماما، بحسب «الوكالة الوطنية».
وذكرت الوكالة أن الطريق الدولية التي تربط البقاع بالجنوب تم قطعها بالسيارات كما تم إقفال بعض الطرق الداخلية لمنع وصول الطلاب إلى المدارس.
والتزمت معظم مناطق الشمال بالإضراب، وسجل إقفال طرق رئيسية عدة، قبل أن يعاد فتح جزء كبير منها، فيما سجل دخول محتجين إلى بعض المصارف طالبين إقفالها.
وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بتوجه عدد من المعتصمين في طرابلس إلى بعض المصارف طالبين من الموظفين المغادرة، ثم توجهوا إلى نقابة المهندسين وتجمهروا أمامها، رافعين الأعلام اللبنانية ومرددين هتافات تطالب «بمحاسبة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة»، ثم طلبوا من المهندسين والإداريين مغادرة مبنى النقابة وإقفال أبوابها، وتوجه عدد من المحتجين إلى مبنى المالية والعقارية وطلبوا من الموظفين التوقف عن العمل.
وعمدت عدة فروع المصارف إلى إقفال أبوابها قبل وصول المتظاهرين إليها، علما بأن معظم المصارف كانت قد أغلقت أبوابها الخارجية، واقتصر نشاطها على أعمال داخلية يقوم بها الموظفون.
وحصل تدافع بين الجيش والمتظاهرين الذين قطعوا أوتوستراد البحصاص - بيروت وأطلق الجيش الرصاص المطاطي ما أدى إلى إصابة شاب وتم نقله إلى المستشفى.
وفيما يلقي البعض اتهامات على «تيار المستقبل» بأنه يقف خلف إقفال الطرقات، وخاصة بعد استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري وللدفع باتجاه تكليفه مجددا، نفى «التيار» هذا الأمر، مؤكدا أنه «لا علاقة لنا بإقفال الطرقات، وأن التكليف مسألة دستورية».
وقال «المستقبل» في بيان له: «يتولى ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإخبارية تحميل (تيار المستقبل) مسؤولية إقفال الطرقات في عدد من المناطق. ويرد هؤلاء ادعاءاتهم إلى أمر عمليات لمناصري التيار بالنزول إلى الشارع للمشاركة في معركة شد الحبال حول الاستشارات النيابية، ودعم تكليف الرئيس سعد الحريري». من هنا «يؤكد (تيار المستقبل) أن كل ما ينشر ويعمم في هذا الشأن هو من صنع الأدوات والأقلام التي تعمل على خط الفتنة وتأليب النفوس ويضيق صدرها بمشاعر التضامن مع الرئيس الحريري الذي لن يضع نفسه تحت أي ظرف في حلبة السباق الإعلامي على رئاسة الحكومة، ويعتبر التكليف مسألة دستورية تخضع للاستشارات النيابية الملزمة وليس لتمنيات الباحثين عن الشحن الطائفي على مواقع التواصل».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.