مخاوف من تشكيل «حكومة مواجهة» تحتفظ بوزير الخارجية

مظاهرة بعبدا «رسالة سياسية لإعادة تسويق» جبران باسيل

TT

مخاوف من تشكيل «حكومة مواجهة» تحتفظ بوزير الخارجية

قالت مصادر وزارية ونيابية، أمس، إن مجرد تحديد مواعيد للكتل النيابية، هذا الأسبوع، للمشاركة في الاستشارات النيابية التي سيجريها رئيس الجمهورية ميشال عون، لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة، يعني أن التروّي في دعوتها يهدف إلى إفساح المجال أمام رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، لتوظيف القوة التي استمدها من خلال مشاركة آلاف من مؤيديه في المظاهرة المؤيدة لعون، في إعادة تسويق نفسه أمام أكثرية الكتل النيابية المطالبة بعدم توزيره، التي تلتقي في مطالبتها مع الحراك الشعبي. وأضافت أن ذلك الوضع سيؤدي إلى تشكيل «حكومة مواجهة» مع الشارع.
ورأت المصادر الوزارية والنيابية أن التذرّع في تأخير تحديد مواعيد للاستشارات النيابية يعود إلى رغبة الرئيس عون في إجراء مشاورات تقضي بتوفير الحلول لبعض العُقد المطروحة، حتى يأتي التكليف طبيعياً، ما يسهّل لاحقاً عملية تأليف الحكومة، لم يُترجم إلى خطوات ملموسة باتجاه التواصل مع قوى سياسية رئيسية معنية مباشرة بعملية تأليف الحكومة، وإلا ما هو التفسير لعدم شمولها حزبي «القوات اللبنانية» و«التقدمي الاشتراكي» وحركة «أمل» وتيار «المستقبل».
ولفتت المصادر ذاتها إلى أن المشاورات بقيت محصورة في «حزب الله»، الذي تواصل مع رئيس الجمهورية، ومع الوزير باسيل، إضافة إلى الفريق الوزاري للرئيس عون، مشيرة إلى أن الأخير تواصل مع أكثر من مرشح لتولّي رئاسة الحكومة، وبعضهم عرض عليه «خدماته السياسية»، لكنه اصطدم بنصيحة أُسديت له من خارج هذا الفريق بعدم الخروج عن إرادة الطائفة السنّية التي ينتمون إليها. وأكدت المصادر نفسها أن من نظّم المظاهرة التي قام بها «التيار الوطني» إلى بعبدا، وتولى رعايتها، أراد من خلالها توجيه رسالة للآخرين، مفادها بأن باسيل يُعتبر أحد أبرز الأرقام السياسية في المعادلة، وبالتالي لا مجال لإبعاده حتى لو أعطى «التيار الوطني» في الحكومة أغلى الأثمان السياسية، لأن في إعفائه انتصاراً لرئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري، الذي ليس وارداً أن يعود إلى رئاسة الحكومة بحكومة جديدة تُعتبر نسخة طبق الأصل من الحكومة الحالية.
واعتبرت المصادر أن إبعاد باسيل يشكّل انتصاراً لـ«التقدّمي»، الذي يفضّل عدم مشاركته في حكومة ما سماه «من كل وادٍ عصا»، ووقوفه في الوقت نفسه إلى جانب الحريري، وقالت إن حزب «القوات» سيحصد انتصاراً بإبعاده حتى لو لم يشارك في الحكومة الجديدة. وأضافت المصادر أنها تستبعد توقيع الرئيس عون على مرسوم تشكيل حكومة يغيب عنها باسيل، لكنها رأت في المقابل أن إصراره على حضوره فيها سيؤدي حتماً إلى تشكيل حكومة مواجهة، لذا يفضّل «الثنائي الشيعي» عدم اللجوء إلى مثل هذا الخيار؛ خصوصاً أن «حزب الله» في حاجة إلى غطاء سياسي في ظل تشديد العقوبات الأميركية المفروضة عليه، إضافة إلى أن رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، يفضّل المجيء بحكومة يرأسها شخص قادر على لملمة الشارع، ولديه القدرة على مخاطبة المجتمعين العربي والدولي.
وأكدت أن مجرد وجود شعور لدى الرئيس عون ومعه «التيار الوطني» في إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل بدء الحراك الشعبي، واستقالة الحريري، يعني حكماً بأن الأخير لن يعود إلى رئاسة الحكومة، لأن مثل هذا التوجّه لن يُحدث الصدمة السياسية التي تؤشّر إلى وجود رغبة في استيعاب الشارع، وأيضاً تمرير رسالة إلى المجتمع الدولي تنمّ عن رغبة في التغيير. واعتبرت أن الوضع المتأزّم في البلد لا يحتمل الهروب إلى الأمام، وكأن من يريد المجيء بحكومة عادية بات أشبه بمن يضع العربة أمام الحصان، وسألت عن الجدوى من المشاورات، وماذا حققت، طالما أنها اقتصرت على فريق سياسي من لون واحد، وجُل من شارك فيها هم من «أهل البيت».
وقالت المصادر إن تقديم المشاورات على الاستشارات لم يكن في محله طالما أنها بقيت محدودة، مع أن مثل هذه الخطوة ليست موجّهة للرئيس الحريري، وإنما إلى البرلمان، رغم أن الدستور اللبناني لم يحدد أي موعد للقيام بهذه الاستشارات. وأضافت بأن العُرف في هذا المجال يبقى أقوى من خلوّ الدستور من أي إشارة تتعلق بتحديد مواعيد للبدء بهذه الاستشارات المُلزمة، وإن كان سبق لرئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان أن خرقها عندما أجّل الاستشارات بعد الإطاحة بحكومة الحريري الأولى، بضغط مباشر من «حزب الله»، ما سمح للرئيس نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة.
ومع أن المصادر نفسها سألت ما إذا كان التريُّث بتحديد موعد للاستشارات، وإن بذريعة إتاحة الفرصة لرئيس الجمهورية للقيام بمشاورات، جاء بناءً على نصيحة الفريق الوزاري الرئاسي بربط التكليف بالاتفاق على التأليف بكل تفاصيله. وفي السياق نفسه، سألت المصادر ما إذا كان هناك من نصح بترحيل الاستشارات لبعض الوقت، لقطع الطريق على الرئيس المكلف، حال جاءت التسمية لمصلحة الحريري بأن يأخذ وقته في تشكيل الحكومة، كما حصل في الحكومة المستقيلة، في ظل غياب أي نص في الدستور يُلزمه بوجود مهلة لتأليفها؛ خصوصاً أن وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية، سليم جريصاتي، كان أول من طالب بالعودة إلى البرلمان للنظر في تأخّر الحريري بتشكيل حكومته، ولقي في حينها معارضة شديدة، باعتبار أن ما يطالب به يشكل اعتداءً على صلاحيات رئيس الحكومة.
غير أنه لا بد من التريّث إلى حين تحديد مواعيد لبدء الاستشارات النيابية، لئلا تكون الأحكام على قيام رئيس الجمهورية بمشاورات وكأنها تتعلق بما حصل إبان تولي الحريري رئاسة الحكومة للمرة الثانية في عهد الرئيس عون، الذي لم يترك جريصاتي وحيداً في «اجتهاداته»، وإنما راح يتناغم معه. وعليه فإن استقالة الحريري دفعت بعدد من سفراء الدول الأوروبية إلى التحرك باتجاه الرئيس عون، وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر دبلوماسية أن أحد السفراء التقى الوزير جريصاتي، الذي حصر حديثه معه في سؤاله عن الأسباب الكامنة وراء الحملة على باسيل.
كما أن سفراء أوروبيين تداولوا بمجموعة المقترحات لمساعدة لبنان للخروج من التأزّم الذي هو فيه الآن، أبرزها: تبني الاقتراح الذي تقدّمت به الحكومة الألمانية لإعادة تأهيل قطاع الكهرباء، ويقضي بإنشاء معامل لتوليد الطاقة في خلال أقل من سنة على أن تنتج نحو ألف ميغاواط، لكن لم يؤخذ به، لأن الأفضلية ما زالت للحل المؤقت إلى حين استدراج العروض لإنشاء معامل جديدة لإنتاج الطاقة. وأيضاً، ضرورة «ترشيق» القطاع العام لخفض العجز في الموازنة، وتشكيل حكومة مستقلة تعمل على استرداد بعض السيادة، في إشارة إلى ضبط نفوذ «حزب الله»، والعمل لاحقاً على تطبيق القرار الدولي 1701.
ومن بين المقترحات المتداولة أيضاً، ضرورة أن يعقد مجلس الوزراء جلساته في المقر الخاص به، كما نص عليه الدستور اللبناني، وتحقيق الشراكة بين القطاعين الخاص والعام لجهة الشروع في خصخصة بعض المرافق المنتجة التي تتيح للبنان البدء بخفض العجز في الموازنة، وفي إطفاء الدين العام على مراحل، وضرورة احتضان «الحراك الشعبي» والاستجابة لمعظم مطالبه التي وردت في الورقة الإصلاحية التي تلاها الحريري قبل استقالته، واستعداد الدول الأوروبية لتأمين 10 مليارات دولار من خلال اكتتابها في سندات خزينة، على أن توظّف لخفض العجز في الموازنة، ولا علاقة لها بمقرّرات مؤتمر «سيدر».
لذلك اعتبرت مصادر أوروبية أن هذه المقترحات تعبّر عن إصرار دول الاتحاد الأوروبي على دعم لبنان، ووقف انهياره الاقتصادي الذي يأخذه إلى المجهول. ورأت أن هناك ضرورة أيضاً لإشعار اللبنانيين بأنهم غير متروكين، وأن هناك من يرعاهم ويساعدهم في مواجهة المشروع الإيراني الذي يتمدّد في دول المنطقة، ومنها لبنان.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.