الحوثيون.. ينقلون تجربة «حزب الله» ويستغلون ضعف الدولة

أسواق السلاح تخضع لسيطرتهم بسبب قدرتهم على التفاوض والشراء بكميات كبيرة

حوثيون خلال احتجاج مناهض للحكومة بصنعاء في سبتمبر الماضي (غيتي)
حوثيون خلال احتجاج مناهض للحكومة بصنعاء في سبتمبر الماضي (غيتي)
TT

الحوثيون.. ينقلون تجربة «حزب الله» ويستغلون ضعف الدولة

حوثيون خلال احتجاج مناهض للحكومة بصنعاء في سبتمبر الماضي (غيتي)
حوثيون خلال احتجاج مناهض للحكومة بصنعاء في سبتمبر الماضي (غيتي)

في جبال مرّان الوعرة يقف ضريح ومزار حسين الحوثي مهندس انتقال الزيدية المعتدلة إلى تشيع سياسي حادّ سرعان ما تحول إلى شعلة من الثورة الدائمة لتكرار تجربة الثورة الإيرانية أو على الأقل التحول إلى «حزب الله» اليمني في خاصرة الخليج.. شيد الضريح الفارسي التصميم وبات مزارا يقصده الأطفال وأمهاتهم الثكالى في طقوس رمزية كربلائية سميت «يوم الصرخة» يجمعهم زي موحد وتفرقهم أهواء عديدة.
وفي ما يلي ملخص لتحقيق موسع نشر في عدد الشهر الحالي من الشقيقة «المجلة» بشأن استنساخ الحوثيين لتجربة «حزب الله» ومحاولة تطبيقها في اليمن.

شكّل حضور أنصار الله («حزب الله» اليمني المستنسخ) مفاجأة مدوية في الأيام الماضية بمشروعه الانقلابي الذي استغل تردي الأوضاع في اليمن وانشغال العالم بـ«داعش»، ليعيد ترتيب الأوراق والأولويات والمكونات السياسية ونفوذها في صنعاء؛ حيث مركزية العاصمة التي لا يمكن تمرير أي أجندة في اليمن دون السيطرة عليها.
استغل الحوثيون (أنصار الله) تردي الأوضاع اليمنية لينفذوا ككل المنظمات والتيارات الأصولية التي تمثل أسوأ نماذج الإسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني عبر بوابة الملفات الاجتماعية الحقوقية، وكان من أبرزها قضية رفع أسعار الوقود، القضية الشعبية الأبرز في تثوير الحالة اليمنية منذ سقوط نظام علي عبد الله صالح الذي بدا مقامرا بصمته على تمدد الحوثيين نكاية في حكومة هادي القادمة على أكتاف «الربيع العربي» الهزيلة.
تنسدل جدائل هذا التنظيم العنيف والسياسي الذي يتحرك بتوازن ما بين حضوره السياسي والآيدلوجي، وما بين تمثيله الأمين لأجندة إيران في المنطقة، لكن بخصوصية محلية إلى الانسلاخ الذي عرفته الطائفة الزيدية في اليمن عن جلدها والتحول من التشيع المتسنن، كما كان يقال إلى التشيع السياسي المنتمي إلى مرجعية إيران في محاولة للوصول إلى خصوصية تجربة «حزب الله» اللبناني.
هذا الانسلاخ يمكن رصد بداياته مبكرا، إلا أنه على مستوى المسار التنظيمي بدأ في مطلع التسعينات عندما أراد الحوثيون تدشين منتجهم الأصولي الجديد «الشباب المؤمن» في منطقة صعدة 240 كم شمالا عن صنعاء، وهي منطقة ذات أغلبية شيعية كاسحة تقودها مرجعية دينية قوية ومتماسكة وموحدة تتمتع بكاريزما الزعامة الدينية التي يفتقدها الإسلام السني المتذرر منذ منتصف الـتسعينات حين أضعفت التنظيمات الأصولية التابعة للإسلام السياسي على المؤسسات الدينية التقليدية بمرجعياتها.
بدر الدين الحوثي الأب الروحي للحوثيين وأحد أهم مراجع المذهب الزيدي الجارودي في اليمن الذي ينحو إلى التجديد ورفض التقليد ودعا إلى محاربة علماء الزيدية التقليديين بسبب تقصيرهم في التقارب مع المذاهب غير السنية، وأبرزها المذهب الاثنا عشري الجعفري الذي يشكل نسغ ومركزية المذهب الشيعي في العالم.

* أزمة توازنات
* واحد من مآزق التمدد «الحوثي» في اليمن هو استغلال النظام السياسي آنذاك بقيادة علي عبد الله صالح، الشخصية الأبرز في اللعب بوصفه ضابط إيقاع بين القوى الدينية المختلفة التي تفترق على غيره وتجتمع عليه، لا سيما حضوره القوي في أوساط السلفيين التقليديين من أهل الحديث في دماج في منطقة صعدة، وهي معادلة ومفارقة كان يستخدمها صالح في الإبقاء على السلفيين في تلك المناطق لإحداث توازن عقائدي طمعا في التوازن السياسي، بينما كان ينظر الزيديون إليها بوصفها محاولات إرباك للهوية الزيدية، وبالتالي ساهم تمدد الصحوة السلفية التي قاد شقها العلمي أهل الحديث بدماج والسلفيون في اليمن، وشقها الحركي والسياسي حزب الإصلاح المحسوب على الإخوان في تفريغ الزيدية التقليدية من محتواها وإضعافها، وبالتالي تحول الأجيال الجديدة من شباب الزيدية باتجاه مقولات الحوثي في مواجهة الحصار المناطقي والسلفي والإصلاحي، برعاية حكومية لأسباب تتصل بمدى قرب أو بعد هذه التنظيمات من استراتيجية علي عبد الله صالح في مراحل حكمه المختلفة، وقدرته على ارتداء قبعة حامي الهوّية الزيدية التي تشكل نصفه الأول، والمحافظ على الخطاب السلفي المهيمن على معظم مناطق اليمن في تراجع للمدرستين الشافعية والزيدية التقليديتين.
اتجه حسين بدر الدين الحوثي - الذي يعد بمثابة «سيد قطب الزيدية - بداية إلى القبائل طارحا فكرة تنظيمه الجديد «أنصار الله» الآن، وترافق ذلك مع تدشين مؤسسات خيرية وتعليمية على طريقة «حزب الله» في الجنوب اللبناني، وساهم تراجع وإخفاق الدولة إلى تحول منطقة صعدة إلى ما يشبه فكرة المجتمع المنفصل أو الدولة داخل الدولة.
وفي اشتداد ضربات الولايات المتحدة لتنظيم القاعدة في اليمن وتركيزها على مسألة الإرهاب القاعدي نشطت الحركة الزيدية الجديدة الثائرة في تدعيم صفوفها وإعادة بناء نفسها مستخدمة كل الشعارات التسويقية ومقتفية آثار «حزب الله» وتكنيكاته حتى قيل في تلك الأيام إن عناصر كثيرة من الحزب تسللت على فترات متباعدة لإعطاء التوجيهات، والتأكد من تمدد الهوية الزيدية السياسية الجديدة التي اتخذت شعارها «الله أكبر.. الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام».

* لحظة المواجهة
* تغلب تنظيم أنصار الله بقيادة حسين الحوثي على الزيدية التقليدية خلال أعوام من الحشد والتأليب والتثوير للمذهب الزيدي الذي ساعد تردي الأوضاع، وارتفاع منسوب الطائفية في اليمن إلى انتقال الأجيال الجديدة لموالاة تنظيم الشباب المؤمن الذي اكتمل عقد مؤسساته المستقلة، وقدرته على الاستقلال الذاتي ليس عسكريا، وإنما حتى على مستوى التمويل والتحالفات السياسية المستقلة.
لاحقا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) التي ألقت بظلالها على الجسد السني بكل تشكلاته معتدليه ومتطرفيه، وحتى المدارس والتيارات التقليدية ذات الطابع السلمي تأثرت بذلك الحدث، مما أتاح الفرصة للأقليات المذهبية والفقهية الصغيرة أن تعيد النمو في ظل الحرب على الإرهاب إما بتقديم نفسها بديلا أو حتى محاولاتها الدؤوبة لإعادة الاعتبار لذاتها باعتبارها تجليات معتدلة، ومن هنا بدأت سلسلة من السجالات العنيفة بين الحوثيين الجدد والسلفيين في اليمن، لا سيما أهل الحديث في دماج، وساهم انفلات الوضع الأمني وانتعاش سوق السلاح والتهريب إلى تمدد الحوثيين داخل مناطقهم؛ مما استدعى لحظة المواجهة التي اتخذت عدة نسخ ولأسباب مختلفة، إلا أنها جميعا منذ الحرب الأولى في يونيو (حزيران) 2004 التي شهدت مقتل حسين الحوثي قائد التنظيم ساهمت في تعزيز الانفصال بين الزيدية الجديدة المتحولة باتجاه الإسلام السياسي الشيعي وبقية مكونات المجتمع اليمني، ولم يستطع حتى علي صالح ولا قبائل حاشد إيقاف هذا النزيف، ولاحقا التصدي للاستقلالية التي كان ينظر إليها بوصفها عاملا للضغط، وإيجاد التوازن ضد اجتياح واكتساح حزب الإصلاح الإخواني الذي تزامن تضخم دوره السياسي على الدعوي.

* فوضى التسليح
* وإذا كان من ملمح لافت في مسألة التقارب في تجربة «حزب الله» وأنصار الله، فهو التشابه على مستوى التسليح والخبرات العسكرية العريقة، الحوثيون بدورهم أطلقوا صواريخ الكاتيوشا في الحرب السادسة عام 2010 وهي ذات الصواريخ التي استخدمها «حزب الله»، الذي تشاع الأخبار أنه بعث بمدربين تابعين له في منطقة صعدة، وثمة تقارير دولية كثيرة ذكرت ارتباط قاعدة إيران العسكرية في إريتريا بمعسكرات الحوثيين التي تستمد السلاح عبر الشواطئ القريبة وأبرزها ميناء «ميدي» وميناء أقرب الموانئ من صعدة، وعادة ما يستخدم المهربون قوارب الصيد التي لا تلفت الأنظار.
أسواق السلاح من جهة أخرى خضعت لسيطرة الحوثيين بسبب قدرتهم على التفاوض والشراء بكميات كبيرة هناك على سبيل المثال سوق «الطلح» الأهم والأبرز في إمداد المقاتلين من أنصار الله، هذا عدا الاستفادة من غنائم الحرب مع الميليشيات الحكومية أو المستقلة.
من أجل تأسيس الانفصال الأبدي لأنصار «حزب الله» (النسخة اليمنية) لم يستعجل الحوثيون بل استغلوا فترة الكمون في مطلع الألفية إلى اللحظة المناسبة لإعلان استقلالهم الفكري والتنظيمي وكانت معركة 2004 التي أعلن عن مقتل قائد التنظيم، تلتها حرب مارس (آذار) 2005 التي قادها الأب بدر الدين الحوثي، وكانت لحظة انصهار الزيدية في الحوثية لأسباب تتصل بطبيعة الانزياح في المواقف السياسية للأقليات العقائدية التي تتجه في أوقات الحروب والأزمات إلى الانكفاء على الذات والتطرف والخروج من جسد المجتمع.
الحرب الثالثة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2005 أكدت على استقلالية الأجنحة الحوثية وتحولها إلى تنظيم عسكري عقائدي مسيّس يستلهم التجربة الإيرانية في نسختها اللبنانية التي يقودها «حزب الله» الأكثر تأثيرا وصيتا بسبب اتكائه على مفهوم المقاومة وسمعته الجيدة في المنطقة لدى الإسلام السياسي السني الذي اقترب كثيرا منه في حرب 2006، لكن ذلك كان بعد سنة من طرح الحوثيين لقائدهم الشاب الجديد عبد الملك الحوثي الأخ الأصغر لحسين الرمز المغدور في نظر الحوثيين، بعدها بسنتين اندلعت الحرب الرابعة في تأكيد على أن حالة الغليان اليمنية التي يغفل عنها العالم لم تأتِ في يوم وليلة، بل كانت سياقا لجدلية وصراعا على الشرعية في الشمال اليمني يقابلها انفصال بطيء عن جسد الدولة الواحدة في الجنوب، وتعملق للإسلام السياسي ودخول القاعدة بمنتجها «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» القابع في المناطق الجنوبية الذي يستغل تلك الحروب بين الحوثيين والدولة في تعزيز مناطقه وإعادة الحشد والاستقطاب على اعتبار أن قضيته الأساسية ليست اليمن، وإنما استهداف المصالح الغربية في المنطقة ومحاولة التأثير على الاستقرار السعودي.
ورغم أن صراع الحكومة والحوثيين كان على إعادة تعريف «اليمن» الواحد، فإنه كان يتخذ شعارات وأسبابا مختلفة من حماية الدولة إلى الحرب على محاولات الانفصال وصولا إلى حماية الأقلية اليهودية في صعدة التي اتهم الحوثيون بأنهم من وقف وراءها.
وبعد أقل من سنة تحولت الحروب بين الدولة والحوثيين إلى مواجهات ذات طابع «تكسير العظم» تجاوزت منطقة صعدة لتمتد إلى مناطق يتقاسمها الطرفان، لكن يدين غالب أهلها بالمذهب الزيدي التقليدي، فبينما تحاول الدولة استقطاب ما تبقى من الزيدية التي تحولت إلى ما يشبه الهوية القبلية، وبين محاولات عبد الملك الحوثي وأنصار الله والشباب المؤمن إلى استقطاب تلك البقية الباقية التي تقبع في مناطق قريبة جدا من صنعاء العاصمة. لم تعلن الحكومة اليمنية لأسباب تتصل بطبيعة نظامها السابق الذي قاده علي صالح ببراغماتية شديدة وذكية، لكنها ذات طابع ابتزازي لم تعلن عن علاقة الحوثيين بإيران إلا بعد الحرب السادسة في منتصف 2009 التي أعلنت الدولة آنذاك عن مخابئ للسلاح كبيرة جدا يملكها الحوثيون، لكن تم اكتشاف أنها إيرانية الصنع ولم تحو الأسلحة الخفيفة، بل شملت صواريخ قصيرة المدى ومدافع رشاشة، وحصلت أزمة السفينة الإيرانية الشهيرة التي كشفت للعالم وجها جديدا للنزاع اليمني ودخول إيران على الخط.

* استهداف السعودية
* الانكشاف الإيراني في صعدة عقب الحرب السادسة قاد الحوثيين إلى الذهاب إلى أبعد من ذلك، واستعراض قوتهم واستهداف السعودية في خطأ استراتيجي سيكلف الحوثيين لاحقا كشف مخططاتهم الصريحة باستنساخ تجربة «حزب الله» في لبنان، وإعادة موضعتها في اليمن، فكانت خطة التنظيم استدراج السعودية في المعركة السابعة بعد الاعتداء على الحدود السعودية، ولاحقا التمركز في جبل الدخان القابع على الحدود في إشارة إلى جرأة الحوثيين على ملف الحدود المتفق عليها، لكن اللعب كقوة مستقلة عن الدولة اليمنية قادرة على خلط الأوراق، لكن التصدي السعودي القوي الذي رافقه مساندة لا محدودة للدولة اليمنية التي كانت تعيش لحظة انهيار محقق ما بعد الربيع العربي، وخروج حزب المؤتمر، وعلي عبد الله صالح، من اللعبة السياسية ظاهريا، لكن الانغماس في الشأن اليمني أكثر فأكثر وإعلان نفسه زعيما حتى بعد رحيله، قادر على التحالف مع مكونات المجتمع اليمني السياسية والتأثير عليها وبها على المنطقة والإقليم.
في مارس 2014 وقعت حرب عمران التي ولدت بسبب انهيار الدولة اليمنية وتحول الجيش اليمني إلى جيش مفروز قبليا وطائفيا؛ مما ساهم في اختراقات كبيرة وواسعة وتحول الجيش إلى مجرد ألوية ومدرعات تتبع قوى يمنية مسيطرة على المشهد اليمني، وهو ما فتح شهية أنصار الله إلى التقدم نحو صنعاء على اعتبار أن التاريخ اليمني الحديث برمته يطبخ في العاصمة المركزية، فكما قيل قديما من يمسك بزمام صنعاء يقود اليمن كيفما أراد.
الحرب السابعة كانت إعلانا مبدئيا باستقلال الحوثي الجديد عن الجسد السياسي اليمني وارتهانه إلى ما بات يعرف ب«الهلال الشيعي» الذي يعكس حالة التمدد السياسي لإيران في المنطقة عبر أذرعتها الآيديولوجية التي تزداد قوة يوما بعد يوم بسبب الانشغال بما بعد الربيع العربي، وظهور موجات عنف للإرهاب السني يخلق حالة فراغ على المشهد، وينتج تحدياته الخاصة على الأنظمة السياسية المحاصرة بدوائر الإرهاب والعنف والمعارضة السياسية إضافة إلى تجارب استنساخ أحزاب عقائدية على طريقة «حزب الله» وأنصار الشريعة أو حتى إيجاد منافذ عبر مشاريع إغاثية وتعليمية في مناطق جديدة من أبرزها القرن الأفريقي.

* الاستقواء بإيران
* المفارقة عدم استقواء الحوثيين بإيران ظاهريا في محاولة ذكية لإنتاج أنفسهم جزءا من نسيج المجتمع الزيدي اليمني؛ بحيث لا يجري الالتفات لهم من قبل المجتمع الدولي والأنظمة الإقليمية وجيران اليمن المكترثين بأمره، بينما يقدمون أنفسهم في الداخل بوصفهم حماة للهوية الزيدية، وفي الوقت ذاته يستلهمون تجربة «حزب الله» بكل مفرداتها مع تواصل مباشر مع كل القوى السياسية، لا سيما الاشتراكيون والناصريون الذين يرون التعامل مع الإسلام السياسي الشيعي جدوى أكثر من نظيره السني الذي يعاني من أزمة فهم التعددية السياسية، وما يمكن تسميته اليقين السياسي المبني على شرعية الشارع المطلقة.
خرج الحوثيون من عباءة الآيديولوجيا الضيقة إلى رحاب التحالف مع القوى السياسية باعتبارهم ندا لا يستهان به تنظيميا وعسكريا بعد 7 معارك لم يستطع النظام ولا «الإصلاح» والميلشيات المتحالفة مع القاعدة وجماعات التطرف بقيادة علي محسن الأحمر، الأخ غير الشقيق لعلي عبد الله صالح، الذي تعزى له أدوار كبرى في المهمات القذرة بين المكونات السياسية المختلفة، مجابهتهم.. لكنه عاد فاستغل لحظة الربيع لينقلب على كل رفاق الأمس.
السؤال الذي يطرحه تمدد الحوثيين باتجاه صنعاء ثم احتلالها بشكل أقرب إلى المسرحية الهزلية، هو ذات السؤال الذي جرى طرحه مع «داعش»، لماذا تتغلغل هذه القوى ذات العدد والعدة الأقل من جيوش الدول النظامية بهذه السرعة؟ ولماذا تنهار العواصم العربية أمام تلك الميليشيات؟
من الصعب حقا الإجابة الوثوقية على سؤال بهذا الحجم يفترض معرفة الأسباب والدوافع غير المعلنة للمكونات السياسية داخل اليمن أو حتى في الأقطار التي سقطت سريعا، لكن يمكن القول: إن عددا كبيرا من القوى الفاعلة على الأرض لا تتدخل إلا حين تمس مصلحتها الخاصة، كما أن «إطلاق اليد» الذي تلعبه الأنظمة السياسية لمجموعة مسلحة متطرفة على حساب مجموعة أخرى ودعمها لتصفية الخصوم بهذه الطريقة، أصاب بنية الجيوش النظامية بانهيارات وانكسارات عميقة.
في الحالة اليمنية تكمن الإشكالية في تعدد الجبهات المفتوحة أمام النظام السياسي غير المستقر والمشدود تارة إلى النظام السابق بما يحمله من قوة وثقل على الأرض، فالدولة اليمنية لا تسيطر على ما بات يعرف بالحراك الجنوبي، وهو تيار ضخم بداخله مجموعات صغيرة تهدف إلى تقويض الوحدة اليمنية ولو في شكلها الظاهري، وتطالب بالانفصال عن اليمن، كما تواجه القاعدة في مناطق أبين وما حولها، في الوقت ذات الذي ترقب فيه تمدد الحوثيين حتى قبل وصولهم إلى صنعاء.
القتال على طريقة العصابات تبرع فيه كل المكونات المسلحة في الداخل اليمني، وكان عنصر تفوق الدولة عادة هو سلاح الجو كما كان ملاحظا في الحرب السابعة مع الحوثيين.
لكن الأكثر أهمية هو غياب مرجعية سنية مؤثرة وبارزة لا سيما بعد تراجع شعبية حزب الإصلاح، وتشرذم التيارات السلفية وخروجها من مشهد التأثير السياسي رغم براعتها في التمدد على المستوى الاجتماعي حتى في مناطق الشمال.
إضافة إلى أن هناك تحالفات كبيرة بين التيارات المناوئة للسلفيين والإصلاح كالتيارات الزيدية التقليدية والتيارات المتصوفة وحتى فلول العائدين من أفغانستان الذين لا يرون في الإصلاح مظلة آيديولوجية فكرية يمكن العمل من خلالها.
الأهم أيضا هو أن حزب الإصلاح يمر بتحولات عميقة كما هو الحال لكثير من تجليات الإسلام السياسي في نسخته الإخوانية، فهي أحزاب مترهلة تعاني من عقدة التمييز الحركي، لكنها الآن تعيد أكثر لحظاتها ضعفا بسبب تحول قياداتها إلى كتلة معارضة نخبوية منفصلة عن الشارع الذي ما زال تحت لحظة ارتباك ما يجري.
وفي تضاعيف الأزمة الحوثية هناك مجال واسع للحديث عن تحالفات غير معلنة من قبل النظام السابق وأنصاره ساهمت في تمدد أنصار الله حتى لحظة الوصول إلى صنعاء، وإن كانت قد تركزت من حيث الدعم وإطلاق اليد في منطقة عمران.
الحوثيون تلقوا إشارات ارتباك المشهد اليمني وضعف الحكومة الحالية، فقدموا أنفسهم ثوارا من أجل الخبز والحرية، ومن هنا استطاعوا النفاذ إلى مجموعات كبيرة من عامة الشعب اليمني غير المسيس، ولا الطائفي، عبر برامج مجتمعية وإغاثية كبيرة، كما أنهم على مستوى النخب قاموا بجولات تعريفية والتقوا عددا كبيرا من الإعلاميين والصحافيين المناوئين للإسلام السياسي وحزب الإصلاح وأداء الحكومة الحالية التي لم تفعل سوى تعميق الأزمات بصمتها وترددها بل هناك مؤتمرات وورش عقدت برعاية من «حزب الله» في لبنان خلال السنوات الماضية.

* شعارات مستهلكة
* قامت فكرة «أنصار الله» على إعادة إنتاج شعارات الثورة الإيرانية و«حزب الله»، بل وإصباغ ذلك بنكهة المقاومة ومحاولة التركيز على قضية فلسطين والمظلومية التي تجد طريقا أسرع إلى قلوب العامة.
«الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، النصر للإسلام» الشعار الذي يفاجئك في كل مكان على السيارات وجدران البيوت وعلى لوحات الإعلان وفي كل مكان فيما يشبه الاحتلال الرمزي المفاهيمي والحضور الطاغي على طريقة حملات العلاقات العامة، وفي المحصلة لم يمت أميركي واحد بسبب الحوثيين، بل مئات الأبرياء اليمنيون في الشارع الذين قذفهم القدر أمام مرمى حرب العصابات أو المافيات السياسية، فاللعنات التي يطلقها أنصار الله من الحوثيين لا تصيب إلا اليمنيين الذين ذهبوا وقودا لحرب الارتزاق السياسي.

* شرارة الانطلاق
* بداية الـتسعينات كانت انطلاقة شرارة انتقال الحوثيين من تيار زيدي مناطقي لا يسعى إلى أبعد من التمدد في منطقة صعدة التي تشكل عمقه الاستراتيجي لولا مناوشات السلفيين هناك، لكن بلدة «مران» في محافظة صعدة شهدت ولادة تنظيم جديد على خطى «حزب الله» استطاع خلال عقدين منا لزمان الإطاحة برأس النظام السابق من خلال التحالف مع المكونات السياسية الأخرى ومنها الإصلاح، ثم وقف على قدميه بمشاركته في الحوار الوطني 2013 الذي أقيم في مارس وهدف إلى إعادة ترتيب موازين القوى ما بعد الربيع العربي.
البداية التنظيمية لم تكن ذات بال أو لتلفت أحدا أن هذه المجموعة الحوثية المنشقة عن الزيدية يمكن أن تفعل كل هذا، فأنصار الله الحوثيين كانت مجرد مجموعة شبابية تشكلت في منتدى الشباب المؤمن الذي عقد 1992 على يد «محمد عزان» و«محمد بدر الدين الحوثي» لينهار المنتدى ويظفر حسين بدر الدين الحوثي قتل في حرب 2004 المتشرب لتجربة «حزب الله» بهذه المجموعة ويقرر تكوين تنظيم جديد يحمل اسم «الشباب المؤمن» ثم أنصار الله لاحقا، ويضطر إلى ترك منصبه في البرلمان اليمني بصفته نائبا عن محافظة صعدة، في الوقت ذاته يتعاظم دور والده بصفته مرجعية دينية كبرى بعد ضمور واضمحلال دور الزيدية التقليدية التي غاب دورها كما غاب تأثير أبرز رموزها مجد الدين المؤيد.
النظام السابق ساهم في إطلاق يد المجموعات والجماعات الشيعية الزيدية الصغيرة، لإيقاف تعاظم دور حزب الإصلاح الإخواني الذين رأى نفسه شريكا في الحكم والوحدة بعد أدواره الكبيرة التي لعبها في حرب الانفصال والوحدة، وظهرت تنظيمات مثل «الحق» و«اتحاد القوى الشعبية».
في نهاية 2001 انقلب حسين الحوثي على «تنظيم الشباب المؤمن» وأعلن رفض منهجه وأهدافه، وجعل من محاضراته منهجا ثوريا انقلابيا على طريقة الخميني وسيد قطب في استنباط معان انقلابية ثورية من القرآن الكريم مباشرة فيما يشبه الإحلال المفاهيمي للفكر الزيدي.
تجاوز «حسين الحوثي» الهادوية الزيدية ليقترب من ولاية الفقيه على الطريقة الإيرانية أو ما يعرف بالتشيع السياسي فيكفر بالنظام الجمهوري والدستور اليمني وينفصل عن مرحلة الارتباط بالأئمة الذين حكموا البلاد لعقود.

* صوب طهران
* من المتوقع جدا أن يكون لتأثير الثورة الإيرانية الخمينية أدوار بارزة في اليمن منذ الـثمانينات، وتشير تقارير كثيرة إلى أن نقطة العبور لليمن كانت مبكرة في عام 1982 على يد فقيه زيدي بارز هو العلامة صلاح فليتة في محافظة صعدة الذي أنشأ على إثر ذلك اتحاد الشباب 1986 ودرست فيه مواد عن الثورة الإيرانية ومبادئها.
إلا أن الانفصال عن الجسد اليمني تأخر حتى 1990 بسبب إعادة التغلغل عبر الدستور الجديد لليمن الذي يكفل التعددية السياسية وحق الأحزاب في الإعلان عن نفسها، وهو ما طبّق على مصطبة الفرز الطائفي والحركي في كل التجارب العربية، واستفادت حركة الحوثيين التي كانت تعمل قبل ذلك بشكل سري من الانفتاح السياسي، وبزوغ نجم «حسين الحوثي» لتكرار تجربتها فانسلت حركات وتيارات محسوبة على الإسلام السياسي الشيعي أو الزيدي مثل حزب الثورة الإسلامية، و«حزب الله»، وحزب الحق، واتحاد القوى الشعبية اليمنية.
التمدد السياسي والنديّة التي ظهر عليها أنصار الله في مؤتمر الحوار الوطني مارس 2013 كانت كفيلة لتجاوز مرحلة الحوثية المبكرة ودخول أنصار الله بصفته طرفا سياسيا مستقلا يقارع بقية الأحزاب ويطمح للتحول إلى مظلة كبرى للإسلام السياسي الشيعي في اليمن، ومن هنا نشأت بنية تحتية للحوثيين في صعدة فيما يشبه الدولة المستقلة المنفصلة، وأنشأت معسكرات تدريب على مستوى عال مكنت الحوثيين من الصمود طيلة الحروب الـ7، كما مكنته من إحكام السيطرة على عمران ومنها اتجه نحو صنعاء.



مصر وقطر تدعوان إلى سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية في غزة

رئيس الوزراء القطري خلال حديثه في منتدى الدوحة السبت (الخارجية القطرية)
رئيس الوزراء القطري خلال حديثه في منتدى الدوحة السبت (الخارجية القطرية)
TT

مصر وقطر تدعوان إلى سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية في غزة

رئيس الوزراء القطري خلال حديثه في منتدى الدوحة السبت (الخارجية القطرية)
رئيس الوزراء القطري خلال حديثه في منتدى الدوحة السبت (الخارجية القطرية)

دعت مصر وقطر، السبت، إلى سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية وتمكينها من أداء ولايتها في قطاع غزة.

وخلال لقاء عقده رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن، مع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، على هامش انعقاد «منتدى الدوحة»، في العاصمة القطرية، السبت، أكد المسئولان أهمية مواصلة الجهود الرامية لتنفيذ اتفاق شرم الشيخ للسلام بمراحله كافة، وتثبيت وقف إطلاق النار ومنع أي خروقات، إلى جانب التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2803، فضلاً عن سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية وتمكينها من أداء ولايتها.

كما شدد الوزيران على أهمية ضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق، ودعم خطوات التعافي المبكر وإعادة الإعمار.

وفي كلمته خلال افتتاح «منتدى الدوحة»، أكد رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن اتفاق غزة لم يطبَّق بالكامل، مشيراً إلى استمرار التفاوض لرسم المسار المستقبلي للمرحلة التالية.

وقال آل ثاني إن التحديات التي تشهدها المنطقة ليست معزولة عمَّا يشهده العالم من تراجع احترام القانون الدولي.

وأضاف أن «العدالة باتت في كثير من الأحوال غائبة عن مسار القانون الدولي»، مشيراً إلى أن الحلول العادلة وحدها هي التي تصنع السلام المستدام في العالم.

ولفت إلى أن «العالم لا يحتاج إلى مزيد من الوعود، بل يحتاج إلى عادلة تترجم الأقوال إلى أفعال»، مؤكداً أن «غياب المساءلة أحد أخطر مظاهر الاختلال في النظام الدولي الحالي».

وفي حديثه عن الوساطة، شدد على أنها ليست رفاهية سياسية، بل منهج راسخ لدولة قطر، معرباً عن إيمان الدوحة بأن العدالة ليست غاية سياسية فحسب، بل ركيزة أساسية لصون القانون الدولي.

معبر رفح وتهجير الفلسطينيين

وخلال مشاركته في جلسة بعنوان «محاسبة غزة: إعادة تقييم المسؤوليات العالمية والمسارات نحو السلام»، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، التزام بلاده بمواصلة جهودها مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية لتثبيت وقف إطلاق النار، ودعم مسار يُفضي إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية قائمة على مرجعيات الشرعية الدولية، وبما يحقق الأمن والاستقرار ويحفظ الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

وقال عبد العاطي إن «تثبيت وقف إطلاق النار يمثل أولوية قصوى، بوصفه المدخل الضروري للانتقال المنظَّم إلى المرحلة الثانية من خطة الرئيس ترمب للسلام». وأوضح أن هذه المرحلة تتطلب إدخال المساعدات الإنسانية بشكل كافٍ ودون عوائق، والبدء في جهود التعافي المبكر وإعادة الإعمار، بما يخفف من حدة المعاناة ويعيد الأمل لسكان القطاع.

وشدد الوزير عبد العاطي على أن معبر رفح يعمل بشكل متواصل من الجانب المصري، وأن المشكلة تكمن على الجانب الإسرائيلي الذي يغلق المعبر من جانبه، فضلاً عن تحكمه في خمسة معابر أخرى تربطه بقطاع غزة، يتحمل مسؤولية فتحها.

ولفت إلى أن خطة الرئيس ترمب تنص على إعادة فتح معبر رفح في الاتجاهين، وليس استخدامه في اتجاه واحد، أو استخدامه بوابةً لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، أو ربطه بأي ترتيبات تمس الوجود الفلسطيني في القطاع.

وبعد لقاء بين وزيري خارجية قطر ومصر على هامش «حوار الدوحة»، ذكر المتحدث باسم الخارجية المصرية تميم خلاف، في بيان صحافي، أن الوزير عبد العاطي أكد الحرص على مواصلة التنسيق الوثيق مع دولة قطر في مختلف القضايا الإقليمية، والبناء على العلاقات الثنائية المتنامية بما يخدم مصالح الشعبين ويدعم جهود تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

وانطلقت في العاصمة القطرية، النسخة الـ23 لـ«منتدى الدوحة 2025» بحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ومشاركة رؤساء دول وخبراء ودبلوماسيين وحضور رفيع المستوى من مختلف أنحاء العالم. وتقام جلسات المنتدى تحت شعار: «ترسيخ العدالة... من الوعود إلى الواقع الملموس».

اتفاق غزة لم يطبَّق

وخلال مشاركته في إحدى جلسات المنتدى، قال رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري إنه لا يمكن اعتبار أن «هناك وقفاً كاملاً لإطلاق النار في غزة إلا بانسحاب إسرائيل من القطاع»، مؤكداً «استمرار التفاوض لرسم المسار المستقبلي للمرحلة التالية».

ولفت إلى أن الجهود التي بُذلت للتوصل إلى وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مطلوبة لمرحلتي الاستقرار وتأسيس دولة فلسطين، قائلاً: «نحن في مرحلة مفصلية ولم يطبَّق الاتفاق بشأن غزة فيها بالكامل».

وأضاف أن بلاده تؤمن بأن لديها دوراً في استقرار المنطقة والعالم، وتطمح لحل النزاعات بالوساطة.

فوارق الوساطة

أوضح رئيس الوزراء القطري أنه لا يمكن مقارنة جهود الوساطة بين الولايات المتحدة وأفغانستان بالوساطة بين إسرائيل وحركة «حماس»، مبيناً أن التحدي في جهود الوساطة الأخيرة يتمثل في أن الولايات المتحدة الأميركية بصفتها أحد الوسطاء، كانت تتحدث فقط مع طرف واحد وهو الطرف الإسرائيلي، غير أنها بدأت بعد ذلك الانخراط بالتحدث إلى الجانبين، وهو ما ساعد على إحداث اختراق في المفاوضات والتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وقال: «لكننا لا نعدّه وقفاً كاملاً لإطلاق النار، إلا إذا انسحبت القوات الإسرائيلية بشكل كامل وتحقق الاستقرار في القطاع، وأصبح بإمكان الناس الدخول والخروج دون عوائق على أرض الواقع».

ونبه رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري إلى أن الصراع لا ينحصر في قطاع غزة وحده بل يمتد ليشمل الضفة الغربية، وتطلعات الشعب الفلسطيني لبناء دولته، معرباً عن أمله في تعاون الحكومة الإسرائيلية على تحقيق ذلك.

وحذر الوزير القطري من عودة التطرف في غياب المحاسبة، وقال: «ما لمسناه وجرَّبناه على مر العامين الماضيين، هو أنه في حال غياب المحاسبة وفي حال غياب الإنفاذ، فإن الأمور ستبقى على حالها، وسوف نبقى رهائن في أيدي المتطرفين، وهذا ما نريد أن نتفاداه، وقد شهدنا ولاحظنا أن الجهود التي بذلناها جميعاً لكي نتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار كانت ضرورية ومطلوبة أيضاً للمرحلة الثانية، لإرساء الاستقرار، بينما تكون المرحلة الثالثة هي تأسيس الدولة الفلسطينية».

وحذر من أنه «في حال تمكنت هذه الأجندة المتطرفة من أن تكون لها الغلبة على جهودنا الجماعية في المجتمع الدولي فعلى الجميع أن يقر بأن هناك خطأ ما في الهيكلية أو البنية التي نعمل معها»، معرباً عن اعتقاده بأن الدور الأميركي هو دور رئيسي في هذا السياق، لأن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية الإنفاذ لكي تضع هذا الحل على المسار الصحيح.

ودعا في إجابة عن سؤال، إلى البناء على المصالح المشتركة لأطراف النزاع كأساس لأي مفاوضات لإرساء السلام والاستقرار، مع أهمية الدبلوماسية الاقتصادية في هذا السياق، لإحداث الازدهار والرخاء الاقتصادي أيضاً.


خبراء وسياسيون: الملف اليمني يشهد تحولات... ويحتاج لحل سياسي

جانب من الجلسة التي شهدت حديثاً عن الملف اليمني في الدوحة السبت (قنا)
جانب من الجلسة التي شهدت حديثاً عن الملف اليمني في الدوحة السبت (قنا)
TT

خبراء وسياسيون: الملف اليمني يشهد تحولات... ويحتاج لحل سياسي

جانب من الجلسة التي شهدت حديثاً عن الملف اليمني في الدوحة السبت (قنا)
جانب من الجلسة التي شهدت حديثاً عن الملف اليمني في الدوحة السبت (قنا)

ركَّزت الجلسة الحوارية الرئيسية التي شهدها اليوم الأول من «منتدى الدوحة» على تطورات جهود حلّ الأزمة اليمنية، وبحث أبرز التحديات التي تعيق الوساطة وتقوِّض عملية السلام. وعدّ متحدثون في الجلسة الحوارية أن اليمن أمام مفترق طرق بين معوقات سياسية في ظل إعادة تشكيل الإقليم.

وحملت الجلسة الحوارية، التي عُقدت يوم السبت، عنوان: «الوساطة في النزاعات وبناء السلام والقانون الدولي والمساءلة». وشهدت مشاركة الدكتور شائع محسن الزنداني وزير الخارجية وشؤون المغتربين اليمني، وهانس غروندبرغ المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، والدكتور عبد العزيز صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، وماجد المذحجي، رئيس مركز صنعاء للدراسات.

تحدث المشاركون خلال الجلسة، عن أبرز المعوقات التي تواجه الملف اليمني اليوم، والذي يشهد تحولات هائلة، وتحديداً بعد حرب غزة الأخيرة، مشددين على أن التعاطي مع اليمن يحتاج لتفكير عميق، وليس الاكتفاء بالتعاطي مع الأحداث الآنية ووليدة اللحظة.

العملية السياسية

أكد المتحدثون أهمية إيجاد الحل السياسي لإنهاء الصراع اليمني، والذي يحتاج لوقف عملية إطلاق النار، ليتم بدء العملية السياسية التي يبدأ الأطراف خلالها بمناقشة كيفية معالجة هذه الصراعات وصولاً إلى حل دائم.

وأوضحوا أن معالجة أبعاد الصراع في اليمن تستدعي مقاربة سياسية شاملة، تبدأ بإرادة حقيقية لدى الأطراف للوصول إلى تسوية دائمة، لافتين إلى أن أي عملية سياسية ذات جدوى لا بد أن تُبنى على حوار شامل يضم مختلف القوى الفاعلة، بما في ذلك المكونات السياسية والاجتماعية والمعارضة الداخلية؛ لضمان تمثيل واسع يرسّخ شرعية أي اتفاق مستقبلي.

وأشاروا إلى أن استمرار غياب الحل السياسي يعني استمرار دوامة الصعوبات والتوترات، ما يجعل الحاجة ملحة لخطوات عملية تعيد الأطراف إلى طاولة التفاوض.

وتطرقوا إلى أبرز الأبعاد الاقتصادية للصراع، التي أصبحت جزءاً أساسياً من ملف الحل، مبينين أن معالجتها تتطلب توافقاً حول برامج إنعاش اقتصادي وإصلاحات عاجلة تسهم في تخفيف المعاناة وتحسين الاستقرار.

الشراكة والتعقيدات

شدد الخبراء على أن إنجاح العملية السياسية يستوجب إشراك مجموعة واسعة من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، وتقديم الدعم للمشاركين بما يمكّنهم من تجاوز الخلافات وبناء أرضية مشتركة.

ولفتوا إلى أن أي حل مستدام ينقذ مستقبل اليمن لن يتحقق ما لم تؤخذ بالاعتبار تعقيدات المشهد اليمني وتوازنات القوى ومعارضة بعض المجموعات، وهو ما يتطلب جهداً منظماً وإرادة سياسية صادقة.

وخلال الجلسة، استعرض المشاركون عدداً من الأحداث والحقبات والمراحل الزمنية التي مرت على اليمن، مؤكدين أن هناك تعقيدات وتحديات تحتاج إلى تفكير عميق للولوج إلى حل سياسي يعيد البناء من جديد.


انشغال عربي بمنع تهجير الفلسطينيين عبر معبر رفح

أطفال فلسطينيون يبكون خلال حضور جنازة أشخاص قُتلوا في خان يونس (أ.ف.ب)
أطفال فلسطينيون يبكون خلال حضور جنازة أشخاص قُتلوا في خان يونس (أ.ف.ب)
TT

انشغال عربي بمنع تهجير الفلسطينيين عبر معبر رفح

أطفال فلسطينيون يبكون خلال حضور جنازة أشخاص قُتلوا في خان يونس (أ.ف.ب)
أطفال فلسطينيون يبكون خلال حضور جنازة أشخاص قُتلوا في خان يونس (أ.ف.ب)

أكدت مصر رفض «تهجير الفلسطينيين» من خلال معبر رفح، وذلك بعد ساعات من موقف مماثل عبَّرت عنه دول عربية وإسلامية رفضت «التصريحات الإسرائيلية بشأن فتح معبر رفح في اتجاه واحد لإخراج سكان قطاع غزة إلى مصر». وبينما تناولت مشاورات بـ«منتدى الدوحة»، السبت، «ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة ودخول المرحلة الثانية من الاتفاق». توافقت قطر ومصر على سرعة تشكيل «قوة الاستقرار الدولية».

وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي خلال «منتدى الدوحة»، السبت، إن «معبر رفح لن يكون بوابةً لتهجير الفلسطينيين، بل فقط لإغراق غزة بالمساعدات الإنسانية والطبية».

وكان من المقرر فتح معبر رفح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي بدأ سريانه في الشهر ذاته، غير أن إسرائيل أبقته مغلقاً في كلا الاتجاهين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قائلة إنه على «حماس» الالتزام بإعادة الرهائن جميعاً، الذين لا يزالون في غزة، الأحياء منهم والأموات.

وأعربت المملكة العربية السعودية ومصر والأردن والإمارات وإندونيسيا وباكستان وتركيا وقطر، مساء الجمعة، عن بالغ القلق إزاء التصريحات الإسرائيلية بشأن فتح معبر رفح في اتجاه واحد لإخراج سكان قطاع غزة إلى مصر.

وشدَّد وزراء خارجية الدول الـ8، في بيان، على «الرفض التام لأي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه».

وأكدوا «ضرورة الالتزام الكامل بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وما تضمَّنته من فتح معبر رفح في الاتجاهين، وضمان حرية حركة السكان، وعدم إجبار أي من أبناء القطاع على المغادرة، بل تهيئة الظروف المناسبة لهم للبقاء على أرضهم، والمشاركة في بناء وطنهم، ضمن رؤية متكاملة لاستعادة الاستقرار وتحسين أوضاعهم الإنسانية».

وشكَّل معبر رفح بُعداً جديداً للتوتر بين مصر وإسرائيل، بعد أن قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في بيان، الأربعاء الماضي، «بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبتوجيه من المستوى السياسي، سيُفتَح معبر رفح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة».

وعلى الفور، نقلت «هيئة الاستعلامات المصرية» عن مصدر مصري مسؤول نفيه ذلك، مؤكداً أنه «إذا تم التوافق على فتح معبر رفح، فسيكون العبور منه في الاتجاهين، للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي للسلام».

وقال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، أخيراً، إن «الجانب الإسرائيلي يحاول تحميل مصر الخطة الإسرائيلية بشأن التهجير، المرفوضة والمدانة مبدئياً من مصر ودول العالم كله، إما بالضغط على الفلسطينيين للخروج قسراً، وإما بتدمير غزة لجعلها غير صالحة للحياة فيخرجون طوعاً»، مؤكداً أن «التهجير سواء كان قسراً أو طوعاً فهو خط أحمر بالنسبة لمصر».

بدر عبد العاطي خلال جلسة «إعادة تقييم المسؤوليات العالمية ومسارات السلام في غزة» على هامش «منتدى الدوحة» (الخارجية المصرية)

وشارك وزير الخارجية المصري، السبت، في جلسة بعنوان «محاسبة غزة... إعادة تقييم المسؤوليات العالمية والمسارات نحو السلام»، على هامش «منتدى الدوحة»، مشيراً إلى أن «معبر رفح يعمل بشكل متواصل من الجانب المصري، والمشكلة تكمن على الجانب الإسرائيلي الذي يغلق المعبر من جانبه، فضلاً عن تحكمه في 5 معابر أخرى تربطه بقطاع غزة، يتحمل مسؤولية فتحها».

ولفت إلى أن خطة الرئيس الأميركي تنص «على إعادة فتح معبر رفح في الاتجاهين، وليس استخدامه في اتجاه واحد، أو استخدامه بوابةً لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، أو ربطه بأي ترتيبات تمس الوجود الفلسطيني في القطاع»، مؤكداً أن «تثبيت وقف إطلاق النار يمثل أولوية قصوى، بوصفه المدخل الضروري للانتقال المنظم إلى المرحلة الثانية من خطة الرئيس ترمب للسلام».

وفيما يتعلق بـ«قوة الاستقرار الدولية»، دعا عبد العاطي إلى نشر «قوة استقرار دولية على الخط الأصفر في قطاع غزة بأسرع وقت ممكن على الأرض، لأن أحد الأطراف، وهو إسرائيل، ينتهك وقف إطلاق النار يومياً، لذا فنحن بحاجة إلى مراقبين».

وبحسب مشروع قرار اقترحته الولايات المتحدة في مجلس الأمن، ستُمنح قوة الاستقرار الدولية «جميع التدابير اللازمة» لنزع سلاح غزة، وتأمين الحدود، ودعم شرطة فلسطينية مدربة، وضمان وصول المساعدات، وحماية المدنيين.

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليونَي فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً.

طفل يقف بموقع قُتل فيه فلسطينيون بغارة إسرائيلية في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وعلى هامش «منتدى الدوحة»، التقى عبد العاطي، رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، السبت، وتطرقت المحادثات بينهما إلى «تطورات الأوضاع الميدانية في قطاع غزة»، حيث أكدا «أهمية مواصلة الجهود الرامية لتنفيذ اتفاق شرم الشيخ للسلام بمراحله كافة، وتثبيت وقف إطلاق النار، ومنع أي خروقات». وشدَّدا على أهمية «التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2803، فضلاً عن سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية وتمكينها من أداء ولايتها، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق، ودعم خطوات التعافي المبكر وإعادة الإعمار».

إلى ذلك دخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة «مرحلة حرجة» بحسب تأكيد الوسيط القطري، وسط خروقات إسرائيلية متكررة والتفاف على بنود خطة الرئيس الأميركي.

منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

وتحدَّث رئيس الوزراء القطري، السبت، خلال جلسة نقاش ضمن فعاليات «منتدى الدوحة» في قطر، عن أن المفاوضات بشأن حرب غزة تمر بـ«مرحلة حرجة»، مؤكداً أن «الوسطاء يعملون معاً لدخول المرحلة التالية من وقف إطلاق النار». كما أكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، خلال «المنتدى» أيضاً، السبت، أن المفاوضات بشأن قوة إرساء الاستقرار في غزة لا تزال جارية، بما في ذلك بحث تفويضها وقواعد الاشتباك.

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير محمد حجازي، قال: «هناك إدراك من الجميع بأن هناك خطراً يتهدد خطة ترمب في ظل تلكؤ إسرائيلي في تنفيذ المرحلة الثانية مما يجعل هناك ضرورة للتنبيه واستدعاء تحرك دولي عاجل لدعم مسار الاتفاق»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أهمية أن تتحرك واشنطن لدعم وجهة النظر العربية حالياً، ووقف أي مناورات إسرائيلية دعماً لاستقرار المنطقة.

في حين أكد أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، الدكتور طارق فهمي، لـ«الشرق الأوسط» أن هناك استشعاراً عربياً، لا سيما من الوسيطَين مصر وقطر، بخطورة ما يتم في غزة، وإمكانية أن يتطور الأمر لما يهدد الاتفاق واستقرار المنطقة، مشيراً إلى أن المطلوب تحرك أميركي أكبر بمواعيد محددة وليس أقوالاً فقط.

وأوضح أن المرحلة الحرجة تأتي في ظل 3 سياقات مهمة مرتبطة بالاتفاق، أولها بدء ترتيبات تشكيل مجلس السلام، وثانيها الضغط على الإدارة الأميركية للتعجيل بالمرحلة الثانية، وثالثاً وقف أي تقدم إسرائيلي للالتفاف على خطة ترمب بخطط بديلة.

في حين يتوقَّع المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن يتحرك الوسطاء نحو تفاهمات أكبر مع واشنطن، لإنهاء منغصات المرحلة الثانية المرتبطة بتشكيل القوات الدولية وصلاحياتها ونزع سلاح «حماس»، وفق رؤية تُنفَّذ على الأرض وليس كما ترغب إسرائيل. وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «توصيف الوسطاء المرحلة الحالية بأنها حرجة، يأتي في ظل استشعارٍ بأن إسرائيل تريد العودة للمربع الأول بعد تسلم رهائنها، وعدم الالتزام بالاتفاق ولا بنوده؛ مما يقوِّض مسار خطة ترمب بالكلية».